جلسة 10 من فبراير سنة 2002م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ عادل محمود زكى فرغلى
نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ أدهم أحمد حسن الكاشف، وإبراهيم على إبراهيم، وأسامه محمود عبدالعزيز محرم، ومحمد لطفى عبدالباقى جوده
نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ محمد صالح عبدالوهاب
مفوض الدولة
وسكرتارية السيد/ خالد عثمان محمد حسن
سكرتير المحكمة
الطعن رقم 4372 لسنة 45 قضائية عليا
ـ ضباط ـ الإحالة إلى الاحتياط ـ طبيعته وأحكامه.
المادة (67) من القانون رقم 109 لسنة 1971 فى شأن هيئة الشرطة.
أجاز المشرع إحالة الضابط إلى الاحتياط لأسباب جدية تتعلق بالصالح العام بغرض تنبيهه إلى انهيار سلوكه واعوجاج انضباطه حتى يرجع عن سلوكه ـ أحاط المشرع أمر الإحالة إلى الاحتياط بالنظر إلى طبيعته الاستثنائية بعدة ضمانات، فاستلزم قبل إصدار قرار الإحالة أخذ رأى المجلس الأعلى للشرطة وألا تزيد مدة الإحالة على سنتين، وأن يعرض أمر الضابط قبل انتهاء هذه المدة على المجلس الأعلى للشرطة ليقرر إما إعادته للخدمة، إذا ما تبين أنه قد استقام فى سلوكه واعتدل فى تصرفاته وترجح إعادة تكيفه مع ما تفرضه طبيعة وظيفته من واجبات، أو إحالته إلى المعاش إذا ما تبين أنه لا توجد ثمة فائدة ترجى من ورائها صلاحيته للخدمة ـ تطبيق.
فى يوم الأربعاء الموافق 21/4/1999 أودع تقرير الطعن الماثل قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا طعناً فى الحكم المشار إليه عاليه والقاضى فى منطوقه باعتبار الخصومة منتهية فى الدعوى وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.
وطلب الطاعن ـ للأسباب الواردة بتقرير الطعن ـ الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداً بطلباته الواردة بصحيفة الدعوى التى صدر فيها هذا الحكم.
وتم إعلان الطعن على النحو الموضح بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريراً بالرأى القانونى ارتأت فيه الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من اعتبار الخصومة منتهية فى الدعوى والقضاء مجدداً برفض الدعوى وإلزام الطاعن المصروفات.
ونظر الطعن بجلسة 26/6/2000 أمام الدائرة الثانية فحص بالمحكمة الإدارية العليا والتى أحالته بجلسة 9/10/2000 إلى الدائرة السابعة فحص بذات المحكمة للاختصاص.
وتدوول نظر الطعن أمامها على النحو الثابت بمحاضر الجلسات إلى أن إحالته إلى الدائرة السابعة موضوع بجلسة 2/12/2001، قررت هذه الدائرة إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر بعد أن أودعت مسودته مشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى سائر أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص ـ حسبما يبين من الأوراق ـ فى أنه بتاريخ 11/11/1996 أقام الطاعن الدعوى رقم 1118 لسنة 51ق. أمام محكمة القضاء الإدارى دائرة التسويات والجزاءات، طالبًا الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه رقم 812 لسنة 96 فيما تضمنه من إحالته إلى الاحتياط اعتباراً من 13/7/1996 وفى الموضوع بإلغاء هذا القرار وما يترتب على ذلك من آثار.
وقال شرحاً لدعواه إنه بتاريخ 13/7/1996 أصدر المعلن إليه الأول القرار رقم 812 لسنة 96 متضمناً إحالته إلى الاحتياط للصالح العام. ولما كان هذا القرار قد صدر دون سبب يبرره فقد تظلم منه بتاريخ 2/9/1996 ولكنه لم يتلق رداً على تظلمه فأقام دعواه للحكم له بطلباته سالفة الذكر. علماً بأنه حاصل على تقريرى امتياز فى عامى 95، 1996 إلا أنه قد تم التحقيق معه بتاريخ 13/6/1996 فى واقعه لا تشينه، وتتلخص فى أنه قام ببيع جهاز تليفزيون صغير (14 بوصة) إلى أحد المواطنين نظراً لاحتياج أسرته لتليفزيون أكبر منه ثم فوجئ بصدور قرار من مدير أمن الغربية بمجازاته بخصم خمسة أيام من راتبه، على سند من القول بأنه خرج على مقتضى الواجب الوظيفى، حيث قام بوضع نفسه موضع الشبهات والتقول عليه لارتباطه بعلاقات مع من هم دون مستواه، وقام ببيع تليفزيون للمواطن الأول بدائرة عمله.
