جلسة 12 من نوفمبر سنة 2011
الطعن رقم 47288 لسنة 56 القضائية (عليا)
(الدائرة الثانية)
– شئون الأعضاء- أثر التنبيه في ترقية العضو- التنبيه الموجه للعضو لأسباب تتعلق بالعمل الفني لا يُعَدُّ سببا كافيا للتخطي في الترقية.
– المادتان رقما (14) و(16) من قانون هيئة قضايا الدولة، الصادر بالقرار بقانون رقم 75 لسنة 1963، معدلا بموجب القانون رقم 10 لسنة 1986.
– شئون الأعضاء- الترقية إلى درجتي (نائب رئيس) و(وكيل) يستلزم إعداد تعريف عن عضو الهيئة الذي لا تخضع أعماله للتفتيش الفني- التعريف بهذه المثابة لا يعد تقريرا بالتفتيش على أعمال العضو، وإنما هو تقرير وإفراغ خلاصة ما ورد بملف خدمته وملفه السري من عناصر يتعين طرحها أمام المجلس الأعلى قبل النظر في الترقية.
– شئون الأعضاء- تخطٍ في الترقية- ثبوت أهلية العضو في الترقية إلى درجة (مستشار) وما سبقها من درجات يمنع إعادة النظر في الوقائع السابقة على ترقيته لهذه الوظائف عند الترقية إلى الدرجات الأعلى- قواعد العدالة تتأبى الردة والرجوع والاستناد إلى وقائع سابقة (تنبيهات) وجهت للعضو مر عليها أكثر من خمسة عشر عاما، ولم تكن مانعا نحو الترقية إلى الدرجات السابقة على درجتي (وكيل) و(نائب رئيس).
– مسئولية جهة الإدارة عن أعمالها- ركن الضرر- الضرر الأدبي- الضرر الأدبي يتمثل في الألم النفسي الذي يصيب المضرور لشعوره بوقوع الظلم عليه ونظرة زملائه وذويه وما يستتبعها من همزات ولمزات تنال من شرفه وسمعته وحسن سيرته، وتلكم أضرار لا تجبرها أية مبالغ مالية.
– القضاء بالتعويض ليس من مستلزمات القضاء بالإلغاء– الحكم بإلغاء القرار الإداري قد يكون فيه جبرٌ كافٍ للضرر– الأمر مرده للمحكمة، تبحث كل حالة على حدة، على وفق واقعاتها وظروفها وملابساتها، بما يحقق العدالة بين طرفي النزاع.
بتاريخ 29/9/2010 أودع وكيل الطاعن قلم كتاب هذه المحكمة تقرير الطعن الماثل طالبا الحكم بقبول الطعن شكلا، وبإلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 199 لسنة 2010 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية لدرجة وكيل هيئة قضايا الدولة، وما يترتب على ذلك من آثار أخصها وضعه في ترتيب أقدميته بين المرقين بهذا القرار على أن يكون سابقا على الزميل المستشار/… ولاحقاً للزميل المستشار/… المرقين، وما يترتب على ذلك من آثار مالية وأحقيته في التعويض الذي تقدره المحكمة عما أصابه من أضرار مادية وأدبية مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات .
وقد أعلن تقرير الطعن على النحو الثابت بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا ارتأت فيه الحكم:
(أولا) بالنسبة لطلب الإلغاء:
أصليا: بعدم قبوله شكلا لعدم سابقة التظلم، وإلزام الطاعن المصروفات عدا الرسوم.
واحتياطيا: بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطي الطاعن في وظيفة وكيل هيئة قضايا الدولة، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها إعادة ترتيب أقدميته بين شاغلي درجة وكيل هيئة قضايا الدولة بحيث يكون سابقا على المستشار/… ولاحقا على المستشار/… .
(ثانيا) بالنسبة لطلب التعويض: بقبوله شكلا، وإلزام الجهة الإدارية أن تؤدي للطاعن التعويض الذي تقدره عدالة المحكمة جبرا لما أصاب الطاعن من أضرار مادية وأدبية من جراء القرار الطعين، وإلزام جهة الإدارة المصروفات.
وقد تدوول نظر الطعن بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها، وبجلسة 15/10/2011 تقرر إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر هذا الحكم، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه ومنطوقه لدى النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، والمداولة قانونا.
