جلسة 20 من فبراير سنة 2008
(الدائرة السادسة)
الطعن رقم 6730 لسنة 45 القضائية عليا.
– عدم تعلق قواعد توزيع الاختصاص محليا ونوعيا بين دوائر محكمة القضاء الإداري بالنظام العام– أثر ذلك.
جميع دوائر القضاء الإداري بالقاهرة والأقاليم تتبع محكمة واحدة، هي محكمة القضاء الإداري، أما التوزيع النوعي أو المحلي بين هذه الدوائر فمجرد توزيع داخلي لا يترتب على مخالفته البطلان– أساس ذلك: هذا التوزيع يتم بقرار من رئيس مجلس الدولة، ولا ينتزع المنازعة من اختصاص محكمة لإدخالها في اختصاص أخرى– مؤدى ذلك: صدور حكم عن إحدى دوائر محكمة القضاء الإداري فيما يدخل في اختصاص دائرة أخرى لا يترتب عليه البطلان– تطبيق([1]).
– الأملاك ذات الصلة بالري والصرف– الأملاك الخاصة التي تتخلل تلك الأملاك العامة– القيود التي تتحمل بها– أثر توصيل المرافق للمنشآت المخالفة أو سداد الضرائب العقارية عنها في أعمال التعدي.
المواد (1) و (5) و (9) و (98) من قانون الري والصرف، الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1984.
اعتبر المشرع مجرى النيل وجسوره وجميع الأراضي الواقعة بين تلك الجسور من الأملاك العامة– استثنى من ذلك ما يتخلل هذه الأملاك العامة من أراضٍ تكون مملوكة ملكية خاصة للدولة أو لغيرها، لكنه استلزم الحصول على ترخيص من وزارة الري عند إجراء أي عمل أو حفر بالأراضي الواقعة حتى ثلاثين مترا من تلك الأملاك العامة، إذا كان من شأن ذلك تعريض سلامة الجسور للخطر، أو التأثير في التيار تأثيرا يضر بهذه الجسور والأراضي– تقدير ذلك يكون لوزارة الري، التي يتعين الرجوع إليها قبل الشروع في هذا العمل– مؤدى ذلك: قيام المالك بهذا العمل مباشرة من تلقاء نفسه مخالف لقانون الري والصرف، مما يحق معه للوزارة متى ثبتت خطورة هذا العمل أن تتخذ في مواجهته الإجراءات التي نص عليها القانون، ومن بينها الإزالة بالطريق الإداري– توصيل المرافق للمنشآت المخالفة أو سداد الضرائب العقارية لا تعني التصريح بإقامة منشآت على منافع الري- تطبيق.
– دفاع في الدعوى– إحالة للخبراء.
إحالة الدعوى إلى الخبراء أمر متروك لتقدير المحكمة دون معقب عليها، خاصة إذا كانت الدعوى جاهزة للفصل فيها من واقع المستندات المقدمة من الخصوم، وليس ثمة مسألة فنية تستوجب إحالتها للخبراء– تطبيق.
في يوم الاثنين الموافق 1/7/1999 أودع وكيل الطاعن قلم كتاب هذه المحكمة تقريرا بالطعن الماثل على الحكم المشار إليه فيما قضى به من قبول الدعوى شكلا ورفضها موضوعاً وإلزام المدعي المصروفات. واختتم الطاعن تقرير الطعن بطلب الحكم بوقف تنفيذ الحكم المطعون عليه بصفة عاجلة، وفي الموضوع بإلغاء هذا الحكم وإحالة الطعن إلى محكمة القضاء الإداري بطنطا لنظره مجددا، مع إلزام جهة الإدارة المصروفات والأتعاب.
