جلسة 19 من مايو سنة 2002م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد أحمد الحسينى مسلم.
نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ محمد الشيخ على أبوزيد حسن، وعلى محمد الششتاوى إبراهيم، وأحمد محمد حامد محمد حامد، وسيد عبدالله سلطان.
نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ حسين عبدالحميد.
مفوض الدولة
وسكرتارية السيد/ سيد سيف محمد حسين.
سكرتير المحكمة
الطعن رقم 5567 لسنة 44 قضائية عليا
ـ تأديب عضو مجلس إدارة المنظمة النقابية ـ شرط إخطار الاتحاد العام لنقابات العمال ـ أثر مخالفة هذا الشرط.
المادة (46) من القانون رقم 35 لسنة 1976 بشأن النقابات العمالية.
لئن كان المشرع قد أراد أن يكفل للاتحاد العام لنقابات العمال الحق فى الإحاطة بما ينسب لعضو مجلس إدارة المنظمة النقابية من اتهامات فى جرائم تتعلق بنشاطه النقابى وهو ما يهم الاتحاد العلم به ومعرفة كافة الظروف المحيطة بالاتهام المنسوب للعضو النقابى متعلقاً بممارسة نشاطه النقابى، إلا أن مخالفة ذلك الحظر بعدم الإخطار لا يؤدى إلى بطلان التحقيق الذى يجرى مع العضو النقابى ذلك أن من المقرر أنه لا بطلان إلا بنص ولم يرتب المشرع البطلان على مخالفة هذا النص، كما أنه من ناحية أخرى فإن القصد من ذلك الإخطار هو إحاطة الاتحاد العام للعمال علمًا بالاتهام المتصل بالنشاط النقابى والظروف المحيطة به، وبالتالى فإن عدم الالتزام بالإخطار لا يعد إخلالاً بإجراء جوهرى أو ضمانة جوهرية من ضمانات التحقيق يترتب على مخالفة ذلك البطلان ـ تطبيق.
بتاريخ 26/5/1998 أودعت هيئة النيابة الإدارية قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير الطعن الأول المقيد برقم 5567 لسنة 44 ق.عليا فى الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لرئاسة الجمهورية وملحقاتها فى الدعوى رقم (90) لسنة 38 بجلسة 28/3/1998 فيما قضى به فى منطوقه من مجازاة المطعون ضدها بخصم خمسة أيام من راتبها.
وطلبت النيابة الإدارية ـ للأسباب المبينة بتقرير طعنها ـ الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما تضَّمنه من مجازاة المطعون ضدها بخصم خمسة أيام من راتبها وفيما تضَّمنه من قضاء ضمنى ببراءتها من المخالفتين الثانية والثالثة ومعاقبتها بالعقوبة المناسبة عن المخالفات الثلاث الموضحة بتقرير الاتهام.
وفى يوم الخميس الموافق 28/5/1998 أودع الأستاذ/ عبدالرحيم عبدالعال، المحامى نائباً عن الأستاذة/ ناهد عصمت الهوارى المحامية بصفتها وكيلة عن الطاعنة قلم كتاب هذه المحكمة تقرير الطعن الثانى المقيد برقم 5670 لسنة 44 ق.عليا فى الحكم المشار إليه فيما قضى به من مجازاتها بخصم خمسة أيام من راتبها.
وطلبت الطاعنة ـ للأسباب المبينة بتقرير الطعن ـ الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه الصادر فى الدعوى التأديبية رقم 90 لسنة 38 ق. والحكم ببراءتها من كافة المخالفات المنسوبة إليها.
وقد تم إعلان تقريرى الطعنين إلى المطعون ضدهما على النحو الثابت بالأوراق.
وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريرها بالرأى القانونى فى الطعنين ارتأت فيه بعد التقرير بضمهما:أولاً: بقبول الطعن رقم 5567 لسنة 44 ق.عليا شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بمجازاة المطعون ضدها بالجزاء المناسب، وثانياً: فى الطعن رقم 5670 لسنة 44 ق.عليا بقبوله شكلاً ورفضه موضوعاً.
