جلسة 19 من إبريل سنة 2005م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ كمال زكى عبد الرحمن اللمعى.
نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين / يحيى خضرى نوبى محمد، ومنير صدقى يوسف خليل،
وعبد المجيد أحمد حسن المقنن، وعمر ضاحى عمر ضاحى
نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ محمد إبراهيم عبد الصمد
مفوض الدولة
وحضور السيد/ محمد عويس عوض الله
أمين السر
الطعن رقم 4766 لسنة 47 قضائية عليا:
انقضاء مدة سريان العطاء قبل البت فيه ــ أثر ذلك ــ التفرقة بين طلب استرداد التأمين المؤقت من عدمه.
طبقاً لقانون المناقصات والمزايدات رقم (9) لسنة 1983ولائحته التنفيذية يلتزم المتناقصون بعطاءاتهم منذ تقديمها وحتى نهاية مدة سريانها المحددة باستمارة العطاء، ويجب على الجهة الإدارية أن تبت فى العطاءات خلال المدة المحددة لسريانها ــ أثر انقضاء مدة سريان العطاءات قبل البت فيها يجب التفرقة فيه بين حالتين: الأولى: حالة تقدم المتناقص بطلب لاسترداد التأمين المؤقت فإنه ينتج عن ذلك أن يصير عطاؤه مُلغًى وغير نافذ المفعول، فإذا وصله الإخطار بقبول العطاء بعد هذه المدة فإنه لاينتج أثره القانونى ــ أساس ذلك: هذا القبول من جانب الجهة الإدارية لايصادف إيجاباً قائمًا، بل هو فى حقيقته إيجاب جديد من جهة الإدارة فإذا قبله المتناقص ــ صراحة أو ضمناً ــ انعقد العقد، أما إذا لم يقم من جانبه بأىّّ عمل ــ لاصراحة ولاضمناً ــ يمكن اعتباره بمثابة قبول فعندئذ لاينعقد العقد ــ الحالة الأخرى: إذا انقضت مدة سريان العطاء ولم يقم مقدم العطاء بسحب التأمين المؤقت، فإن هذا المسلك من جانبه يعتبر قرينة على مد المدة فيظل مرتبطاً بعطائه وتظل مدة سريان العطاء ممتدة إلى أن يصل إلى جهة الإدارة ما يدل على العدول ــ تطبيق.
فى يوم الخميس الموافق 15/2/2001 أودع الأستاذ/ سعد حماد (المحامى) نائباً عن الأستاذ/ عادل عطا الله إبراهيم (المحامى) بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرًا بالطعن قيد بجدولها العمومى تحت رقم 4766 لسنة 47ق . عليا فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بقنا فى الدعوى رقم 937 لسنة 2ق بجلسة 17/5/2000 والقاضى منطوقه «بإلزام المدعى عليهما بأن يؤديا للمدعى بصفته مبلغ 14270 جنيهاً قيمة الفروق الناتجة عن تنفيذ العملية محل الدعوى على حسابها وإلزامهما المصروفات».
وطلب الطاعن ــ للأسباب الواردة بتقرير الطعن ــ الحكم بقبول الطعن شكلاً، وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وفى الموضوع بإلغائه والقضاء مجدداً برفض الدعوى، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتى التقاضى.
وجرى إعلان تقرير الطعن إلى المطعون ضده على النحو الثابت بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريرًا مسببًا بالرأى القانونى فى الطعن ارتأت فيه الحكم بعدم قبول الطعن شكلاً وإلزام الطاعن بالمصروفات.
وحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 5/3/2003، وبعد تداوله بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها قررت تلك الدائرة جلسة 5/11/2003 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة ــ موضوع) وحددت لنظره أمامها جلسة 23/3/2004 ونظرت المحكمة بهذه الجلسة والجلسات إصدار الحكم بجلسة 19/4/2005 مع التصريح بتقديم مذكرات فى شهر ومضى الأجل المصرح به دون إيداع أية مذكرات.
