جلسة 15 من مارس سنة 2008
(الدائرة الأولى)
الطعن رقم 5637 لسنة 51 القضائية عليا.
– إشغال طريق عام– سلطة جهة الإدارة في الترخيص به.
المواد (2) و (4) و (5) و (6) من القانون رقم (140) لسنة 1956 في شأن إشغال الطرق العامة.
حظر المشرع إشغال الطريق العام في أي اتجاه أفقي أو رأسي إلا بترخيص من السلطة المختصة، وفقاً لشروط وأوضاع معينة، ونظم إجراءات الحصول على هذا الترخيص وألزم المشرع جهة الإدارة أن تبدي رأيها في طلب الترخيص في ميعاد لا يجاوز خمسة عشر يوماً من تاريخ تقديمه، وإلا اعتبر الطلب مرفوضا- تتمتع الجهة الإدارية بسلطة تقديرية واسعة في مجال منح الترخيص بإشغال الطريق العام، فيحق لها رفض طلب الترخيص إذا ما تراءى لها أنه يتعارض مع اعتبارات الأمن العام أو الصحة العامة أو حركة المرور أو جمال تنسيق المدينة أو الحي- هذه السلطة ليست مطلقة، بل مقيدة بعدم التعسف أو الانحراف، ومن ثم تخضع جهة الإدارة وهي تمارس هذه السلطة لرقابة القضاء؛ للتأكد مما إذا كانت هذه الممارسة تمت في نطاق الضوابط المحددة لها أم لا- مقتضى ذلك: أن جهة الإدارة إذا خرجت على هذه الضوابط كان للقضاء الإداري الحق في ردها إلى دائرة المشروعية، وذلك بوقف تنفيذ أو إلغاء القرار الإداري الذي تحصنت فيه جهة الإدارة بسلطتها التقديرية– تطبيق.
في يوم الثلاثاء الموافق 8 من فبراير سنة 2005 أودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبة عن الطاعنين قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد برقم 5637 لسنة 51القضائية عليا في الحكم المشار إليه بعاليه، القاضي في منطوقه بقبول الدعوى شكلاً وفي الطلب العاجل بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام جهة الإدارة مصروفاته.
وطلب الطاعنان – للأسباب الواردة بتقرير الطعن – تحديد أقرب جلسة أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة لتأمر بصفة عاجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه لحين الفصل في موضوع الطعن، ثم بإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضى بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداً أصلياً: بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري، واحتياطياً: برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام المطعون ضده بالمصروفات عن درجتى التقاضي في أي من الحالتين.
وجرى إعلان الطعن إلى المطعون ضده على النحو المبين بالأوراق. وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريراً برأيها القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وتدوول الطعن أمام دائرة فحص الطعون بجلسات المرافعة على النحو المبين بمحاضر الجلسات، وبجلسة 17/10/2006 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى دائرة الموضوع لنظره بجلسة 20/12/2006. ونظرت المحكمة الطعن على الوجه الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 19/1/2008 قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم 15/3/2008، حيث صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات, وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل – حسبما يبين من الأوراق – في أنه بتاريخ 4/5/2003 أقام المطعون ضده الدعوى المطعون على حكمها ابتداء أمام محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، طالباً الحكم بإلزام الجهة الإدارية بإصدار ترخيص له بإقامة كشك بجوار مساكن المقطم مع إلزامها المصروفات، وذلك للأسباب المبينة بصحيفة الدعوى.
وقد قيدت الدعوى بجدول المحكمة المذكورة برقم 1623 لسنة 2003.
وبجلسة 25/6/2003 قضت تلك المحكمة بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري للاختصاص مع إبقاء الفصل في المصروفات.
وتنفيذاً للحكم المذكور وردت الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري/ الدائرة الرابعة بالقاهرة، وقيدت بجدولها العام برقم 29082 لسنة 52ق.
