جلسة 1 من يوليو سنة 2012
الطعن رقم 4567 لسنة 53 القضائية (عليا)
(الدائرة الخامسة)
– تراخيص البناء- سلطة جهة الإدارة المختصة في إصدار تراخيص البناء– سلطة جهة الإدارة سلطة مقيدة ومخصصة الأهداف- لا ينبغي لجهة الإدارة أن تتجاوز هذا الاختصاص المقيد والمخصص الأهداف في منح الترخيص برفضه أو تعديله أو تقييده حماية لمصالح أخرى، أو أن تستهدف بقرارها مراعاةَ حقوقٍ لآخرينَ على العقار محل الترخيص؛ إذ كفل القانون الوسيلة المناسبة لرعاية وحماية هذه الحقوق المدعى بها.
– المواد أرقام (4) و(5) و(6) و(7) و(11) من القانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء معدلا بموجب القانون رقم 30 لسنة 1983، والملغى لاحقا -عدا المادة 13 مكررا منه- بموجب القانون رقم 119 لسنة 2008 بإصدار قانون البناء.
بتاريخ 16/1/2007 أودعت هيئة قضايا الدولة نائبة عن الطاعنين قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرا بالطعن الماثل في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري (الدائرة الثالثة- أفراد) في الدعوى رقم 3277 لسنة 54 ق بجلسة 21/11/2006 فيما قضى به من إلغاء قرار الجهة الإدارية بوقف الترخيص الصادر للمدعي، وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات، وطلب الطاعنون -للأسباب الواردة بتقرير الطعن- الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بوقف تنفيذ ثم إلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا برفض الدعوى، وإلزام المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي.
وقد أعلن الطعن إلى المطعون ضده على الوجه المقرر قانونا.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا برفض الدعوى، وإلزام المطعون ضده المصروفات.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالجلسات على النحو الثابت بالمحاضر، وبجلسة 11/4/2011 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى هذه المحكمة لنظره بجلسة 28/5/2011، ونظر بهذه الجلسة وتدوول نظره بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها، وبجلسة 2/6/2012 قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة اليوم حيث صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعات والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن عناصر المنازعة تخلص -حسبما يبين من أوراق الطعن- في أن المطعون ضده كان قد أقام الدعوى رقم 3277 لسنة 54ق بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بالقاهرة بتاريخ 2/1/2000 طالبا الحكم بوقف تنفيذ ثم إلغاء القرار رقم 222 لسنة 1999 فيما تضمنه من وقف وتشميع الأعمال الكائنة بالدور الثالث علوي بالعقار رقم 1هـ شارع الفالوجا العجوزة، وذكر بيانا لدعواه أنه بتاريخ 8/3/1999 استصدر الترخيص رقم 7 بتعلية الدور الثالث فوق الأرضي بالعقار المشار إليه، وبعد الانتهاء من أعمال البناء فوجئ بصدور القرار رقم 141 لسنة 1991 عن حي العجوزة بوقف الأعمال لحين المراجعة، فتظلم من هذا القرار وأفادت الإدارة بأنه لا مانع من الاستمرار في الأعمال، إلا أنه فوجئ بعد ذلك بصدور القرار رقم 222 لسنة 1999 بوقف الترخيص وتشميع الأعمال الجارية بهذا الدور، ونعى على هذا القرار مخالفة القانون، وانتهى إلى الحكم له بطلباته المبينة سالفا.
……………………………………………
وبجلسة 21/11/2006 صدر الحكم المطعون قاضيا بإلغاء قرار الجهة الإدارية بوقف الترخيص الصادر للمدعي، وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات، وأقامت المحكمة قضاءها على أن المشرع حدد اختصاص الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم في منح الترخيص بإقامة الأعمال المنصوص عليها في القانون رقم 106 لسنة 1976 أو تعديلها، وهو اختصاص مقيد الغرض، قُصِدَ منه التحقق من مطابقة هذه الأعمال والمباني للأصول الفنية والهندسية في المجالات المعمارية والإنشائية، فإذا ما ثبت لجهة الإدارة مطابقة ذلك لأحكام القانون ولائحته التنفيذية والقرارات المنفذة له وجب عليها إصدار الترخيص المطلوب، وليس لها بحث مستندات الملكية للعقار، وهو ما يرجع إلى اختصاص الجهة القضائية، باعتبار أن الترخيص لا يمس حقوق ذوي الشأن المتعلقة بالعقار.