وحيث إن القرار المطعون فيه صدر بتاريخ 18/7/2010، وتظلم منه الطاعن للسيد المستشار رئيس هيئة قضايا الدولة -حسب الثابت بالأوراق- بتاريخ 28/7/2010، وقيد تظلمه برقم 1348 بذات التاريخ، وإذ أقام طعنه الماثل بتاريخ 29/9/2010، فإنه يكون قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن عناصر المنازعة تخلص –حسبما هو ثابت بالأوراق- في أن الطاعن يشغل وظيفة مستشار بهيئة قضايا الدولة بموجب القرار الجمهوري رقم 2064 لسنة 2007 وكان سابقاً على زميله المستشار/… ولاحقا للمستشار/…، وقد صدر قرار رئيس الجمهورية المطعون فيه رقم 199 لسنة 2010 متضمنا ترقية زملاء أحدث منه في الأقدمية إلى درجة وكيل هيئة قضايا الدولة، ولم يشمله القرار بالترقية، ونعى على القرار المطعون فيه مخالفته للقانون؛ إذ توفرت في شأنه جميع الشروط اللازمة للترقية، وأن الجمعية العمومية لمستشاري هيئة قضايا الدولة قد وافقت على ترشيحه للترقية إلا أن المجلس الأعلى للهيئة قرر تخطيه في الترقية، وأنه منذ أن شغل درجة (محامي) وحتى رقي إلى (مستشار) يباشر عمله على أكمل وجه ولم توقع عليه أي جزاءات، بل إن البيان الخاص به يؤكد قيامه بعمله باقتدار وكفاية، ولم يصدر عنه أي تصرف أو مسلك يشكل عائقا للترقية لدرجة وكيل هيئة قضايا الدولة، ومن ثم يكون القرار المطعون فيه مخالفا للقانون، ويتحقق به ركن الخطأ، فضلا عن الأضرار المادية المتمثلة في حرمانه من المقابل النقدي المقرر للوظيفة الأعلى والآلام النفسية التي حاقت به من جراء القرار غير المشروع.
……………………………………..
وحيث إن المادة (14) من قانون هيئة قضايا الدولة (الصادر بالقرار بقانون رقم 75 لسنة 1963، معدلا بموجب القانون رقم 10 لسنة 1986) تنص على أن: “يكون التعيين في وظائف الهيئة بطريق الترقية من الدرجات التي تسبقها مباشرة…”.
وتنص المادة (16) منه (معدلة بموجب القانون رقم 10 لسنة 1986) على أن: “يكون شغل وظائف أعضاء الهيئة سواء بالتعيين أو بالترقية بقرار من رئيس الجمهورية … ويعين نواب الرئيس والوكلاء بموافقة المجلس الأعلى للهيئة وبناء على ترشيح جمعية عمومية خاصة تشكل من رئيس الهيئة ونوابه والوكلاء…”.
وحيث إن مؤدى ما تقدم -وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة- أن المشرع قد وضع قاعدة تقضي بأن شغل عضو هيئة قضايا الدولة للوظيفة الأعلى يكون عن طريق الترقية من الدرجة التي تسبقها إذا توفرت في شأنه شروط الترقية، التي من أهمها الأقدمية مع الجدارة، ويصدر بالترقية قرار عن رئيس الجمهورية بناء على موافقة المجلس الأعلى للهيئة، بعد ترشيح الجمعية العمومية الخاصة، وذلك بالنسبة لنواب الرئيس والوكلاء.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن العرف في الهيئات القضائية المختلفة قد جرى على إعداد ما يسمى بالتعريف على عضو الهيئة القضائية الذي لا تخضع أعماله للتفتيش عند النظر في ترقيته إلى الوظيفة الأعلى، والتعريف بهذه المثابة ليس تقريرا بالتفتيش على أعمال العضو، وإنما هو تقرير وإفراغ لخلاصة ما هو وارد في ملف خدمته وملفه السري من عناصر يتعين طرحها أمام المجلس الأعلى قبل النظر في ترقيته، لتحديد مدى أهلية العضو وصلاحيته لمباشرة أعمال الوظيفة المرشح للترقية إليها، وأن للسلطة المختصة وهي في سبيل إجراء الترقية أن تعمل الموازنة بين جميع العناصر التي تتكون منها الأهلية لتقدير مدى توفر درجة الأهلية اللازمة للترقية، ومن ثم فإنه لا تثريب عليها في تقديرها مادام أن ذلك كان مستمدا من أصول تنتجه ومستندا إلى وقائع ثابتة، فإذا أفصحت الجهة المعنية عن أسباب التخطي في الترقية فإن ما تبديه من أسباب يستنهض رقابة القضاء الإداري خضوعا وامتثالا لتلك الرقابة، حيث يمحص هذه الأسباب للتأكد من ثبوتها في الواقع كوقائع مادية ومطابقتها للقانون، ثم بيان مدى أثر وجود هذه الوقائع في النتيجة التي انتهى إليها القرار، وذلك إعمالا لرقابة المشروعية التي يبسطها القضاء الإداري على القرارات الإدارية.
وحيث إنه بتطبيق المبادئ والأصول المتقدمة على وقائع النزاع، وكان الثابت بالأوراق أن الطاعن يشغل وظيفة مستشار بهيئة قضايا الدولة اعتبارا من 29/7/2007 وذلك بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 264 لسنة 2007، وقد وافقت الجمعية العمومية لمستشاري هيئة قضايا الدولة بجلستها المنعقدة في 12/6/2010 على ترشيحه لشغل وظيفة وكيل هيئة قضايا الدولة، إذ حصل على مجموع أصوات بلغت 239 صوتا من إجمالي 255 صوتا، بيد أن المجلس الأعلى لهيئة قضايا الدولة قرر تخطيه في الترقية للوظيفة المشار إليها، وصدر القرار المطعون فيه تبعا لذلك، وقد ارتكن المجلس في ذلك التخطي إلى سبق توجيه عدة تنبيهات فنية للطاعن.