وبالجلسة المذكورة صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانونًا.
من حيث إنه عن شكل الطعن فإنه وإن كانت القاعدة أن ميعاد رفع الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا ستين يومًا من تاريخ صدور الحكم إعمالاً لحكم المادة (44) من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 إلا أن هذه القاعدة ليست مطلقة بل ترد عليها عدة استثناءات منصوص عليها فى المادة (213) من قانون المرافعات يبدأ منها ميعاد الطعن من تاريخ إعلان الحكم لا من تاريخ صدوره ويتعين أن يتم إعلان الحكم إلى المحكوم عليه شخصاً أو فى موطنه الأصلى لا فى موطنه المختار حرصاً من المشرع على توافر علم المحكوم عليه الفعلى بالحكم لاحتمال أن يكون صلته قد انقطعت بذلك الموطن المختار وتقديرًا منه للأثر المترتب على إعلان الحكم وهو بدء مواعيد الطعن ولذلك فقد أحاطه بمزيد من الضمانات للتحقق من توافر العلم اليقينى لا الظنى للمحكوم عليه بهذا الحكم دون الاكتفاء فى هذا الصدد بالعلم الحكمى استثناءً من الأصل المنصوص عليه فى المواد (10)، (11)، (12)، (13) من قانون المرافعات. ومن بين هذه الاستثناءات حالة ما إذا كان المحكوم عليه قد تخلف عن حضور جميع الجلسات ولم يقدم مذكرة بدفاعه وسواء كان المحكوم عليه هو المدعى أو المدعى عليه، فإن مدة الطعن فى الحكم الصادر ضده تبدأ من تاريخ إعلانه بهذا الحكم.
ومن حيث إنه ــ وفى ضوء ما تقدم ــ فإنه لما كان الثابت أن الطاعن ذكر فى تقرير طعنه ومذكرة دفاعه المودعة أمام هذه المحكمة بجلسة 13/7/2004 أن الأستاذ / بديع صادق (المحامى) الذى حضر أمام محكمة أول درجة بجلسة المرافعة المنعقدة فى 26/10/1994 لا يمثله قانونًا وأن التوكيل المزعوم الذى أثبته برقم 1157/59 عام إدفو ــ لا وجود له وإنه كان فى عام صدوره (1959) عمره لايتعدى السابعة عشرة، حيث إنه من مواليد 28/1/1941 طبقاً لصورة بطاقته العائلية المرفقة بحافظة مستنداته المودعة بجلسة 13/7/2004، فضلاً عن أن الوكيل المذكور لم يكن قد حصل على مؤهل ليسانس الحقوق فى تاريخ صدور التوكيل المشار إليه.
ومن حيث إنه متى كان الأمر كذلك وكان الثابت أن الطاعن تخلف عن الحضور فى جميع جلسات المرافعة التى تدوولت فيها الدعوى ولم يودع أية مذكرة بدفاعه، كما أنه لم يعلن بمواعيد هذه الجلسات فى موطنه وإنما أعلن فى موطنه المختار سالف الذكر، ومن ثَمَّ فإن ميعاد الطعن فى الحكم مثار النزاع الماثل الصادر ضده يبدأ من تاريخ إعلانه به، وإذ ثبت أن الطاعن أعلن بالصورة التنفيذية للحكم الطعين فى 17/12/2000 وأقام طعنه الماثل بتاريخ 15/2/2001، فإنه يكون مقامًا فى الميعاد القانونى.
