جلسة 18 من فبراير سنة 2012
الطعن رقم 6643 لسنة 47 القضائية (عليا)
(الدائرة الرابعة)
– قرينة النكول ومجال الأخذ بها- تسقط القرينة التي تستخلصها المحكمة من تقاعس الجهة الإدارية عن تقديم الأوراق والمستندات والتحقيقات أمام محكمة أول درجة، إذا تم تقديمها أثناء نظر الطعن في الحكم.
– تأديب– المخالفات التأديبية- إثباتها- لئن لم تتشابه المخالفات التأديبية مع الجرائم الجنائية في أنها قد وردت على سبيل الحصر، إلا أن النظام التأديبي بوصفه نظاما للتأثيم والتجريم يتعلق بالسلوك الإنساني، فيجب أن تثبت المخالفة يقينا في حق المتهم حتى يتسنى توقيع العقاب المناسب عليه، وأن يقوم ذلك على أدلة كافية لتكوين عقيدة المحكمة ويقينها.
– تأديب- الطعن في القرار التأديبي- ميعاد الطعن- إذا سلكت جهة الإدارة مسلكا إيجابيا نحو إجابة المتظلم إلى تظلمه، بتعديل قرار الجزاء، بسحبه جزئيا (أي بتخفيضه) أثناء نظر الطعن بإلغائه، فإن مؤدى ذلك عدم تحقق قرينة الرفض الحكمي للتظلم، فيبدأ ميعاد إقامة الدعوى من تاريخ صدور قرار تعديل الجزاء- يظل الطعن قائما بالنسبة لما لم يسحب من القرار، دون حاجة إلى سبق تقديم تظلم جديد([1]).
– المادة (24) من قانون مجلس الدولة، الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972.
بتاريخ 15/4/2001 أودعت هيئة قضايا الدولة نيابة عن الطاعنين، بصفاتهم قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 6643 لسنة 47 ق.ع في حكم المحكمة التأديبية بالمنصورة بجلسة 18/2/2001 في الطعن التأديبـي رقم 110 لسنة 26 ق، القاضي بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وطلبت الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء (أصليا) بعدم قبول الطعن التأديبـي رقم 110 لسنة 26 ق، لإقامته بعد الميعاد، و(احتياطيا): برفض الطعن التأديبـي رقم 110 لسنة 26ق.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني ارتأت فيه لأسبابه الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا.
وجرى نظر الطعن بالدائرة السابعة (فحص) وبجلسة 16/4/2003 أودعت هيئة قضايا الدولة حافظة للمستندات، وأودع المطعون ضده بشخصه مذكرة، وبجلسة 15/10/2003 أودع المطعون ضده مذكرة، وأحيل الطعن إلى الدائرة الثامنة عليا (فحص) للاختصاص، وفيها نظر على النحو الثابت بمحاضر جلساتها، إلى أن قررت بجلسة 11/10/2009 إحالتها إلى الدائرة الرابعة (فحص) للاختصاص، وبجلسة 27/10/2010 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى دائرة الموضوع لنظره بجلسة 1/1/2011 وفيها نظر، وبجلسة 15/10/2011 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 21/1/2012 وبها تقرر مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم لاستمرار المداولة، وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانونا.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إنه بشأن موضوعه فيخلص حسبما هو ثابت بالأوراق في أنه بتاريخ 24/12/1997 أقام المطعون ضده أمام المحكمة التأديبية بالمنصورة الطعن التأديبـي رقم 110 لسنة 26ق، طالبا إلغاء القرار رقم 1045 المؤرخ في 5/8/1997 بمجازاته بخصم عشرة أيام من أجره، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
……………………………………
وبجلسة 18/2/2001 حكمت المحكمة المتقدمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، استنادا إلى أن المحكمة طلبت من الجهة الإدارية تقديم المستندات اللازمة للفصل في الطعن أكثر من مرة وقامت تغريمها دون أن تستجيب الجهة الإدارية لما كلفت به، مما يعد نكولا منها عن القيام بواجب قانوني عليها، ويقيم قرينة لمصلحة الطاعن توجب الأخذ بطلباته، ومن ثم يتعين الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه.
