جلسة 15 من ديسمبر سنة 2002م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ عادل محمود زكى فرغلى.
نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ أدهم حسن أحمد الكاشف، وإبراهيم على إبراهيم، ومحمد الشيخ على أبوزيد، ومحمد لطفى عبدالباقى جوده.
نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ محمد عمر.
مفوض الدولة
وسكرتارية السيد / خالد عثمان محمد حسن.
سكرتير المحكمة
الطعن رقم 4447 لسنة 47 قضائية عليا:
ـ شئون الضباط ـ نظم التأديب ـ الإحالة إلى الاحتياط ـ ضوابطه وشروطه.
المادتان (48)، (67) من القانون رقم 109 لسنة 1979 بشأن هيئة الشرطة.
إن المشرع قد استن نظامين لمواجهة اعوجاج سلوك ضابط الشرطة والمخالفات التي تصدر عنه أولهما : النظام التأديبى الذى يهدف إلى تقويم سلوك الضابط بتوقيع الجزاء المناسب عن المخالفات التي تثبت فى حقه وذلك من خلال إجراءات المساءلة الإدارية أو المحاكمة التأديبية، وثانيهما: نظام الإحالة إلى الاحتياط وهو نظام من شأنه تنحية الضابط عن وظيفته وسلبه حقوقها ومزاياها وإبقاؤه مدة لا تزيد عن سنتين متربِّصًا إما إعادته إلى الخدمة أو إحالته إلى المعاش وهو يشترك مع النظام التأديبى فى أنه يواجه السلوك المعيب للضابط والوقائع والمخالفات المنسوبة إليه وفى أنه يعتبر نوعاً من الجزاء، بيد أنه يختلف عنه فى أنه جزاء يوقع على الضابط بغير الطريق التأديبى الذى نظمه القانون دون تحقيق يجرى معه يواجه فيه بما هو منسوب إليه ويُمكَّن خلاله من إبداء دفاعه ثم يعاقب إدارياً أو بعد محاكمة تأديبية أمام مجلس التأديب وفق إجراءات تكفل له كافة الضمانات القانونية للمحاكمات التأديبية، ومن ثم فهو على هذا النحو نظام جزائى استثنائى لذلك فقد اختصه المشرع بضوابط وشروط خاصة يجب توافرها حتى يسوغ لجهة الإدارة أن تترك نظام التأديب وهو الأصل إلى نظام الإحالة إلى الاحتياط وهو الاستثناء ـ تقدير الأسباب التي تتعلق بالصالح العام وتبرر إحالة الضابط إلى الاحتياط يخضع لرقابة القضاء سواء من حيث وجودها المادى أو القانونى أومن حيث تكييفها وتقدير مدى الخطورة الناجمة عنها ــ تطبيق.
فى يوم الثلاثاء الموافق 6/2/2001 أودع الدكتور / محمد عصفور (المحامى) بصفته وكيلاً عن الطاعن ـ قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن قيد برقم 4447 لسنة 47ق. عليا فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى (الدائرة التاسعة) بجلسة 18/12/2000 فى الدعويين رقمى 8207 لسنة 51ق. 8150 لسنة 53ق، والذى قضى بعدم قبول طلب إلغاء القرار رقم 714 لسنة 1997 لزوال المصلحة وبرفض ماعدا ذلك من طلبات وإلزام المدعى المصروفات. وطلب الطاعن ـ للأسباب الواردة بتقرير الطعن ـ الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه مع ما يترتب علي ذلك من آثار قانونًا والحكم مجددا بإلغاء القرار رقم 714 لسنة 1997 فيما تضمنه من إحالة الطاعن للاحتياط، وإلغاء القرار رقم 486/1999 فيما تضمنه من إنهاء خدمته مع ما يترتب على ذلك من آثار قانونا، وإلزام الجهة الإدارية المطعون ضدها المصاريف شاملة أتعاب المحاماة عن درجتى التقاضى.
وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريرًا بالرأى القانونى ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً.
وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداً أولاً: بقبول الدعوى رقم 8207 لسنة 51ق. شكلاً وفى موضوعها بإلغاء القرار رقم 714 لسنة 1997 فيما تضمنه من إحالة الطاعن للاحتياط وما يترتب على ذلك من آثار.
ثانياً: بقبول الدعوى رقم 8150 لسنة 53ق. شكلاً وفى موضوعها بإلغاء القرار رقم 486 لسنة 1999 فيما تضمنه من إنهاء خدمة الطاعن وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام جهة الإدارة المصروفات.
ونظر الطعن أمام الدائرتين الثانية والسابعة (فحص) إلى أن أحيل إلى هذه الدائرة وذلك على النحو الثابت بمحاضر الجلسات.
وبجلسة 10/11/2002 قررت المحكمة إصدار الحكم فى الطعن بجلسة 15/12/2003، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص ـ حسبما يبين من الأوراق ـ فى أنه بتاريخ 21/7/1997 أقام الطاعن الدعوى رقم 8207 لسنة 51ق. بإيداع عريضتها قلم كتاب محكمة القضاء الإدارى طالبًا الحكم بقبولها شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار الإدارى رقم 714 لسنة 1997 فيما تضمنه من إحالته إلى الاحتياط، وفى الموضوع بإلغائه وما يترتب على ذلك من آثار مادية وقانونية مع إلزام الجهة الإدارية بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة وحفظ كافة حقوقه الأخرى.
وقال شرحًا لدعواه أنه التحق بخدمة هيئة الشرط فى 25/7/1984 وكان مثالاً للأمانة والإخلاص والكفاءة المتميزة وخلت صحيفة جزاءاته من أية مآخذ أو أخطاء وظيفية أو سلوكية وزخر ملف خدمته بالثناء والشكر.
وبتاريخ 3/7/1996علم بصدور القرار رقم 714 لسنة 1997 بإحالته إلى الاحتياط على زعم من القول أنه للصالح العام وقد تظلم منه فى ذات التاريخ ولم يتلق ردًا على تظلمه ونعى على القرار المطعون فيه صدوره مجحفًا بحقوقه وفاقدًا سببه حيث لم يوجه إليه أى اتهام ولم يتم التحقيق معه فيما نسبته إليه جهة الإدارة، وإذا كانت هناك ثمة مخالفات منسوبة إليه فكان بوسع جهة الإدارة سلوك سبيل التأديب وهو الأصل ومجازاته أو إحالته إلى مجلس التأديب، كما لا توجد حالة الضرورة التى تبرر اللجوء إلى تطبيق حكم المادة 67/2 من قانون هيئة الشرطة حيث لم ينسب إلى الطاعن ما يعكر صفو الأمن العام حتى يمكن القول بأن الصالح العام هو الأساس فى إصدار القرار الطعين، الأمر الذى يصمه بالبطلان.
وبتاريخ 22/6/1999 أقام الطاعن الدعوى رقم 8150 لسنة 53 ق بإيداع عريضتها قلم كتاب محكمة القضاء الإدارى طالبًا الحكم بقبول دعواه شكلاً وفى الموضوع بإلغاء القرار رقم 486/1999 فيما تضمَّنه من إنهاء خدمته مع ما يترتب على ذلك من آثار قانونًا، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات شاملة أتعاب المحاماة.
وقال شرحاً لدعواه أنه علم فى 24/5/1999 بصدور القرار المطعون فيه بإنهاء خدمته فتظلم منه فى 27/5/1999 ولم يتلق ردا على تظلمه.
ونعى على القرار المطعون فيه صدوره فاقدًا سببه إذ انبنى على القرار الصادر بإحالته إلى الاحتياط وهو قرار باطل وما بنى على باطل فهو باطل.
