جلسة 24 من سبتمبر سنة 2008
(الدائرة السادسة)
الطعن رقم 5727 لسنة 46 القضائية عليا.
– ما يدخل في الاختصاص الولائي لمحاكم مجلس الدولة– قرار استرداد مسكن اقتصادي من مالكه لتغيير النشاط.
يسري القانون الخاص على تصرف الجهة الإدارية في أملاكها بالإيجار أو البيع، شأنها شأن الأفراد، ويختص بنظر النزاع الذي ينشأ عنه القضاء المدني– تختص محاكم مجلس الدولة بنظر المنازعة التي تدور حول استخدام تلك الجهة لسلطتها الاستثنائية المقررة لها بمقتضى المادة (970) من القانون المدني بإصدار قرار بإزالة التعدي على أملاكها– إصدار قرار باسترداد مسكن اقتصادي من مالكه لتغيير النشاط مما ينعقد الاختصاص بنظر الطعن عليه لمحاكم مجلس الدولة– تطبيق.
– سلطة إزالة التعدي عليها- ضابطها.
المادة (970) من القانون المدني- المادتان (26) و (31) من قانون نظام الإدارة المحلية، الصادر بالقرار بقانون رقم (43) لسنة 1979.
إعمال الإدارة لسلطتها في إزالة التعدي على أملاكها بالطريق الإداري، المخول بمقتضى المادة (970) من القانون المدني منوط بتحقق دواعي استعمالها، كوجود اعتداء ظاهر على ملك الدولة أو غيرها من الأشخاص المعنوية- إذا كان واضع اليد يستند إلى ادعاء بحق له على العقار، له ما يبرره من مستندات تؤيد في ظاهرها ما يدعيه من حق، أو كانت الحالة الظاهرة تدل على جدية ما ينسبه إلى نفسه من مركز قانوني بالنسبة للعقار، فإن الأثر المترتب على ذلك هو انتفاء حالة الغصب أو الاعتداء– مؤدى ذلك: لا يسوغ للدولة في مثل هذا الوضع أن تتدخل بسلطتها العامة لإزالة وضع اليد– أساس ذلك: أن جهة الإدارة لا تكون حالتئذ في مناسبة رفع اعتداء أو إزالة غصب، وإنما تكون في معرض انتزاع ما تراه هي من حق، وهو أمر غير جائز بحسب الأصل، الذي يجعل الفصل في حقوق الطرفين وحسم النزاع بينهما للقضاء المدني– لا تقضي محكمة القضاء الإداري عند نظرها في مشروعية القرار الصادر بإزالة التعدي في منازعة قائمة بين المتنازعين بشأن الملكية، فهي لا تتولى بحث وتمحيص المستندات المقدمة من أيهما، وإنما يقف اختصاصها في هذا الشأن عند التحقق من أن سند الجهة الإدارية له أصل ثابت في الأوراق، وأن يكون ادعاؤها ادعاءً جديا له من الشواهد وعليه من الدلائل ما يبرر إزالة التعدي بقرار إداري- تطبيق)[1](.
في يوم الاثنين الموافق 24/4/2000 أودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبة عن الطاعنين قلم كتاب المحكمة تقريرا بالطعن على الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالقاهرة في الدعوى رقم 7718 لسنة 53 ق بجلسة 27/2/2000، الذي قضى في منطوقه بقبول الدعوى شكلا، وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وبإلزام جهة الإدارة المصاريف، وإحالة الشق الموضوعي من الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني فيه.
وطلب الطاعنون للأسباب الواردة بتقرير الطعن بصفة مستعجلة الحكم بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وبقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء أصليا: بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى، واحتياطيا: برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وإلزام المطعون ضده المصروفات.
