جلسة 17 من ديسمبر سنة 2011
الطعن رقم 43197 لسنة 56 القضائية (عليا)
(الدائرة الرابعة)
– تأديب- واجبات العامل- واجب الحفاظ على كرامة الوظيفة- مفهوم هذا الواجب يتحدد بأن ينأى الموظف العام بنفسه في نطاق أعمال وظيفته وخارجها عن التصرفات التي من شأنها المساس بواجبات وظيفته- أي مسلك ينطوي على تهاون أو عدم اكتراث أو عبث ترتد آثاره على كرامة الوظيفة؛ يشكل مخالفة تستوجب المساءلة التأديبية.
– تأديب- مخالفة تأديبية- حسن النية يعد سببا من أسباب تخفيف العقوبة التأديبية، وهذه الأسباب ترجع إلى ظروف تتحقق في شخص المتهم أو حالته، أو تتعلق بوقائع المخالفة أو الجريمة المنسوبة إليه وملابساتها- تخفيف العقوبة مقرر في المجال الجنائي، إلا أنه غير منصوص عليه في المجال التأديبي، وإنما تستلهمه السلطة التأديبية من وقائع المخالفة وظروف المخالف- جسامة العمل المادي المشكل للمخالفة التأديبية يرتبط بالاعتبار المعنوي المصاحب لارتكابها، بحيث لا تتساوى المخالفة القائمة على الغفلة أو الاستهتار بتلك القائمة على عمد.
– المادتان رقما (136) و(165) من قانون السلطة القضائية، الصادر بالقرار بقانون رقم (46) لسنة 1972.
– المادتان رقما (76) و (77) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978.
بتاريخ 24/8/2010 أودع السيد/… المحامي بالنقض والإدارية العليا بصفته وكيلا عن الطاعن تقرير الطعن الماثل قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، وقيد بجدولها برقمه السابق بيانه، وذلك طعنا على قرار مجلس التأديب الصادر عن محكمة الزقازيق القاضي منطوقه بمعاقبة الطاعن بالفصل من الخدمة.
وطلب الطاعن للأسباب الواردة بتقرير الطعن: الحكم بقبول الطعن شكلا، وبإيقاف الحكم الصادر عن مجلس التأديب سالف الذكر بمعاقبته بالفصل من الخدمة، وفي الموضوع بإلغائه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات وأتعاب المحاماة.
وتم إعلان تقرير الطعن على النحو الموضح بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني ارتأت فيه -للأسباب الواردة به- الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا.
وتدوول الطعن أمام دائرة فحص الطعون على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 2/7/2011 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى دائرة الموضوع لنظره بجلسة 22/10/2011، وبها قررت المحكمة إصدار الحكم فيه بجلسة اليوم، وبها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة قانونا.
وحيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الفصل في الموضوع يغني عن الفصل في الشق العاجل من الطعن.
وحيث إنه عن الموضوع فيخلص -حسبما يبين من الأوراق- في أنه قد صدر قرار السيد المستشار/ مدير عام إدارة المحاكم رقم 8176 لسنة 2010 بإحالة الطاعن (الذي كان يعمل أمين سر الدائرة الثانية قسم أول الزقازيق بالإدارة الجنائية بالمحكمة الكلية، ويعمل حاليا موظفا بقسم القيودات) إلى المحاكمة التأديبية؛ لما نسب إليه من أنه خلال عام 2010 سلك مسلكا لا يتفق والاحترام الواجب للوظيفة، بأن وُجد يوم 26/5/2010 بجراج مجمع محاكم بلبيس في انتظار المستشار/ عضو يمين الدائرة الثالثة جنح مستأنف أبو حماد قبل انعقاد جلسة 26/5/2010، وقام بالوساطة لدى سيادته لمصلحة المتهم/… في القضية رقم 12256 لسنة 2010 جنايات بلبيس، المقيدة برقم 217 لسنة 2010، وطلب إخلاء سبيله مستغلا وظيفته كأمين سر سابق، مخالفا بذلك التعليمات وأحكام قانون السلطة القضائية.
وتدوول نظر الدعوى أمام مجلس التأديب، وبجلسة 28/7/2010 صدر القرار المطعون فيه بمعاقبة الطاعن بالفصل من الخدمة، وشيد مجلس التأديب قراره على بلاغ السيد المستشار عضو يمين الدائرة الذي أبلغ رئيس الدائرة، وتم إعداد مذكرة من رئيس الدائرة بذلك تضمنت الوقائع سالفة البيان، وبناء على ما تقدم صدر القرار المطعون فيه.
ولما لم يلق هذا الحكم قبولا لدى الطاعن فقد أقام طعنه الماثل على سند من القول ببطلان الحكم ومخالفته للقانون والواقع وصدوره مشوبا بالقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، هذا إلى جانب عدم التناسب بين المخالفة والعقوبة والغلو في الجزاء، بما يمثل إساءة استعمال للسلطة والتعسف في استعمالها.
وحيث إن قانون السلطة القضائية ينص في المادة (136) على أنه: “فيما عدا ما نص عليه في هذا القانون تسري على العاملين بالمحاكم الأحكام العامة للعاملين المدنيين بالدولة…”.
وينص في المادة (165) على أن: “من يخل من العاملين بالمحاكم بواجبات وظيفته أو يأتي ما من شأنه أن يقلل من الثقة اللازم توافرها في الأعمال القضائية، أو يقلل من اعتبار الهيئة التي ينتمي إليها، سواء كان ذلك داخل دور القضاء أو خارجها تتخذ ضده الإجراءات التأديبية”.