وبجلسة 18/12/2000 حكمت محكمة القضاء الإدارى ـ الدائرة التاسعة ـ بعدم قبول طلب الغاء القرار رقم 714/1997لزوال المصلحة وبرفض ماعدا ذلك من طلبات، وألزمت المدعى المصروفات.
وأقامت قضاءها ـ بالنسبة لطلب إلغاء القرار رقم 486 لسنة 1999 فيما تضمّنه من إنهاء خدمة الطاعن ـ على أن الطاعن أحيل للاحتياط بالقرار رقم 714 لسنة 1997 لما نسب إليه من عدم انتظامه فى عمله وتكرار الغياب بدون إذن ومغادرة مقر عمله بدون إذن وعدم إشرافه على مرؤوسيه ومجازاته بالعديد من الجزاءات، وسبق إحالته للاحتياط عام 1988 إثر ضبطه فى قضية مخدرات، ولدى تقييم موقفه أثناء وجوده بالاحتياط عام 1997 أفادت إدارة البحث الجنائى بالسويس أنه مازال يتعاطى المواد المخدرة والكحولية وأنه مازال يخالط الأشخاص دون المستوى وأن تصرفاته غير مسئولة وغير واعية وتتسم بعدم المحافظة على كرامة وهيبة الشرطة، كما أفادت الإدارة العامة لمكافحة المخدرات أن المعروف عن الطاعن أنه يتعاطى المخدرات فى أماكن مشبوهة ويخالط المدمنين وتجار المخدرات ومن ثم لا يكون جديرًا بالانتماء إلى هيئة الشرطة ونيل شرف عضويتها ويكون القرار الصادر بإنهاء خدمته مطابقاً للقانون مصادفاً صحيح الواقع ، مما يتعين معه القضاء برفض طلب إلغائه.
وبالنسبة لطلب إلغاء القرار رقم 714/1997 بإحالة الطاعن للاحتياط أقامت المحكمة قضاءها على أنه وقد صدر قرار بإنهاء خدمته ورفضت دعوى إلغائه فإنه لا مصلحة له فى الطعن على قرار إحالته للاحتياط لعدم وجود فائدة ترجى من إلغاء هذا القرار حيث لم يعد عضواً فى هيئة الشرطة مما يتعين معه القضاء بعدم قبول طلب إلغاء القرار رقم 714 لسنة 1997 لزوال المصلحة.
ومن حيث إن أسباب الطعن الماثل تتحصل فى أن الحكم المطعون فيه قد صدر مشوباً بالخطأ فى تطبيق القانون وتأويله والفساد فى الاستدلال والقصور فى التسبيب لما يلى:
1ـ الثابت أن هيئة مفوضى الدولة أعدت تقريرًا بالرأى القانونى فى الدعوى رقم 8150 لسنة 53ق. ارتأت فيه وقف الدعوى تعليقاً حتى يتم الفصل فى الدعوى رقم 8207 لسنة 51ق دون أن يتعرض التقرير لموضوع الدعوى وإذ قضى الحكم المطعون فيه برفض الدعوى دون إعداد تقرير بالرأى القانونى فى موضوعها فإنه يكون قد خالف أحكام القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة.
بالإضافة إلى أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون إذ قضى بعدم قبول طلب إلغاء القرار رقم 714 لسنة 1997 لزوال المصلحة ذلك أن مصلحة الطاعن فى القرار رقم 714 لسنة 1997 لازالت قائمة خاصة وأنه قد انبنى عليه القرار رقم 486/1999 بإنهاء خدمته وكان يتعين على المحكمة أن تبحث مدى مشروعية قرار إحالة الطاعن للاحتياط للوقوف على مدى مشروعية قرار إنهاء خدمته المطعون فيه.
2ـ استند الحكم المطعون فيه إلى تقارير أعدت بمعرفة الجهة الإدارية دون فحصها ولا يصح قانونا الاعتداد بما تصطنعه الجهة الإدارية من مستندات فى الدعوى المقامة ضدها.