وقد أعلن تقرير الطعن وفقا للثابت بالأوراق، وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانون في الطعن، انتهت فيه للأسباب الواردة به إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
ونظرت الدائرة السادسة فحص طعون بالمحكمة الإدارية العليا الطعن بعدة جلسات حتى قررت إحالته إلى الدائرة السادسة موضوع لنظره، ونفاذا لذلك ورد الطعن إلى هذه المحكمة، ونظرته بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها، وقررت إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانونا.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية فهو مقبول شكلا.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص في أنه بتاريخ 11/6/1999 أودع مورث المطعون ضدهم قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بالقاهرة صحيفة الدعوى رقم 7718 لسنة 53ق طالبا في ختامها: الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار رقم 902 لسنة 1999 وما يترتب على ذلك من آثار، استنادا إلى أنه بموجب عقد تمليك من محافظة القاهرة مؤرخ 2/4/1979 تملك الشقة الكائنة بمساكن المظلوم القديمة بلوك رقم 9 شقة رقم 1 من المدخل رقم 1 قسم الشرابية، وهي ضمن تمليك المساكن الشعبية الاقتصادية، وأنه يقيم فيها وزوجته وأبناؤه وأحفاده غير أنه فوجئ بصدور القرار المطعون فيه باسترداد هذه الشقة خالية من الأشخاص والمنقولات، بحجة أنه قام بتحويلها إلى غرض آخر غير السكن، وجعلها مكتب محاماة بالمخالفة لقرار المحافظ رقم 724 لسنة 1992 ولأحكام العقد.
ونعى المدعي على القرار المطعون فيه مخالفة القانون؛ حيث إنه حرر محضرا إداريا بقسم الشرابية في 7/6/1999 لإثبات إقامته في الشقة، وأنه لا يوجد بها مكتب محاماة، فضلا عن صدور القرار عن غير المختص بإصداره.
وبجلسة 27/2/2000 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه، حيث رفضت الدفع بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الدعوى، ولأن الجهة الإدارية أعملت سلطتها الاستثنائية المقررة لها بموجب المادة (970) من القانون المدني في غير موضعها، فأصدرت قرارها المطعون فيه بالمخالفة لأحكام القانون، مما يتوافر معه ركنا الجدية والاستعجال في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه.
لم يلق هذا القضاء قبولا لدى الجهة الإدارية الطاعنة، التي نعت عليه الخطأ في تطبيق القانون وتأويله والفساد في الاستدلال من وجهين: الأول- لرفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى؛ حيث إن الدعوى تتعلق بالعقد المبرم بينها وبين مورث المطعون ضدهم، حيث يعتبر مفسوخا من تلقاء نفسه بتغييره الغرض من تملك الشقة وتحويله من سكن خاص إلى مكتب محاماة، وهو ما يختص بنظره القضاء العادي. والوجه الثاني- هو عدم توافر ركني الجدية والاستعجال في طلب وقف التنفيذ، حيث يقوم القرار المطعون فيه على صحيح أسبابه نظرا إلى إخلال المطعون ضده ببنود العقد. واختتمت الجهة الإدارية تقرير طعنها بطلب الحكم بطلباتها.
ومن حيث إنه أثناء تداول الطعن بالجلسات توفي مورث المطعون ضدهم إلى رحمة الله، وتم تصحيح شكل الطعن بالنسبة للمطعون ضدهم.
ومن حيث إنه عن الدفع بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة ولائيا بنظر الدعوى فإن المنازعة الماثلة لا تنصب على تصرف الجهة الإدارية في أملاكها بالإيجار أو البيع شأنها في ذلك شأن الأفراد، وبالتالي يسري عليها القانون الخاص الذي يحكم هذا التصرف، وبالتالي يختص بنظر النزاع الذي ينشأ عنه القضاء المدني بحكم ولاية القانون؛ وإنما تدور هذه المنازعة حول استخدام تلك الجهة لسلطتها الاستثنائية المقررة لها بمقتضى نص المادة (970) من القانون المدني، التي أجازت إزالة التعدي على أملاكها العامة أو الخاصة بمقتضى قرار إداري يصدر عنها بإزالة هذا التعدي إداريا، وهذا القرار الأخير الذي تصدره الجهة الإدارية بموجب سلطتها الاستثنائية التي خولها إياها القانون هو في جميع الأحوال قرار إداري، مما تختص بإلغائه أو وقف تنفيذه محاكم مجلس الدولة، وعليه يكون هذا الدفع غير قائم على صحيح حكم القانون، جديرا برفضه لاختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر الدعوى.
ومن حيث إن المادة (970) من القانون المدني تنص على أنه “ولا يجوز تملك الأموال الخاصة المملوكة للدولة أو للأشخاص الاعتبارية العامة وكذلك أموال الوحدات الاقتصادية التابعة للمؤسسات العامة أو للهيئات العامة … أو كسب أي حق عيني على هذه الأموال بالتقادم.
