جلسة 3 من مايو سنة 2003م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ د. عبدالرحمن عثمان أحمد عزوز.
رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ على فكرى حسن صالح، ويحيى خضرى نوبى محمد، وأحمد عبدالحميد حسن عبود، وأحمد حلمى محمد أحمد حلمى.
نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ حتة محمود حتة.
مفوض الدولة
وحضور السيد/ كمال نجيب مرسيس.
سكرتير المحكمة
الطعن رقم 4702 لسنة 48 قضائية عليا:
ـ حق التقاضى ـ تنظيمه ـ مدى التزام وزير العدل بإصدار قرار يمنع أقلام كتاب محاكم القضاء العادى قيد الإشكالات المقامة على الأحكام الصادرة من مجلس الدولة.
المواد (68)، (86)، (144)، (165)، (167) من الدستور والمادة (67) من قانون المرافعات الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968.
حق التقاضى هو حق مصون دستورياً، ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعى، وقد فوض الدستور القانون فى تحديد الهيئات القضائية واختصاصاتها وتنظيم طريقة تشكيلها ولم يترك جزءاً من هذا التنظيم للسلطة التنفيذية وإنما أوكل للسلطة التشريعية وحدها تحديد الهيئات القضائية وتنظيم اختصاصها، واعتبر هذا الأمر من النظام العام الذى لا يجوز الخروج عليه أو تنظيمه بأداة أدنى من القانون، كما أكد الدستور استقلال السلطة القضائية التى تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر أحكامها وفق القانون وتعد إحدى سلطات الدولة الثلاث وتقوم على ولاية القضاء وتستقل بشئون العدالة فى مقابلة السلطتين التشريعية والتنفيذية ـ عملية قيد صحف الدعاوى أو الطعون أو إشكالات التنفيذ بمعرفة الجهاز الإدارى بالمحكمة ممثلاً فى قلم الكتاب المختص، يخرج من نطاق الأعمال القضائية فى مفهومها الدقيق، وما يصدر من قلم الكتاب فى هذا الشأن من قرارات إيجابيًا أو سلبياً تعتبر من قبيل القرارات الإدارية التى يختص بنظر النزاع فيها القضاء الإدارى، وذلك طبقاً للمعيار الموضوعى أو الشكلى اللذين استقر عليهما القضاء الإدارى فى التمييز بين القرارات الإدارية والأعمال القضائية ـ فقلم كتاب المحكمة يختص بتلقى صحف أو عرائض الدعاوى أو الطعون أو إشكالات التنفيذ من أصحاب الشأن ويكون ملزماً قانوناً باستيفاء إجراءات قيدها ولا يملك حيالها أية سلطة تقديرية أيا كان موضوعها ـ مؤدى ذلك ـ أنه لا يجوز لقلم كتاب المحكمة أن يحل محل المحكمة المختصة فى النظر فى الدعوى أو الطعن أو الإشكال الذى يرغب صاحب الشأن فى إقامته ويقيد بعضها ويمتنع عن قيد البعض الآخر، فامتناع قلم الكتاب عن قيد الإشكال هو مخالفة لصحيح حكم القانون ـ الدستور حدد على سبيل الحصر الجهات التى تختص بإصدار اللوائح التنفيذية فقصرها على رئيس الجمهورية أو من يفوضه فى ذلك أو من يحدده القانون لإصدارها بحيث يمتنع على من عداهم ممارسة هذا الاختصاص الدستورى وإلاَّ وقع عمله اللائحى مخالفاً للدستور ـ أثر ذلك: لا يجوز للسلطة التنفيذية ـ ممثلة فى وزير العدل ـ أن تتدخل بأى إجراء أو تنظيم يعوق حق التقاضى ويمنع قيد صحيفة دعوى أو طعن أو إشكال ولو كان مقاماً أمام محكمة غير مختصة إذ أن ذلك يمثل عدواناً صارخاً على اختصاص محجوز بنص الدستور للسلطة التشريعية ويخرج من اختصاص السلطة التنفيذية، ويترتب عليه تضييق لحق التقاضى المكفول بموجب نص الدستور، كما أنه يترتب على تدخل السلطة التنفيذية فى هذا الشأن منح اختصاصات قضائية لأقلام كتاب المحاكم هى من صميم اختصاص السلطة القضائية التى تتولاها منفردة ـ ترتيباً على ذلك: فإن وزير العدل لا يملك قانوناً إصدار قرارات أو تعليمات لأقلام كتاب محاكم القضاء العادى تمنع قيد الإشكالات المقامة فى الأحكام الصادرة من محاكم مجلس الدولة؛ حيث إن مثل هذا الأمر يدخل فى اختصاص السلطة التشريعية فقط إذا رأت وجهاً لذلك ـ تطبيق.