ونظرت دائرة فحص الطعون بالمحكمة الطعنين الماثلين بجلسة 25/7/2000 وما تلاها من جلسات، وبجلسة 26/9/2001 قررت إحالة الطعنين إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الخامسة/موضوع) لنظرهما بجلسة 30/12/2001 وفيها قدمت الطاعنة فى الطعن الثانى حافظة مستندات وقررت المحكمة ضم الطعن رقم 5670 لسنة 44ق.عليا إلى الطعن رقم 5567 لسنة 44ق.عليا للارتباط، وبجلسة 17/2/2002 تقرر إصدار الحكم فى الطعنين بجلسة اليوم وفيها صدر هذا الحكم، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.
بعد الإطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، والمداولة قانوناً.
من حيث إنه عن الشكل فالثابت من الأوراق أن الحكم المطعون فيه صادر بجلسة 28/3/1998 وأقيم الطعن الأول فى 26/5/1998 خلال الستين يومًا التالية ومن ثَمَّ يكون مقامًا خلال الميعاد القانونى، وإذ استوفى أوضاعه الشكلية فهو مقبول شكلاً، أما بالنسبة للطعن الثانى فقد أقيم فى يوم الخميس الموافق 28/5/1998، ولما كان آخر ميعاد لإقامة الطعن هو 27/5/1998 وأنه لا يبين من الأوراق أن ثمة مبررًا لامتداد الميعاد فإن هذا الطعن والمقام فى اليوم (61) يكون قد أقيم على خلاف الميعاد المنصوص عليه فى المادة (44) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 ويتعين والحالة هذه القضاء بعدم قبول الطعن الثانى شكلاً لرفعه بعد الميعاد ومن ثَمَّ يقتصر بحث الموضوع على الطعن الأول رقم 5567 لسنة 44 ق.عليا المقام من هيئة النيابة الإدارية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص ـ حسبما يبين من الأوراق ـ فى إقامة النيابة الإدارية الدعوى رقم 90 لسنة 38 ق بإيداع أوراقها قلم كتاب المحكمة التأديبية لرئاسة الجمهورية وملحقاتها فى 13/1/1996 متضمنةً ملف القضية رقم 304 لسنة 1995 نيابة إدارية الرئاسة ومذكرة التحقيق وتقريراً باتهام المطعون ضدها ……………………، لأنها خلال عام 1995 بمؤسسة دار الشعب للصحافة والطباعة والنشر بوصفها رئيس قسم المراجعة الفنية بالمؤسسة المذكورة وعضو اللجنة النقابية بها خالفت الواجبات المنصوص عليها فى اللائحة النموذجية المالية والإدارية للمؤسسات الصحفية، وخرجت على مقتضى الواجب فى أعمالها ولم تحافظ على كرامة العمل طبقاً للعرف العام، وسلكت مسلكاً لا يتفق والاحترام الواجب، ولم تؤد الالتزامات الجوهرية المترتبة على عقد عملها مع المؤسسة مما كان من شأنه الإضرار بمصلحة مالية لجهة عملها ومارست أعمالاً تجارية بالمخالفة للحظر الوارد فى اللائحة وذلك بأن:
(1) حرضت العاملين بالمؤسسة المشار إليها على الامتناع عن العمل مما ترتب عليه حدوث عجز بالإنتاج على النحو الموضح بالأوراق.
(2) وجهت ألفاظاً غير لائقة فى حق العاملين بالمؤسسة المشار إليها وإدارتها على النحو الموضح بالأوراق.
(3) مارست أعمالاً تجارية داخل المؤسسة المشار إليها على النحو الموضح بالأوراق.
وطلبت النيابة الإدارية محاكمة المحالة تأديبياً لما نُسب إليها على النحو السالف.