فضلاً عن أن القرار الصادر من المجلس الأعلى للشرطة بإنهاء خدمة الطاعن كان يتعين أن يكون مسببا حتى يتسنى للمحكمة مراقبة مشروعية الأسباب التى قام عليها القرار، وقد صدر قرار إنهاء خدمة الطاعن دون سبب.
ومن حيث إنه عما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من صدوره مشوبًا بمخالفة أحكام القانون والخطأ فى تطبيقه فيما قضى به من رفض الدعوى رقم 8150 لسنة 53ق. دون قيام هيئة مفوضى الدولة بإعداد تقرير بالرأى القانونى فى موضوعها حيث انتهى التقرير الذى أودعته هيئة مفوضى الدولة إلى الرأى بوقف الدعوى تعليقاً حتى يتم الفصل فى الدعوى رقم 8207 لسنة 51ق. دون أن يتعرض لموضوع الدعوى، فإن المادة 27 من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة تنص على أن “تتولى هيئة مفوضى الدولة تحضير الدعوى وتهيئتها للمرافعة …………
ويودع المفوض ـ بعد اتمام تهيئة الدعوى ـ تقريرًا يحدد فيه الوقائع والمسائل القانونية التى يثيرها النزاع ويبدى رأيًا مسببًا………”.
ومن حيث إنه مفاد ما تقدم أن إيداع تقرير هيئة مفوضى الدولة فى الدعوى هو إجراء جوهرى يترتب على إغفاله بطلان الحكم الصادر فى الدعوى لأن من شأن إيداع هذا التقرير أن تتاح الفرصة لكل من طرفى الخصومة أن يعقب على ما ورد به من وقائع ومن رأى قانونى بما من شأنه أن تستجلى المحكمة بصورة أدق مختلف عناصر المنازعة من جانبها الواقعى والقانونى الأمر الذى يجعل من إيداع تقرير هيئة مفوضى الدولة أمرًا تفرضه طبيعة المنازعات الإدارية التى تختص بها محاكم مجلس الدولة ويعد من الأسس التنظيمية الرئيسية التى تقوم عليها قواعد إجراءات نظر الدعاوى المذكورة والفصل فيها وهى أمور كلها من النظام العام.
ومن حيث إنه لما كان ما تقدم وكان الثابت بالأوراق أن هيئة مفوضي الدولة قامت بتحضير الدعوى رقم 8150 لسنة 53ق. وهيأتها للمرافعة ثم أودعت تقريرًا بالرأى القانونى فيها حددت فيه وقائع الدعوى والمسائل القانونية التى يثيرها النزاع وارتأت فى تقريرها وقف الدعوى تعليقًا لحين الفصل فى الدعوى رقم 8207 لسنة 51ق. ومن ثم تكون الدعوى المشار إليها قد تم تحضيرها وتهيئتها للمرافعة ولا يكون لزامًا على المحكمة بعد ذلك أن تعيد الدعوى إلى هيئة مفوضى الدولة لاستيفاء أى جوانب فيها موضوعية كانت أو قانونية، واقتصار هيئة مفوضى الدولة فى تقريرها إلى الرأى المشار إليه دون إبداء الرأى القانونى فى موضوع الدعوى لا يؤدى إلى بطلان الحكم الصادر فيها بعد أن اتصلت الدعوى بالمحكمة ولم ترى المحكمة موجبًا لإعادتها مرة ثانية إلى هيئة مفوضى الدولة لاستكمال تقريرها الأمر الذى يكون معه النعى على الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه ـ فى هذا الشق ـ غير قائم على سند من القانون خليقًا بالالتفات عنه.