فى يوم السبت الموافق 9/3/2002 أودعت هيئة قضايا الدولة نائبة عن الطاعنين بصفتهم قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد برقم 4702 لسنة 48ق. عليا وذلك فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة بجلسة 26/2/2002 فى الدعوى رقم 1606 لسنة 55ق. والقاضى منطوقه برفض الدفع المبدى من الجهة الإدارية بعدم قبول الدعوى شكلاً لانتفاء القرار الإدارى ولانتفاء شرط المصلحة وبقبولها شكلاً وبإلغاء القرار السلبى لوزير العدل بالامتناع عن إصدار قرار يحظر على أقلام كتاب محاكم جهة القضاء العادى قيد إشكالات التنفيذ فى الأحكام الصادرة من محاكم مجلس الدولة مع ما يترتب على ذلك من آثار، وبقبول طلب التعويض شكلاً ورفضه موضوعاً على النحو المبين بالأسباب، وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.
وطلب الطاعنون بصفتهم ـ للأسباب الواردة بتقرير الطعن ـ أن تأمر دائرة فحص الطعون بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، ثم بإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضى فيه بقبوله شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء أصلياً: بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار المطعون فيه واحتياطياً: بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة، ومن باب الاحتياط الكلى: برفضها موضوعاً مع إلزام المطعون ضده المصروفات.
وقد جرى إعلان تقرير الطعن للمطعون ضده على النحو الثابت بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقـــريراً بالرأى القانونى فى الطعن ارتأت فى ختامه الحكم أولاً: بقبول الطعن شكلاً وبوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه. ثانياً: وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداً : أولاً: بعدم قبول طلب الإلغاء لانتفاء القرار الإدارى. ثانياً: برفض طلب التعويض مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المطعون ضده المصروفات.
وقد عينت دائرة فحص الطعون لنظر الطعن جلسة 1/4/2002 وجرى تداوله بالجلسات على النحو الثابت بالمحاضر حيث قدمت هيئة قضايا الدولة عريضة إعلان للمطعون ضده الذى لم يحضر أياً من الجلسات رغم إعلانه وإخطاره، وبجلسة 3/7/2002 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا ( الدائرة الأولى ـ موضوع ) لنظره بجلسة 19/10/2002 حيث جرى تداول الطعن بالجلسات على النحو الثابت بالمحاضر، حيث قدمت هيئة قضايا الدولة عريضة إعلان للمطعون ضده بتاريخ 16/1/2003 والذى لم يحضر أياً من الجلسات رغم إعلانه وإخطاره، وبجلسة 8/2/2003 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 3/5/2003 ومذكرات فى شهر.
وبجلسة اليوم صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه ومنطوقه لدى النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانونًا.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية المقررة.
ومن حيث إن وقائع هذا النزاع تخلص ـ حسبما يبين من أوراق الطعن ـ أن المطعون ضده (مدعٍ أصلاً) قد أقام الدعوى رقم 1606لسنة 55ق. بإيداع عريضتها قلم كتاب محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة وطلب فى ختامها الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار السلبى الصادر من وزير العدل بصفته بقبول الإشكالات أمام القضاء العادى فى أحكام صادرة من محاكم مجلس الدولة مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها الامتناع عن قبولها وقيدها وبتعويضه مادياً وأدبياً.