وقد نظرت المحكمة التأديبية الدعوى المشار إليها على النحو المبين بالأوراق، وبجلسة 28/3/1998 قضت بمجازاة المحالة بخصم خمسة أيام من راتبها، وشيَّدت قضاءها على أنه بالنسبة للمخالفتين الأولى والثانية فإنه لما كانتا تتعلقان بصفة المحالة النقابية وخاصة بالدفاع عن حقوق العاملين بالمؤسسة والمتمثلة فى المطالبة بالحوافز المقرر صرفها للعاملين بالمؤسسة فإنه كان يتعين على سلطة التحقيق الممثلة فى النيابة الإدارية إخطار الاتحاد العام لنقابات العمال بشأن ما هو منسوب إليها، وخلت الأوراق مما يفيد إخطار الاتحاد بذلك فإن التحقيق الذى أجرى بشأن المخالفتين المذكورتين يكون قد شَابَه البطلان متعيناً القضاء ببراءتها من هاتين المخالفتين، خاصة وأن النيابة الإدارية لم تنفِ واقعة عدم الإخطار، أما بالنسبة للمخالفة الثالثة فهى ثابتة فى حقها على نحو ما ورد بالتحقيقات وشهد به كل من: محمد محمد رشاد، وأحمد عبدالرحيم المحاسب بالمؤسسة، وزينب عشماوى متولى الكاتبة بقسم الإجازات، مما يتعين معه مجازاتها عنها بخصم خمسة أيام وبذلك خلصت إلى قضائها السالف.
ومن حيث إن هذا القضاء لم يصادف قبولاً لدى هيئة النيابة الإدارية فأقامت طعنها الماثل تأسيساً على أسباب حاصلها أولاً: الخطأ فى تطبيق القانون وتأويله ذلك أنه وإن كانت المادة (46) من قانون النقابات العمالية رقم 35 لسنة 1976 المعدل بالقانون رقم (1) لسنة 1981 قد أوجب على سلطة التحقيق إخطار الاتحاد العام لنقابات العمال بما هو منسوب إلى عضو مجلس إدارة المنظمة النقابية قبل البدء فى إجراء التحقيق إلا أن مناط ذلك وعلى ماجرى عليه قضاء هذه المحكمة هو أن تكون المخالفات تتعلق بنشاطه النقابى، أما ما عداها من مخالفات تتعلق بعمله الوظيفى فى المنشأة فلا وجه للإخطار. كما أن عدم الالتزام بالإخطار لا يترتب عليه بطلان التحقيق وما تلاه من إجراءات لاحقة، الأمر الذى يكون معه ما ذهب الحكم المطعون فيه بالنسبة للمخالفتين الأولى والثانية المنسوبتين للمطعون ضدها مخالفًا للقانون. ثانياً: عدم ملاءمة العقوبة المقضى بها والتى اقتصرت على المخالفة الثالثة المنسوبة للمطعون ضدها دون باقى المخالفات مما يتعين معه إلغاء الحكم المطعون، والقضاء مجدداً بمجازاة المطعون ضدها بما يتناسب والمخالفات الثلاث المنسوبة إليها.
ومن حيث إنه عن الوجه الأول من أوجه الطعن والمتمثل فى أن المخالفتين الأولى والثانية المنسوبتين للمطعون ضدها لا تتعلقان بنشاطها النقابى، وبالتالى يكون ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من بطلان التحقيق لعدم إخطار الاتحاد العام لنقابات العمال مخالفًا للقانون متعين الإلغاء، فإنه تجدر الإشارة بداءة إلى أنه طبقاً لحكم المادة (46) من القانون رقم 35 لسنة 1976 بشأن النقابات العمالية فإن حكم المادة المشار إليها ينص على أن “يجب على سلطة التحقيق إخطار الاتحاد العام لنقابات العمال بما هو منسوب إلى عضو مجلس إدارة المنظمة النقابية من اتهامات فى جرائم تتعلق بنشاطه النقابى وبالموعد المحدد لإجراء التحقيق قبل البدء فى إجرائه ولمجلس إدارة الاتحاد أن ينيب أحد أعضائه أو أحد أعضاء النقابة العامة لحضور التحقيق وذلك ما لم تقرر سلطة التحقيق سريته”.
