جلسة 27 من ابريل سنة 2002م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ د. عبد الرحمن أحمد عزوز
رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأستاذة المستشارين/ على فكرى حسن صالح، وأحمد عبد الحميد حسن عبود، وأحمد حلمى محمد أحمد حلمى، ومحمد أحمد محمود محمد
نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ أحمد الشحات
مفوض الدولة
وسكرتارية السيد/ كمال نجيب مرسيس
سكرتير المحكمة
الطعن رقم 5667 لسنة 45 قضائية عليا
ـ التصرف فى الأراضى المملوكة للدولة ـ سلطة اللجان المختصة بتقدير ثمن البيع ليست مطلقة .
المادة (45) من القانون رقم 100 لسنة 1964 بتنظيم تأجير العقارات المملوكة للدولة ملكية خاصة والتصرف فيها.
والمادة (22) من اللائحة التنفيذية للقانون الصادرة بقرار نائب رئيس الوزراء للزراعة والرى رقم 63 لسنة 1965 المعدلة بالقرار رقم 646 لسنة 1981.
نظَّم المشرع بموجب القانون رقم 100 لسنة 1964 أحكام وقواعد تأجير العقارات المملوكة للدولة ملكية خاصة والتصرف فيها, ومن ذلك الأراضى الفضاء أو المشغولة بمبانٍ
أو منشآت ثابتة أو غير ثابتة, فخوَّل جهة الإدارة القائمة على شئون هذه العقارات سلطة تقديرية فى إجراء التصرف, وألزمها بأن يتم التصرف بطريق الممارسة أو المزاد العلنى وعهد إلى اللائحة التنفيذية بتحديد الشروط والقواعد والإجراءات التى تكفل إتمام التصرف على الوجه السليم مراعاةً للغاية التى استهدفها القانون وهى الحفاظ على أملاك الدولة ـ التصرف فى أملاك الدولة يمر بعدة مراحل تتولاها لجان مختلفة بدءًا من لجان تقدير الأثمان ومروراً بلجان عرض البيع على أصحاب الشأن وانتهاءً باللجنة العليا لتقدير أثمان أراضى الدولة التى خولتها اللائحة سلطة مراجعة أعمال كافة اللجان المشكلة طبقاً للائحة ـ تقدير ثمن البيع من اللجان المختصة بالتثمين هو تقدير ابتدائى خاضع للمراجعة والتعقيب من قِبل اللجنة العليا لتثمين أراضى الدولة ـ سلطة اللجان المذكورة فى تقدير الثمن ليست مطلقة وإنما مقيدة طبقاً لصراحة النص بضرورة أن يكون التثمين طبقاً لحالة العقار وقت البيع وبمراعاة الاسترشاد بالعقارات المماثلة إن وجدت ـ تطبيق.
فى يوم الأربعاء الموافق 2/6/1999 أودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبة عن محافظ القاهرة, قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن ـ قيد برقم 5667 لسنة 45ق. عليا ـ فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى/دائرة العقود والتعويضات بالقاهرة بجلسة 11/4/1999 فى الدعوى رقم 2289 لسنة 49ق والقاضى فى منطوقه “حكمت المحكمة بقبول الدعوى شكلاً, وفى الموضوع :1-بإلغاء القرار الصادر بتاريخ 29/9/1992 بتحديد سعر المتر المربع من الأرض المسلمة للشركة بمبلغ مائة جنيه. 2-بإلغاء القرار الصادر من الجهة الإدارية بمطالبة الشركة المدعية بقيمة المنشآت استقلالاً عن الأرض المقامة عليها، وألزمت الجهة الإدارية المصروفات”.
وطلب الطاعن ـ للأسباب الواردة بتقرير الطعن ـ تحديد أقرب جلسة بصفة مستعجلة أمام دائرة فحص الطعون لتأمر بوقف تنفيذ الحكم, وبإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضى بقبوله شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجدداً برفض الدعوى، وإلزام المطعون ضده بالمصروفات عن درجتى التقاضى.
وجرى إعلان الطعن إلى المطعون ضده على النحو المبين بالأوراق.