وإذ استوفى سائر أوضاعه الشكلية الأخرى المقررة قانونًا، فإنه يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص ــ حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق ــ فى أن الجهة الإدارية المطعون ضدها أقامت الدعوى رقم 937/2ق أمام محكمة القضاء الإدارى بقنا بموجب عريضة مودعة قلم كتابها بتاريخ 10/3/1994 مختصة كل من: (1) أحمد محمد جاد (2) عطا فهمى مدنى (الطاعن) مطالبة الحكم بإلزامهما متضامنين بأن يؤديا للمدعى بصفته مبلغاً وقدره 18770 جنيهًا مع إلزامهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة على سند من القول إن مجلس مدينة الأقصر أعلن عن مناقصة عامة عن عملية توريد وتركيب عدد اثنين عداية مياه أسفل شريط السكة الحديد بالأقصر وتم ترسية العملية على العطاء المقدم من المدعى عليهما وتحدد للتنفيذ مدة قدرها أربعة أشهر وتم إخطارها بالكتاب رقم 466 فى 12/3/1989 لاستكمال التأمين النهائى وقدره 10300 جنيه فى خلال عشرة أيام من تاريخه وتكرر هذا الإخطار مرة ثانية بالكتاب رقم 545 فى 26/3/1989، ثم مرة ثالثة بالكتاب رقم 603 فى 6/4/1989، وأخيرًا بالكتاب رقم 647 فى 11/4/1989، ثم قامت الوحدة المحلية بعد ذلك بإنذارهما بأنه فى حالة عدم الحضور لاستكمال التأمين والتعاقد فسوف تقوم بقبول العطاء التالى لعطائهما مع تحميلهما بكافة الفروق المالية الناتجة وإزاء عدم حضورهما تم العرض على لجنة البت فقامت بتكليف المقاول الذى يلى المدعى عليهما فى العطاءات ويدعى/ عبيد شرف الدين أحمد تنفيذ العملية وتم إبرام عقد معه بقيمة إجمالية قدرها 135635 جنيهاً ولمدة تنفيذ قدرها 4 شهور ونتج عن ذلك فرق قدره 18770 جنيها وهو المبلغ محل المطالبة.
وبجلسة 17/5/2000 أصدرت محكمة القضاء الإدارى بقنا حكمها المطعون فيه.
وشيدت المحكمة قضاءها على أن الثابت من الأوراق أن مجلس مدينة الأقصر أعلن عن مناقصة عامة لتوريد وتركيب عدد 2 عداية مياه أسفل شريط السكة الحديد مصر/ أسوان وتحدد جلسة فتح المظاريف يوم 28/12/1988 فتقدم المدعى عليهما بعطاء قيمته 118900 جنيه وأسفرت المفاوضات التى عقدتها لجنة البت بتاريخ 5/3/1989 عن قبول العطاء المقدم منهما حسب شروطهما وتم إخطارهما بتاريخ 12/3/1989 بالكتاب رقم 466 باعتماد عطائهما عن العملية المشار إليها وطلبت حضورهما لاستكمال التأمين النهائى واستكمال التعاقد واستصدار أمر التشغيل إلا أنهما لم يمتثلا فتم إنذارهما بإنذارات ثلاثة تباعًا بتواريخ 26/3، 2/4، 11/4/1989 بما مفاده أنه فى حالة عدم حضورهما لاستكمال التأمين النهائى وإتمام إجراءات التعاقد فإن جهة الإدارة سوف تقوم بتنفيذ العملية على حسابهما وتحميلهما فروق الأسعار وإزاء عدم استكمال التأمين قررت الجهة الإدارية تنفيذ العملية على حسابهما مع صاحب العطاء التالى لهما بمبلغ إجمالى مقداره 135635 جنيهًا وأسفرت عملية التنفيذ على الحساب على فرق مقداره 14270 جنيهاً وهو ما قضى بإلزامهما بسداده إلى جهة الإدارة المدعية.