وذكر شرحاً لذلك أنه يمتلك مكتباً خاصاً للمحاماة بالجيزة ويترافع عن موكليه أمام المحاكم وخاصة محاكم مجلس الدولة، وأنه بتاريخ 7/11/2000 صدر حكم محكمة القضاء الإدارى لأحد موكليه فى الدعوى رقم 775 لسنة ٥٥ق. قاضياً بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار وأمرت بتنفيذ الحكم بمسودته وبدون إعلان وهو الحكم الذى يؤدى إلى تغيير صفة المدعو/ بدر محروس سليمان شعراوى من مرشح على مقعد العمال إلى مقعد الفئات بالدائرة الأولى لقسم الجيزة، إلا أنه فى صباح يوم إجراء الانتخابات الموافق8/11/2000 فوجئ المدعى أن الحكم المذكور لم يتم تنفيذه بسبب قبول تابعى المدعى عليه الأول ـ وزير العدل ـ وهو قلم كتاب محكمة الجيزة الابتدائية قيد إشكال فى تنفيذ الحكم المذكور أمام محكمة الأمور المستعجلة مرفوع من الصادر ضده الحكم وذلك بالمخالفة للقانون لأن الحكم المستشكل فيه صادر من محاكم مجلس الدولة وليس من محكمة الجيزة الابتدائية، وقبول تابعى المدعى عليه الثانى الإشكال الخاطئ وأوقفوا تنفيذ الحكم المذكور واستمروا فى إدراج اسم المدعو/ بدر محروس كمرشح على مقعد العمال بالمخالفة لحكم محكمة القضاء الإدارى، وقد سارع الطاعن إلى محكمة القضاء الإدارى مرة أخرى رافعاً الدعوى رقم 947 لسنة 55 ق. طالباً وقف تنفيذ قرار المدعى عليه الثانى الصادر بإعلان نتيجة انتخابات مجلس الشعب عن الدائرة الأولى قسم الجيزة عن مقعد العمال، وبتاريخ 13/11/2000 حكمت المحكمة بوقف تنفيذ قرار وزير الداخلية المطعون فيه فيما تضمنه من إعلان نتيجة انتخابات مجلس الشعب فى الدائرة الأولى قسم الجيزة مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها إجراء الانتخابات مجدداً فى هذه الدائرة بين جميع المرشحين على مقعدى العمال والفئات وعلى أن يدرج اسم/ بدر محروس تحت صفة فئات، وأمرت بتنفيذ الحكم بمسودته وبدون إعلان وسارع المدعى إلى تنفيذ هذا الحكم إلا أنه حدث ما حدث عقب صدور الحكم الأول وتم قيد إشكال فى التنفيذ أمام محكمة الجيزة للأمور المستعجلة وقَبِلَ العاملون في مديرية أمن الجيزة الإشكال وأوقفوا سريان الحكم وبالتالى فقد أخطأ العاملون بقلم كتاب محكمة الجيزة عندما قبلوا قيد إشكال فى تنفيذ حكم صادر من محكمة القضاء الإدارى، وكذلك أخطأت مديرية أمن الجيزة فى قبول هذه الإشكالات وذلك بالمخالفة لأحكام المحكمة الدستورية العليا، وأن هذا الخطأ قد أصاب المدعى بأضرار مادية وأدبية تمثلت فى ظهوره بمظهر غاية فى السوء أمام موكله والكافة بحيث أصبح مهاناً فى سمعته المهنية أمام باقى المحامين الذين وصفوه بالجهل بأساليب السلطة التنفيذية، ويقدر المدعى خمسين ألف جنيه تعويضاً عن هذه الأضرار، وبالنسبة للأضرار المادية فقد تمثلت فى عدم تقاضى المدعى أى أتعاب عن جهده من موكله الذى امتنع عن إعطائه أى أتعاب لعدم استفادته من الأحكام التى حصل عليها، وكان متفقاً على أن يؤدى إليه مبلغ خمسة عشر ألف جنيه وهى محل مطالبة كتعويض مادى للمدعى.
تدوول نظر الشق العاجل من الدعوى بجلسات محكمة أول درجة على النحو الثابت بالمحاضر، وبجلسة 9/1/2001 قررت المحكمة إحالة الدعوى إلى هيئة مفوضى الدولة والتى أعدت تقريراً بالرأى القانونى ارتأت فى ختامه الحكم. أولاً: بالنسبة لطلب وقف تنفيذ ثم إلغاء القرار المطعون فيه. أصلياً: بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة. واحتياطياً: بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإدارى. ثانياً: بالنسبة لطلب التعويض بقبوله شكلاً ورفضه موضوعاً مع إلزام المدعى المصروفات.