وتنص المادة (76) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 على أنه: “… ويجب على العامل مراعاة أحكام هذا القانون وتنفيذها، وعليه:
1- أن يؤدي العمل المنوط به بنفسه بدقة وأمانة… 2-…
3- أن يحافظ على كرامة وظيفته طبقا للعرف العام، وأن يسلك في تصرفاته مسلكا يتفق والاحترام الواجب. …”.
وتنص المادة (77) على أنه: “يحظر على العامل:
1- مخالفة القواعد والأحكام المنصوص عليها في القوانين واللوائح المعمول بها. …”.
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الموظف العام مطالب في نطاق أعمال وظيفته وخارجها أن ينأى بنفسه عن التصرفات التي من شأن ما يعكسه إتيانه لها من آثار على الوظيفة العامة أن تجعله مرتكبا لمخالفات واجبات هذه الوظيفة، ومن بين هذه الواجبات: ألا يسلك الموظف خارج الوظيفة مسلكا يمس كرامة الوظيفة، وأن أي مسلك ينطوي على تهاون أو عدم اكتراث أو عبث ترتد آثاره على كرامة الوظيفة يشكل ذنبا إداريا يستوجب المساءلة التأديبية.
وحيث إنه عن المخالفة المنسوبة إلى الطاعن من أنه وُجد يوم 26/5/2010 بجراج محكمة بلبيس في انتظار السيد المستشار/… عضو اليمين بالدائرة الثالثة جنح مستأنف أبو حماد صباح انعقاد جلسة 26/5/2010 المنظور فيها أمر تجديد حبس المتهم/… في القضية رقم 12256 لسنة 2010 جنايات بلبيس، وطلب من السيد المستشار عضو اليمين الوساطة لإخلاء سبيل المتهم المذكور أعلاه، فإن هذه المخالفة ثابتة في حق الطاعن ثبوتا يقينيا من واقع المذكرة المعدة بذلك من السيد المستشار رئيس المحكمة ورئيس الدائرة الثالثة جنح مستأنف أبو حماد ومذكرة الشئون القانونية ومحضر التحقيق رقم 433 لسنة2010 تحقيقات محكمة الزقازيق، مستغلا وظيفته كأمين سر سابق للدائرة التي كان يعمل بها السيد عضو اليمين للمحكمة، لاسيما أن الطاعن عند مواجهته بالتحقيقات بما نسب إليه على الرغم من إنكاره إلا أنه لم يذكر سببا مقبولا لوجوده في الجراج في ذلك اليوم، وذكر في التحقيقات عدة أسباب متناقضة، بما يؤكد إتيانه بالفعل المنسوب إليه وثبوته في حقه ثبوتا يقينيا يستوجب مجازاته عنه تأديبيا.
وحيث إنه ولئن كانت المخالفة المنسوبة إلى الطاعن والثابتة في حقه تستوجب مجازاته تأديبيا، إلا أنه وطبقا لما هو مقرر (من ناحية أولى) من أن حسن النية يعد سببا من أسباب تخفيف العقوبة التأديبية، وتلك الأسباب ترجع إلى ظروف تتحقق في شخص المتهم أو حالته، أو تتعلق بوقائع المخالفة أو الجريمة المنسوبة إليه وملابساتها، ويكون من شأن تلك الظروف أن تجعله مستحقا لهذا التخفيف، وإن كان هذا التخفيف مقررا أيضا في المجال الجنائي، إلا أنه غير منصوص عليه في المجال التأديبي، وإنما تستلهمه السلطة التأديبية من وقائع المخالفة وظروف المخالف، ومن ثم فإن حسن النية متى ثبت قد يكون عنصرا من عناصر تخفيف الجزاء على وفق ما يَقِرُ في ضمير السلطة التأديبية ويستقر في وجدانها، و(من ناحية ثانية): فإن الجزاء التأديبي يجب أن يكون عادلا وملائما ومتناسبا مع خطورة الذنب الإداري، بأن يخلو الجزاء التأديبي من الإسراف في الشدة أو الإمعان في الرأفة، بل يتعين أن يلزم التناسب بين المخالفة التأديبية والجزاء الموقع عنها في ضوء التحديد الدقيق لوصف المخالفة في ضوء الظروف والملابسات المشكلة لأبعادها، ومؤدى ذلك أن جسامة العمل المادي المشكل للمخالفة التأديبية إنما ترتبط بالاعتبار المعنوي المصاحب لارتكابها، بحيث لا تتساوى المخالفة القائمة على الغفلة أو الاستهتار وتلك القائمة على عمد، فلا شك أن الأولى أقل جسامة من الثانية، وهذا ما يجب أن يدخل في تقدير الجزاء التأديبي.
وبناء على ما تقدم، ولما كانت المخالفة المنسوبة إلى الطاعن ثابتة في حقه ثبوتا يقينيا –على النحو السالف بيانه–، إلا أن الحكم المطعون فيه فيما قضى به من معاقبة الطاعن بالفصل من الخدمة قد شابه الغلو وعدم التناسب في ضوء الظروف والملابسات التي أحاطت بالطاعن وبالواقعة المنسوبة إليه، مما يتعين معه القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، وتوقيع الجزاء المناسب حقا وعدلا على الطاعن.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من معاقبة الطاعن بالفصل من الخدمة، والقضاء مجددا بمجازاته بالخفض إلى وظيفة فى الدرجة الأدنى مباشرة.