وأعدت هيئة مفوضى الدولة تقريراً مسبباً برأيها القانونى فى الطعن، ارتأت فيه الحكم بقبوله شكلاً، وفى الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه والتقرير بأحقية محافظة القاهرة فى المطالبة بمبلغ 1923805.869 جنيهاً قيمة المنشآت التى أقامتها على الأرض محل النزاع, ورفض الطعن فيما عدا ذلك, وإلزام جهة الإدارة والمطعون ضده المصروفات مناصفة بينهما.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 16/10/2000، وتدوول بجلسات المرافعة على الوجه المبين بمحاضر الجلسات, وبجلسة 18/6/2001 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى دائرة الموضوع لنظره بجلسة 22/9/2001, ونظرت المحكمة الطعن على النحو المبين بمحاضر الجلسات, وبجلسة 8/12/2001 قررت إصدار الحكم بجلسة 2/3/2002
مع التصريح بتقديم مذكرات خلال شهر, وبهذه الأخيرة قررت إرجاء النطق بالحكم لجلسة 30/3/2002 ثم لجلسة 27/4/2002 لإتمام المداولة.
وبهذه الجلسة صدر هذا الحكم، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة .
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل ـ حسبما يبين من الأوراق ـ فى أنه بتاريخ 12/1/1993 أقام المطعون ضده الدعوى رقم 645 لسنة 1993 أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية, طالبًا الحكم بقبول الدعوى شكلاً وبتعديل ثمن المتر من الأرض المخصصة لشركة المطاحن التى يمثلها بمدينة السلام إلى الحد المناسب طبقًا للقوانين واللوائح والحالات المماثلة, وحساب قيمة الإنشاءات التى أقامتها المحافظة طبقاً للمستخلصات وللأسعار السائدة وقت الإنشاء, وذلك بحكم مشمول بالنفاذ المعجل بلا كفالة وإلزام المدعى عليه بالمصروفات.
وقال شرحاً لدعواه: إنه بعد إنشاء مدينة السلام قامت محافظة القاهرة بتسليم وزارة التموين والتجارة الداخلية قطعة أرض مساحتها 63 ألف متر بدون مقابل لإقامة مطحن ومخبز عليها، على أن تقوم المحافظة بإنشاء المبانى الإدارية, وفى عام 1981 تسلمت الشركة المدعية هذه المساحة ثم تقدمت بطلب لتخصيصها للشركة, وبتاريخ 3/12/1992 أصدر المجلس التنفيذى للمحافظة القرار رقم 168 لسنة 1991 بالموافقة على طلب الشركة، على أن يتم التخصيص بالثمن الفعلى للأرض, إلا أن الشركة فوجئت بكتاب وزارة الإسكان رقم 367 بتاريخ 20/3/1992 الذى تطالبها فيه بسداد مبلغ مليون وتسعمائة وثلاثة وعشرين ألفًا وثمانمائة وخمسة جنيهات وثمانمائة وتسعة وستين مليماً قيمة الإنشاءات التى نفذت على حساب المحافظة, وكذلك مبلغ ستة ملايين وثلاثمائة جنيه ثمنًا للأرض بواقع مائة جنيه للمتر, فتظلمت الشركة من هذه المطالبة إلى المدعى عليه برقم 12354 فى 12/11/1992 ولكن دون جدوى.
ونعى المدعى على قرار المطالبة مخالفته للواقع, إذ إن الاتفاق مع المحافظة المدعى عليها تم على أساس تقديم الأرض بدون مقابل بالإضافة إلى تكلفة المبانى الإدارية, كما أن المبانى والأرض قد أدرجت فى أموال الجرد السنوية للشركة المدعية استناداً إلى هذا الاتفاق دون الإشارة إلى المبالغ محل المطالبة, كما أن المحافظة لم تقدم أية مستخلصات بقيمة الإنشاءات, وأن تحديد سعر المتر بمبلغ مائة جنيه من جانب اللجنة العليا تم على أساس قيمة الأرض فى عام 1991، وبعد الانتهاء من إقامة الإنشاءات عليها وتصقيع المنطقة, بينما كان يتعين أن يتم التقدير على أساس أسعار عام 1981, وخلص المدعى فى ختام صحيفة دعواه إلى طلباته سالفة الذكر.