……………………………………
وإذ لم ترتض الجهة الإدارية الحكم المطعون فيه فقد أقامت الطعن الراهن استنادا إلى: (أولا) من الناحية الشكلية فقد صدر القرار المطعون فيه في 24/6/1997 وتظلم منه المطعون ضده في 15/7/1997 واستجابت جهة الإدارة إلى تظلمه بخفض الجزاء في 5/11/1997، وكان يتعين عليه أن يبادر لإقامة طعنه خلال الستين يوما التالية في موعد غايته 5/12/1997، إلا أنه تراخى وأقامه بتاريخ 24/12/97 فيكون قد أقامه بعد الميعاد المقرر قانونا.
(ثانيا) من ناحية الموضوع فإن الحكم المطعون فيه قد شيد قضاءه استنادا إلى قرينة الصحة المستمدة من نكول جهة الإدارة عن تقديم ما لديها من مستندات، وهذه القرينة قابلة لإثبات العكس إذا ما قدمت الجهة الإدارية المستندات والتحقيقات، وأنه سيتم ذلك أمام دائرة فحص الطعون.
……………………………………
وحيث إن من المقرر أن تقديم الجهة الإدارية للمستندات والتحقيقات أمام هذه المحكمة من شأنه إسقاط قرينة الإثبات السلبية، ولما كان الثابت أن الجهة الإدارية الطاعنة قد قدمت أوراق التحقيقات ووجميع المستندات إلى هذه المحكمة أثناء نظرها موضوع الطعن الراهن، فإنه يتعين والحال كذلك إلغاء حكم المحكمة التأديبية المطعون فيه، حيث انهارت قرينة الإثبات السلبية التي قام عليها، وتبين عدم صحة استناد محكمة أول درجة في إلغاء قرار الجزاء المطعون فيه على محض هذه القرينة التي لم يعد للاستناد إليها محل أو سند من الواقع أو القانون حال وجود الأوراق والمستندات والتحقيقات الخاصة بالموضوع، وقد أضحى الطعن مهيئا للفصل فيه.
وحيث إن الثابت من المستندات المودعة ملف الطعن (حافظة الجهة الإدارية الطاعنة) أن الوحدة المحلية لمركز ومدينة المنصورة أبلغت النيابة الإدارية بالمنصورة (القسم الثاني) بكتابها المؤرخ في 9/12/1996 بشأن طلب التحقيق في المخالفات المالية التي أسفر عنها فحص الأعمال المالية بالوحدة المحلية بالبرامون المتمثلة في صرف مبالغ بدون وجه حق عن المدة من 1991 حتى 1995، وقيدت الواقعة لديها بالقضية رقم 132 لسنة 1997، وأرفق بالأوراق تقرير اللجنة المشكلة بالقرار رقم 179 في 4/3/1996 برئاسة مركز ومدينة المنصورة الخاص بحصر المبالغ الخاصة بالحافز التمييزي التي تم صرفها بدون وجه حق بالوحدة المحلية بالبرامون بناء على تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات، وقد أجرت النيابة الإدارية تحقيقا في الموضوع انتهت فيه إلى قيدها مخالفة إدارية ومالية ضد المطعون ضده وآخرين؛ لأنهم بمقر عملهم بدائرة محافظة الدقهلية لم يؤدوا العمل المنوط بهم بدقة، وأهملوا في المحافظة على أموال الوحدة التي يعملون بها، وخالفوا القواعد والأحكام المالية، وأتوا ما من شأنه المساس بمصلحة مالية للدولة بأن:
– من الأول إلى العاشر:
1- أقروا على خلاف الحقيقة والواقع باستمارات الحافز التمييزي الخاص بالعاملين بالوحدة المحلية بالبرامون، وذلك بتضمينها أسماء وهمية وأسماء لبعض العاملين خارج نطاق الإدارة المحلية وبعض العاملين ممن لا تنطبق عليهم قواعد صرف الحافز التمييزي ومن تجاوزوا مدد الغياب المقررة، ووضعوا العاملين في فئات استحقاق لا تتناسب مع وظائفهم، مما ترتب عليه صرف مبلغ إجمالي 9906 جنيهات بدون وجه حق، وقام الثامن (المطعون ضده) والتاسع والعاشر بالتوقيع على إقرارات تفيد أحقية الأسماء الواردة بتلك الاستمارات للحافز التمييزي بالمخالفة.