ومن حيث إنه عما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من صدوره مشوبًا بمخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه فيما قضى به من عدم قبول طلب إلغاء القرار رقم 714/1997 لزوال المصلحة فالثابت بالأوراق أن جهة الإدارة أصدرت القرار رقم 714/1997 بإحالة الطاعن للاحتياط، ثم أصدرت قرارها رقم 486/1999 بإنهاء خدمته بالإحالة إلى المعاش الأمر الذى يتعين معه مراقبة الأسباب التى ساقتها جهة الإدارة واتخذتها سند لإحالة الطاعن إلى الاحتياط بحسبان أن إحالته إلى الاحتياط إنما كانت مقدمة لإنهاء خدمته بالإحالة إلى المعاش وأخذًا بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن قرارى الإحالة إلى الاحتياط وإنهاء الخدمة بالإحالة إلى المعاش إنما يقومان على ذات السبب، يضاف إلى ذلك بالنسبة للإحالة إلى المعاش، ما يسفر عنه مسلك الضابط خلال مدة الإحالة إلى الاحتياط، الأمر الذى تكون معه مصلحة الطاعن فى الطعن على القرار رقم 714 لسنة 1997 لازالت قائمة، ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بغير ذلك ـ فى هذا الشق ـ قد خالف صحيح حكم القانون خليقاً بالإلغاء فى هذا الشق من قضائه.
ومن حيث إن الثابت من مطالعة أحكام قانون هيئة الشرطة رقم 109/1971 أن المشرع قد نظم فى الفصل السادس منه (فى المواد من41 حتى46) واجبات ضابط الشرطة والأعمال المحظورة عليه، ونعى فى المادة 47 من ذات الفصل على أن “كل ضابط يخالف الواجبات المنصوص عليها فى هذا القانون أو فى القرارات الصادرة من وزير الداخلية أو يخرج على مقتضى الواجب فى أعمال وظيفته أو يسلك سلوكًا أو يظهر بمظهر من شأنه الإخلال بكرامة الوظيفة يعاقب تأديبياً.
كما نظّم المشرع فى الفصل السابع من ذات القانون تأديب ضابط الشرطة، وحدد فى المادة 48 من القانون الجزاءات التأديبية التى يجوز توقيعها على الضابط.
وأفرد المشرع الفصل الثامن من القانون لإحالة الضابط إلى الاحتياط حيث نص فى المادة 67 من هذا الفصل على أنه لوزير الداخلية بعد أخذ رأى المجلس الأعلى للشرطة أن يحيل الضباط عدا المعينين فى وظائفهم بقرار من رئيس الجمهورية إلى الاحتياط وذلك :
1ـ ……………………
2ـ إذا ثبت ضرورة ذلك لأسباب جدية تتعلق بالصالح العام.
ولا يجوز أن تزيد مدة الاحتياط عن سنتين، ويعرض أمر الضابط قبل انتهاء المدة على المجلس الأعلى للشرطة ليقرر إحالته إلى المعاش أو إعادته إلى الخدمة العاملة، فإذا لم يتم العرض عاد الضابط إلى عمله ما لم تكن مدة خدمته قد انتهت لسبب آخر طبقا للقانون …
وحيث أنه يبين مما تقدم وفى إطار الفهم العام لنصوص قانون هيئة الشرطة أن المشرع قد استن نظامين لمواجهة اعوجاج سلوك ضابط الشرطة والمخالفات التي تصدر عنه أولهما: النظام التأديبى الذى يهدف إلى تقويم سلوك الضابط بتوقيع الجزاء المناسب عن المخالفات التى تثبت فى حقه وذلك من خلال إجراءات المساءلة الإدارية أو المحاكمة التأديبية، وثانيهما: نظام الإحالة إلى الاحتياط وهو نظام من شأنه تنحية الضابط عن وظيفته وسلبه حقوقها ومزاياها وإبقاؤه مدة لا تزيد عن سنتين متربصًا إما إعادته إلى الخدمة أو إحالته إلى المعاش، وهو يشترك مع النظام التأديبى فى أنه يواجه السلوك المعيب للضابط والوقائع والمخالفات المنسوبة إليه، وفى أنه يعتبر نوعا من الجزاء، بيد أنه يختلف عنه فى أنه جزاء يوقع على الضابط بغير الطريق التأديبى الذى نظمه القانون ودون تحقيق يجرى معه يواجه فيه بما هو منسوب إليه ويُمكَّن خلاله من إبداء دفاعه ثم يعاقب إدارياً أو بعد محاكمة تأديبية أمام مجلس التأديب وفق إجراءات تكفل له كافة الضمانات القانونية للمحاكمات التأديبية، ومن ثم فهو على هذا النحو نظام جزائى استثنائى لذلك فقد اختصه المشرع بضوابط وشروط خاصة يجب توافرها حتى يسوغ لجهة الإدارة أن تترك نظام التأديب وهو الاصل إلى نظام الإحالة إلى الاحتياط وهو الاستثناء.
