جلسة 19 من أبريل سنة 2008
(الدائرة الأولى)
الطعن رقم 6952 لسنة 50 القضائية عليا.
– حق التنقل– قرار المنع من السفر– اختصاص قاضي المشروعية بالرقابة عليه.
المادتان (8) و (11) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم (97) لسنة 1959 في شأن جوازات السفر- حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 243 لسنة 21 القضائية دستورية بجلسة 4/11/2000.
بصدور حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية المادتين (8) و (11) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 97 لسنة 1995 بشأن جوازات السفر ينهار سند وزير الداخلية في إدراج بعض الأشخاص على قوائم الممنوعين من السفر، أيا ما كانت مبرراته– لا مناص إزاء هذا الفراغ التشريعي، وإلى أن يسن المشرع تشريعا تنظم أحكامه المنع من السفر وأحواله وموجباته، من قيام قضاء المشروعية بدوره؛ سدا لذلك الفراغ وبسطا لدوره في صيانة وحماية الحقوق والحريات، فضلا عن رعاية مصلحة المجتمع وأمنه، ليوازن بين المصلحتين بميزان دقيق، لا يجور على الحقوق والحريات، ولا يتساهل في مصلحة المجتمع وأمنه واستقراره– ترتيبا على ذلك: يجب أن يقوم قرار المنع من السفر على سببه الصحيح كقرار إداري، وإلا كان غير مشروع، يختص قضاء مجلس الدولة بإلغائه– تطبيق.
– ما يعد قرارا إداريا – القيد في سجل الخطرين.
القيد في سجل الخطرين على الأمن العام يعتبر قرارا إداريا، قوامه إفصاح الجهة الإدارية المختصة عن إرادتها بما لها من سلطة في إدراج شخص ما في سجل الخطرين على الأمن، اقتناعا منها باعتوار مسلكه ورجحان النزعة الإجرامية في منهجه، استنادا إلى ما ارتكبه من جرائم وصدر ضده من أحكام, وذلك بقصد إحداث أثر لا ريب فيه وهو أن يكون المدرج اسمه في سجل الخطرين في صدارة من تحوم حولهم الشبهات وتشير إليهم أصابع الاتهام عند وقوع جريمة من الجرائم التي حشر تحت لوائها، وأن يوضع في موطن الريبة حيثما يتطلب الأمر الرجوع إلى جهات الأمن للوقوف على رأيها بالنسبة لصحيفة صاحب الشأن ومدى نقائها، فضلا عما يستتبعه القيد في سجل الخطرين على الأمن العام من متابعة وملاحقة لا جدال في كونها تنال من السمعة وتنتقص من القدر- يجب أن يقوم هذا القرار على سببه الصحيح– تطبيق.
في يوم الاثنين الموافق 22/3/2004 أودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبة عن الطاعنين, قلم كتاب هذه المحكمة, تقريراً بالطعن قيد بجدولها العام تحت رقم 6952 لسنة 50 القضائية عليا، وذلك في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 6702 لسنة 55 القضائية القاضي في منطوقه بقبول الدعوى شكلاً, وفي الموضوع بإلغاء القرارين المطعون فيهما, مع ما يترتب على ذلك من آثار, وبإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وطلب الطاعنان للأسباب المبينة بتقرير الطعن قبوله شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا: أولا- بالنسبة لتسجيل المطعون ضده بسجل الخطرين: أصليا: عدم قبول هذا الطلب لانتفاء القرار الإداري، واحتياطيا: رفضه مع إلزامه المصروفات عن درجتى التقاضى. ثانيا- بالنسبة لقرار المنع من السفر: رفض هذا الطلب مع إلزام المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي.
وأعلن تقرير الطعن على النحو المبين بالأوراق.
وأعدت هيئة مفوضى الدولة تقريراً بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه وإلزام الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات.
ونظر الطعن بدائرة فحص الطعون على النحو المبين بمحاضر الجلسات حتى تقرر إحالته إلى دائرة الموضوع حيث نظر على النحو الثابت بمحاضر الجلسات حتى تقرر إصدار الحكم بجلسة 22/3/2008 وفيها قررت المحكمة إعادة الطعن للمرافعة لتغير تشكيل الهيئة ثم تقرر إصدار الحكم بجلسة 12/4/2008 وفيها أرجئ إصدار الحكم لجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت المسودة المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات, وبعد المداولة قانوناً.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل –بحسب ما يبين من الحكم المطعون فيه ومن الأوراق والمستندات المقدمة– في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 6702 لسنة 55القضائية طالباً وقف تنفيذ ثم إلغاء قرار وزارة الداخلية بإدراج اسمه كمسجل شقي مخدرات (أ) وقرارها بإدراجه على قوائم الممنوعين من السفر. وقال بيانا لدعواه: إنه يقيم بالدخيلة بالإسكندرية ويعمل بتجارة السيارات وفي غضون عام 1999 تم اعتقاله بزعم ممارسته نشاطاً في جلب وتهريب المخدرات والاتجار فيها, وقد تظلم من قرار الاعتقال وأفرج عنه, إلا أنه عندما عزم على السفر للخارج لأداء عمرة علم أن اسمه مدرج كمسجل شقي مخدرات (أ), كما أدرج على قوائم الممنوعين من السفر, ونعى على القرارين مخالفتهما للقانون لعدم استنادهما إلى أسباب تبررهما, خاصة أنه سبق أن سافر مرتين في عامي 1981 و 1985 لأداء فريضة الحج.
