جلسة 15 من ديسمبر سنة 2007
(الدائرة الرابعة)
الطعن رقم 5516 لسنة 52 القضائية عليا
– تأديب- دعوى تأديبية – ضوابط الاتهام- مدى جواز التعويل على شهادة الشهود في مجال يستوجب القانون فيه وجود أدلة كتابية.
في مجال تحديد حقيقة الاتهام المنسوب إلى المتهم المحال للمحاكمة التأديبية يتعين أن يقوم الاتهام على سند صحيح من الواقع، وأن يكون متفقا مع الأوضاع القانونية السليمة التي يفترض إخلال العامل بها- لا يجوز في هذا المقام التعويل على شهادة الشهود في مجال يستوجب القانون فيه وجود أدلة كتابية من نصوصه أو من نصوص اللوائح أو القرارات المنظمة للعمل أو العرف الإداري في المكاتبات الحكومية، وإلا انهار النظام العام الإداري بأكمله بإعلاء شهادة الشهود على الأدلة الكتابية- تطبيق.
في 8/12/2005 أقام وكيل الطاعن الطعن الماثل بإيداع صحيفته قلم كتاب المحكمة مقررا الطعن على الحكم الصادر عن المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا في الدعوى رقم 215 لسنة 47 ق الذي انتهى إلى مجازاة الطاعن بعقوبة اللوم.
وطلب الطاعن في ختام تقرير الطعن إلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجددا ببراءة الطاعن مما هو منسوب إليه.
وقد تم إعلان تقرير الطعن على النحو الثابت بالأوراق. وانتهت هيئة مفوضي الدولة في تقريرها إلى أنها ترى الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجددا ببراءة الطاعن مما هو منسوب إليه.
وتدوول الطعن أمام دائرة فحص الطعون وأمام هذه المحكمة على النحو الثابت بمحاضر الجلسات حيث تقرر إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية المقررة.
ومن حيث إن واقعات الحكم المطعون فيه تخلص حسبما يظهر من الأوراق في أن النيابة الإدارية قد اتهمت الطاعن وآخر بأنهما خلال الفترة من 11/2/2004 حتى 29/12/2004 خرجا على مقتضى الواجب الوظيفي، ولم يؤديا العمل المنوط بهما بدقة وأمانة وسلكا مسلكا لا يتفق والاحترام الواجب للوظيفة بأن:
الأول: 1 -… 2 -… 3 -…
الثاني: … (رئيس الإدارة المركزية للشئون المالية والإدارية والمشرف على مكتب رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية) لم يقم -دون مبرر- باتخاذ الإجراءات اللازمة نحو تنفيذ القرار الوزاري رقم 44/2004 وقرار مجلس إدارة الهيئة المذكورة رقم 49/2004 بتمكين الأول من تسلم عمله كمدير عام مكتب رئيس مجلس إدارة الهيئة ومزاولة عمله خلال الفترة من 11/2/2004 حتى 29/12/2004 مما أدى إلى أنه ظل بدون عمل خلال هذه الفترة.
وباشرت النيابة الإدارية التحقيقات واشتملت عناصر المسئولية التأديبية وثبت لها ارتكاب (الطاعن) للمخالفة بوصفها المبين بقرار الإحالة السالف الإشارة إليه، وخلصت إلى إحالته إلى المحكمة التأديبية التي نظرت الدعوى في عدد من جلساتها وبتاريخ 19/10/2004 قضت بمجازاة الأول والثاني/… بعقوبة اللوم.
وشيدت المحكمة قضاءها بالنسبة للمحال الثاني على أنه يبين من مطالعة الأوراق أن شهود التحقيقات: … رئيس الإدارة المركزية بالهيئة المذكورة، و… رئيس الإدارة المركزية للمراكز العلمية بالهيئة، و… سكرتيرة رئيس مجلس الإدارة، و… و… و… و… و… من العاملين بالهيئة قد أجمعوا على أن المحال الثاني لم يقم -بدون مبرر- باتخاذ الإجراءات اللازمة نحو تنفيذ القرارين المشار إليهما المتضمنين تمكين الأول من تسلم عمله مديرا عاما لمكتب رئيس مجلس إدارة الهيئة، مما أدى إلى عدم مزاولته لمهام وظيفته خلال الفترة من 11/2/2004 حتى 29/12/2004. ويبين أيضا أنه بمواجهة الثاني بما نسب إليه اعترف بعدم اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ القرارين المشار إليهما، وتذرع بأن المذكور لم يطلب تسلم الوظيفة. فضلا عن أنه ما كان يريد الحصول على عدد كبير من العاملين بالهيئة ليكونوا تحت رئاسته. وانتهت إلى حكمها سالف البيان.
ويقوم الطعن على أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله ذلك أن الطاعن قام بما يمليه عليه عمله حيال تعيين المذكور، ولا يدخل في اختصاصه تسليم العمل للمذكور، فضلا عن تقديمه للمستندات التي تثبت قيامه بالإجراءات المقررة لقيام الموظف المذكور بعمله، ولم تشر إليها المحكمة التأديبية مما يصم حكمها بالقصور. وانتهى إلى طلباته سالفة البيان.