وبجلسة 14/12/2004 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها الطعين بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار، وذلك تأسيساً على أن حقيقة طلبات المدعي هي: طلب الحكم بوقف تنفيذ ثم إلغاء القرار السلبي بامتناع حي الخليفة والمقطم عن السير في إجراءات الترخيص له بإقامة كشك بجانب مساكن المقطم مع ما يترتب على ذلك من آثار، وأنه لما كان البادى من ظاهر الأوراق أن محافظ القاهرة وافق صراحة على استخراج ترخيص للمدعى بإقامة كشك بجانب مساكن المقطم، وجرى عمل بحث اجتماعي لحالته انتهى إلى الموافقة على منحه هذا الترخيص بالنظر إلى حالته الاجتماعية، كما تم معاينة المكان الملائم لإقامة الكشك من وجهة نظر الجهة الإدارية، واختارت موقعاً بجانب بلوك 43 عمارات الشركة العربية (أ)، ومن ثم فإن الجهة الإدارية تكون قد اتخذت مسلكاً إيجابياً نحو السير في إجراءات الترخيص للمدعى بإقامة الكشك، إلا أنها أوقفت السير في هذه الإجراءات دون سند سوى ما أشار إليه المدعي من أن المحافظ أصدر قراراً بعدم الترخيص بإقامة أكشاك، مع أن هذا القرار يسري بالنسبة للمستقبل ولا ينطبق على الطلب المقدم من المدعي الذي سبقت الموافقة عليه فعلاً واتخذت الإجراءات بشأنه، ومن ثم فإن القرار المطعون فيه يكون غير قائم على سبب صحيح في الواقع أو القانون مما يتوافر معه ركن الجدية في طلب وقف تنفيذه، إلى جانب توافر ركن الاستعجال: لما يمثله تنفيذ القرار المطعون فيه من وقف لمصدر رزق المدعي، وهي نتيجة يتعذر تداركها ريثما يتم الفصل في طلب الإلغاء.
إلا أن الحكم المذكور لم يصادف قبولا من الجهة الإدارية المدعى عليها، فأقامت طعنها الماثل تنعى فيه على الحكم مخالفته للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله، وذلك على سند من القول بأن الأصل في الانتفاع بأملاك الدولة العامة، أنه يدخل في نطاق السلطة التقديرية الواسعة لجهة الإدارة، فيجوز لها إذا ما قدرت أن الترخيص بشغل الطريق العام يتعارض مع مقومات الأمن أو الصحة أو المرور أو الرونق العام للمنطقة أو المدينة أن ترفض هذا الترخيص، وإذ لم يوجد نص يلزم الجهة الإدارية بالاستجابة لطلب المطعون ضده بالترخيص له بشغل الطريق العام، فإنه لا محل للقول بوجود قرار سلبي، أما موافقة محافظ القاهرة على الطلب المقدم من المطعون ضده – على فرض صحتها –فهي موافقة مبدئية لا ترقى إلى مرتبة القرار الإداري، مما كان يتعين معه على المحكمة أن تقضى بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري، ومن جهة أخرى فإن الثابت أن المطعون ضده تقدم بطلب للترخيص له بإقامة كشك بمساكن المقطم في الطريق العام، وإزاء موقف محافظة القاهرة من عدم منح تراخيص جديدة بشغل الطرق العامة لدواعى سيولة المرور والرونق العام والأمن والسكينة، فقد انتهى الرأي إلى عدم منحه الترخيص المطلوب، ومن ثم يكون موقفها موافقاً للقانون ولا مطعن عليه، ولا يغير من ذلك موافقة المحافظ على الطلب المقدم من المطعون ضده؛ لأن هذه الموافقة ليست ترخيصاً ولا ترقى إلى مرتبة اكتساب الحق أو المركز القانوني.
ومن حيث إنه يشترط للقضاء بوقف تنفيذ القرار الإداري توافر ركنين مجتمعين، الأول– ركن الجدية: بأن يكون الطعن في القرار قائما – بحسب الظاهر من الأوراق – على أسباب يرجح معها الحكم بإلغائه عند الفصل في الموضوع. والثاني- ركن الاستعجال، بأن يترتب على تنفيذ القرار نتائج قد يتعذر تداركها فيما لو قضي بإلغائه.
ومن حيث إنه عن ركن الجدية فإن البين من الاطلاع على نصوص المواد 2 و 4 و 5 و 6 من القانون رقم 140 لسنة 1956 في شأن إشغال الطرق العامة، أن المشرع حظر إشغال الطريق العام في أي اتجاه أفقى أو رأسي، إلا بترخيص من السلطة المختصة، ومن ذلك وضع بضائع أو مهمات أو فترينات أو مقاعد أو صناديق أو أكشاك أو تخاشيب وما شابه ذلك، وأوجب أن يصدر الترخيص بإشغال الطريق العام وفقاً للشروط والأوضاع المنصوص عليها في هذا القانون والقرارات المنفذة له، كما نظم إجراءات الحصول على ترخيص بالإشغال، بأن ألزم طالب الترخيص بأن يؤدى عند تقديم الطلب رسم النظر الذي يحدده الوزير المختص، كما ألزم جهة الإدارة أن تبدى رأيها في طلب الترخيص في ميعاد لا يجاوز خمسة عشر يوماً من تاريخ تقديمه وإلا اعتبر الطلب مرفوضاً.