تدوول نظر الدعوى بجلسات المحكمة على النحو الثابت بالمحاضر، وبجلسة 26/2/2002 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه.
وشَّيدت المحكمة قضاءها ـ بالنسبة لرفض الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإدارى بعد أن استعرضت نص المادتين 157، 172 من الدستور والمادة (10) من قانون مجلس الدولة والمادة (15) من قانون السلطة القضائية ـ على سند أن وزير العدل هو الوزير المختص بشئون العدالة ويقوم علي تنفيذ أحكام القانون وأن عدم إصداره تعليمات تنظم قبول الإشكالات فى التنفيذ يمثل قراراً سلبياً مما يقبل الطعن فيه بالإلغاء أمام هذه المحكمة ومن ثَمَّ تقضى المحكمة برفض هذا الدفع.
كما شَّيدت المحكمة قضاءها ـ بالنسبة لرفض الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء شرط المصلحة أنه توافر للمدعى صفة ومصلحة فى الدعوى بصفته محامياً فى القضايا المشار إليها وعليه تقضى المحكمة برفض الدفع.
وبالنسبة لموضوع الدعوى أقامت المحكمة قضاءها ـ وبعد أن استعرضت نصوص المواد 3و64و65و68و72 من الدستور المصرى، ونصوص المادتين 3 و50 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972، وحكم المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم ١١ لسنة 20ق. دستورية الصادر بجلسة 1/8/1999ـ على سند من أنه “وإن كان الدستور قد أناط إلى السلطة التنفيذية أمر تنفيذ أحكام القانون بمعناه الواسع الذى يشمل القواعد الدستورية والتشريعية واللائحية مستخدمة فى ذلك الأدوات التشريعية التى تقدرت لها ومنها القرارات التنظيمية فإنه يضحى على وزير العدل المنوط به إدارة مرفق العدالة إصدار القرارات الملزمة إلى العاملين بأقلام الكتاب لمحاكم القضاء العادى والتى تمنع قيد إشكالات التنفيذ فى الأحكام الصادرة من محاكم مجلس الدولة، ولا يعتبر ذلك تدخلاً فى أعمال القضاء أو جوراً على حق التقاضى ـ كما ورد بمذكرة جهة الإدارة ـ فحق التقاضى وإن كان من الحقوق الدستورية التى كفلها الدستور لكل مواطن فإن تنظيمه يجب أن يكون على وجه يحقق أحكام الدستور ذاته ويتفق والقوانين السارية ولا يحول عن كل مواطن السعى بدعواه إلى قاضٍ يكون بالنظر إلى طبيعتها وعلى ضوء عناصرها مهيأً للفصل فيها وهو ما يمثل الوجه الأمثل لتحقيق المبدأ الدستورى، فضلاً عن أن منع قيد الإشكالات أمام محاكم القضاء العادى فى الأحكام الصادرة عن القضاء الإدارى لا يغمط حق المتقاضين فى اللجوء إلى القضاء الإدارى بإشكالاتهم فى أحكامه خاصة وأن الدولة تسعى جاهدة إلى إنشاء دوائر للقضاء الإدارى فى كافة أنحاء الجمهورية تحقيقاً لمبدأ حق التقاضى بتقريبه إلى المواطنين وبما أفصح عنه الواقع العملى من إنشاء دوائر متعددة لمحكمة القضاء الإدارى والمحاكم الإدارية والتأديبية فى مختلف محافظات الجمهورية.
وأضافت المحكمة أنه لما كان الأمر كذلك فإن امتناع المدعى عليه الأول عن إصدار قرار يتضمن منع أقلام كتاب محاكم القضاء العادى من قيد إشكالات التنفيذ فى الأحكام الصادرة عن محاكم مجلس الدولة يكون مخالفاً لصحيح حكم القانون وتقضى المحكمة من ثَمَّ بإلغائه سداً للذرائع وغلقاً للأبواب أمام بعض ذوى النفوس الضعيفة من المتقاضين والمحامين الذين يسيئون عمداً إلى العدالة ولا يراعون قدسية الأحكام ومبدأ سيادة القانون.