ونظرت محكمة جنوب القاهرة الابتدائية الدعوى على النحو المبين بمحاضر جلساتها, وبجلسة 25/5/1993 حكمت المحكمة المذكورة تمهيدياً ـ وقبل الفصل فى الموضوع ـ بندب مكتب خبراء وزارة العدل لأداء المهمة التى كلفته بها, ومن ذلك بيان تاريخ تسليم الشركة المدعية للعقار محل التداعى وتقدير قيمته طبقاً لسعر المثل فى تاريخ التسليم وبيان ما إذا كان تقدير اللجنة العليا للأسعار مناسباً من عدمه. وتنفيذًا لذلك الحكم أودع الخبير المنتدب تقريراً فى الدعوى خلص فيه إلى أن الشركة المدعية تسلمت الأرض فى عام 1981 والمبانى فى عام 1987, وأن قيمة الأرض طبقًا لسعر المثل فى عام 1981 تقدر بمبلغ 245206.250 جنيهاً وقيمة المبانى طبقاً للمستخلص الختامى المقدم من المحافظة هى 1923805.686 جنيهاً, وذلك بإجمالى مبلغ 2169011.936 جنيهاً للأرض والمبانى معاً. كما خلص تقرير الخبير أيضاً إلى أن تقدير اللجنة العليا للأسعار بمحافظة القاهرة لعقار التداعى ليس مناسباً, وذلك لأن التقدير تم على أساس أسعار عام 1992 وليس على أساس عام 1981، بعد أن امتد العمران إلى الأرض الصحراوية التى أقيمت عليها مدينة السلام، وأدخلت إليها المرافق والخدمات, فضلاً عن عدم مراعاة مسطح الأرض الذى يبلغ أكثر من عشرة أفدنة وهو يختلف فى تقدير السعر عن المسطحات الصغيرة.
وبجلسة 22/11/1994 قضت المحكمة المذكورة بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة القضاء الإدارى لنظرها وأبقت الفصل فى المصروفات.
ونفاذًا للحكم المذكور وردت الدعوى إلى محكمة القضاء الإدارى/دائرة العقود الإدارية والتعويضات بالقاهرة وقيدت بجدولها العام برقم 2289لسنة 49ق.
وبجلسة 11/4/1999 أصدرت محكمة القضاء الإدارى حكمها المطعون فيه بإلغاء قرارى الجهة الإدارية المدعى عليها بتحديد سعر المتر المربع من الأرض المسلمة للشركة بمائة جنيه وبمطالبتها بقيمة المنشآت استقلالاً عن الأرض المقامة عليها، وشيَّدت المحكمة قضاءها على أن الثابت من الأوراق أن اللجان المنصوص عليها فى المادة (201) من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 100 لسنة 1964, وهى التى قامت بتحديد قيمة المساحة المخصصة للشركة المدعية وذلك دون تمييز بين تلك المقامة عليها المنشآت وتلك التى تعتبر أرضاً فضاء. كما اعتدت فى تحديد السعر بالأسعار السائدة عام 1991، فى حين أن الثابت أن الأرض سبق تخصيصها للشركة فى عام 1981 وتمت إقامة المنشآت عليها بمعرفة الجهة الإدارية منذ ذلك التاريخ وتسلمتها الشركة المدعية فى ذلك الوقت, الأمر الذى يعد مخالفاً لأحكام القانون, يؤكد ذلك أن تقرير مكتب خبراء وزارة العدل قد حدد السعر للمتر المربع من الأرض بمبلغ خمسة جنيهات, كما أنه ولئن اكتفت الجهة الإدارية بمطالبة الشركة المدعية بقيمة تكاليف البناء طبقاً للمستخلص الختامى للمقاول الذى قام بالتنفيذ, فإن هذا التقدير قد تم دون العرض على اللجان المنصوص عليها فى المادة (204) من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 100لسنة 1964.