وبجلسة 27/1/2004 قضت محكمة القضاء الإداري بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرارين المطعون فيهما, مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الجهة الإدارية المصروفات. وشيدت المحكمة قضاءها بإلغاء قرار تسجيل المدعي كشقي مخدرات (أ) -بعد أن رفضت الدفع بانتفاء القرار الإداري– على أساس أن الأوراق أجدبت من دليل تطمئن إليه المحكمة يقطع بقيام المدعي بممارسة نشاطه في تجارة المخدرات بما يمثل خطورة على الأمن العام ويستدعي مواجهته من خلال قرار إدراجه كمسجل شقي مخدرات فئة (أ)، بما يضحى معه القرار الطعين غير قائم على السبب الصحيح الذي يسوغه قانوناً. أما بالنسبة لإلغاء قرار إدراج المدعي على قوائم الممنوعين من السفر، فقد شيدت المحكمة قضاءها في خصوصه على أن المدعي أدرج على قوائم الممنوعين من السفر لما ارتأته الجهات الأمنية من أنه من العناصر الإجرامية الخطرة المعروفة بالاتجار في المخدرات وجلبها، وقد سبق ضبطه في العديد من القضايا وصدرت ضده أحكام كما سبق اعتقاله لخطورته الإجرامية، وقد استبان للمحكمة من الأوراق أن المدعي قضي ببراءته من تهمة جلب المخدرات والاتجار فيها في الجنايتين رقمي 8 لسنة 1982 (كي مخدرات الإسكندرية) و 374 لسنة 1983 (جنايات عسكرية شرق القاهرة), وأن ما ورد بتحريات الشرطة في الجناية رقم 2083 لسنة 1983 بورسعيد من اشتراك المدعي وآخرين في عصابة لجلب المخدرات قد ورد مرسلا لا يدعمه سند، وهو ما حدا المحكمة العليا للقيم على عدم التعويل على تلك التحريات في حكمها الصادر في الطعن رقم 114 لسنة 14 القضائية عليا برفض طلب المدعي العام الاشتراكي مصادرة أموال المدعي, كما قضت محكمة القيم بجلسة 2/6/1990 في القضية رقم 6 لسنة 19 القضائية حراسات بإلغاء القرار الصادر عن المدعي العام الاشتراكي بمنع المدعي من السفر ورفع اسمه من قوائم الممنوعين من السفر, كما أنه صدر قرار المحكمة المختصة بقبول تظلم المدعي من قرار اعتقاله رقم 15650 لسنة 1999 وأفرج عنه بتاريخ 18/1/2000، وأنه يستفاد من ذلك كله أنه لا يوجد المسوغ الجدي الذي يبرر منع المدعي من السفر.
ومن حيث إن الجهة الإدارية لم ترتض حكم محكمة القضاء الإداري فطعنت عليه بالطعن الماثل الذي بني على مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله حين رفض الدفع بانتفاء القرار الإداري في تسجيل المطعون ضده كشقي مخدرات (أ) باعتبار أن هذا التسجيل هو عمل مادي لا يرقى إلى مرتبة القرار الإداري, كما أخطأ الحكم في تطبيق القانون حين قضى بإلغاء القرارين المطعون فيهما إذ إن المطعون ضده سبق اتهامه في عدة قضايا مخدرات كما قضي بسجنه لمدة ثلاث سنوات في الجناية رقم 215 لسنة 1980 (جنايات عسكرية الإسكندرية) لعرضه رشوة على ضابط بسلاح الحدود لتسهيل مرور شحنة مخدرات، كما سبق اعتقاله في الأعوام 1978 و 1987 و 1999 لخطورته ولممارسته نشاطاً في جلب وتهريب المخدرات, وقد قُدِّم المطعون ضده لمحكمة القيم التي فرضت الحراسة على أمواله، وإنه في ضوء هذه الاتهامات وهذا النشاط يكون تسجيل المطعون ضده كشقي مخدرات (أ) وإدراجه على قوائم الممنوعين من السفر مبرَّرا وموافقا لصحيح حكم القانون.