2- قاموا بالاستيلاء على المال العام بمبلغ قيمته 120 جنيها، وهو قيمة المبالغ التي تم صرفها للأسماء الوهمية المدرجة بالاستمارات المذكورة من ضمن المبلغ الإجمالي المذكور آنفا.
3- سهلوا الاستيلاء على مبلغ 130 جنيها من ضمن المبلغ الإجمالي المذكور آنفا من المبالغ التي تم صرفها لبعض العاملين بنقطة البرامون.
وبناء على ذلك أصدرت الجهة الإدارية الطاعنة القرار المطعون فيه رقم 586 لسنة 1997 في 24/6/1997 بمجازاة المطعون ضده بخصم خمسة عشر يوما من راتبه، فتظلم منه، فأصدرت جهة الإدارة القرار المطعون فيه رقم 1045 لسنة 1997 بسحب قرارها رقم 516 لسنة 1997، ومجازاة المطعون ضده بخصم عشرة أيام من راتبه لما نسب إليه.
– وحيث إنه عن الدفع المبدى بعدم قبول الطعن التأديبـي رقم 110 لسنة 26ق شكلا؛ لرفعه بعد الميعاد المقرر قانونا، فإن المادة (24) من قانون مجلس الدولة تنص على أن: “ميعاد رفع الدعوى أمام المحكمة فيما يتعلق بطلبات الإلغاء ستون يوما من تاريخ نشر القرار الإداري… أو إعلان صاحب الشأن به. وينقطع سريان هذا الميعاد بالتظلم إلى الهيئة الإدارية التي أصدرت القرار أو الهيئات الرئاسية، ويجب أن يبت في التظلم قبل مضي ستين يوما من تاريخ تقديمه… ويعتبر مضي ستين يوما على تقديم التظلم دون أن تجيب عنه السلطات المختصة بمثابة رفضه. ويكون ميعاد رفع الدعوى بالطعن على القرار الخاص بالتظلم ستين يوما من تاريخ انقضاء الستين يوما المذكورة”.
وحيث إنه من المقرر أنه إذا ما سلكت جهة الإدارة مسلكا إيجابيا نحو إجابة المتظلم جزئيا بأن أسفر بحث التظلم إلى تعديل الجزاء بسحبه جزئيا بتخفيضه، فإن مؤدى ذلك اعتبار إجراءات السحب الجزئي للقرار قد بدأت فور تقديم التظلم في الميعاد واستمرت إلى أن أقام طعنه في الميعاد، فتعد قرينة الرفض الحكمي للتظلم لم تتم مادام قد تم تعديل القرار بتخفيض الجزاء الوارد به أثناء نظر الطعن أمام المحكمة التأديبية، ويظل الطعن قائما بالنسبة لما لم يسحب من القرار، دون حاجة إلى سبق تقديم تظلم جديد؛ لأن قرار الجزاء سيظل قائما بالنسبة لما لم يسحب منه.