……………………………………………
وإذ لم يلق هذا القضاء قبولا لدى الجهة الإدارية فأقامت طعنها الماثل ناعية على هذا القضاء مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله؛ لأسباب حاصلها أن المشرع أوجب صراحة على الجهة الإدارية تلقي طلب الترخيص من المالك أو من يمثله، وهو ما يوجب عقلا ومنطقا فحص مستندات الملكية ظاهريا دون أن يستطيل ذلك إلى الفصل فيها، وذلك حتى يتم التأكد من أن طلب الترخيص مقدم من المالك الظاهر، ولما تبين للجهة الإدارية بعد إصدار الترخيص رقم 7 لسنة 1999 أن العقار محل الترخيص مملوك ملكية مشتركة على الشيوع للمرخص له وآخرين باعتبارهم ورثة ملاك هذا العقار، وتقدم الورثة بالعديد من الشكاوى، أصدرت القرار المطعون فيه متضمنا إيقاف الترخيص المشار إليه لحين بحث الملكية، وانتهت الجهة الإدارية الطاعنة إلى طلباتها المذكورة آنفا.
……………………………………………
وحيث إن المادة رقم (4) من القانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء، المعدل بالقانون رقم 30 لسنة 1983 تنص على أنه: “لا يجوز إنشاء مبان أو إقامة أعمال أو توسيعها أو تعليتها أو هدمها أو إجراء أية تشطيبات خارجية مما تحدده اللائحة التنفيذية إلا بعد الحصول على ترخيص في ذلك من الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم أو إخطارها بذلك وفقا لما تبينه اللائحة التنفيذية لهذا القانون، ولا يجوز الترخيص بالمباني أو الأعمال المشار إليها في الفقرة الأولى إلا إذا كانت مطابقة لأحكام هذا القانون ومتفقة مع الأصول الفنية والمواصفات العامة ومقتضيات الأمن والقواعد الصحية التي تحددها اللائحة التنفيذية، وتبين اللائحة التنفيذية الشروط والأوضاع اللازم توافرها فيما يقام من الأبنية على جانب الطريق عاما كان أو خاصا وتحديد التزامات المرخص له عند الشروع في تنفيذ العمل وأثناء التنفيذ وفي حالة التوقف عنه”.
وتنص المادة (5) من هذا القانون على أن: “يقدم طلب الحصول على الترخيص إلى الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم مرفقا به البيانات والمستندات والموافقات والرسومات المعمارية والإنشائية والتنفيذية التي تحددها اللائحة التنفيذية، وعلى هذه الجهة أن تعطي الطالب إيصالاً باستلام الطلب ومرفقاته، ويجب أن يكون طلب الترخيص عن أعمال الهدم موقعاً عليه من المالك أو من يمثله قانوناً”.
وتنص المادة (6) على أن: “تتولى الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم فحص طلب الترخيص ومرفقاته والبت فيه خلال مدة لا تزيد على ستين يوما من تاريخ تقديمه، على أنه في الحالات التي تلزم فيها موافقة اللجنة المنصوص عليها في المادة رقم (1) فيكون هذا الميعاد من تاريخ إخطار الجهة المذكورة بالموافقة، وتحدد اللائحة التنفيذية الأحوال التي يجب فيها البت في الطلب خلال مدة أقل وإذا ثبت للجهة المذكورة أن الأعمال المطلوب الترخيص فيها مطابقة لأحكام هذا القانون ولائحته والقرارات المنفذة له، قامت بإصدار الترخيص بعد مراجعة واعتماد الأصول والرسومات وصورها، ويحدد في الترخيص خط التنظيم أو حد الطريق أو خط البناء الذي يجب على المرخص له اتباعه وعرض الشوارع والمناسيب المقررة لها أمام واجهات البناء وأية بيانات يتطلبها أي قانون آخر…”.