وبالنسبة لطلب التعويض ـ أقامت المحكمة قضاءها على سند أن المدعى قد حدد الضرر المادى الذى لحق من جراء عدم صدور هذا القرار بقيمة الأتعاب التى نكل المدعى فى الدعوى التى أقامها عن سدادها وهو قول مرسل لم يسانده دليل من الأوراق وبالنسبة للضرر الأدبى الذى لحق بالمدعى فإن إلغاء القرار المطعون فيه يكون كافياً لجبر هذا الضرر لما يمثله من تتويج لدعواه فى مواجهة المدعى عليهم بصفاتهم وبالتالى يتعين القضاء برفض طلب التعويض.
وإذ لم يلق هذا القضاء قبولاً لدى الطاعنين بصفتهم فقد بادروا إلى إقامة الطعن الماثل ناعين على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون لأن القانون وحده هو مصدر الاختصاص القضائى، وأن المشرع وحده هو صاحب التقدير فى أن يعهد باختصاص معين لجهة قضائية بالفصل فى مسائل لا تكون داخلة فى ولايتها أصلاً ولو لفترة انتقالية تدخل فى تقديره، فالمشرع وحده هو صاحب التقدير فى حاجة المجتمع إلى التشريع ولا يجوز للسلطة القضائية وإن كان لها اقتراح التشريع أن تسعى إلى تحقيق ما تصبو إليه بغير طريق المشرع بأن تعهد إلى السلطة التنفيذية بمقتضى القوة الإلزامية للأحكام أن تمارس عملاً يدخل أصلاً فى اختصاص المشرع وحكم المادة الثانية من مواد إصدار قانون مجلس الدولة قاطع فى دلالته على انفراد المشرع بوضع قواعد توزيع العمل القضائى، كما أن الحكم المطعون فيه قد خالف حكم حديث للمحكمة الإدارية العليا قضى بانتفاء ركن الخطأ فى حق الجهة الإدارية فى حالة إقامتها إشكالاً فى تنفيذ حكم لمحكمة القضاء الإدارى هذا فضلاً عن أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ فى فهم القانون وتطبيقه لأنه أقام قضاءه استناداً إلى الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بجلسة 1/8/1999 فى القضية رقم 11ق. ورتب الحكم الطعين على ذلك من جواز استخدام القرارات التنظيمية كأداة تشريعية على الرغم من أن الحكم الصادر فى الدعوى الخاصة بتنازع الاختصاص لا يستبق صدور قرار عام بمناسبته وإنما يقتصر أثره على تحديد جهة الاختصاص، ويتم بحثه وفقاً لظروف كل تنازع على حدة، وذلك خلافاً للأثر الذى يترتب على أعمال المحكمة الدستورية العليا واختصاصها الملزم فى تفسير نصوص القانون واختصاصها بالفصل فى دستورية القوانين.
وأضاف تقرير الطعن أن مفاد ما تقدم عدم صحة فكرة الحكم المطعون فيه من جواز تنظيم حق التقاضى بإصدار أوامر وتعليمات بقرارات تنظيمية لأقلام الكتاب فى المحاكم للامتناع عن قيد إشكالات التنفيذ فى الأحكام الصادرة من المحاكم الإدارية أمام محاكم القضاء المدنى، وأن القول بغير ذلك يؤدى إلى حجب الاختصاص بنظر الإشكالات عن جهة القضاء التى لها أن تتبين ما يدخل منها فى اختصاصها أو ما يخرج منها عن هذا الاختصاص وهذا أمر لا يمكن تنظيمه إلا بأداة تشريعية مساوية لقاعدة تقدير الاختصاص ابتداءً، كما أن الدستور قصر إصدار اللوائح على رئيس الجمهورية أو من يفوضه.
واستطرد الطاعنون بصفتهم أن تبعية أقلام الكتاب بالمحاكم لوزير العدل هى تبعية إشرافية تقتصر على ضبط صدور قيام هذه الأقلام بواجباتها التى نص عليها القانون وطبيعة عملهم هى طبيعة معاونة للقضاة بحيث لا يجوز قانوناً تدخل هذه الأقلام فى اختصاص الوظيفة القضائية بما يعوقها، كما أن أحكام المحكمة الدستورية العليا قد استقرت على أن السلطة التنفيذية ليس لها أن تجهض قراراً قضائياً قبل صدوره ولا أن تحول بعد صدوره دون تنفيذه ولا أن تحور الآثار التى رتبها ولا أن تعدل فى تشكيل هيئة قضائية لتؤثر فى أحكامها.