وإذا لم يلق الحكم المشار إليه قبولاً لدى الطاعن فقد أقام طعنه الماثل ناعيًا على الحكم المطعون فيه أنه قد صدر مجحفًا بحقوقه وينطوى على مخالفة القانون وخطأ فى تطبيقه وذلك للأسباب الواردة تفصيلاً بتقرير الطعن وتوجز فى الآتى:
أن المدعى عليهما فى الدعوى موضوع الطعن الماثل رفضا التعاقد بسبب عدم إصدار قرار من لجنة البت خلال ستين يومًا من تاريخ جلسة فتح المظاريف فى 28/12/1988 وبذلك أصبحا فى حل من الالتزام بالتعاقد وتأكيدًا لذلك أنهما قاما بتقديم طلب رسمى إلى جهة الإدارة بتسليمهما خطاب الضمان المقدم بينهما كتأمين ابتدائى للعملية، كما أن التعاقد مع صاحب العطاء التالى لهما كان فى 3/4/1989، فى حين زعمت الجهة الإدارية أنها أنذرتهما فى تاريخ لاحق لهذا التاريخ وهو يوم 6/4/1989 وكذلك فى 11/4/1989، كما جاء ملف الدعوى والعملية خاليًا من خطاب الضمان للتأمين المؤقت وكذا ما يفيد قيام جهة الإدارة بتسييل خطاب الضمان وتحويله إلى نقدية من البنك المسحوب عليه ومصادرته لصالحها نفاذا لإنذارها الموجه إليهما.
ومن حيث إنه باستقراء مواد القانون رقم 9 لسنة 1983 بإصدار قانون تنظيم المناقصات والمزايدات ــ الذى تسرى أحكامه على المناقصة مثار النزاع الماثل ــ يبين أنه نص فى المادة (18) منه على أنه :
«يجب إرساء المناقصة على صاحب العطاء الأفضل شروطاً والأقل سعرًا ………..».
ونصت المادة (19) منه على أنه :
«يجب أن يقدم مع كل عطاء تأمين مؤقت لا يقل عن 1% من مجموع قيمة العطاء فى مقاولات الأعمال ……».
ونصت المادة (20) منه على أنه :
«على صاحب العطاء المقبول أن يودع فى فترة لا تجاوز عشرة أيام تبدأ من تاريخ اليوم التالى لإخطاره بكتاب موصى عليه بعلم الوصول بقبول عطائه ما يكمل التأمين المؤقت إلى
ما يساوى 5% من قيمة مقاولات الأعمال التى رست عليه ……».
ونصت المادة (24) منه على أنه :
«إذا لم يقم صاحب العطاء المقبول بأداء التأمين النهائى الواجب إيداعه فى المدة المحددة له فيجوز للجهة المتعاقدة بموجب إخطار بكتاب موصى عليه بعلم الوصول ودون حاجة لاتخاذ أية إجراءات أخرى أو الالتجاء إلى القضاء أن تلغى العقد وتصادر التأمين المؤقت أو أن تنفذه كله أو بعضه على حساب صاحبه بمعرفة الجهة المتعاقدة أو بواسطة أحد مقدمى العطاءات التالية لعطائه أو بالمناقصة أو الممارسة أو بالطريق المباشر».
كما نصت المادة (57) من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 9 لسنة 1983 المشار إليه الصادرة بقرار وزارة المالية رقم 157 لسنة 1983 على أن :
«يبقى العطاء نافذًا المفعول وغير جائز الرجوع فيه من وقت تصديره بمعرفة مقدم العطاء بغض النظر عن ميعاد استلامه بمعرفة جهة الإدارة حتى نهاية مدة سريان العطاء المعينة باستمارة العطاء المرافقة للشروط».
كما نصت المادة (58) من ذات اللائحة في فقرتها الثانية على أنه :
«وعند انقضاء مدة سريان العطاء يجوز لمقدمه استرداد التأمين المؤقت وفى هذه الحالة يصبح العطاء مُلغًى نافذًا المفعول فإذا لم يطلب ذلك اعتبر قابلاً استمرار الارتباط بعطائه إلى أن يصل لجهة الإدارة إخطار منه بسحب التأمين المؤقت وعدوله عن عطائه».
ومن حيث إن مفاد النصوص المتقدمة أن المناقصين يلتزمون بعطاءاتهم ويظلون مرتبطين بها منذ تقديمها إلى المناقصة وحتى نهاية مدة سريانها المحددة باستمارة العطاء، ويجب على الجهة الإدارية أن تبت فى العطاءات خلال المدة المحددة لسريانها وبطبيعة الحال يجب إبلاغ القبول إلى صاحب العطاء خلال المدة التى يكون إيجابه منها قائمًا حسبما تحددها شروط المناقصة.
أما فى حالة انقضاء مدة سريان العطاءات قبل البت فيها فإنه يجب التفرقة بين حالتين :
الأولى: حالة تقدم المتناقض بطلب لاسترداد التأمين المؤقت، فإنه ينتج عن ذلك أن يصير عطاؤه ملغيًا وغير نافذ المفعول، فإذا وصله الإخطار بقبول العطاء بعد هذه المدة فإنه لاينتج أثره القانونى بعد أن يتحلل الموجب من إيجابه بفوات الميعاد المتفق عليه وقيامه بسحب التأمين المؤقت، ومن ثَمَّ فإن هذا القبول من جانب الجهة الإدارية لا يصادف إيجابًا قائمًا، بل هو فى حقيقته إيجاب جديد من جهة الإدارة فإذا قبله المتناقص صراحة أو ضمنًا انعقد العقد، أما إذا لم يقم من جانبه بأىّ عمل ــ لا صراحة ولا ضمنًا ــ يمكن اعتباره بمثابة قبول فعندئذ لا ينعقد العقد.
والحالة الأخرى: إذا انقضت مدة سريان العطاء ولم يقم مقدم العطاء بسحب التأمين المؤقت، فإن هذا المسلك من جانبه يعتبر قرينة على مد المدة، فيظل مرتبطاً بعطائه وتظل مدة سريان العطاء ممتدة إلى أن يصل إلى جهة الإدارة ما يدل على العدول وهذا ما قرره صراحة حكم المادة (58) من اللائحة التنفيذية لقانون المناقصات والمزايدات سالفة الذكر إذ قررت التزام المتناقص الذى لم يقم بسحب التأمين المؤقت بعطائه، إذ اعتبرته قابلاً استمرار الارتباط بعطائه إلى أن يصل لجهة الإدارة إخطار منه بسحب التأمين المؤقت وعدوله عن عطائه، فإذا تم إرساء المناقصة على عطائه قبل هذا العدول وإخطاره بذلك، فإنه يترتب على هذا القبول من جهة الإدارة الآثار القانونية للعقد.
ومن حيث إنه من المستقر عليه أن العقد ــ سواء كان مدنيًا أو إداريًا ــ يتم بمجرد أن يتبادل طرفاه التعبير عن إرادتين متطابقتين وذلك خلال المدة المحددة للقبول، فإذا لم يوجد مايدل على أن الموجب عدل عن إيجابه فى الفترة ما بين الإيجاب والقبول، فإن العقد يعتبر منعقدًا باتصال القبول بعلم من وجه إليه وذلك وفقاً لما تقضى به أحكام القانون المدنى.
ومن حيث إنه ــ وطبقًا لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة ــ أن الإعلان عن إجراء مناقصة أو مزايدة أو ممارسة عن طريق التقدم بعطاء ليس إلا دعوة إلى المتعاقد، وأن التقدم بالعطاء وفقاً للمواصفات والاشتراطات المعلن عنها هو الإيجاب الذى ينبغى أن يلتقى عنده قبول الإدارة لينعقد العقد، وهذا القبول بوصفه تعبيراً عن الإرادة لايتحقق وجوده القانونى إلا إذا اتصل بعلم من وجه إليه.
ومن حيث إنه متى استبان ذلك وكان الثابت من الأوراق أن الجهة الإدارية أعلنت عن مناقصة عامة لتوريد وتركيب عدد (2) عداية ميادة أسفل شريط السكة الحديد ــ مصر ــ أسوان ــ وتحدد لجلسة فتح المظاريف يوم 28/12/1988 وأن مدة سريان هذه المناقصة ستين يومًا من تاريخ فتح المظاريف أى تنتهى مدة التزام كل مقدم عطاء بعطائه فى 27/2/1989 وتقدم الطاعن وآخر بعطاء قيمته 118900 جنيه، بينما بلغ قيمة العطاء التالى له المقدم من/ عبيد شرف الدين أحمد وآخر مبلغ وقدره 135635 جنيهًا وقررت لجنة البت بجلستها المنعقدة فى 8/1/1989 أن العطاء المقدم من الطاعن هو أصلح العطاءات وأوصت برفع الأمر إلى رئيس مجلس مدينة الأقصر للموافقة على مفاوضة صاحب هذا العطاء للتنازل عن بعض تحفظاته ومحضر مفاوضة مؤرخ فى 12/2/1989 وبحضور وكيل عن الطاعن فقررت لجنة البت مفاوضته مرة أخرى، حيث أفاد وكيله أنه متمسك بجميع شروطه الواردة بالعطاء، وبجلسة 5/3/1989 رأت لجنة البت قبول العطاء المقدم من الطاعن حسب شروطه وأخطرته جهة الإدارة بقبول عطائه بكتابها رقم 466 فى 12/3/1989 وطالبته بالحضور لاستكمال التأمين النهائى واستكمال التعاقد واستصدار أمر التشغيل إلا أنه لم يمتثل رغم تكرار إنذاره طبقًا لما سلف بيانه فقررت جهة الإدارة بتاريخ 30/4/1989 تنفيذ العقد على حسابه عن طريق صاحب العطاء التالى له وهو ما لم ينكره الطاعن، بل أقر بذلك بتقرير طعنه وإذا ثبت أن الطاعن لم يقم بسحب التأمين المؤقت وجاء ادعاؤه بتقدمه بطلب إلى جهة الإدارة لاسترداد الضمان المؤقت المقدم منه عارٍ من الصحة، إذ لم يقدم أى دليل على استلامه خطاب الضمان المقدم منه وعدوله عن عطائه أو ما يفيد بانتهاء مدة خطاب الضمان دون قيام البنك بمد أجله أو ما يفيد بإلغائه لأىّ سبب من الأسباب وذلك قبل إخطاره بقبول العطاء.
ومن حيث إنه متى ثبت أن الطاعن لم يقم بعد انقضاء مدة سريان العطاء باسترداد التأمين المؤقت وبذلك يعتبر قابلاً استمرار الارتباط بعطائه ويظل ملزمًا بإيجابه وأعلنته جهة الإدارة بقبولها عطائه ووصل هذا القبول إلى علم الموجب وبذلك يكون العقد قد انعقد، ومن ثَمَّ تكون الجهة الإدارية على حق، إذ اعتبرت الطاعن مرتبطاً بعطائه وطبقت عليه شروط العقد ولجأت إلى تنفيذ هذا العقد على حسابه بعد تقاعسه عن أداء التأمين النهائى فى المدة المحددة له إعمالاً لصريح نص المادة (24) من قانون المناقصات والمزايدات سالف الذكر.
ومن حيث إنه ترتيباً على ما تقدم، فإن مسلك الجهة الإدارية على النحو السالف يتفق وصحيح حكم القانون فلا يطعن عليه وعلى ذلك تكون محقة فى مطالبتها للطاعن بالفروق الناتجة عن التنفيذ على الحساب.
وإذ ذهب الحكم المطعون فيه هذا المذهب، فإنه يكون قد صادف صحيح حكم القانون فى قضائه للأسباب التى قام عليها والتى تتخذها هذه المحكمة أسبابًا لها وتعتمد النتيجة التى انتهى إليها.
ومن حيث إن من خسر الطعن يلزم بمصروفاته عملاً بحكم المادة (184) من قانون المرافعات.
حكمت المحكمة
بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعًا، وألزمت الطاعن المصروفات.