بيد أن الجهة الإدارية المدعى عليها لم ترتض حكم القضاء الإدارى سالف الذكر فأقامت طعنها الماثل تنعى فيه على هذا الحكم مخالفته للقانون والخطأ فى تطبيقه وتأويله, وذلك على سند من القول بأن الثابت من الأوراق أنه لم يصدر قرار تخصيص للشركة المطعون ضدها عام 1981, وأن قرار التخصيص الذى يعتد به كبداية للتعامل مع الشركة هو القرار رقم 168 لسنة 1991, وأنه بناءً على الطلب المقدم من الشركة المذكورة لتخصيص هذه الأراضى بقيمة رمزية أصدر المجلس التنفيذى لمحافظة القاهرة القرار رقم 168 لسنة 1991 بالموافقة على طلب الشركة أن يكون التخصيص بالثمن الفعلى وأنه لا مانع من سداد قيمة الأرض على أقساط, ومما يدل على أن الشركة قبلت السعر الذى حددته اللجنة بمائة جنيه أنها تقدمت بشيك بمبلغ مائتى ألف جنيه, وأضافت الجهة الإدارية الطاعنة بأن الحكم المطعون فيه قد قضى بما لم يطلبه الخصوم, حيث إن الثابت أن الشركة المطعون ضدها طلبت تعديل ثمن المتر من الأرض التى تم تخصيصها لها إلى السعر المناسب ولم تطلب إلغاء القرارات الصادرة بتحديد ثمن الأرض على النحو الذى قضى به الحكم.
ومن حيث إن المادة (45) من القانون رقم 100 لسنة 1964 بتنظيم تأجير العقارات المملوكة للدولة ملكية خاصة والتصرف فيها, تنص على أنه “يجوز التصرف فى الأراضى المبنية أو المشغولة بمنشآت ثابتة أو غير ثابتة إلى شاغليها, وذلك بطريق الممارسة وفقاً للقواعد والشروط التى تحددها اللائحة التنفيذية”. كما تنص المادة (46) من القانون المذكور على أن “يكون تأجير الأراضى الفضاء والتصرف فيها بطريق الممارسة أو المزاد العلنى وفقاً للقواعد والإجراءات والشروط التى تحددها اللائحة التنفيذية”.
وتنص المادة (22) من اللائحة التنفيذية للقانون المذكور والصادرة بقرار نائب رئيس الوزراء للزراعة والرى رقم 63 لسنة 1965 ـ معدلة بالقرار الوزارى رقم 646 لسنة 1981 ـ على أن “تنشأ لجنة تسمى اللجنة العليا لتقدير أثمان أراضى الدولة, تشكل من عدد كافٍ من الدوائر ويصدر بتشكيلها وتحديد سائر اختصاصاتها قرار من وزير الزراعة والأمن الغذائى, وتختص هذه اللجان فى مجال تطبيق أحكام القانون رقم 100 لسنة 1964 بمراجعة أعمال اللجان المشكلة وفقاً لأحكام هذه اللائحة والتى تختص بتقدير أجرة الأراضى الداخلة
فى ملكية الدولة الخاصة وأثمانها وبوجه خاص اللجان المشكلة وفقاً لأحكام المادتين (4, 5) من اللائحة, كما تختص بفحص التظلمات المقدمة بشأن تقدير هذه اللجان وأعمالها وإبداء رأيها فيها ……”. وتنص المادة (195) من اللائحة المذكورة على أنه “يجوز التصرف فى الأراضى المبنية أو المشغولة بمنشآت ثابتة أو غير ثابتة والخاضعة لأحكام القانون بطريقة الممارسة إلى شاغليها وفقاً للقواعد والشروط المنصوص عليها فى المواد التالية”. وتنص المادة (201) من ذات اللائحة ـ معدلة بالقرارين الوزاريين رقمى 148 لسنة 1971, 646 لسنة 1986 على أن “تحال طلبات الشراء إلى لجان تتولى تقدير ثمن العقارات محل هذه الطلبات ….. وتراجع هذه التقديرات بمعرفة اللجنة العليا لتقدير أثمان أراضى الدولة بعد مراجعتها بمعرفة مراقبى البيع. ويشمل الثمن متأخر الإيجار المستحق على العقار المبيع إلى تاريخ البيع, كما تتولى هذه اللجان عرض البيع على أصحاب الشأن”. وتنص المادة (202) من اللائحة على أن” تختص اللجان المنصوص عليها فى المادة السابقة بتقدير الثمن الذى تباع به الأراضى المبنية أو المشغولة بمنشآت ثابتة أو غير ثابتة المشار إليها فى المادة (195) وكذلك تقدير ثمن المبانى أو المنشآت الثابتة أو غير الثابتة المملوكة للدولة ملكية خاصة التى قد تكون مقامة عليها, وتتولى هذه اللجان معاينة العقارات المشار إليها وتقدير ثمنها طبقاً لحالتها عند البيع ومقارنتها بالعقارات الأخرى المماثلة لها إن كانت”. وتنص المادة (204) من اللائحة ـ معدلة بالقرار الوزارى رقم 148 لسنة 1971 ـ على أن “تتولى عرض البيع على أصحاب الشأن لجان تشكل بقرار من نائب مدير الهيئة العامة للإصلاح الزراعى لشئون أملاك الدولة الخاصة ….”. وتنص المادة (208) من اللائحة على أنه “مع مراعاة الأحكام المنصوص عليها فى المادتين 43 ,51 من القانون, تؤجر الأراضى الفضاء الخاضعة لأحكام هذا القانون ويتم التصرف فيها وفقاً للقواعد والشروط والإجراءات المنصوص عليها فى المواد التالية”. وتنص المادة (217) من اللائحة على أن “تحال طلبات الإيجار أو الشراء إلى اللجان المنصوص عليها فى المادة (201) لتتولى معاينة الأرض الفضاء محل هذه الطلبات وتقدير قيمتها الإيجارية أو ثمنها بحسب الأحوال واتباع كافة الأحكام الأخرى الواردة بالمادة المشار إليها”. وأخيرًا تنص المادة (221) من اللائحة المذكورة على أن “تتولى اللجان المنصوص عليها فى المادة (204) عرض البيع على أصحاب الشأن ….”.
ومن حيث إنه يبين من جماع النصوص سالفة الذكر, أن المشرع نظَّم بموجب القانون
رقم 100 لسنة 1964 أحكام وقواعد تأجير العقارات المملوكة للدولة ملكية خاصة والتصرف فيها, ومن ذلك الأراضى الفضاء أو المشغولة بمبانٍ أو منشآت ثابتة أو غير ثابتة, فخوَّل جهة الإدارة القائمة على شئون هذه العقارات سلطة تقديرية فى إجراء التصرف, وألزمها بأن يتم التصرف بطريق الممارسة أو المزاد العلنى, وعهد إلى اللائحة التنفيذية بتحديد الشروط والقواعد والإجراءات التى تكفل إتمام التصرف على الوجه السليم مراعاةً للغاية التى استهدفها القانون وهى الحفاظ على أملاك الدولة, واستنادًا إلى هذا التفويض أصدر نائب رئيس الوزراء للزراعة والرى اللائحة التنفيذية للقانون المذكور بالقرار رقم 63
لسنة 1965, وجعل التصرف يمر بعدة مراحل تتولاها لجان مختلفة بدءًا من لجان تقدير الأثمان ومرورًا بلجان عرض البيع على أصحاب الشأن وانتهاءً باللجنة العليا لتقدير أثمان أراضى الدولة التى خوَّلتها اللائحة سلطة مراجعة أعمال كافة اللجان المشكلة طبقًا للائحة, بما مفاده أن تقدير ثمن البيع من قِبل اللجان المختصة بالتثمين هو تقدير ابتدائى خاضع للمراجعة والتعقيب من قِبل اللجنة العليا لتثمين أراضى الدولة. ومن جهة أخرى فإن سلطة اللجان المذكورة فى تقدير الثمن ليست مطلقة وإنما مقيدة طبقًا لصراحة النص بضرورة أن يكون التثمين طبقاً لحالة العقار وقت البيع وبمراعاة الاسترشاد بالعقارات المماثلة إن وجدت.