وبعد إعلان الطعن قانونا، أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني في الطعن. ونظر الطعن أمام الدائرة السادسة فحص طعون التي أمرت بإحالته إلى هذه المحكمة، وتدوول أمامها بالجلسات على النحو الثابت في المحاضر، ثم قررت حجز الطعن للحكم فيه بجلسة اليوم، وفيها صدر بعد إيداع مسودته المشتملة على أسبابه ومنطوقه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية المقررة، لذا يضحى مقبولا شكلا.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص في أن المدعي (الطاعن) أقام دعواه ابتداء أمام المحكمة الإدارية بطنطا بتاريخ 30/3/1989، قيدت بجدولها تحت رقم 786 لسنة 17ق طالباً الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار مدير عام ري المنوفية رقم 47 لسنة 189 بإزالة المباني المملوكة للمدعي (الطاعن) الكائنة على جسر رياح المنوفية بزمام عزبة شماع – كفر الحماة – مركز أشمون، وما يترتب على ذلك من آثار ، وإلزام الإدارة المصروفات. وقال شرحا لدعواه إنه يحوز الأرض المقام عليه المباني والحظائر المطلوب إزالتها منذ أكثر من ثلاثين سنة بأوراق رسمية.
وبجلسة 6/9/1989 حكمت المحكمة الإدارية بطنطا بعدم اختصاصها نوعيا بنظر الدعوى، وأمرت بإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري بالقاهرة للاختصاص، حيث ورد ملف الدعوى وقيد برقم 404 لسنة 44 ق، وتدوول أمام محكمة القضاء الإداري، وبجلسة 27/6/1991 صدر الحكم بقبول الدعوى شكلا، وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمت المدعي مصروفاته، وأمرت بإحالة طلب الإلغاء إلى هيئة مفوضي الدولة لتحضيره وإيداع تقرير بالرأي القانوني فيه.
وبجلسة 29/5/1999 حكمت محكمة القضاء الإداري (الدائرة الرابعة بالقاهرة) بالحكم المطعون عليه. وأقامت قضاءها على نصوص قانون الري والصرف رقم 12 لسنة 1984، وعلى أن المدعي (الطاعن) قام بعمل حظيرة من الحطب على مساحة 20م×10م على جسر الرياح بزمام عزبة شماع بدون إذن، وتم إنذاره لإزالتها فلم يمتثل، فصدر القرار المطعون فيه قائما على سببه مطابقا للقانون، وتكون الدعوى بطلب إلغائه جديرة بالرفض.
وإذ لم يرتض الطاعن هذا الحكم فقد أقام طعنه الماثل تأسيسا على أن محكمة القضاء الإداري بالقاهرة غير مختصة محلياً بنظر النزاع، وإنما محكمة القضاء الإداري بطنطا، كما أن محكمة أول درجة أخطأت في استنباطها أن الإيصالات المقدمة من المدعي (الطاعن) لا تتطابق مع القطعة موضوع الإزالة، وهذه مسألة فنية كان يجب أخذ رأي الخبراء فيها، كما أن الضرائب العقارية مشرفة على هذه المنافع وتقوم بتحصيل مقابل انتفاع عنها، فضلاً عن الإخلال بحق الدفاع برفض الاستجابة لطلب ندب خبير.
ومن حيث إن المادة الأولى من قانون الري والصرف الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1984 تنص على أن: “الأملاك العامة ذات الصلة بالري والصرف هي:
(ا) مجرى النيل وجسوره. ويدخل في مجرى النيل جميع الأراضي الواقعة بين الجسور، ويستثنى من ذلك كل أرض أو منشأة تكون مملوكة ملكية خاصة للدولة أو لغيرها …”.
كما تنص المادة الرابعة من ذات القانون على أن: “تشرف وزارة الري على الأملاك العامة المنصوص عليها في المادة (1) من هذا القانون، ومع ذلك يجوز للوزارة أن تعهد بالإشراف على أي جزء من هذه الأملاك إلى إحدى الوزارات أو المصالح العامة أو وحدات الإدارة المحلية أو الهيئات العامة، ولا يجوز لهذه الجهات أن تقيم منشآت أو تغرس أشجاراً في هذه الأملاك أو ترخص في ذلك إلا بعد موافقة وزارة الري”.