وتداولت المحكمة المذكورة نظر الشق العاجل من الدعوى، وبجلسة 11/8/1997 قضت برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وأحالت الدعوى إلى هيئة مفوضى الدولة لتحضيرها وإعداد تقرير بالرأى القانونى فى الموضوع، والتى أودعت تقريراً مسبباً ارتأت فيه الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار.
وبجلسة 22/2/1999 حكمت المحكمة باعتبار الخصومة منتهية فى الدعوى.
وألزمت الجهة الإدارية المصروفات، وشيدت حكمها على أن الثابت من الأوراق أن جهة الإدارة قامت أثناء سير الدعوى بإصدار القرار رقم 930 فى شهر يوليو 98 والذى أودعته حافظة مستنداتها المقدمة بجلسة 23/11/98 وتضمن هذا القرار إعادة المدعى إلى الخدمة العاملة بهيئة الشرطة اعتباراً من 8/7/1998، ولذا لم يعقب المدعى على ذلك فإن الدعوى تصبح غير ذات موضوع لاستجابة الجهة الإدارية لطلباته بإعادته إلى الخدمة مما يتعين معه القضاء باعتبار الخصومة منتهية فيها.
وإذ لم يرتض الطاعن هذا القضاء فقد أقام طعنه الماثل، تأسيساً على أن الحكم المطعون فيه شابه القصور فى التسبيب ذلك أنه لم يتعرض للرد على طلباته المذكورة بصحيفة الدعوى، أو الأضرار التى أصابته من تاريخ إحالته إلى الاحتياط من 13/7/1996 حتى 8/7/98 أى ما يقرب من عامين ظل فيهما محالاً للاحتياط مما أصابه بالعديد من الأضرار ممثلة فى حرمانه من كل راتبه الذى انخفض إلى 185 جنيهاً، وما فقده من ذلك الراتب الذى كان يتقاضاه قبل إحالته إلى الاحتياط وهو مالا يقل عن 700 جنيه شهرياً. فضلاً عن أن إعادته للخدمة بعد عامين يفقده ترقيته ويترتب عليه أن يوضع أمامه عدداً مماثلاً من الضباط قبل ترقيته.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن وزير الداخلية أصدر القرار رقم 812 لسنة 1996 والذى تضمن إحاله الطاعن إلى الاحتياط للصالح العام اعتبارا من 13/7/1996، وقبل أن يفصل فى الدعوى التى أقامها الطاعن لإلغاء هذا القرار أعيد الطاعن إلى الخدمة اعتباراً من 8/7/1998 وإذا كانت عودة الطاعن إلى الخدمة بعد انقضاء مدة إحالته إلى الاحتياط ليس من شأنها إزالة الآثار التى ترتبت على إحالته إلى الاحتياط خاصة فيما يتعلق بمرتبه وعلاواته الدورية خلال مدة الإحالة وترتيب أقدميته عند عودته إلى الخدمة على النحو المبين بالمادتين 69،68 من القانون رقم 109 لسنة 1971 فى شأن هيئة الشرطة. فمن ثَمَّ يظل للطاعن على الرغم من عودته إلى الخدمة مصلحة فى طلب إلغاء القرار المطعون فيه رقم 812 لسنة 96 فيما تضمنه من إحالته إلى الاحتياط مع ما يترتب على ذلك من آثار أهمها اعتبار مدة الإحالة للاحتياط كأن لم تكن.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه وقد قضى باعتبار الخصومة منتهية فى الدعوى فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون وتأويله الأمر الذى يتعين معه القضاء بإلغائه. والتصدى لموضوع الدعوى التى أقامها الطاعن أمام محكمة أول درجة.