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الشركة المطعون ضدها تضع يدها على مساحة 63 ألف متر مربع بما يعادل 15 فدانًا بمدينة السلام مخصصة من قِبل محافظة القاهرة لإقامة مشروع مطاحن ومخابز عليها, وبتاريخ 6/11/1991 طلبت الشركة من المحافظة شراء هذه المساحة بمقابل رمزى، حيث إنها مخصصة للمشروع منذ عام 1981 وقد تعهدت المحافظة فى حينه بالتمويل اللازم لإقامة المبانى والمرافق والأثاث على نفقتها. كما أن الشركة ليس لديها أى تمويل لأية مشروعات استثمارية ومستعدة للمساهمة فى قرض الإسكان التعاونى. وبتاريخ 3/12/1991 أصدر المجلس التنفيذى لمحافظة القاهرة القرار رقم 168 لسنة 1991 بعدم الموافقة على طلب الشركة تخصيص الأرض بقيمة مخفضة وعلى أن يكون التخصيص بالثمن الفعلى مع إمكان سداد القيمة على أقساط, وبناءً عليه أرسلت الشركة إلى المحافظة رفق كتابها رقم 72 بتاريخ 24/6/1992 شيكاً بمبلغ 200 ألف جنيه تحت الحساب لحين صدور قرار التخصيص والاتفاق على سعر الأرض وكيفية السداد, وأحيل الأمر إلى اللجان المختصة بالتثمين، كما عرض على اللجنة العليا لتقدير أثمان أراضى الحكومة المشكلة بقرار محافظ القاهرة رقم 834 لسنة 1972 والتى انتهت إلى تقدير سعر المتر المربع بمبلغ 100جنيه فى ضوء أن الجهة المشترية قطاع عام وأن المنطقة منطقة خدمات، واعتمد قرار اللجنة العليا من نائب المحافظ للمنطقة الشمالية الشرقية بتاريخ 29/9/1992, كما قامت إدارة أملاك محافظة القاهرة ومديرية الإسكان بها بمطالبة الشركة بمبلغ 6100000 جنيه (ستة ملايين ومائة ألف جنيه) قيمة المتبقى من ثمن الأرض, بالإضافة إلى مبلغ 1.923.805.69جنيهًا (مليون وتسعمائة وثلاثة وعشرون ألفًا وثمانمائة وخمسة جنيهات وتسعة وستون قرشاً) قيمة إنشاءات المطاحن التى نفذتها شركة العبد للمقاولات على حساب المحافظة إلا أن الشركة المطعون ضدها تقدمت بعدة تظلمات إلى المحافظة تتضرر فيها من التقدير الذى انتهت إليه اللجنة العليا للتثمين, وذلك على أساس أن المحافظة قامت بتسليم الأرض لوزارة التموين والتجارة الداخلية عام 1981 وفقاً لما كان متفقًا عليه بدون مقابل إضافة إلى تحمّل المحافظة بتكاليف إقامة المبانى الإدارية, وأن اللجنة قدرت سعر الأرض على أساس قيمتها عام 1991 بعد الانتهاء من الإنشاءات وزيادة صقع المنطقة, وكان من الواجب أن يتم هذا التقدير طبقًا لأسعار 1981 الذى تسلمت فيه الشركة مسطح الأرض, إلى جانب أن المشروع المقام على الأرض يرتبط باحتياجات خاصة للجماهير وليس لدى الشركة الإمكانات المالية التى تساعدها على سداد المبالغ المطالب بها .
ومن حيث إن إفصاح الشركة المطعون ضدها عن رغبتها فى شراء الأرض المقام عليها المشروع سالف الذكر بثمن مخفض, ليس من شأنه إلزام جهة الإدارة بقبوله, ذلك أن بيع العقارات المملوكة للدولة ملكية خاصة طبقاً لأحكام القانون رقم 100 لسنة 1964 هو فى الأصل سلطة تقديرية لجهة الإدارة, وأن تحديد ثمن البيع وفقًا لأحكام القانون المذكور ولائحته التنفيذية تتولاه لجان متخصصة تراعى فى تقديره حالة العقار وقت التصرف, وهذه اللجان لها من الخبرات الفنية ما يجعل تقديرها بمنأى عن الرقابة القضائية إلا فى حالة إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها, وهو ما لم تقدم الشركة المطعون ضدها دليلاً عليه.