ومن حيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه في مجال تحديد حقيقة الاتهام المنسوب إلى المتهم المحال للمحاكمة التأديبية فإنه يتعين أن يقوم الاتهام على سند صحيح من الواقع وأن يكون متفقا مع الأوضاع القانونية السليمة والمفترض إخلال العامل بها، ولا يجوز في هذا المقام التعويل على شهادة الشهود في مجال يستوجب القانون وجود أدلة كتابية من نصوصه أو من نصوص اللوائح أو القرارات المنظمة للعمل أو العرف الإداري في المكاتبات الحكومية، وإلا انهار النظام العام الإداري بأكمله بإعلاء شهادة الشهود على الأدلة الكتابية.
ومن حيث إنه بتطبيق هذا الفهم على واقعات الحكم المطعون فيه فإنه يبين من الأوراق أن النيابة الإدارية وجهت اتهاما للطاعن لا يمكن توجيهه إليه إلا من خلال الأدلة المكتوبة على مخالفة التعليمات واللوائح الإدارية أو العرف الإداري، ولا يجوز لشهادة الشهود إقامة الدليل على هذا الاتهام؛ فتسلم أحد الموظفين للعمل المعين فيه أمر متعارف عليه ومعلوم للكافة في إجراءاته وتسلسله من صدور قرار بالتعيين في الوظيفة وإخطار الجهات المعنية بالجهة الإدارية وقيام الموظف بإخلاء طرفه من جهة وتسلم العمل بإقرار تسلم من جهة أخرى، وكافة هذه الإجراءات تجري في القسم الخاص بشئون الأفراد بإدارات شئون العاملين التابعة للشئون الإدارية في أي هيكل حكومي، ولا يتصور أن يكون للطاعن بوصفه مدير مكتب رئيس مجلس إدارة الهيئة والمشرف على الشئون المالية والإدارية إلا إبلاغ الجهات المعنية بهذا القرار إن كان التنظيم الإداري يسمح بذلك بوصفه مدير مكتب رئيس الهيئة وإبلاغ مرءوسيه بتسلم المذكور العمل بوصفه المشرف على الشئون المالية والإدارية، وليس عليه متابعة تسلم أو عدم تسلم المذكور العمل. ففي مجال إسناد الاتهام للطاعن يجب التثبت من أن واجبات وظيفته تملي عليه القيام بالإجراء المنسوب إليه عدم القيام به، والثابت من بطاقة وصف وظيفة الطاعن أنها لا تتضمن ولا يتصور أن تتضمن هذا الإجراء المادي وهو تمكين أحد الموظفين من تسلم عمله. والثابت من الأوراق أنه عقب صدور قرار وزير الثقافة بخصوص الموظف محل الاتهام… والمتعلق بشغله وظيفة مدير عام مكتب رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق في 21/1/2004 أنه صدر في 11/2/2004 قرار رئيس مجلس إدارة الهيئة المذكورة رقم 49 لسنة 2004 بتنفيذ هذا القرار، وقام المذكور بتسلم العمل وفقا للإقرار المرفق منه في هذا الخصوص، وإزاء شكاوى المذكور من عدم قيامه بعمل فعلي صدر قرار رئيس الهيئة رقم 226 لسنة 2004 في 2/6/2004 بتحديد اختصاصاته الوظيفية، وباشر المذكور العمل في ظلها، ومن ثم فلا علاقة للطاعن بعدم وجود عمل فعلي للمذكور، بدليل أن الأمر تطلب صدور قرار عن رئيس مجلس الإدارة بتحديد اختصاصات الموظف المذكور، وعليه فلا أساس للاتهام المنسوب للطاعن، حيث أكد الشهود أن المسئول عن عدم تحديد اختصاصات الموظف المذكور هو رئيس مجلس الإدارة وليس الطاعن. كما أن الأوراق تبرز أن الموظف المذكور قام بالعمل كمشرف على العلاقات العامة والنشاط الثقافي وهو عمله السابق دون أن يقوم بالشكوى إلا في شهر 5/2004 حيث تم رفع مذكرة بشكواه إلى رئيس مجلس الإدارة، الذي قام بتحديد اختصاصاته، وعليه فإن عدم قيام الموظف المذكور بالعمل المسند إليه يرجع إلى أسباب بعيدة عن الطاعن وترتبط بالموظف شخصيا، حين ارتضى بقاءه في عمله القديم، وترتبط برئيس مجلس الإدارة بعدم تحديد اختصاصاته على نحو دقيق، وعليه فالطاعن في كل الأحوال ليس له شأن في خصوص الاتهام المسند إليه في ظل وجود إدارات مختصة بتسليم الطاعن وأي من الموظفين أعمالهم وتمكينهم منها، وفي ظل وجود لوائح وتعليمات تحدد طبيعة الأعمال وكيفية تقسيم العاملين أصحاب الوظائف الواحدة، وهذا أمر يقع في يد رئيس الجهة الأعلى وبعيدا أيضا عن الطاعن، بما يجعل الاتهام المسند إليه لا يقوم على سند من الواقع أو القانون ويتعين تبرئته منه. وإذ أخذ الحكم المطعون فيه بغير هذا النظر فإنه يكون واجب الإلغاء.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من مجازاة الطاعن والقضاء مجددا ببراءته مما هو منسوب إليه.