ومن حيث إن المادة (67) من القانون رقم 109 لسنة 1971 فى شأن هيئة الشرطة تنص على أنه لوزير الداخلية بعد أخذ رأى المجلس الأعلى للشرطة أن يحيل الضباط ـ عدا المعينين فى وظائفهم بقرار من رئيس الجمهورية ـ إلى الاحتياط، وذلك..
1-بناءً على طلب الضابط أو الوزارة لأسباب صحية تقرها الهيئة الطبية المختصة.
2-إذا ثبتت ضرورة ذلك لأسباب جدية تتعلق بالصالح العام، ولا يسرى ذلك على الضابط من رتبة لواء.
ولا يجوز أن تزيد مدة الاحتياط على سنتين، ويعرض أمر الضابط قبل انتهاء المدة على المجلس الأعلى للشرطة ليقرر إحالته إلى المعاش أو إعادته إلى الخدمة العاملة فإذا لم يتم العرض عاد الضابط إلى عمله ما لم تكن مدة خدمته انتهت لسبب آخر طبقاً للقانون.
وتعتبر الرتبة التى كان الضابط يشغلها شاغرة بمجرد إحالته إلى الاحتياط.
ومن حيث إن المستفاد من هذا النص أن المشرع أجاز إحالة الضابط إلى الاحتياط لأسباب جدية تتعلق بالصالح العام بغرض تنبيهه إلى انهيار سلوكه واعوجاج انضباطه حتى يرجع عن سلوكه. وأحاط المشرع أمر الإحالة إلى الاحتياط بالنظر إلى طبيعته الاستثنائية بعدة ضمانات، فاستلزم قبل إصدار القرار بالإحالة أخذ رأى المجلس الأعلى للشرطة، وأن لا تزيد مدة الاحتياط على سنتين وأن يعرض أمر الضابط قبل انتهاء هذه المدة على المجلس الأعلى للشرطة ليقرر أما إعادته إلى الخدمة العاملة، إذا ما تبين أنه قد استقام فى سلوكه واعتدل فى تصرفاته وترجح إعادة تكيفه مع ما تفرضه طبيعة وظيفته من واجبات أو إحالته إلى المعاش، إذا ما تبين أنه لا توجد ثمة فائدة ترجى من ورائها صلاحيته للخدمة.
ومن حيث إنه لما كان ما تقدم، وكان الثابت من الأوراق أن قرار وزير الداخلية رقم 812 لسنة 96 فيما تضمنه من إحالة الطاعن إلى الاحتياط اعتباراً من 13/7/1996 بعد أخذ رأى المجلس الأعلى للشرطة بجلسته المنعقدة بتاريخ 10/7/1996 والذى رأى الموافقة على إحالة المذكور إلى الاحتياط للصالح العام، استناداً إلى ما ورد فى مذكرة الإدارة العامة للتفتيش والرقابة للوجه البحرى المؤرخة 29/6/1996 بشأن تقييم موقف الطاعن من أنه خريج معهد أمناء الشرطة، وألحق بكادر الضباط من 1/8/1980 وقد وقع عليه عدد 21 جزاء لمخالفات انضباطية ومسلكية تراوحت ما بين الإنذار والخصم من المرتب، وأنه قد رؤى إحالته للاحتياط ومحاكمته تأديبياً حيث صدر القرار الوزارى رقم 409 لسنة 90 بإحالته للاحتياط للصالح العام من 18/12/1990. وأحيل لمجلس التأديب الابتدائى لضباط الشرطة الذى صدر قراره فى 3/3/1991 بمجازاته بخصم ما يوازى أجر شهر من راتبه ثم تعديله إلى خصم 15 يومًا من راتبه، وأعيد للخدمة العاملة من 29/10/92 مع إلحاقه بمديرية أمن الغربية وقد تقدم بالتماس لوزير مجلسى الشعب والشورى لنقله لأحد المناطق القريبة لمسكنه وجوزى عن ذلك بالإنذار.
وتم تقييم موقفه فى غضون عام 1993 فى ضوء ما ورد بتقرير ملاحظاته المؤرخ 18/4/1993 من إشراكه بعض مرءوسيه فى إنهاء وتحرير بعض محاضر المخالفات، وقد تردد فى هذا الصدد استفادة مرءوسيه من وراء ذلك مادياً وعينياً، وتعامله مع المترددين على النقطة بأسلوب غير لائق، وقد ثبت فى حقه مخالفة التعليمات والسلوك المعيب، كما ثبت فى حقه على وجه الخصوص ما يلى:
ضعف إشرافه على أعمال مرءوسيه بالنقطة رئاسته مما ترتب عليه التقول عليهم باستفادتهم مادياً وعينياً من جراء تصرفاتهم.
اختلاطــه المعيب بمــن هــم دون مستـواه وتــردد بعض الأشخاص عليه دون المستوى الإجتماعى مما يسئ إلى وضعه الوظيفى وكرامة الهيئة التى ينتمي إليها.
عدم اتخاذه الإجراء القانونى المناسب حيال بلاغ المواطن/ ……………… بشأن حادث سرقة ماشية من مسكنه وقيده بالوصف القانونى وانصرافه إلى تحرير محضر إثبات حالة فقط فى هذه الواقعة بالشكل الذى يبعدها عن نطاق التأثيم مجاملة لبعض الأشخاص بدائرة النقطة.
عدم قيامه بتنفيذ الأحكام الصادرة ضد المدعو/ ………………. وأفراد أسرته على الرغم من تردد المذكور عليه بمقر عمله. وقد رؤى مجازاته إدارياً وتحريكه من رئاسة نقطة برما التابعة لمركز طنطا. وجوزى فى 2/1/1994 بخصم يوم من راتبه وتم تحريكه إلى قسم الدفاع المدنى والحريق اعتباراً من 25/1/1994.
وبتاريخ 10/6/1996 قيم موقفه فى ضوء ما ورد من معلومات عنه بتقرير إدارة البحث الجنائى بالغربية وتضمن أن الضابط المذكور مازال يخالط المستويات الدنيا والسابق أن أبعد بسببها عن التعامل مع الجمهور ونسب إليه الاستفادة المادية من معاملاته من خلال عمله مما يسئ إلى وضعه الوظيفى، منها على سبيل المثال: تزاوره الأسرى مع كل من ………………….. صاحب محل بقالة بميت حبيش بطنطا ـ وكذا شقيقه/ …………………… نجار مسلح. وكذا قيامه ببيع أجهزة تليفزيون بالقسط للأول، وقد ثبت فى حقه السلوك المعيب لوضع نفسه موضع الشبهات والريب والتقول عليه. وقد رؤى مجازاته إدارياً مع استمرار وضعه تحت الملاحظة.
ومن حيث إنه يبين من سرد المخالفات السابق بيانها التى استندت إليها جهة الإدارة فى إصدار قرارها المطعون فيه، أنها بلغت حداً يكشف عن اعوجاج وتهور فى مسلك الطاعن والاستهانة بما تفرضه عليه وظيفته من التزامات أهمها التعفف والاستقامة والبعد عن مواطن الريب والشبهات، والامتناع عن الهبوط بها عن المستوى الذى أراد الشارع للضابط أن يكون عليه من ترفع عن الدخول فى عمليات تجارية مع صغار القوم وما يحمله ذلك من شبهة استغلال وظيفته فى الضغط عليهم والتربح من ورائهم. وكل أولئك يجعل الطاعن غير جدير فى الاستمرار فى الوظيفة والاضطلاع بمسئولياته الأمر الذى يسوغ للجهة المختصة إبعاده بصفة مؤقتة عن وظيفته بإحالته إلى الاحتياط لعله ينتبه إلى خطورة المسلك الذى انتهجه ويرتد إلى حظيرة الحق والعدل والقانون ثم يعود إلى عمله وقد قوم نفسه على السلوك الذى يتفق وطبيعة الوظيفة وقدرها فى المجتمع.
ومن ثَمَّ يكون قرار إحالة الطاعن إلى الاحتياط قد صدر قائماً على أسبابه المبررة قانوناً ومتفقاً وصحيح القانون، ويكون طلب إلغائه غير قائم على أساس سليم من القانون، متعين الرفض.
ومن حيث إن من خسر الدعوى يلزم مصروفاتها عملاً بحكم المادة (184) مرافعات.
حكمت المحكمة
بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً وألزمت الطاعن المصروفات عن الدرجتين.