ومن حيث إن الطاعنين بصفتهم قد دفعوا بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإدارى.
ومن حيث إن المدعى يهدف من دعواه إلى الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار وزير العدل السلبى بالامتناع عن إصدار تعليمات تحظر على أقلام محاكم القضاء العادى أن تقيد فى جداول تلك المحاكم الإشكالات المقامة من الأفراد والجهات الإدارية فى الأحكام الصادرة من محاكم مجلس الدولة.
ومن حيث إنه يتعين بادئ ذى بدء الإشارة إلى أن القرار الإدارى ـ وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة ـ هو إفصاح جهة الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح فى الشكل الذى يتطلبه القانون بقصد إحداث أثر قانونى معين متى كان ذلك ممكناً جائزاً قانوناً وكان الباعث عليه تحقيق مصلحة عامة، كما يعتبر امتناع الإدارة عن اتخاذ قرار كان من الواجب عليها اتخاذه وفقاً للقوانين واللوائح بمثابة قرار إدارى سلبى يجوز الطعن عليه بالإلغاء، وأن يكون مناط ذلك أن تكون هناك ثمة قاعدة قانونية عامة تقرر حقاً أو مركزاً قانونياً لاكتساب هذا الحق أو المركز القانونى بحيث يكون تدخل الإدارة لتقريره أمراً واجباً عليها متى طلب منها ذلك ويكون تخلفها عنه بمثابة امتناع عن أداء هذا الواجب بما يشكل مخالفة قانونية، فإذا لم يكن إصدار مثل هذا القرار واجباً عليها أو يخرج عن اختصاصها فإن امتناعها عن إصداره لا يشكل قراراً سلبياً مما يقبل الطعن عليه بالإلغاء، وفى ذلك تنص المادة (10) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 على أنه “ويعتبر فى حكم القرارات الإدارية رفض السلطات الإدارية أو امتناعها عن اتخاذ قرار كان من الواجب عليها اتخاذه وفقاً للقوانين واللوائح”.
ومن حيث إن المادة (68) من الدستور تنص على أن “التقاضى حق مصون ومكفول للناس كافة، ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعى…”.
وتنص المادة (165) على أن “السلطة القضائية مستقلة وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر أحكامها وفق القانون”.
وتنص المادة (167) منه على أنه “يحدد القانون الهيئات القضائية واختصاصاتها وينظم طريقة تشكيلها…”
وتنص المادة (67) من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968 على أنه “يقيد قلم الكتاب الدعوى فى يوم تقديم الصحيفة فى السجل الخاص بذلك بعد أن يثبت فى حضور المدعى أو من يمثله تاريخ الجلسة المحددة لنظرها فى أصل الصحيفة وصورها”.
وعلى قلم الكتاب فى اليوم التالى على الأكثر أن يسلم أصل الصحيفة وصورها إلى قلم المحضرين لإعلانها ورد الأصل إليه.
وتنص المادة (159) من قانون السلطة القضائية الصادر بموجب قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 1972 على أن “موظفى المحاكم يتسلمون الأوراق القضائية الخاصة بأعمال وظائفهم ويحفظونها ويحصلون الرسوم ….. ويقومون بكل ما تفرضه عليهم القوانين والتعليمات…..”
ومن حيث إن مفاد ما تقدم من نصوص أن حق التقاضى هو حق مصون دستورياً ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعى، وقد فوض الدستور القانون فى تحديد الهيئات القضائية واختصاصاتها وتنظيم طريقة تشكيلها ولم يترك جزءاً من هذا التنظيم للسلطة التنفيذية وإنما أوكل للسلطة التشريعية وحدها تحديد الهيئات القضائية وتنظيم اختصاصها الولائى، واعتبر هذا الأمر من النظام العام الذى لا يجوز الخروج عليه أو تنظيمه بأداة أدنى من القانون، كما أكد الدستور استقلال السلطة القضائية التى تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر أحكامها وفق القانون وتعد إحدى سلطات الدولة الثلاث وتقوم على ولاية القضاء وتستقل بشئون العدالة فى مقابلة السلطتين التشريعية والتنفيذية.