ومن حيث إن واقعة تسليم الأراضى محل الطعن عام 1981 إلى وزارة التموين والتجارة الداخلية والتى تحتج بها الشركة المطعون ضدها فى مواجهة قرار اللجنة العليا للتثمين, ليست إلا واقعة مادية مجردة لا تعبِّر عن تصرف قانونى صادر من الجهة الإدارية لصالح الشركة المذكورة, وبالتالى لا يكون قد نشأ لها حق أو مركز قانونى يخولها طلب تقدير ثمن الأرض على أساس السعر السائد وقت التسليم, سيما وأن الأوراق قد خلت مما يفيد أن ثمة اتفاقًا بين محافظة القاهرة ووزارة التموين على إعطائها هذه الأرض بدون مقابل وتحمّل تكاليف المبانى الإدارية حسبما ادعت تلك الشركة.
ومن حيث إن ما انتهى إليه الخبير فى تقريره المودع أمام المحكمة المدنية, من أن تقدير اللجنة العليا لتثمين الأراضى لسعر المتر المربع بمبلغ مائة جنيه ليس مناسباً وأن السعر المناسب هو خمسة جنيهات للمتر, قد أضحى ـ بناءً على تقدم ـ غير متفق وصحيح حكم القانون, حيث أقام الخبير تقديره على أساس السعر وقت تسليم الأرض عام 1981 وليس وقت التصرف فيها عام 1992 وهو الوقت الواجب الاعتداد به. كما أن الثابت من الأوراق أن اللجان التى قامت بالتقدير المطعون فيه قد أخذت فى الاعتبار حجم المسطح وطبيعة الشركة المتصرف إليها وما تقدمه من خدمات وذلك خلافاً لما ذكره الخبير.
ومن حيث إن مطالبة الجهة الإدارية للشركة المطعون ضدها بقيمة المنشآت المقامة على الأرض موضوع النزاع, قد تمت على أساس المبلغ الإجمالى الوارد بالمستخلص الختامى للأعمال المنفذة بمعرفة مقاول التنفيذ (شركة العبد للمقاولات) ومقداره 1923805.686 جنيهًا (مليون وتسعمائة وثلاثة وعشرون ألفًا وثمانمائة وخمسة جنيهات وتسعة وستون قرشاً), وأن تحميل الشركة المذكورة بقيمة هذه المنشآت إلى جانب ثمن الأرض المقامة عليها, لا يمثل خروجًا على القانون أو غبنًا للشركة, وذلك لاستقلال كل من ثمن الأرض وتكلفة المبانى المقامة عليها عن الآخر ولأن المستخلص المشار إليه إنما يعبر عن التكاليف الفعلية والحقيقية التى تحمَّلتها الجهة الإدارية فى ميزانيتها الخاصة, كما أنه لا وجه والحالة هذه لعرض أمر هذه المنشآت على اللجان المنصوص عليها فى المادة (204) من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 100 لسنة 1964 حسبما جاء بالحكم المطعون فيه, خاصة وأن هذه اللجان تختص بعرض البيع على أصحاب الشأن وليس بتثمين العقارات المطلوب شراؤها.
ومن حيث إنه متى كان ما تقدم فإن مطالبة الجهة الإدارية للشركة المطعون ضدها بسداد باقى ثمن الأرض المقام عليها مشروع المطاحن والمخابز بمدينة السلام على أساس سعر المتر المربع مائة جنيه, وكذلك سداد قيمة المنشآت المقامة عليها وفقاً للمستخلص الختامى لها, تكون قد جاءت متفقة مع الواقع وصحيح حكم القانون, الأمر الذى تضحى معه دعوى الشركة المذكورة فاقدة لسندها القانونى حرية بالرفض, وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد خالف القانون وأضحى مستوجب الإلغاء, وهو ما تقضى معه المحكمة بإلغائه، والقضاء مجدداً برفض الدعوى.
ومن حيث إن من خسر الطعن يلزم بمصروفاته عملاً بحكم المادة (184) من قانون المرافعات.
حكمت المحكمة
بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجدداً برفض الدعوى، وألزمت الشركة المطعون ضدها المصروفات عن درجتى التقاضى.