وحيث إن الثابت من المستندات أن الجهة الإدارية قد أصدرت القرار الطعين رقم 516 لسنة 1997 بتاريخ 24/6/1997 بمجازاة المطعون ضده بخصم خمسة عشر يوما من راتبه، وتظلم منه بتاريخ 15/7/1997، ولم ترد جهة الإدارة خلال الستين يوما التالية، واستمرت في بحث تظلمه إلى أن أصدرت القرار 1045 في 5/11/1997 بسحب القرار 516/1997 والاكتفاء بمجازاة المطعون ضده بخصم عشرة أيام من راتبه، وعلى ذلك فإن قرينة الرفض الحكمي للتظلم لم تتم، مادام قد تم تعديل القرار بتخفيض الجزاء، ومن ثم فإن ميعاد الطعن على هذا القرار يبدأ من تاريخ صدور القرار 1045 في 5/11/1997، وإذ أقام المطعون ضده طعنه أمام محكمة أول درجة بتاريخ 24/12/1997، فإنه يكون قد أقامه في الميعاد المقرر قانونا، ويضحى الدفع المبدى لا سند له حقيقا بالرفض.
وحيث إن المخالفات التأديبية وإن لم تتشابه مع الجرائم الجنائية في أنها قد وردت على سبيل الحصر، إلا أنها بوصفها نظاما للتأثيم والتجريم يتعلق بالسلوك الإنساني، فإنها يجب أن تثبت يقينا في حق المتهم حتى يتسنى توقيع العقاب المناسب على من ارتكبها، وأن يقوم ذلك على أدلة كافية لتكوين عقيدة المحكمة ويقينها.
وحيث إن الثابت من التحقيقات التي أجرتها النيابة الإدارية بالقضية رقم 132 لسنة 1997 أنه بمواجهة المطعون ضده بالمخالفة المنسوبة إليه قرر أن التوقيع الموجود على الإقرارات المرفقة بالأوراق عن الفترة من10/1/1993حتى30/6/1993،ومن 1/7/1993 حتى 31/12/1993، وكذا التوقيع الموجود على استمارات الحافز التمييزي خلال تلك الفترة هو توقيعه، وأنه بشأن ما نسب إليه من إقراره على خلاف الحقيقة والواقع بالإقرارات محل المخالفة عن الفترة المذكورة، وإقراره أن الأسماء المدونة بتلك الاستمارات هم المستحقون فعلا للحافز التمييزي بالمخالفة، مما ترتب عليه صرف مبلغ 97 جنيها دون وجه حق، أقر باعتماده تلك الإقرارات والاستمارات وبرر ذلك بأنه مجرد اعتماد إداري فقط، وقد أيد ذلك كل من/… سكرتير الوحدة المحلية بالبرامون و/… المفتش المالي والإداري برئاسة مركز ومدينة المنصورة بلجنة فحص الموضوع محل المخالفة، وعلى ذلك فإن المخالفة المنسوبة للمطعون ضده غدت ثابتة بحقه، مما استأهل مجازاته عنها بموجب القرار المطعون فيه بخصم عشرة أيام من راتبه، والذي صدر مصادفا لمحله بمنأى عن الطعن عليه، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه إلى غير هذا المذهب فإنه يكون قد أخطأ فيما قضى به، حقيقا بالإلغاء فيما تضمنه من إلغاء القرار الطعين، والقضاء برفض الطعن التأديبـي رقم 110 لسنة 26ق موضوعا.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء برفض الطعن التأديبـي رقم 110 لسنة 26ق موضوعا.
([1]) في حكمها في الطعن رقم 7632 لسنة 56 القضائية (عليا) بجلسة 15/3/2014 (قيد النشر بمجموعة س 59 مكتب فني) انتهت المحكمة الإدارية العليا إلى أنه إذا قامت جهة الإدارة بسحب قرار توقيع الجزاء على الموظف لحين إعادة تقدير الجزاء، ثم أصدرت قرارا بتعديل قرار الجزاء، فإن ميعاد الطعن يبدأ من تاريخ صدور القرار الأول؛ لأن قرار تعديل قرار الجزاء لا يعد قرارا مستقلا عن القرار الأول، بل معدلا له.