وقد بيّن المشرع فى قانون المرافعات المدنية والتجارية وقانون السلطة القضائية عملية قيد صحف الدعاوى أو الطعون أو إشكالات التنفيذ أمام جهة القضاء العادى وذلك بأن يقوم قلم الكتاب بالقيد فى يوم تقديم الصحيفة فى السجل الخاص بذلك، وأنه من المستقر عليه فقهاً وقضاء أن عملية قيد صحف الدعاوى أو الطعون أو إشكالات التنفيذ بمعرفة الجهاز الإدارى بالمحكمة ممثلاً فى قلم الكتاب المختص يخرج من نطاق الأعمال القضائية فى مفهومها الدقيق، وأن ما يصدر من قلم الكتاب فى هذا الشأن من قرارات إيجابياً أو سلبياً تعتبر من قبيل القرارات الإدارية التى يختص بنظر النزاع فيها القضاء الإدارى وذلك طبقاً للمعيار الموضوعى أو الشكلى اللذين استقر عليهما القضاء الإدارى فى التمييز بين القرارات الإدارية والأعمال القضائية، فقلم الكتاب بالمحكمة يختص بتلقى صحف أو عرائض الدعاوى أو الطعون أو إشكالات التنفيذ من أصحاب الشأن ويكون ملزماً قانوناً باستيفاء إجراءات قيدها ولا يملك حيالها أية سلطة تقديرية أياً كان موضوع هذه الدعاوى أو الأحكام أو الأوامر أو إشكالات التنفيذ محل الطعون وإلا ترتب على ذلك تعطيل حق التقاضى أو وضع العراقيل أو العقبات أمام ممارسته وهو ما لا يجوز دستورياً وقانونياً، وإنما يكون المختص بالفصل فى هذه الدعاوى أو الطعون أو إشكالات التنفيذ، المحكمة المرفوع أمامها تلك الدعاوى أو الطعون أو إشكالات التنفيذ ومن ثَمَّ فإنه لا يجوز لقلم كتاب المحكمة أن يحل محل المحكمة المختصة فى النظر فى الدعوى أو الطعن أو الإشكال الذى يرغب صاحب الشأن فى إقامته ويقيد بعضها ويمتنع عن قيد البعض الآخر وإلاَّ ترتب على ذلك إهدار لحق التقاضى الذى صاغه الدستور كضمان نهائى لسيادة القانون، ومن ثَمَّ يكون امتناع قلم الكتاب عن قيد الإشكال هو مخالفة لصحيح حكم القانون حيث إنه لا يتصور ولا يعقل قانوناً أن ينصب قلم الكتاب من نفسه قاضياً فيقبل من العرائض والطعون والإشكالات ويرفض ما يشاء طغياناً على الحق المقرر أصلاً للمحكمة التى يلتجئ إليها المدعى ولو كانت فى الفرض الجدلى غير مختصة بنظر الدعوى أو الطعن أو الإشكال.
ومن حيث إن الدستور قد اختص فى المادة (86) منه السلطة التشريعية بمهمة إصدار القوانين، فلا تباشرها إلا بنفسها، ولم يخَوَّل السلطة التنفيذية مباشرة شىء من الوظيفة التشريعية إلا فى الحدود الضيقة التى بينتها نصوصه حصراً، ذلك أن الأصل أن السلطة التنفيذية لا تتولى التشريع، وإنما يقوم اختصاصها أساساً على إعمال القوانين وإحكام تنفيذها، غير أنه استثناء من هذا الأصل وتحقيقاً لتعاون السلطات وتساندها، فقد عهد الدستور إليها فى حالات محددة بأعمال تدخل فى نطاق الأعمال التشريعية من ذلك إصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين فنصت المادة (144) من الدستور على أن “يصدر رئيس الجمهورية اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين، بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها، وله أن يفوض غيره فى إصدارها، ويجوز أن يعين القانون من يصدر القرارات اللازمة لتنفيذه، وأن مفاد هذا النص أن الدستور حدد على سبيل الحصر الجهات التى تختص بإصدار اللوائح التنفيذية فقصرها على رئيس الجمهورية أو من يفوضه فى ذلك أو من يحدده القانون لإصدارها ، بحيث يمتنع على من عداهم ممارسة هذا الاختصاص الدستورى وإلا وقع عمله اللائحى مخالفاً لنص المادة (144) المشار إليها “يراجع حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 1/8/1998 فى القضية رقم 3 لسنة 19ق. دستورية ـ المحكمة الدستورية العليا ـ الجزء التاسع ص34 وما بعدها”.