ومن حيث إنه ولئن كانت الجهة الإدارية تتمتع بسلطة تقديرية واسعة في مجال منح الترخيص بإشغال الطريق العام وفقاً لأحكام القانون رقم 140 لسنة 1956 سالف الذكر، فيحق لها رفض طلب الترخيص إذا ما تراءى لها أنه يتعارض مع اعتبارات الأمن العام أو الصحة العامة أو المرور أو جمال تنسيق المدينة أو الحي، إلا أنه مما لا جدال فيه أن هذه السلطة ليست مطلقة وإنما مقيدة بعدم التعسف أو الانحراف، ومن ثم فإن جهة الإدارة وهي تمارس السلطة التقديرية بوجه عام إنما تخضع لرقابة القضاء للتأكد مما إذا كانت هذه الممارسة تمت في نطاق الضوابط المحددة لها أم لا، فإن هي خرجت على هذه الضوابط كان للقضاء الإداري الحق في ردها إلى دائرة المشروعية، وذلك بوقف تنفيذ أو إلغاء القرار الإداري الذي تحصنت فيه جهة الإدارة بسلطتها التقديرية.
ومن حيث إنه ترتيباً على ذلك، ولما كان البادي من الأوراق أن المطعون ضده تقدم بطلب إلى محافظ القاهرة للموافقة على الترخيص له بإقامة كشك بجوار مساكن المقطم يتعايش منه هو وأسرته، ووافق له المحافظ على هذا الطلب، وشرع الحي (حي الخليفة و المقطم) في اتخاذ الإجراءات اللازمة لإصدار الترخيص، بأن قام بمعاينة المكان الملائم لإقامة الكشك ووقع الاختيار على موقع خلف بلوك 43 مساكن الشركة العربية بجوار المنور المطل على طريق جانبي، كما خاطب إدارة الضمان الاجتماعي لعمل بحث اجتماعي لحالة المطعون ضده، وانتهى البحث إلى التوصية بمنحه الترخيص المطلوب بالنظر إلى حالته الاجتماعية المتمثلة في أنه يعول أسرة مكونة من أربعة أفراد، ويعمل لدى الغير عامل تكسير عادى يحصل منه على دخل 90 جنيهاً ولكن بصفة غير دائمة لإصابته بحساسية في الصدر، كذلك قام الحي بتحصيل رسم معاينة منه، إلا أن الحي توقف عن السير في إجراءات الترخيص دون أن يفصح عن الأسباب إلا عند إقامة الطعن الماثل، حيث تذرع بالسلطة التقديرية لجهة الإدارة في الترخيص بإشغال الطريق العام وباتجاه المحافظة نحو عدم منح تراخيص جديدة لشغل الطرق العامة.
ومن حيث إنه يبين مما سبق أن الجهة الإدارية الطاعنة قطعت شوطاً بعيداً في إجراءات الترخيص للمطعون ضده بإقامة الكشك محل التداعي، بدءاً من الموافقة الصريحة على طلب الترخيص ومروراً بطلب البحث الاجتماعي ومعاينة الموقع وقبول سداد رسم المعاينة وعدم طلب أي أوراق أو مستندات من المطعون ضده، الأمر الذي مفاده أن تلك الجهة قد أعملت سلطتها التقديرية إزاء هذا الترخيص، ورأت أن موقع الكشك لا يعوق حركة المرور ولا يؤثر على الشكل الجمالى للمنطقة، خاصة وأنه يقع في مكان خلفي لإحدى العمارات بجوار المنور السماوى للعمارة، ويطل على طريق جانبى، ومن ثم وإذ لم يتبين من الأوراق أنه جد سبب طارئ يغير من ملاءمة الموقع المقترح لإقامة الكشك، فإن قرار الجهة الإدارية بوقف السير في إجراءات الترخيص، يضحى والحالة هذه غير قائم –بحسب الظاهر من الأوراق– على سبب يبرره حقا وصدقا من حيث الواقع أو القانون، مما يتحقق معه ركن الجدية في طلب وقف تنفيذه، فضلا عن تحقق ركن الاستعجال بحسبان أن الاستمرار في تنفيذ هذا القرار من شأنه حرمان المطعون ضده من ممارسة النشاط الذي يهيئه له استخدام مثل هذا الكشك بما يتناسب وظروفه الصحية والاجتماعية، وبالتالى عدم تحصيل الدخل الذي يتعايش منه هو و أسرته.
ومن حيث إنه متى كان ذلك، فإن ما قضى به الحكم الطعين من وقف تنفيذ القرار المطعون فيه يكون قد صادف صحيح حكم القانون ولا مطعن عليه، مما يتعين معه القضاء برفض هذا الطعن لعدم قيامه على أساس من القانون.
ومن حيث إن من خسر الطعن يلزم بمصروفاته عملاً بحكم المادة 184 من قانون المرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات.