جلسة 19 من أبريل سنة 2009
(الدائرة السابعة)
الطعن رقم 5849 لسنة 49 القضائية عليا.
رقابة مشروعيته- ركن السبب- مبدأ تخصيص الأهداف.
منع إحدى جهات الإدارة خدماتها عن أحد المواطنين لإجباره على القيام بتصرف معين يعتبر قرارا غير مشروع لمخالفته مبدأ تخصيص الأهداف.
شئون الضباط- عدم وفاء الضابط بالتزامه برد نفقات الدراسة لا يحول دون تسليمه شهادة تخرجه.
عدم وفاء ضابط الشرطة بالتزامه برد نفقات الدراسة طبقاً للتعهد الموقع عليه منه عند التحاقه بكلية الشرطة إذا لم يقضِ عشر سنوات في خدمة الشرطة لا يحول دون الاستجابة لطلبه بتسلم مستنداته وأوراقه وشهادة تخرجه، ثم مطالبته قضاءً بأداء هذه المبالغ- أساس ذلك: أن عدم تسليمه هذه المستندات حالتئذ مسلك مخالف لقاعدة تخصيص الأهداف، كما أن موقف الإدارة يمثل عقبة قانونية فى تغيير بيانات بطاقة الضابط وجواز سفره وإفادته من خبرته السابقة عند تقدمه للعمل فى وظيفة أخرى يتكسب منها، وهى كلها أمور تقيد من حريته وتشكل قيداً عليها يتعارض مع ما كفله الدستور من حرية العمل والانتقال والهجرة- تطبيق.
في يوم الثلاثاء الموافق 18/3/2003، أودع الأستاذ/ … المستشار بهيئة قضايا الدولة بصفته نائباً عن الطاعنين، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن قيد بجدولها تحت رقم 5849 لسنة 49 ق عليا، طعناً في الحكم المشار إليه فيما قضى به من قبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار السلبي بامتناع جهة الإدارة المدعى عليها عن تسليم المدعي الشهادات الدالة على إنهاء خدمته وحصوله على ليسانس الحقوق ودبلوم العلوم الشرطية عام 1993 وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام جهة الإدارة المصروفات.
وطلب الطاعنان بصفتيهما –للأسباب الواردة بتقرير الطعن– الحكم بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وبقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداً برفض الدعوى، مع إلزام المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي.
وجرى إعلان الطعن على النحو الموضح بالأوراق. وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات.
ونظر الطعن أمام الدائرة الثانية فحص بجلسة 14/11/2005، وفيها قررت إحالة الطعن إلى الدائرة السابعة فحص للاختصاص، ونظر أمام هذه الدائرة بجلسة 18/1/2006 وبجلسة 4/4/2007 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى هذه المحكمة لنظره بجلسة 17/6/2007 وتدوول نظره بجلساتها على النحو الموضح بمحاضرها، وبجلسة 18/1/2009 قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وإتمام المداولة.
وحيث إن الطعن استوفى سائر أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل –حسبما يبين من الأوراق– في أنه بتاريخ 4/9/1995 أقام المطعون ضده دعواه الماثلة أمام المحكمة الإدارية لرئاسة الجمهورية طالباً في ختامها الحكم بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلزام المدعى عليهما بتسليمه مستنداته وأوراقه وشهادة تخرجه وحصوله على ليسانس الحقوق ودبلوم الشرطة دفعة نوفمبر عام 1993 مع إلزامهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقال المدعي شرحاً لدعواه إنه تخرج في كلية الشرطة دور نوفمبر عام 1993 برتبة ملازم شرطة وعين بالإدارة العامة للأمن المركزي بالوجه القبلي وتسلم عمله بالفعل، وخلال عام 1994 ولظروف عائلية تقدم باستقالته من العمل وصدر القرار الوزاري رقم 491 لسنة 1995 بإنهاء خدمته اعتبارا من 26/6/1994 (تاريخ انقطاعه عن العمل)، وإنه بتاريخ 21/5/1995 قام بتسليم جميع متعلقاته لجهة عمله، وأنه توجه إلى الإدارة المختصة بوزارة الداخلية لتسلم أوراقه ومستنداته بما في ذلك شهادة الحصول على ليسانس الحقوق ودبلوم الشرطة إلا أنه تم رفض الطلب، مستندين في ذلك إلى أنه مستحق عليه مبالغ مالية يجب أن يؤديها وهي التي أنفقت عليه بالكلية، وإن هذا الأمر يعد تعسفاً لحرمانه من تسلم مستنداته خاصة شهادة حصوله على ليسانس الحقوق ودبلوم علوم الشرطة، واختتم صحيفة دعواه بطلب الحكم له بطلباته سالفة البيان.
وبجلسة 25/1/1997 أصدرت المحكمة الإدارية لرئاسة الجمهورية حكمها بعدم اختصاصها نوعياً بنظر الدعوى وبإحالتها بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري للاختصاص.
وقد وردت هذه الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري حيث قيدت برقم 6402 لسنة 51 ق، ونظرت بجلساتها، وبجلسة 9/11/2003 أصدرت حكمها المطعون فيه، وشيدت قضاءها على أساس أن الثابت أن المدعي قد أنهيت خدمته اعتباراً من 26/6/1994 وانقطعت رابطته الوظيفية مع جهة الإدارة، وأنه كان يتعين على جهة الإدارة المدعى عليها إعطاءه شهادة تفيد إنهاء خدمته، وكذلك شهادتي حصوله على ليسانس الحقوق ودبلوم العلوم الشرطية التي حصل عليها عام 1993 بتخرجه من كلية الشرطة، وإن امتناع جهة الإدارة عن هذا الأمر يعد مخالفة قانونية؛ لما فيه من حرمان المدعي من تغيير بيانات وظيفته في بطاقته وجواز سفره، وكذلك ما يستلزمه ذلك من تقدمه بما يفيد حصوله على المؤهلات العلمية التي حصل عليها عند تقدمه إلى عمل آخر يتكسب منه، وهي كلها من الأمور التي تعد قيدا على حريته، ويكون امتناع جهة الإدارة والحال كذلك يشكل مخالفة للقانون، مما يتعين معه الحكم بإلغاء القرار السلبي المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وإذ لم يلق الحكم قبولاً لدى الطاعنين، فأقاما الطعن الماثل ونعيا عليه مخالفته للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله، وذلك على سند من القول إن المطعون ضده عند التحاقه بكلية الشرطة كان قد وقع إقراراً تعهد فيه بخدمة جهاز الشرطة لمدة عشر سنوات، وأنه في حالة عدم التزامه بهذه المدة يكون ملزماً برد النفقات الدراسية التي أنفقت عليه خلال مدة دراسته بكلية الشرطة، وقد خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بإلغاء القرار السلبي بامتناع جهة الإدارة عن تسليمه المستندات، في حين أنه لا يوجد قرار سلبي؛ وذلك لأن ما صدر عن الجهة الإدارية من امتناع هو قرار إيجابي يتمثل في عدم تسليم المطعون ضده المستندات المطلوبة إلا بعد سداد المبالغ التي أنفقت عليه أثناء الدراسة، والتي التزم بها عند التحاقه بكلية الشرطة في حالة عدم التزامه بخدمة جهاز الشرطة لمدة عشر سنوات.
ومن حيث إن مقطع النزاع في الطعن الماثل إنما يدور حول مدى مشروعية قرار الجهة الإدارية بالامتناع عن الاستجابة لطلب المطعون ضده حول الوفاء بالتزامات مالية في ذمته.
ومن حيث إن الفقه والقضاء الإداريين في فرنسا ومصر قد جريا على أن منع إحدى الإدارات خدماتها عن أحد المواطنين لإجباره على القيام بتصرف معين يعتبر قراراً مجافيا لمبدأ تخصيص الأهداف.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المطعون ضده قد أنهيت خدمته من جهاز الشرطة اعتباراً من 26/6/1994 وانقطعت رابطته الوظيفية مع جهة الإدارة بصدور قرار وزير الداخلية رقم 491 لسنة 1995 بإنهاء خدمته، وأنه ولئن كان لم يقضِ مدة عشر سنوات في خدمة جهاز الشرطة، ومن ثم فإنه يلتزم برد نفقات الدراسة طبقاً للتعهد الموقع عليه منه عند التحاقه بكلية الشرطة، إلا أن ذلك لا يحول دون الاستجابة لطلبه بتسلمه مستنداته وأوراقه وشهادة تخرجه بحصوله على ليسانس الحقوق ودبلوم العلوم الشرطية ومطالبته قضاء بأداء هذه المبالغ؛ لمخالفة ذلك لقاعدة تخصيص الأهداف، كما أن موقف الإدارة يمثل عقبة قانونية في تغيير بيانات بطاقته وجواز سفره وإفادته من خبرته السابقة عند تقدمه للعمل في وظيفة أخرى يتكسب منها، وهي كلها أمور تقيد حريته وتشكل قيداً عليها يتعارض مع ما كفله الدستور من حرية العمل والانتقال والهجرة، ومن ثم يعد امتناع الإدارة عن الاستجابة لطلب المطعون ضده مخالفاً لأحكام الدستور وصحيح حكم القانون ومشوباً بعيب الانحراف بالسلطة جديراً بالإلغاء.
من حيث إنه لا ينال مما تقدم، ما أثاره الطعن من أنه لا يوجد قرار سلبي من جانب جهة الإدارة، بل إن ما صدر عنها هو قرار إيجابي يتمثل في عدم تسليم المطعون ضده المستندات المطلوبة إلا بعد أداء مصروفات الدراسة التي أنفقت عليه أثناء دراسته بكلية الشرطة، فإنه ولئن كان ذلك صحيحاً، إلا أن الاختلاف في التكييف لا يؤثر في سلامة النتيجة التي انتهى إليها الحكم المطعون فيه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أخذ بهذا النظر على الوجه السالف بيانه، فإنه يكون قد جاء صحيحاً وموافقاً لحكم القانون ويغدو الطعن في غير محله خليقا بالرفض.
ومن حيث إن من يخسر طعنه يلزم بمصروفاته عملاً بحكم المادة 184 مرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعا، وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.