وقد استقر قضاء هذه المحكمة على أنه ولئن كان المشرع قد أراد أن يكفل للاتحاد العام لنقابات العمل الحق فى الإحاطة بما يُنسب لعضو مجلس إدارة المنظمة النقابية من اتهامات فى جرائم تتعلق بنشاطه النقابى وهو ما يهم الاتحاد العلم به ومعرفة كافة الظروف المحيطة بالإتهام المنسوب للعضو النقابى متعلقاً بممارسة نشاطه النقابى، إلا أن مخالفة ذلك الحظر بعدم الإخطار لا يؤدى إلى بطلان التحقيق الذى يجرى مع العضو النقابى ذلك أن من المقرر أنه لا بطلان إلا بنص ولم يرتب المشرع البطلان على مخالفة هذا النص، كما أنه من ناحية أخرى فإن القصد من ذلك الإخطار هو إحاطة الاتحاد العام للعمال علماً بالاتهام المتصل بالنشاط النقابى والظروف المحيطة به، وبالتالى فإن عدم الالتزام بالإخطار لا يعد إخلالاً بإجراء جوهرى أو ضمانة جوهرية من ضمانات التحقيق يترتب على مخالفة ذلك البطلان (الحكم الصادر فى الطعن رقم 2900 لسنة 44ق.عليا بجلسة 18/7/199),
وإضافة إلى ما تقدم، وفضلاً عن ذلك فإن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن مقتضى إعمال المادة (46) من قانون النقابات العمالية الصادر بالقانون رقم (35) لسنة 1976 المعدل بالقانون رقم (1) لسنة 1981 هو إلزام سلطة التحقيق بإخطار الاتحاد العام لنقابات العمال بما هو منسوب إلى العضو من اتهامات تتعلق بنشاطه النقابى، وعليه فلا وجه لإعمال هذا الالتزام بصدد الجرائم الأخرى التى يرتكبها العضو خارج نشاطه النقابى (الحكم الصادر فى الطعن رقم 1854 لسنة 32 ق. بجلسة 30/12/1986)، وبهذه المثابة فإن البيّن من مطالعة أحكام قانون النقابات العمالية المشار إليه أن المشرع قد حدد اختصاصات أعضاء اللجان النقابية على النحو المنصوص عليه فى المادة (12) منه ومن هذه الاختصاصات العمل على تسوية المنازعات الفردية والجماعية المتعلقة بأعضائها والاشتراك فى إعداد مشروعات عقود العمل المشتركة والمشاركة فى مناقشة مشروعات خطط الإنتاج بالمنشأة والمعاونة فى تنفيذها، وأبداء الرأى فى لوائح الجزاءات وغيرها من اللوائح والنظم المتعلقة بالعاملين بالمنشأة سواء عند وضعها أو تعديلها. كما أوجبت المادة (14) منه على النقابة العامة الدفاع عن حقوق العمال ورعاية مصالحهم، وصونها تجاه جهة الإدارة وما قد يكون من عسف منها فى بعض الحالات، إيجاد أشخاص أو وحدات تتولى التعبير عن رأى وحقوق العمال نيابةً عنهم حرصًا منه على استمرار العمل ودفع الإنتاج حمايةً للصالح العام والبعد عن الفردية فى التعبير عن هذه الآراء والحقوق بما ينجم عن ذلك من فوضى واضطراب فى المنشأة بما يؤدى إلى عدم تفرغ العاملين للإنتاج، ومن ثَمَّ فإنه إعمالاً لذلك ولزامه أن تكون ممارسة هؤلاء الأشخاص أو الوحدات المناط بها التعبير عن حقوق العمال داخل ذات النطاق وبمراعاة الهدف المشار إليه واتباعًا للنظم القانونية المقررة لإبداء أو التعبير عن هذه الحقوق بما لا يخرج عن نطاق المشروعية ويدخل بهذه الأعمال إلى نطاق الفوضى وعدم المشروعية، إذ إن الدعوة فى الحالة الثانية تخرج عن نطاق الأعمال المشروعة إلى مجال الأعمال غير المشروعة والمؤثمة قانوناً حتى ولو كانت تهدف إلى تحقيق المصالح الخاصة بالعاملين بالمنشأة، وبالتالى لا تمُّت للعمل النقابى بأى صلة، وفى هذا المجال فإن المحكمة تود الإشارة إلى أنه لا جدال فى الحق فى الإضراب عن العمل وهو حق مشروع طبقاً للاتفاقية الدولية للحقوق الاجتماعية والثقافية التى أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 16/12/1966 ووقَّعت عليها جمهورية مصر العربية فى 4/8/1967 وتم التصديق عليها بتاريخ 8/12/1981 ثم أصدر نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية قراره بنشر هذه الاتفاقية بالجريدة الرسمية على أن يُعمل بها اعتبارًا من 14/4/1982 على نحو ما ورد بالفقرة (د) من المادة الثامنة منها، هذا الحق لا يتساوى مع الدعوة إلى الامتناع عن العمل أو التوقف عن العمل الفورى بغرض تحقيق بعض المطالب
أو الحقوق العمالية، إذ إن الحق فى الإضراب يتم وفقاً لضوابط محددة ومعلوم سلفاً للقائمين على أمر المنشأة وقبل مدة معينة، أما الدعوة إلى الامتناع عن العمل أو التوقف الفورى فإنها فى حقيقتها دعوة إلى زعزعة استقرار المنشأة وشيوع الفوضى داخل العمل مما ينعكس بالضرورة على سير العمل وانتظامه بالوحدات الاقتصادية ويعد إخلالاً جسيمًا من العامل بواجبات وظيفته تلك التى تحتم عليه ألا يقوم بما من شأنه الإخلال بحسن سير العمل بانتظام واطراد أو ما يؤدى إلى قلقلة الأمن الاقتصادى للوحدة التى يعمل بها، وبالتالى فإنه يترتب على ذلك أن الدعوة إلى الامتناع عن العمل أو التوقف الفورى أو التحريض عليهما لا تعد وفقاً للمفهوم السابق من المخالفات المتعلقة بالنشاط النقابى حتى ولو كان الباعث عليها المطالبة بالحقوق العمالية للعاملين بالمنشأة لخروج هذه الدعوة عن نطاق المشروعية إلى نطاق عدم المشروعية.
ومتى كان ما تقدم وكان الثابت من الأوراق أن المخالفتين الأولى والثانية المنسوبتين للمطعون ضدها تتمثلان فى قيامها: (1) بتحريض العاملين بالمؤسسة المشار إليها على الامتناع عن العمل مما ترتب عليه حدوث عجز فى الإنتاج، (2) توجيه ألفاظ غير لائقة فى حق العاملين بالمؤسسة المذكورة وإدارتها على النحو المبين بالأوراق وكان مسلك المطعون ضدها على النحو سالف الذكر يمثل خروجًا على الشرعية التى خوَّلها إياها القانون وبالتالى
لا يمكن اعتبار المخالفتين المشار إليهما من المخالفات المتعلقة بالعمل النقابى ويكون مسلك الجهة القائمة بالتحقيق فى عدم الإخطار طبقًا للمادة (46) من قانون النقابات العمالية صحيحًا ولا غبار عليه، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه فى هذا الشأن إلى غير ذلك فإنه يكون مخالفًا للقانون متعينًا الإلغاء ومن ثَمَّ يتوجب بحث مدى صحة نسبة هاتين المخالفتين للمطعون ضدها طبقًا لما ورد بالتحقيقات.
ومن حيث إنه عن المخالفة الأولى المنسوبة للمطعون ضدها فإنها فى حقيقتها تتضمن شقين الأول هو الوقائع التى حدثت بمقر المؤسسة بشارع القصر العينى والتى تمثلت فى قيام المذكورة بالمرور على المكاتب وتحريض الموظفين والموظفات على الامتناع عن العمل حتى يتم صرف الحوافز بذات اليوم 26/1/1995 ثم النزول إلى العنابر وتحريض العمال على إيقاف الماكينات لذات السبب، والشق الثانى منها هو الانتقال إلى فرع المؤسسة بالملك الصالح وتحريض عمال الفرع على التوقف عن العمل لذات السبب، كما أنه فى مجال تبيان المخالفة الثانية بشأن الألفاظ النابية فإنها حدثت فى مقر المؤسسة ومرتبطة بالشق الأول من المخالفة الأولى.
ومن حيث إنه عن مدى ثبوت المخالفة الأولى فى شقها الأول والمخالفة الثانية نظرًا لارتباطهما فإنه لا مراء فى ثبوتهما فى حق المطعون ضدها على النحو الوارد بمذكرة مشرف الأمن السيد/ ………………………. المحررة بذات يوم حدوث الواقعة، وما أكده المذكور بأقواله بالتحقيقات سواء أمام الجهة الإدارية أو أمام النيابة الإدارية، وشهدت به كل من/ …………………… رئيس أقسام شئون العاملين، وراوية أحمد عبدالحميد المحاسبة بالقطاع المالى من المؤسسة من أنها قابلت المحالة بالدور الأول وهى تتلفظ بألفاظ تهاجم إدارة المؤسسة (إدارة قذرة ـ ولاد كلب) بصوت عالٍ لإسماع موظفى الإدارات، دون أن ينال من ثبوت المخالفتين إنكار المطعون ضدها ذلك فى تحقيقات النيابة الإدارية، إذ إن هذا الإنكار جاء غير مبرر، خاصة فى ضوء إقرارها بعدم وجود خلافات بينها وبين من سمعت شهادتهم قبلها وبالتالى يتعين مساءلتها عن ذلك.
ومن حيث إنه عن الشق الثانى من المخالفة الأولى والمتمثل فى تحريضها عمال فرع المؤسسة بالملك الصالح على التوقف عن العمل فإن من المقرر طبقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة أن المسئولية التأديبية شأنها فى ذلك شأن المسئولية الجنائية يتعين أن تقوم على القطع والجزم واليقين لوقوع الفعل المخالف للقانون أو للقواعد المرعية فلا يسوغ أن تبنى تلك المسئولية على الشك والظن والاحتمال والتخمين، بل يتعين أن تستند إلى أدلة كافية وقاطعة فى توفير اليقين سواء من حيث وقوع الفعل المؤثم جنائيًا أو تأديبيًا أو نسبته إلى من تجرى محاكمته (الطعن رقم 6957 لسنة 42 ق. عليا بجلسة 29/10/2000)، ومتى كان الثابت من مذكرة السيد/ أحمد إسماعيل مجاهد المشرف الفنى لفرع الملك الصالح والتى ارتكنت إليها النيابة الإدارية فى إثبات الاتهام للمحالة أنها قد خلت من نسبة أية وقائع محددة للسيدة المذكورة سوى مجرد تواجدها بالفرع المذكور ضمن باقى أعضاء اللجنة النقابية، وهو أمر
لا غبار عليه ويتفق مع صفتها النقابية وأنها كانت ضمن العوامل المشجعة على الإثارة وعدم تهدئة الموقف وهى عبارة غير قاطعة الدلالة على إثبات أفعال محددة حتى يمكن الحكم على مشروعيتها من عدمه، بل إن المستشف من المذكرة المشار إليها أنها قد أفصحت عن حدوث تجمّع من العاملين بقسمى التجليد اليدوى والتجهيزات بغرض الاعتصام فى حالة عدم صرف الحوافز دون أن تنبئ المذكرة عن المسئول عن ذلك التجمع خاصة وأن المذكرة أفصحت ـ حسبما أوضح محررها ـ أن هناك أشخاصًا آخرين غير المخالفة: كانوا يعملون على الإثارة وعدم تهدئة الموقف، وفضلاً عن ذلك فإن السيد/ ……………………………. مستشار الشركة، والذى استشهدت به المطعون ضدها قد قرر فى التحقيقات أن المذكورة كانت ضمن العاملين المتواجدين بالفرع دون أن يؤكد ما أشار إليه مشرف الفرع، الأمر الذى يقطع بعدم ثبوت هذا الشق من المخالفة قِبل المطعون ضدها ويتعين براءتها منها.
ومن حيث إنه إعمالاً لما تقدم وفى مجال تقدير الجزاء للمخالفات التى ثبتت قبل المطعون ضدها فإن المحكمة تشير فى هذا الصدد إلى أن قضاءها قد استقر على أنه من المبادئ العامة للمسئولية تقدير خطورة ما ثبت قِبل العامل من مخالفات أو جرائم تأديبية فى الظروف والملابسات الموضوعية التى حدثت فيها سواء تلك المتصلة بذات المتهم ودوافعه فيما فعل أو غيره من العاملين الذين أسهموا فى حدوث الخطأ التأديبى ومدى الخلل فى إدارة المرفق العام الذى يكون قد ساعد على وقوع الأفعال المؤثمة أو تجسيم آثارها الضارة بالصالح العام، كما أن تقدير الجزاء الذى يوقع على ما هو ثابت قِبل العامل يتعين أن يراعى فيه التناسب بين جسامة الجرائم التأديبية فى ذاتها وفى الظروف الموضوعية التى حدثت فيها بما يحقق الغاية والهدف من العقاب وهو صالح المجتمع (الحكم الصادر فى الطعن رقم 1432 لسنة 44 ق بجلسة 22/2/1998).
ومتى كان ذلك فإن المحكمة وهى فى مجال تقدير الجزاء عن الشق الأول من المخالفة الأولى والمخالفة الثانية المرتبطة بها تشير إلى أنه قد استلفت نظرها المفارقة التى أفصحت عنها الأوراق (مذكرة التحقيق الإدارى رقم 1995 المعد بمعرفة إدارة الشئون القانونية بالمؤسسة) والتى تمثلت فى موقف رئاسة المؤسسة بالنيابة من المطعون ضدها وحدها رغم أن مذكرة التحقيق المشار إليها قد انتهت إلى إدانة المطعون ضدها والسيد/ ………………………… بصفتهما من أعضاء اللجنة النقابية ونسب إليهما ذات المخالفتين الأولى والثانية الموضحتين بتقرير الاتهام إلا أن رئاسة المؤسسة بالنيابة ارتأت الموافقة على إحالة المطعون ضدها وحدها إلى النيابة الإدارية للتحقيق معها، حيث انتهت النيابة الإدارية إلى إحالتها إلى المحكمة التأديبية المطعون على حكمها …، فى حين ارتأت هذه الرئاسة الاكتفاء بتوجيه إنذار إلى السيد/ …………………… بعدم العودة ثانية إلى ما نُسب إليه مستقبلاً فى حين أن لائحة الجزاءات المطبقة بالمؤسسة طبقًا للمادة (103) من اللائحة النموذجية للشئون الإدارية والمالية للمؤسسات الصحفية القومية المنشورة بعدد الوقائع المصرية بالعدد رقم 249 تابع بتاريخ 5/11/1988 توجب توقيع جزاء الخصم من الأجر لمدة ثلاثة أيام عن المخالفة الأولى ويومين عن المخالفة الثانية وذلك للمرة الأولى، الأمر الذى ترى معه المحكمة إعمالاً للمساواة، وبمراعاة ما ورد باللائحة المذكورة من تحديد للجزاءات الاكتفاء بمجازاة المطعون ضدها بالخصم من الأجر لمدة يومين عما نُسب إليها فى هذا الشق، أما بالنسبة للجزاء الموقع عن المخالفة الثالثة بالخصم من الأجر لمدة خمسة أيام فإنه رغم مخالفته الظاهرة لما ورد بالبند (35) من اللائحة المشار إليها إلا أنه ونظرًا لما انتهت إليه هذه المحكمة من عدم قبول الطعن المقام من المطعون ضدها برقم 5670 لسنة 44 ق شكلاً، وكان الطعن محل البحث الموضوعى الماثل هو الطعن المقام من النيابة الإدارية، وإعمالاً لمبدأ ألا يضار الطاعن بطعنه فإن المحكمة لا تملك تعديل هذا الجزاء ويتعين الإبقاء عليه ومن ثَمَّ يصير الجزاء الموقع على المطعون ضدها عن كافة المخالفات التى ثبتت نسبتها إلى المطعون ضدها هو الخصم سبعة أيام من الأجر بمراعاة ما سلف بيانه وعلى هدى ما سلف فإنه لما كان الحكم المطعون فيه قد ذهب غير هذا المذهب فإنه يكون واجب الإلغاء، ويتعين القضاء مجددًا بمجازاة المطعون ضدها بالجزاء المبين آنفًا.
حكمت المحكمة
أولاً: بقبول الطعن رقم 5567 لسنة 44ق. شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا فى الدعوى التأديبية رقم 90 لسنة 38ق. بمجازاة ………………….. بخصم سبعة أيام من أجرها عن المخالفات الثابتة فى حقها على النحو الموضح بالأسباب.
ثانيًا: بعدم قبول الطعن رقم 5670 لسنة 44ق. المقدم من المذكورة شكلاً لرفعه بعد الميعاد القانونى.