وتنص المادة رقم (7) على أنه: “يعتبر بمثابة موافقة على طلب الترخيص، انقضاء المدد المحددة للبت فيه دون صدور قرار مسبب من الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم برفضه أو طلب استيفاء بعض البيانات والمستندات أو الموافقات اللازمة أو إدخال تعديلات أو تصحيحات على الرسومات، ويلتزم طالب الترخيص في هذه الحالة بمراعاة جميع الأوضاع والشروط والضمانات المنصوص عليها في هذا القانون ولائحته التنفيذية والقرارات الصادرة تنفيذا له”.
وتنص المادة (11) على أنه: “يجب أن يتم تنفيذ البناء أو الأعمال وفقا للأصول الفنية وطبقا للرسومات والبيانات والمستندات التي منح الترخيص على أساسها، بأن تكون مواد البناء المستخدمة مطابقة للمواصفات المصرية المقررة، ولا يجوز إدخال أي تعديل أو تغيير جوهري في الرسومات المعتمدة، إلا بعد الحصول على تراخيص في ذلك من الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم، أما التعديلات البسيطة التي تقتضيها ظروف التنفيذ فيكتفى في شأنها بإثبات الجهة المذكورة لها على أصول الرسومات المعتمدة وصورها، وذلك كله وفقا للأحكام والإجراءات التي تبينها اللائحة التنفيذية”.
وحيث إن مفاد النصوص المتقدمة أن اختصاص الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم في منح تراخيص إنشاء المباني أو إقامة الأعمال المنصوص عليها في القانون رقم 106 لسنة 1976 أو تعديلها هو اختصاص مقيد ومخصص الأهداف، ذلك أن المشرع قد أبان بوضوح أن الهدف الذي تغياه من اشتراط الحصول على ترخيص من الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم قبل القيام بإنشاء المباني أو الأعمال المشار إليها، هو التحقق من مطابقة هذه المباني والأعمال للأصول الفنية والهندسية والمواصفات العامة في المجالات الإنشائية، ومراعاة خطوط التنظيم المعتمدة أو الجاري تخطيطها، فضلا عن مقتضيات الأمن والقواعد الصحية، وذلك في ضوء المستندات والرسومات والبيانات التي يقدمها ذو الشأن، فإذا ما ثبت للجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم أن الأعمال المطلوب الترخيص بها مطابقة لأحكام القانون ولائحته التنفيذية والقرارات المنفذة له، وجب عليها إصدار الترخيص المطلوب بعد مراجعة واعتماد أصول الرسومات وصورها وذلك خلال ستين يوما من تاريخ تقديم طلب الترخيص، أما إذا رأت الجهة الإدارية لزوم استيفاء بعض البيانات أو الرسومات أو الموافقات أو إدخال تعديلات أو تصحيحات في الرسومات، فقد أوجب عليها المشرع إعلان الطالب بذلك خلال ثلاثين يوما من تاريخ تقديم طلب الترخيص، كما أوجب عليها إتمام البت في هذه الحالة في طلب الترخيص خلال ثلاثين يوما من تاريخ استيفاء البيانات أو المستندات أو الرسومات المعدلة.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد من تقييد سلطة جهة الإدارة في منح التراخيص بالأهداف والضوابط والمدد المنوه عنها، إنما جاوز المشرع ذلك إلى اعتبار أنه بمجرد انقضاء المدد المحددة في طلب الترخيص دون صدور قرار مسبب من الجهة الإدارية برفضه أو طلب استيفاء بعض البيانات أو المستندات أو إدخال تعديلات على الرسومات يعد ذلك موافقة على طلب الترخيص، وهذا يقطع بأن سلطة جهة الإدارة المختصة بشئون التنظيم في إصدار التراخيص المشار إليها هي سلطة مقيدة ومخصصة الأهداف، فلا يجوز لها متى كانت الأعمال المطلوب الترخيص فيها مطابقة للأصول الفنية والهندسية والمواصفات العامة في المجالات المعمارية والإنشائية ولأحكام القانون ولائحته أن ترفض منح الترخيص لأسباب أخرى لا يدخل تقديرها في مجال اختصاصها، ولا ينبغي لها أن تتجاوز هذا الاختصاص المقيد والمخصص الأهداف -على ما سبق تحديده- إلى استخدام هذا الاختصاص المخول لها في منح الترخيص برفضه أو تعديله أو تقييده حماية لمصالح أخرى، أو أن تستهدف بقرارها مساندة حقوق مراعاة لآخرين على العقار محل الترخيص، إذ كفل القانون الوسيلة المناسبة لرعاية وحماية الحق المدعى به، ولا ينبغي لجهة الإدارة استخدام اختصاصها في غير المجال المخصص له، بل يتعين إلزامها بالأداة والوسيلة المناسبة للغاية المخصص لها تلك الوسيلة أو الأداة التي خولها القانون إياها.