ومن حيث إنه لما كان ذلك وقد خلا كل من قانون المرافعات المدنية والتجارية وقانون السلطة القضائية من أى نص يخاطب رئيس الجمهورية أو من يفوضه فى ذلك يخول إصدار لوائح تنفيذية لهذين القانونين اللذين تضمنا كيفية قيد صحف الدعاوى أو الطعون أو إشكالات التنفيذ بقلم كتاب المحكمة الذى يكون ملزمًا بتلقى الصحف أو عرائض الطعون أو الإشكالات من أصحاب الشأن ويكون ملزماً قانوناً باستيفاء إجراءات قيدها وذلك على النحو السالف بيانه، ومن ثَمَّ فإنه لا يجوز للسلطة التنفيذية ـ ممثلة فى وزير العدل ـ أن تتدخل بأى إجراء أو تنظيم يعوق حق التقاضى ويمنع قيد صحيفة دعوى أو طعن أو إشكال ولو كان مقاماً أمام محكمة غير مختصة إذا أن ذلك يمثل عدواناً صارخاً على اختصاص محجوز بنص الدستور للسلطة التشريعية ويخرج عن اختصاص السلطة التنفيذية، ويترتب عليه تضييق لحق التقاضى المكفول بموجب نص الدستور بحسبان أن اللجوء إلى الوسائل الى أتاحها القانون لوقف تنفيذ الأحكام أو الطعن عليها هو حق مكفول لكل ذى شأن يستعمله بالقدر الذى يرى فيه تحقيقاً لمصلحته أو درءاً لما يحيق به من خطر من جراء التنفيذ وذلك إلى أن يصبح هذا الحكم نهائياً ويضحى عدم تنفيذه حينئذ موجباً للمساءلة الجنائية أو المدنية إذا توافرت عناصرها .
كما أنه يترتب على تدخل السلطة التنفيذية فى هذا الشأن منح اختصاصات قضائية لأقلام كتاب المحاكم هى من صميم اختصاص السلطة القضائية التى تتولاها منفردة بنص المادة (165) من الدستور.
ومن حيث إنه بالترتيب على ما تقدم وبالبناء عليه فإن وزير العدل لا يملك قانوناً إصدار قرارات أو تعليمات لأقلام كتاب محاكم القضاء العادى تمنع قيد الإشكالات المقامة فى الأحكام الصادرة من محاكم مجلس الدولة؛ حيث إن مثل هذا الأمر يدخل فى اختصاص السلطة التشريعية فقط إذا رأت وجهاً لذلك، ومن ثَمَّ فإنه لا يوجد أى التزام قانونى على وزير العدل بإصدار أية قرارات أو أوامر تمنع أقلام كتاب محاكم القضاء العادى من قيد إشكالات التنفيذ فى الأحكام الصادرة من محاكم مجلس الدولة وهو الأمر الذى ينتفى معه ـ والحال كذلك ـ القرار الإدارى السلبى الذى يمكن أن يطعن عليه بالإلغاء وتضحى الخصومة الماثلة لا تصادف قراراً سلبياً كان أو إيجابياً مما يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإدارى.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد ذهب غير هذا المذهب فإنه يكون قد خالف القانون وجانب الصواب مما يتعين معه الحكم بإلغائه.
ومن حيث إن من يخسر الطعن يلزم بمصروفاته عملاً بحكم المادة (184) من قانون المرافعات
حكمت المحكمة
بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجددًا بعدم قبول طلب الإلغاء لانتفاء القرار الإدارى، وألزمت المطعون ضده المصروفات.