ولا يجوز التعدي على الأموال المشار إليها بالفقرة السابقة، وفي حالة حصول التعدي يكون للوزير المختص حق إزالته إداريا”.
وللمحافظ أو من يفوضه حق إزالة التعديات على أملاك الدولة وذلك طبقا لنص المادتين 26 و 31 من قانون الإدارة المحلية رقم 43 لسنة 1979.
ومن حيث جرى قضاء هذه المحكمة على أن إعمال الإدارة لسلطتها في إزالة التعدي على أملاكها بالطريق الإداري، المخول بمقتضى المادة (970) من القانون المدني منوط بتوافر أسبابها وتحقق دواعي استعمالها، كوجود اعتداء ظاهر على ملك الدولة أو غيرها من الأشخاص المعنوية، فإذا كان واضع اليد يستند إلى ادعاء بحق على العقار له ما يبرره من مستندات تؤيد في ظاهرها ما يدعيه من حق، أو كانت الحالة الظاهرة تدل على جدية ما ينسبه إلى نفسه من مركز قانوني بالنسبة للعقار، فإن الأثر المترتب على ذلك هو انتفاء حالة الغصب أو الاعتداء، ومن ثم لا يسوغ للدولة في مثل هذا الوضع أن تتدخل بسلطتها العامة لإزالة وضع اليد. وأساس ذلك أن جهة الإدارة في هذه الحالة لا تكون في مناسبة رفع اعتداء أو إزالة غصب، وإنما تكون في معرض انتزاع ما تدعيه هي من حق، وهو أمر غير جائز بحسب الأصل الذي يجعل الفصل في حقوق الطرفين وحسم النزاع بينهما للقضاء المدني بحكم ولاية القانون. وأن محكمة القضاء الإداري عند نظرها لمشروعية القرار الصادر بإزالة التعدي لا تقضي في منازعة قائمة بين الطرفين المتنازعين بشأن الملكية بحيث تتولى بالبحث والتمحيص المستندات المقدمة من كل منهما، وإنما يقف اختصاصها في هذا الشأن عند حد التحقق من أن سند الجهة الإدارية له أصل ثابت في الأوراق، وأن يكون ادعاؤها هو أيضا ادعاءً جديا له من الشواهد والدلائل ما يبرر إزالة التعدي بقرار إداري.
ومن حيث إنه بتطبيق ما تقدم فإن الثابت بالأوراق أن مورث المطعون ضدهم تملك الشقة محل القرار المطعون فيه بموجب عقد التمليك المؤرخ 2/4/1979، وظل يشغلها وأسرته، مما ينفي عنه وعن ورثته المطعون ضدهم صفة التعدي على هذه الشقة أو غصبها، وإنما يكون شغلهم لها بموجب سند جدي، فإذا ما استخدمت الجهة الإدارية سلطتها الاستثنائية المقررة لها طبقا لحكم المادة 970 من القانون المدني المذكورة وأصدرت قرارها المطعون فيه باسترداد هذه الشقة، يكون هذا القرار غير مشروع لصدوره في غير الحالات التي يجوز لها إصداره، وتكون بذلك قد حاولت انتزاع ما تدعيه لنفسها من حق، وكان يتعين عليها إذا ما ثار نزاع حول هذا العقد أو الإخلال بأحد شروطه حسبما تدعي الجهة الإدارية أن تلجأ إلى القضاء العادي للنظر في فسخ العقد بمقتضى سلطة وولاية القانون، فإن هي لم تفعل سقط قرارها في حمأة اللا مشروعية، وتوافر في طلب وقف تنفيذه ركن الجدية، وكذلك ركن الاستعجال، حيث يترتب على تنفيذه نتائج يتعذر تداركها بتشريد أفراد الأسرة وبإخلائهم من مسكنهم الذي يأويهم، ومن ثم يجب القضاء بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وهو ما انتهى إليه بحق الحكم المطعون فيه، فيكون الطعن عليه فاقدا سنده جديرا بالرفض، وإلزام الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات عملا بالمادة (184) من قانون المرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعا، وألزمت الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات.
([1]) سبق إقرار ذات المبدأ في الطعن رقم 837 لسنة 44 القضائية عليا بجلسة 22/1/2003، منشور بمجموعة س 48 مكتب فني ص 411.