وحيث إنه على وفق ما تقدم وكان الثابت بالأوراق أن المطعون ضده حصل على الترخيص رقم 7 لسنة 1999 بتاريخ 8/3/1999 بتعلية الدور الثالث فوق الأرضي بالعقار الكائن 1هـ شارع الفالوجا بالعجوزة وذلك بصفته وكيلا عن والده/… باعتباره المالك للنصيب الأكبر بالعقار المملوك له على الشيوع مع ورثة زوجته، حيث كان يمتلك نصف العقار ثم أضيف إليه ميراثه عن زوجته المتوفاة قبله بتاريخ 4/2/1995، ومن ثم فقد صدر الترخيص صحيحا في حينه بعد مطابقة الرسوم الواردة به لاشتراطات القانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء ولائحته التنفيذية، وبعد وفاة والد المطعون ضده بتاريخ 25/7/1999 بعد صدور الترخيص تقدم الورثة بشكاوى على أثرها أصدرت الجهة الإدارية قرارها رقم 222 لسنة 1999 بوقف الترخيص، ولما كان اختصاص الجهة الإدارية يتحدد على وفق ما تقدم في بحث الرسومات والمواصفات التي قدمها المطعون ضده مرافقة لطلبه للتحقق من مطابقتها للأصول الفنية والهندسية والمواصفات العامة المطلوبة، بحيث لا يكون لها رفض الترخيص أو تعديله، إلا إذا ثبت لها عدم مطابقة هذه الرسومات والمستندات للأصول والمواصفات المطلوبة، وليس لها من ثم أن تقرر وقف الترخيص الصادر للمطعون ضده بعد صدوره سليما دون سبب مستمد من الترخيص ذاته، وكذا ليس لها وقف الأعمال تبعا لوقف الترخيص إلا إذا كانت تلك الأعمال مخالفة للقانون أو غير مطابقة للترخيص، فإذا كان الترخيص محل الطعن الماثل قد صدر سليما ومطابقا للقانون، فإن صدور القرار المطعون فيه بوقفه بناء على شكوى من الورثة بادعائهم بحق على الأرض المرخص بالبناء عليها، هذا القرار يغدو مخالفا للقانون وتجاوزت فيه الإدارة اختصاصها المقيد والمخصص الهدف، في الوقت الذي كفل القانون لهؤلاء الورثة من الوسائل ما يستطيعون بها حماية ما يدعونه من حقوق، وليس للإدارة أن تستخدم الرخصة المخولة لها في مساندتهم فيما يدعونه من هذه الحقوق، وعلى ذلك فإن القرار رقم 222 لسنة 1999 بوقف الترخيص رقم 7 لسنة 1999 المشار إليه قد صدر مخالفا للقانون، ومن ثم فهو حريٌ بالإلغاء، ولما كان الحكم الطعين قد أخذ بهذه الوجهة من النظر وقضى بإلغاء هذا القرار فإنه يكون قد أصاب الحق في قضائه بما لا مطعن عليه، مما يتعين معه رفض الطعن الماثل وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع برفضه، وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.