وحيث إن الثابت بالأوراق أن أغلب التنبيهات التي وجهت للطاعن، والتي كان آخرها في 15/4/1995 كانت لأسباب فنية تتعلق بأداء العمل الفني والتي يستطيع العضو تداركها خلال فترة التفتيش، فضلا عن أنها كانت في تواريخ سابقة على ترقية الطاعن لعدة وظائف آخرها وظيفة (مستشار) التي شغلها اعتبارا من 29/7/2007، أي أنه قد انقضى على صدور تلك التنبيهات أكثر من خمسة عشر عاما، وهو الأمر الذي يكشف بجلاء ويقطع حقا وصدقا وعدلا بصلاحية وكفاية الطاعن، إذ لو كان الأمر غير ذلك لما تمت ترقيته لوظيفة مستشار.
كما أنه ليس من العدل في شيء أن تظل تلك التنبيهات وما وجه للطاعن منذ أكثر من خمسة عشر عاما حائلا وقيدا عليه طوال مدة حياته الوظيفية في الترقيات للدرجات الأعلى، فتلكم الأمور لم تكن حائلا ومانعا نحو ترقيته إلى وظيفة نائب، ومستشار مساعد بفئتيهما (ب) و(أ)، ثم أخيرا لوظيفة (مستشار)؛ إذ إنه بترقية الطاعن إلى تلك الوظائف يكون قد توفرت في شأنه وبحق الكفاية والصلاحية، فقواعد العدالة تتأبى الردة والرجوع والاستناد إلى وقائع سابقة على تاريخ الترقية للوظائف المشار إليها والتي شغلها الطاعن لتكون حجر عثرة بينه وبين الترقية إلى وظيفة وكيل هيئة قضايا الدولة.
وحيث إنه وعلى هدي ما تقدم، فإن الأسباب التي أبدتها الهيئة المطعون ضدها لتخطي الطاعن في الترقية إلى وظيفة (وكيل هيئة قضايا الدولة) بالقرار المطعون فيه تكون غير قائمة على سندها القانوني الصحيح، ويكون تخطيه في الترقية بالقرار الطعين قد وقع في دائرة عدم المشروعية بالمخالفة لأحكام القانون، مما يتعين معه القضاء بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطي الطاعن في الترقية لوظيفة (وكيل هيئة قضايا الدولة)، مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها إعادة ترتيب أقدميته بين شاغلي وظيفة وكيل هيئة قضايا الدولة.
– وحيث إنه عن الطلب الثاني للطاعن والخاص بالتعويض فإنه لما كان المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة أن مناط مسئولية الجهة الإدارية عن القرارات الإدارية توفر ثلاثة أركان:
(أولها) الخطأ، بأن يكون القرار المطلوب التعويض عنه غير مشروع.
(ثانيها) أن يحيق بصاحب الشأن ضرر، وأن تقوم علاقة السببية بين الخطأ والضرر وهو الركن (الثالث) من أركان المسئولية.
وحيث إنه لما كان ما تقدم وإذ ثبت للمحكمة عدم مشروعية القرار المطعون فيه رقم 199 لسنة 2010 فيما تضمنه من تخطي الطاعن في الترقية إلى وظيفة (وكيل هيئة قضايا الدولة)، وإنه مما لا ريب فيه أن هذا التخطي قد أحاق بالطاعن ضررا أدبيا تمثل في الألم النفسي لشعوره بوقوع الظلم عليه، ونظرة زملائه وذويه إليه، وما يستتبعها من همزات ولمزات تنال من شرفه وسمعته وحسن سيرته وتلكم أضرار لا تجبرها أي مبالغ مالية مهما كانت طائلة، كما أنه ولئن أصاب الطاعن ضرر مادي من جراء القرار المطلوب التعويض عنه، وكان كل من الضررين ناتجين عن القرار الطعين، بيد أن المحكمة تقدر أن في القضاء بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطي الطاعن في الترقية لوظيفة (وكيل هيئة قضايا الدولة)، مع ما يترتب على ذلك من آثار، قد يكون خير تعويض للطاعن من أي مبالغ مالية، ومن ثم تقضي المحكمة برفض طلب التعويض.
وحيث إن الطعن معفى من الرسوم عملا بالمادة 25 مكررا من قانون هيئة قضايا الدولة.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وبإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطي الطاعن للترقية إلى وظيفة وكيل هيئة قضايا الدولة، مع ما يترتب على ذلك من آثار على النحو المبين بالأسباب، ورفض ما عدا ذلك من طلبات.