وقد أسند المشرع فى المادة 67 من قانون هيئة الشرطة سلطة الإحالة إلى الاحتياط إلى وزير الداخلية وقيده فى ممارسة هذه السلطة بثبوت ضرورة تلك الإحالة من واقع أسباب جدية تتعلق بالصالح العام وبما لا يصدر قراره فى هذا الشأن إلا بعد أخذ رأى المجلس الأعلى للشرطة وأوجب ألا تزيد مدة الإحالة إلى الاحتياط عن سنتين ويعرض أمر الضابط قبل انتهائها على المجلس الأعلى للشرطة ليقرر إحالة الضابط إلى المعاش أو إعادته إلى الخدمة العاملة، وإذا لم يتم العرض عاد الضابط إلى عمله ما لم تكن مدة خدمته قد انتهت لسبب آخر طبقا للقانون.
ومن حيث إنه من المسلم به أن صحة القرار الإدارى تحدد بالأسباب التى قام عليها ومدى سلامتها على أساس الأصول الثابتة فى الأوراق وقت صدور القرار ومدى مطابقتها للنتيجة التى انتهت إليها جهة الإدارة.
وإذا كان لجهة الإدارة تقدير الأسباب التى تتعلق بالصالح العام وتبرر إحالة الضابط إلى الاحتياط إلا أن هذه الأسباب تخضع لرقابة القضاء سواء من حيث وجودها المادى أو القانونى أو من حيث تكييفها وتقدير مدى الخطورة الناجمة عنها ذلك أنه ولئن كانت الإدارة تملك بحسب الأصل حرية وزن مناسبات إصدار القرار وتقدير أهمية النتائج التى يترتب على ما يثبت لديها من وقائع إلا أنه حينما تكون ملاءمة إصدار القرار شرطًا من شروط المشروعية فإن هذه الملاءمة تخضع لرقابة القضاء الإدارى، ومن ثم فإنه ما دام القانون قد اشترط لمشروعية قرار الإحالة إلى الاحتياط توافر أسباب جدية تتعلق بالصالح العام أو تقتضى الضرورة إصداره، فإن المحكمة تبسط رقابتها القضائية على قيام هذا الشرط من عدمه لتعيين مدى جدية الأسباب ومدى تعلقها بالصالح العام وأن الضرورة تقتضى ذلك وذلك بحسبان أن قرار الإحالة إلى الاحتياط من شأنه تنحية الضابط عن وظيفته وسلبه حقوقها ومزاياها وإبقاؤه مدة لا تزيد على سنتين متربصًا إما إعادته إلى الخدمة أو إحالته إلى المعاش والقرار الذى يؤدى إلى مثل هذه النتائج الخطيرة يتعين أن تثبت ضرورته لأسباب جدية تتعلق بالصالح العام وأن تكون الإحالة إلى الاحتياط باعثها المصلحة العامة دون أن يشوب قرار جهة الإدارة فى هذا الشأن عيب إساءة استعمال السلطة، فإذا ثبت ذلك كان القرار سليمًا، وإذا لم يثبت كان باطلاً ولا يعد هذا تدخلاً من المحكمة فى أمر متروك لتقدير الجهة الإدارية وإنما هو إعمال لحق المحكمة فى الرقابة القضائية والقانونية على مدى مشروعية الأسباب التى طرحت عليها وأضحت عنصراً من عناصر الدعوى للتحقق من أن القرار محل الطعن قد استند إلى السبب الصحيح وأنه صدر مستهدفاً غاية الصالح العام وفق الضوابط والشروط المحددة بالقانون.