ومن حيث إنه ليس من ريب في أن القيد في سجل الخطرين على الأمن العام يعتبر قراراً إدارياً قوامه إفصاح الجهة الإدارية المختصة عن إرادتها بما لها سلطة في إدراج شخص ما في سجل الخطرين على الأمن اقتناعاً منها باعتوار مسلكه وانحراف سلوكه ورجحان النزعة الإجرامية في منهجه استناداً إلى ما ارتكبه من جرائم وصدر ضده من أحكام, وذلك بقصد إحداث أثر لا ريب فيه ولا جحود، وهو أن يكون المدرج اسمه في سجل الخطرين في صدارة من تحوم حولهم الشبهات وتشير إليهم أصابع الاتهام عند وقوع جريمة من الجرائم التي حشر تحت لوائها، وأن يوضع في موطن الريبة والنقص حيثما يتطلب الأمر الرجوع إلى جهات الأمن للوقوف على رأيها بالنسبة لصحيفة صاحب الشأن ومدى نقائها، فضلاً عما يستتبعه القيد في سجل الخطرين على الأمن العام من متابعة وملاحقة لا جدال في كونها تنال من السمعة وتنتقص من القدر، ومتى كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أخذ بهذا النظر ورفض الدفع بعدم قبول طلب إلغاء قرار تسجيل المطعون ضده كشقي خطر مخدرات فئة (أ) لانتفاء القرار الإداري فإن قضاءه في هذا الخصوص يكون مستوجب التأييد.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه أنزل بعد ذلك صحيح حكم القانون على هذا القرار فقضى بإلغائه بعد أن أجدبت الأوراق من سبب يبرر الاستمرار في تسجيل المطعون ضده كشقي خطر مخدرات فئة (أ)؛ إذ الحكم الوحيد الذي أدين فيه المطعون ضده بتهمة عرض رشوة على أحد ضباط حرس الحدود لتسهيل مرور شحنة مخدرات، والصادر في الجناية رقم 215 لسنة 1980 (جنايات عسكرية الإسكندرية)، قد انقضى عليه أكثر من خمسة وعشرين عاما، أما بقية الدعاوى الجنائية وهي 8 لسنة 1982 (كلي مخدرات الإسكندرية) و 374 لسنة 1983 (جنايات عسكرية شرق القاهرة) فقد قضي فيهما ببراءة المطعون ضده مما نسب إليه، كما وردت التحريات في الجناية رقم 2083 لسنة 1983 بور سعيد التي تفيد اشتراك المطعون ضده وآخرين في عصابة لجلب المخدرات مرسلة بغير دليل، مما حدا محكمة القيم العليا على رفض طلب المدعي الاشتراكي بمصادرة أموال المطعون ضده, كما حدا محكمة القيم على إلغاء القرار الصادر عن المدعي العام الاشتراكي بمنع المطعون ضده من السفر، ورفع اسمه من قوائم الممنوعين من السفر. وإذ جاء قضاء الحكم المطعون فيه مستخلصاً استخلاصاً سائغاً من الأوراق ومستنداً إلى صحيح الواقع والقانون فإنه يكون خليقاً بالتأييد.
ومن حيث إنه بالنسبة لقرار إدراج المطعون ضده على قوائم الممنوعين من السفر فإن المحكمة الدستورية العليا قضت في القضية رقم 243 لسنة 21 القضائية دستورية بحكمها الصادر بجلسة 4/11/2000 الذي نشر بالجريدة الرسمية في 16/11/2000 بعدم دستورية المادتين 8 و 11 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 97 لسنة 1995 بشأن جوازات السفر، وبذلك انهار سند وزير الداخلية في إدراج بعض الأشخاص على قوائم الممنوعين من السفر أيا ما كانت مبرراته.
ومن حيث إنه وإزاء هذا الفراغ التشريعي وإلى أن يسن المشرع تشريعا تنظم أحكامه المنع من السفر وأحواله وموجباته، فإنه لا مناص من قيام قضاء المشروعية بدوره سداً لذلك الفراغ وبسطا لدوره في صيانة وحماية الحقوق والحريات، فضلا عن رعاية مصلحة المجتمع وأمنه، فيوازن بين المصلحتين بميزان دقيق لا يجور على الحقوق والحريات ولا يتساهل في مصلحة المجتمع وأمنه واستقراره.
ومن حيث إنه لما كان ذلك وكانت الأسباب التي ساقتها جهة الإدارة لإدراج المطعون ضده على قوائم الممنوعين من السفر هي ذات الأسباب التي استندت إليها هذه الجهة لتسجيله كشقي خطر مخدرات فئة (أ)، وقد انتهى الحكم المطعون فيه مؤيدا بهذا الحكم ومن واقع ما كشفت عنه الأوراق إلى أن هذه الأسباب لا تبرر تسجيل المطعون ضده كشقي خطر مخدرات فئة (أ)، ومن ثم فإن هذه الأسباب عينها لا تبرر كذلك إدراج المطعون ضده على قوائم الممنوعين من السفر، خاصة أن محكمة القيم قد ألغت القرار الصادر عن المدعي العام الاشتراكي بإدارج المطعون ضده على قوائم الممنوعين من السفر، ويضحى الحكم المطعون فيه -وقد انتهى إلى إلغاء القرار المطعون فيه بإدراج المطعون ضده على قوائم الممنوعين من السفر- موافقا لصحيح حكم القانون، ويضحى الطعن عليه في هذا الخصوص خليقاً بالرفض.
ومن حيث إن من خسر الطعن يلزم مصروفاته.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات.