جلسة 4 من مايو سنة 2002م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ عبد الرحمن عثمان أحمد عزوز
رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ على فكرى حسن صالح، ويحيى خضرى نوبى محمد، ود. محمد ماجد محمود أحمد، وأحمد عبد الحميد حسن عبود
نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ فريد نزيه حكيم تناغو
مفوض الدولة
وسكرتارية السيد/ كمال نجيب مرسيس
سكرتير المحكمة
الطعن رقم 6313 لسنة 45 قضائية عليا:
ـ سريانه من حيث الزمان ـ الأثر الرجعى للقرار ـ حكمه.
القاعدة العامة هى نفاذ القرارات الإدارية من تاريخ صدورها, بحيث تسرى بالنسبة للمستقبل, ولا تسرى بأثر رجعى على الوقائع السابقة على تاريخ صدورها, وذلك احتراماً للحقوق المكتسبة أو المراكز القانونية الذاتية, ومن ثَمَّ فإنه لا يجوز على أى وجه تقرير أثر رجعى للقرارات الإدارية إلا لو نص القانون على ذلك ـ على القضاء الإدارى عدم الاعتداد بأى أثر رجعى للقرارات الإدارية اللائحية أو التنظيمية لانعدام أى حكم يقرر الأثر الرجعى لانطوائه على اغتصاب اختصاص السلطة التشريعية أو للمخالفة الجسيمة للدستور ـ تطبيق.
فى يوم الأحد الموافق 27/6/1999، أودعت الأستاذة/ فاطمة أحمد حسن، المحامية نائبة عن الأستاذة/ محروسة عبد المنعم، المحامية المقبولة أمام المحكمة الإدارية العليا بصفتها وكيلة عن الطاعن بصفته بموجب توكيل رسمى عام رقم 1798 لسنة 97 توثيق الأزبكية النموذجى، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن، قيد بجدولها العمومى تحت رقم 6313 لسنة 45ق . عليا فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى “الدائرة الأولى”، فى الدعوى رقم 768 لسنة 50ق بجلسة 11/5/1999 والذى قضى منطوقه “بقبول الدعوى شكلاً وفى الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثاره وألزمت الجهة الإدارية المصروفات”.
وطلب الطاعن ـ للأسباب الواردة بتقرير الطعن ـ “الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون ضده وإلزامه المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين”.
وقد أعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده على النحو الثابت بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريراً مسبباً بالرأى القانونى فى الطعن ارتأت فيه الحكم, بقبول الطعن شكلاً, وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجدداً بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد, وإلزام المطعون ضده المصروفات.
وقد عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 4/12/2000، وبجلسة 7/5/2001 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى ـ موضوع) وحددت لنظره أمامها جلسة 23/6/2001, وبعد تداوله بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها قررت المحكمة بجلسة 5/1/2002 إصدار الحكم بجلسة 4/5/2002 مع التصريح لمن يشاء بتقديم مذكرات فى شهر، ومضى الأجل المضروب دون إيداع ثمة مذكرة.
وبجلسة اليوم صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانوناً.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص ـ حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق ـ فى أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 768 لسنة 50ق أمام محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة (الدائرة الأولى) بموجب عريضة مودعة قلم كتابها بتاريخ 24/10/1995 بطلب الحكم بإلغاء القرار السلبى بالامتناع عن تركيب تليفون منزلى له فى الشقة رقم 15 الكائنة بالعقار رقم 8 شارع مصطفى رضا بالمنيل/قسم مصر القديمة, مع ما يترتب على ذلك على سند من القول إنه بتاريخ 2/6/1987 تقدم بطلب لتركيب تليفون منزلى وسدد الرسوم المقررة, وبتاريخ 21/3/1994 أخطر بالحضور إلى قسم العقود لاستيفاء الإجراءات, ثم فوجىء بأن المهندس المختص يلغى طلبه ويصر على تحويله إلى نظام التعاقد الفورى بسبب أنه يحمل وثيقة مصرية للاجئين الفلسطينيين استناداً إلى المنشور رقم 9 بتاريخ 6/7/1991 رغم أنه يعمل موظفًا بالحكومة المصرية فى وزارة التربية والتعليم منذ 32 عامًا ومقيد على درجة دائمة بموازنة الدولة ويعامل معاملة المصريين فتظلم من ذلك, وبتاريخ 11/6/1995 أخطر برد الهيئة بأنها تأسف لعدم تلبية طلبه طبقًا لتعليماتها التى تقضى بعدم تركيب تليفون لغير المصريين إلا بالنظام الفورى والعاجل مما حدا به إلى إقامة هذه الدعوى بغية الحكم بما تقدم. وبجلسة 11/5/1999 أصدرت محكمة القضاء الإدارى (الدائرة الأولى) الحكم المطعون فيه، وشَّيدت المحكمة قضاءها فى موضوع الدعوى على أساس أن الهيئة المدعى عليها أصدرت التعليمات رقم 9 بتاريخ 6/7/1991 بشأن طلبات تركيب التليفونات من غير المصريين وإذ إن هذه التعليمات تمثل قرارًا تنظيمياً عاماً، وإنه وفقًا للبند الثانى من هذه التعليمات الذى ينص على أن “الطلبات السابق تقديمها من غير المصريين لا يتم تنفيذها إلا بنظام التركيبات العاجلة”. ومن ثَمَّ يكون هذا القرار قد تم سريانه بأثر رجعى وتطبيقه على الطلب الذى تقدم به المدعى بتاريخ 2/6/1987 وذلك قبل صدور تلك التعليمات وبعد أن اكتمل المركز القانونى للمذكور من حيث قبول طلبه وسداد الرسوم المقررة، وذلك بالمخالفة لأحكام القانون التى لا تجيز على أى وجه تقرير أثر رجعى للقرارات الإدارية إلا إذا نص القانون على ذلك, وإذ صدر القرار المطعون فيه استناداً إلى تلك التعليمات, مما يعد معه هذا القرار باطلاً لأن ما بُنى على باطل فهو باطل.
ومن حيث إن مبنى الطعن المقدم من الهيئة الطاعنة مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ فى تطبيقه لأسباب حاصلها أن المطعون ضده قد تقدم بطلب تركيب تليفون منزلى فى 2/6/1987 وبتاريخ 23/4/1994 صدر إخطار هندسى رقم 787 ـ موافقة اللجنة (55) روضة ـ وبتاريخ 21/3/1994 أخطر للحضور لإتمام الإجراءات, وبحضوره تبين أنه فلسطينى الجنسية فحوَّل طلبه إلى النظام العاجل طبقًا لما يقضى به البند الثانى من تعليمات نائب رئيس مجلس الإدارة للشئون المالية رقم 9 بتاريخ 6/7/1991 بشأن عدم قبول طلبات تركيب تليفونات لغير المصريين إلا بالنظام العاجل؛ وحيث إن البند الثالث من التعليمات ينص “على المسئولين تنفيذ ذلك بكل دقة”, فقد قام المسئولون بتنفيذ التعليمات القديمة الصادرة من الهيئة وأُلغى تعاقد المطعون ضده.
ومن حيث إنه عن الدفع المبدى من الهيئة الطاعنة بمذكرة دفاعها المودعة بجلسة 29/8/2001 بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد القانونى فإنه مردود عليه ذلك أن الثابت من أوراق الطعن أن الهيئة الطاعنة لم تقدم ثمة دليل يفيد إخطارها للمطعون ضده بقرارها برفض طلبه بتركيب تليفون عادى منزلى لشقته ـ مثار النزاع الماثل, كما خلت الأوراق من ثمة مستند يدل على علمه بهذا القرار فى تاريخ محددة، الأمر الذى يضحى معه تاريخ علمه بالقرار الطعين هو تاريخ تظلمه من هذا القرار الحاصل فى 15/4/1995.
ومن حيث إنه من المقرر أن رفع الدعوى أمام محكمة غير مختصة يقطع ميعاد رفع دعوى الإلغاء, ومن ثَمَّ فإن قيام المطعون ضده برفع الدعوى رقم 4031 لسنة 1995/ م . م القاهرة/ أمام محكمة القاهرة للأمور المستعجلة فى 19/6/1995 (بذات الطلبات محل الدعوى موضوع الطعن الماثل) ـ أى خلال الميعاد القانونى المقرر لرفع دعوى الإلغاء ـ باعتبار أنه أخطر برفض تظلمه بتاريخ 11/6/1995 ـ فإن قيامه بذلك يؤدى إلى قطع الميعاد وإذ قضت المحكمة المذكورة بجلسة 28/8/1995 ـ فى مادة مستعجلة بعدم اختصاصها نوعياً بنظر الدعوى (دون إحالة) ثم أقام دعواه الصادر فيها الحكم المطعون فيه بتاريخ 24/10/1995 ـ أى خلال ستين يوماً من تاريخ حكم القضاء المستعجل بعدم الاختصاص, ومن ثَمَّ فإن رفعها فى الميعاد المقرر أمام محكمة غير مختصة ثم إقامتها فى الميعاد القانونى أمام المحكمة المختصة طبقًا لما سلف بيانه, الأمر الذى يجعل الدعوى المشار إليها مرفوعة فى الميعاد القانونى طبقاً للمادة 24 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972، وبالتالى يكون هذا الدفع فى غير محله جديرًا بالرفض.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أنه بتاريخ 2/6/1987 تقدم المطعون ضده بطلب لسنترال الروضة لتركيب تليفون منزلى عادى فى العنوان 8 شارع مصطفى رضا ـ شقة 15 ـ المنيل/ مصر القديمة, قيد برقم 16179, ثم قام بسداد الرسوم المقررة (خمسون جنيهًا). بالقسيمة رقم 5510 بتاريخ 2/6/1987 ثم صدر إخطار هندسى متضمناً موافقة اللجنة (55) روضة ـ وبتاريخ 23/2/1994 أخطر للحضور للسنترال لإتمام الإجراءات وبعد حضوره تبين لجهة الإدارة أنه فلسطينى الجنسية فقررت تحويل طلبه إلى نظام التركيب العاجل طبقًا لما تقضى به تعليمات الهيئة رقم 9 بتاريخ 6/7/1991 فى البند الثانى منها.
ومن حيث إنه بتاريخ 6/7/1991أصدرت الهيئة الطاعنة تعليمات رقم (9) بشأن عدم قبول طلبات تركيب تليفونات لغير المصريين إلا بالنظام العاجل.
وقد نص البند الأول منها على أنه “لا تقبل طلبات تركيب تليفونات لغير المصريين منزلى, غير منزلى” إلا بنظام التركيبات العاجلة.
كما نص البند الثانى فيها على أن “الطلبات السابق تقديمها من غير المصريين لا يتم تنفيذها إلا بنظام التركيبات العاجلة”.
ومن حيث إن القاعدة العامة هى نفاذ القرارات الإدارية من تاريخ صدورها, بحيث تسرى بالنسبة للمستقبل, ولا تسرى بأثر رجعى على الوقائع السابقة على تاريخ صدورها, وذلك احتراماً للحقوق المكتسبة أو المراكز القانونية الذاتية, ومن ثَمَّ فإنه لا يجوز على أى وجه تقرير أثر رجعى للقرارات الإدارية إلا لو نص القانون على ذلك, وعلى القضاء الإدارى عدم الاعتداد بأى أثر رجعى للقرارات الإدارية اللائحية أو التنظيمية لانعدام أى حكم يقرر الأثر الرجعى لانطوائه على اغتصاب اختصاص السلطة التشريعية أو للمخالفة الجسيمة للدستور.
ومن حيث إن المادة 187 من الدستور تنص على أنه “لا تسرى أحكام القوانين إلا على
ما يقع من تاريخ العمل بها, ولا يترتب عليها أثر فيما وقع قبلها, ومع ذلك يجوز فى غير المواد الجنائية النص فى القانون على خلاف ذلك بموافقة أغلبية أعضاء مجلس الشعب”.
ومن حيث إن مؤدى هذا النص أن المشرع قد حظر النص على أى أثر رجعى للقوانين, واستثناءً أجاز هذه الرجعية فى غير المواد الجنائية وبنص صريح وبموافقة أغلبية مجلس الشعب أى بموافقة أغلبية خاصة غير الأغلبية العادية المقررة لسن القوانين, ومن ثَمَّ فإنه وفقاً لصريح هذه الأحكام لا يجوز على أى وجه تقرير أثر رجعى للقرارات الإدارية.
ومن حيث إنه على هذا الأساس, فإنه لما كان الثابت أن الهيئة الطاعنة قد ضمنت قرارها التنظيمى العام رقم 9 لسنة 1991 سالف الذكر فى البند الثانى منه حكماً بسريان هذا القرار على طلبات التركيب السابق تقديمها من غير المصريين, ومن ثَمَّ فإنه على هذا الوجه يسرى بأثر رجعى على الماضى فى حين أنه لا يكون نافذ الأثر قانوناً إلا اعتباراً من تاريخ صدوره فى 6/7/1991 أى لا تسرى هذه التعليمات إلا على ما يقدم من طلبات تركيب تليفونات من غير المصريين من تاريخ العمل به كأثر حال للتنظيم الجديد، وإذ ثبت أن المطعون ضده قد تقدم بطلب تركيب تليفونه سالف الذكر بتاريخ 2/6/1987، وذلك قبل تاريخ صدور التعليمات سالفة الذكر.
ومن ثَمَّ لا تسرى هذه التعليمات على حالة المطعون ضده الذى كان وقت إقرارها قد اكتسب مركزاً ذاتياً بمقتضاه اكتسب حق تركيب تليفون منزلى/عادى, ولما كان من شأن ذلك التطبيق الخاطئ للهيئة الطاعنة لتعليماتها المذكورة بأثر رجعى بقيامها بتحويل طلب المطعون ضده المشار إليه إلى التعاقد بنظام التركيب العاجل, الأمر الذى ترتب عليه إهدار المركز القانونى الذى اكتسبه, فإن من شأن ذلك إعمال القرار المشار إليه بأثر رجعى, وهو أمر غير جائز قانوناً على ما سلف بيانه.
ومن حيث إنه متى كان ما تقدم وكان الثابت من الأوراق أن القرار المطعون فيه قد صدر استناداً إلى تلك التعليمات, الأمر الذى يتعين معه القضاء بإلغائه مع ما يترتب على ذلك
من آثار.
ومن حيث إنه يخلص من جماع ما تقدم أن الحكم المطعون فيه قد أصاب وجه الحق فى قضائه, وأن الطعن عليه على غير أساس سليم من القانون, مما يتعين معه رفضه, وإلزام الهيئة الطاعنة المصروفات عملاً بحكم المادة (184) من قانون المرافعات.
حكمت المحكمة
بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً، وألزمت الهيئة الطاعنة المصروفات.