ومن حيث إنه على هدى ما تقدم وكان الثابت بالأوراق أن الطاعن تخرج من كلية الشرطة عام 1984 وعمل بالإدارة العامة للأمن المركزى ثم مديرية أمن أسيوط ومديرية أمن السويس ومديرية أمن المنيا ومديرية أمن البحر الأحمر ثم مديرية أمن الاسماعيلية وقد وقع عليه 64 جزاء تراوحت بين الإنذار وخصم خمسة أيام من راتبه لمخالفات انضباطية ومسلكية تمثلت فى غيابه عن العمل بدون إذن وتعديه بالضرب على أحد المجندين وإطفائه عمدا سيجارة مشتعلة بأذنه اليسرى وجلوسه مفترشاً الأرض مع اثنين من المجندين المودعين بسجن الكتيبة الثانية بقطاع طره وتعديه بالضرب على أحد المجندين وإحداث جرح به وسيره عاريًا مرتديًا المايوه ـ داخل قطاع الأمن المركزى بطره وتهديده لزملائه والمجندين بالتعدى عليهم بقطعة زجاج وتعديه على بعض
المجندين وقيامه بخلع القميص والحذاء والجرى وراء أحد المجندين، وقيامه بالقفز من سور الكتيبة الثانية بقطاع الأمن المركزى بطره وادعائه كذبا بتنفيذ كشف الخدمات وتمزيقه ورقة رسمية من دفتر أحوال القسم. وقد سبق وقفه عن العمل عام 1986 ومخالطته من هم دون مستواه واتهامه فى القضية رقم 4361 جنايات الأربعين لسنة 1986 لضبطه وآخرين يتعاطون المخدرات، وصدر القرار الوزارى رقم 588 لسنة 1986 بإحالته للاحتياط للصالح العام اعتبارا من 14/7/1986 ثم صدر القرار رقم 658 لسنة 1988 ـ بإنهاء خدمته بالإحالة إلى المعاش اعمالا لحكم المادة 2167 من قانون هيئة الشرطة وأعيد للخدمة العاملة بهيئة الشرطة بالقرار الوزارى رقم 847 لسنة 1992 الصادر تنفيذا لحكم المحكمة الإدارية لرئاسة الجمهورية فى الدعوى رقم 67 لسنة 37ق. بجلسة 7/6/1992، واتهامه فى القضية رقم 2361 جنايات الأربعين فى 25/11/1987 بالتعدى بالضرب علي أحد المواطنين أثناء فترة إحالته للاحتياط وحكم عليه غيابياً بالحبس شهرين مع الشغل وكفالة عشرة جنيهات وغرامة خمسون جنيها وقد عارض فى هذا الحكم حيث قضى فى المعارضة بالقبول والرفض وتأييد الحكم المعارض فيه والإيقاف، وفى أثناء فترة إحالته للمعاش اتهم فى القضية رقم 1417/1991 جنح السويس بالتعدى بالضرب على رقيب أول من قوة قسم المرور وأحدث إصابة به وحكم عليه حضورياً بغرامة مائة جنيه والمصاريف واستأنف الحكم وقد حكم عليه غيابياً بالقبول والرفض والتأييد والمصاريف، وقد جاءت تقارير الجهات الرئاسية عنه أن تصرفاته غير مسئولة وتتسم بالاستخفاف ولا يحافظ على كرامة الوظيفة ودائم الاحتكاك مع العاملين معه والمواطنين ويتسم عمله بالسلبية والخشونة فى التعامل ولا يستجيب للنصح والإرشاد ولا يقدر المسئولية، وبالرغم من سبق إحالة الطاعن إلي الاحتياط للصالح العام وإحالته إلى المعاش ثم إعادته للخدمة تنفيذا لحكم المحكمة