كما تنص المادة الخامسة من ذات القانون على أن: “تحمل بالقيود الآتية لخدمة الأغراض العامة للري والصرف الأراضي المملوكة ملكية خاصة للدولة أو لغيرها من الأشخاص العامة أو الخاصة أو المملوكة للأفراد والمحصورة بين جسور النيل أو الترع العامة أو المصارف العامة، وكذلك الأراضي الواقعة خارج جسور النيل لمسافة ثلاثين متراً وخارج منافع الترع والمصارف لمسافة عشرين مترا، ولو كان قد عهد بالإشراف عليها إلى إحدى الجهات المشار إليها في الفقرة السابقة : (أ) … (ب) … (ج) لا يجوز بغير ترخيص من وزارة الري إجراء أي عمل بالأراضي المذكورة أو إحداث حفر بها من شأنه تعريض سلامة الجسور للخطر أو التأثير في التيار تأثيرا يضر بهذه الجسور أو بأراض أو منشآت أخرى. (د) لمهندسي وزارة الري دخول تلك الأراضي للتفتيش على ما يجرى بها من أعمال، فإذا تبين لهم أن أعمالا أجريت أو شرع في إجرائها مخالفة للأحكام السابقة كان لهم تكليف المخالف بإزالتها في موعد مناسب، وإلا جاز لهم وقف العمل وإزالته إدارياً على نفقته …”.
كما تنص المادة التاسعة على أنه “لا يجوز إجراء أي عمل خاص داخل حدود الأملاك العامة ذات الصلة بالري والصرف أو إحداث تعديل فيها إلا بترخيص من وزارة الري وطبقاً للشروط التي تحددها…”.
كما تنص المادة (98) على أن: “يكون لمهندس الري المختص عند وقوع تعد على منافع الري والصرف أن يكلف من استفاد من هذا التعدي بإعادة الشئ لأصله في ميعاد يحدده وإلا قام بذلك على نفقته … فإذا لم يقم المستفيد بإعادة الشئ لأصله في الموعد المحدد يكون لمدير عام الري المختص إصدار قرار بإزالة التعدي إدارياً…”.
ومن حيث إن هذه المحكمة ذهبت إلى أن المشرع في القانون رقم 12 لسنة 1984 بشأن الري والصرف قد اعتبر مجرى النيل وجسوره وجميع الأراضي الواقعة بين تلك الجسور من الأملاك العامة، أما ما يتخلل تلك الأملاك العامة من أراض تكون مملوكة ملكية خاصة للدولة أو لغيرها فقد استثناها المشرع من الخضوع لنظام الأملاك العامة ذات الصلة بالري والصرف، فاستلزم الحصول على ترخيص من وزارة الري عند إجراء أي عمل أو حفر بالأراضي الواقعة حتى ثلاثين متراً من تلك الأملاك العامة، إذا كان من شأنه تعريض سلامة الجسور للخطر أو التأثير في التيار تأثيرا يضر بهذه الجسور والأراضي. وتقدير ما إذا كان العمل أو الحفر يدخل أو لا يدخل في عداد الأعمال المحظورة أو الجائز الترخيص بها إنما يكون لوزارة الري التي يتعين الرجوع إليها قبل الشروع في هذا العمل، ويكون قيام المالك بهذا العمل مباشرة من تلقاء نفسه مخالفاً لقانون الري والصرف مما يحق معه للوزارة متى ثبتت خطورة العمل أو الحفر على الجسور أو الأراضي أو المنشآت الأخرى أن تتخذ في مواجهته الإجراءات التي نص عليها القانون، ومن بينها الإزالة بالطريق الإداري.
ومن حيث إنه بتطبيق المبادئ والأحكام السابقة على وقائع النزاع الماثل يتبين أنه أثناء مرور المهندس المختص يوم 18/2/1989 على جسر الرياع المستوفي بر أيمن الكيلو 12,650 زمام ناحية عزبة شماع – كفر الحما– مركز أشمون، لاحظ أن الطاعن يقوم بالتعدي على منافع الري بعمل حظيرة (زريبة) من الحطب بمساحة 20م ×10م مخالفاً بذلك قانون الري والصرف، وأشار أنه تم إخطاره في 19/2/1989 لإزالة هذا التعدي على منافع الري، لكنه لم يمتثل، وحرر ضده المحضر رقم 44 لسنة 1989 لمعاقبته طبقاً للقانون، ثم بتاريخ 4/3/1989 أصدر مدير عام ري المنوفية القرار المطعون فيه رقم 47 لسنة 1989 بإزالة هذا التعدي الواقع من الطاعن ورد الشئ لأصله إداريا على حسابه. ومؤدى ذلك أن القرار المطعون فيه صدر عن السلطة المختصة به، مطابقا للقانون، خلوا من عيوب الإلغاء، مما يتعين تأييده ورفض دعوى إلغائه.
ولما كان الحكم المطعون عليه قد ذهب ذات المذهب وانتهى لرفض الدعوى، لذا يتعين تأييده، ورفض الطعن عليه، لعدم قيامه على أي أساس قانوني أو واقعي.
ولا ينال من ذلك ما ذهب إليه الطاعن من أن الدائرة الرابعة قضاء إداري القاهرة لا تختص بنظر النزاع، وإنما محكمة القضاء الإداري بطنطا، فهذا قول غير سديد؛ إذ إن جميع دوائر القضاء الإداري بالقاهرة الكبرى والأقاليم الأخرى تتبع محكمة واحدة هي محكمة القضاء الإداري، وهي المختصة بنظر النزاع، أما التوزيع النوعي أو المحلي بين هذه الدوائر، فهو مجرد توزيع عمل داخلي لا يترتب عليه البطلان لأنه يتم بقرار من رئيس مجلس الدولة، ولا ينتزع المنازعة من اختصاص محكمة ويدخلها في اختصاص محكمة أخرى، وإنما الأمر لا يعدو مجرد توزيع داخل المحكمة نفسها، فإذا صدر حكم عن إحدى الدوائر في اختصاص دائرة أخرى فلا يترتب عليه البطلان.
كما لا ينال من ذلك ما ذهب إليه الطاعن من تقديم إيصالات توصيل خدمات الكهرباء وغيرها للمنشآت المخالفة التي أقامها متعديا على منافع الري، فهذه الإيصالات لا تعني أنه مصرح له بإقامة هذه الإنشاءات مادام أن وزارة الموارد المائية والري لم تأذن له بإضافة هذه الأعمال حتى ولو تمكن من توصيل المرافق لها.
كما لا ينال من ذلك أيضاً أنه يقوم بسداد الضرائب العقارية على المساحة المتعدى عليها، فقد استقر قضاء هذه المحكمة على أن سداد هذه الضرائب لا يعني تصريحاً من الجهة المشرفة على مرافق الري بإقامة المنشآت.
وأخيرا لا ينال من ذلك أن محكمة أول درجة لم تستجب لطلب المدعي (الطاعن) بإحالة الدعوى إلى مكتب خبراء وزارة العدل، فذلك أمر متروك تقديره للمحكمة دون معقب عليها، خاصة إذا كانت الدعوى جاهزة للفصل فيها من واقع المستندات المقدمة من الخصوم، وليس ثمة مسألة فنية تستوجب إحالتها للخبراء.
ومن حيث إن الطاعن خسر طعنه لذا يلزم المصروفات عملا بالمادة 184 مرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعا، وألزمت الطاعن المصروفات.
(1) على خلاف هذا النظر: حكم الدائرة الثالثة بالمحكمة الإدارية العليا في الطعنين رقمي 2808 و 4225 لسنة 46 القضائية عليا بجلسة 10/6/2002، منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها في السنة 48 القضائية، مكتب فني رقم 100 ص 859.
وقد قضت دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 25268 لسنة 56 القضائية عليا بجلسة 14/1/2011 بأن توزيع الاختصاص بين دوائر محكمة القضاء الإداري هو نوع من التنظيم الداخلي للعمل بالمحكمة، يتعين الالتزام به، دون أن يترتب على مخالفته بطلان الحكم.