الإدارية للرئاسة السالف الإشارة إليه إلا أنه ظل على مسلكه المعوج ولم تردعه الجزاءات التى وقعت عليه، وقد بلغت المخالفات التى ارتكبها حدا يكشف عن اعوجاج وتهور فى مسلك الطاعن، كما تدل على عدم انضباط دائم وعدم رغبته فى إصلاح نفسه أو تعديل مسار حياته الوظيفية وأن الإجراءات التأديبية لم تعد تجدى معه نفعا بحيث أضحى بقاؤه فى الخدمة أمرا لا يتفق والصالح العام الأمر الذى يكون معه القرار الوزارى رقم 714 لسنة 1997 الصادر بإحالته إلى الاحتياط للصالح العام قائما على أسبابه المبررة قانونا متفقاً وصحيح حكم القانون ويغدو طلب إلغائه غير قائم على أساس سليم من القانون متعينا الرفض.
وبمناسبة قرب مرور عامين على إحالة الطاعن للاحتياط أعدت الإدارة العامة للتفتيش والرقابة للوجه البحرى تقريرًا بتقييم موقفه تضمن تحريات إدارة البحث الجنائى بمديرية أمن السويس حيث يقيم الطاعن بالسويس والتى أفادت أنه مازال يتعاطى المواد المخدرة والكحولية وأنه مازال على مسلكه السابق بشأن مخالطته الأشخاص دون المستوى وأن تصرفاته غير مسئولة وغير واعية وتتسم بعدم المحافظة على كرامة وهيبة الشرطة وأكدت معلومات الإدارة العامة لمكافحة المخدرات ذلك حين أفادت أن الطاعن يتواجد بالأماكن المشبوهة لتعاطى المواد المخدرة ويخالط المدمنين وتجار المخدرات وينعكس ذلك على أخلاقياته فى التعامل مع أهله وذويه وجيرانه وقد سبق مثوله أمام مساعد أول الوزير للأمن لتحذيره من مغبة مسلكه إلا أنه ظل على نهجه المعوج وسلوكه غير القويم وبالعرض على المجلس الأعلى للشرطة، فقد وافق بجلسة 12/5/1999 على إنهاء خدمة الطاعن بالإحالة إلى المعاش وصدر القرار الوزارى رقم 486 لسنة 1999 بإنهاء خدمته بالإحالة إلى المعاش اعتبارًا من 13/5/1999 تطبيقاً لحكم المادة 67/2 من قانون هيئة الشرطة، الأمر الذى يكون معه هذا القرار قائمًا على سببه المبرر قانونًا متفقاً وصحيح حكم القانون ويغدو طلب إلغائه غير قائم على أساس من القانون متعينًا الرفض.
ومن حيث إنه على هدى ما تقدم تكون كل من الدعويين محل الطعن الماثل فاقدة سندها خليقة بالرفض.
وإذ قضى الحكم المطعون فيه برفض الدعوى رقم 8150 لسنة 53ق . فإنه يكون قد صادف ـ صحيح حكم القانون فى هذا الشق، إلا أنه خالف صحيح حكم القانون إذ قضى بعدم قبول طلب إلغاء القرار رقم 714 لسنة 1997 لزوال المصلحة الأمر الذى يتعين معه تعديله ليكون برفض الدعويين رقمى 8207 لسنة 51ق. 8150 لسنة 53ق. موضوعًا.
ومن حيث إن من خسر الطعن يلزم المصروفات عملا بحكم المادة (184) مرافعات .
حكمت المحكمة
بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه، ليكون بقبول الدعويين شكلاً ورفضهما موضوعًا، وألزمت الطاعن المصروفات.