جلسة 28 من ديسمبر سنة 2011
الطعن رقم 7053 لسنة 55 القضائية (عليا)
(الدائرة السادسة)
– المناط في بطلان الإجراءات- مناط الحكم بالبطلان من عدمه هو تحقق الغاية- قواعد الشكل والإجراءات ليست هدفا في ذاتها، بل هي إجراءات سُداها المصلحة العامة ومصلحة الأفراد على السواء- تحقق الغاية من الإجراء الذي جرى إغفاله لا يستوي إجراء جوهريا يستتبع بطلانا- تطبيق: إرسال طلب ترخيص صيدلية بالبريد السريع رغم استلزام المشرع تقديمه بطريق البريد المسجل الموصى عليه بعلم الوصول، لا يرتب البطلان؛ لتحقق الغاية من الإجراء، وهو ضمان وصول الطلب إلى الجهة الإدارية.
– دعوى الإلغاء– مواعيد رفعها– ثبوت العلم بالقرار– العلم اليقيني بالقرار المطعون فيه يجب أن يكون شاملا لجميع أركان القرار الإداري المطعون فيه ويقينيا لا ظنيا ولا افتراضيا.
– المادة (24) من قانون مجلس الدولة، الصادر بالقرار بقانون رقم (47) لسنة 1972.
– شروط الترخيص– يقدَّمُ طلب الترخيص من صاحب الشأن إلى وزارة الصحة على النموذج المعد لذلك، ويُرْسَلُ بخطاب مسجل موصى عليه بعلم الوصول مرفقاً به المستندات المنصوص عليها قانونا– يرتِّبُ طلبُ الترخيص أولويةً وأسبقية لصاحبه على التالين له– إرسال طلب الترخيص بالبريد السريع يقوم مقام الخطاب المسجل الموصى عليه بعلم الوصول، مادام قد تحققت الغاية من الإجراء.
– المادة رقم (12) من القانون رقم 127 لسنة 1955 في شأن مزاولة مهنة الصيدلة، معدلة بموجب القانون رقم (360) لسنة 1956.
بتاريخ 18/1/2009 أودع الأستاذ/… المحامي بالإدارية العليا ومحكمة النقض بصفته نائباً عن الأستاذ/… المحامي بالمحكمة الإدارية العليا ومحكمة النقض بصفته وكيلا عن الطاعنين قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرا قيد بجدولها العام برقم 7053 لسنة 55 القضائية عليا في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بطنطا (الدائرة الأولى) بجلسة 30/11/2008 في الدعوى رقم 3188 لسنة 14 القضائية الذي قضى بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر بإدراج طلب المدعي في سجل الطلبات المقدمة بفتح صيدليات اعتبارا من 20/9/2006، مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها اعتباره مدرجا بهذا السجل اعتبارا من 18/9/2006، والسير في إجراءات الترخيص على أساس ذلك، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وطلب الطاعنان في تقرير الطعن -ولما أورداه به من أسباب- تحديد أقرب جلسة ممكنة أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا، لتأمر بصفة عاجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه مؤقتا حتى يتم الفصل في موضوع الطعن، وبإحالة الطعن إلى دائرة الموضوع بالمحكمة الإدارية العليا لتقضي فيه بقبوله شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة لنظر الدعوى بهيئة أخرى، أو الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا بعدم قبول الدعوى لعدم سابقة التظلم ولرفع الدعوى بعد الميعاد، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام المطعون ضده الأول المصروفات عن درجتي التقاضي.
وتدوول نظر الطعن أمام هيئة مفوضي الدولة بجلسات المرافعة على النحو الثابت بمحاضر جلساتها، حيث قدم الطاعنان مذكرة بدفاعهما بجلسة 17/12/2009 صمما فيها على طلباتهما التي أورداها بتقرير الطعن، ثم أعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني، ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا برفض الدعوى، وإلزام المطعون ضدهم المصروفات عن درجتي التقاضي.
وتدوول نظر الطعن أمام الدائرة السادسة (فحص طعون) بالمحكمة الإدارية العليا بجلسات المرافعة وذلك على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، حيث قدم الطاعنان مذكرة بدفاعهما طلبا فيها ذات الطلبات التي أبدياها بتقرير الطعن، ثم قدم المطعون ضده الأول بجلسة 11/3/2011 مذكرة بدفاعه طلب فيها الحكم بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المطعون فيه وإلزام الطاعنين المصروفات، ثم قدم الطاعنان مذكرة بدفاعهما رددا فيها ذات الطلبات التي سبق لهما أن أبدياها بتقرير الطعن، وإلزام المطعون ضدهم المصروفات، وبجلسة 1/2/2011 قدم المطعون ضده الأول حافظة مستندات طويت على المستندات الوارد بيانها على غلافها، ثم قررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى الدائرة السادسة موضوع التي نظرته بجلسات المرافعة على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، حيث قدمت الجهة الإدارية المطعون ضدها حافظة مستندات بجلسة 15/6/2011 طويت على المستندات الوارد بيانها على غلافها، وبجلسة 12/10/2011 قدم المطعون ضده الأول ثلاث مذكرات بدفاعه ردد فيها رده السابق على الطعن، حيث طلب الحكم بقبول الطعن شكلا، وبرفضه موضوعا، وإلزام الطاعنين بصفتيهما المصروفات، وبجلسة 12/10/2011 قررت المحكمة حجز الطعن لجلسة 23/11/2011 مع مذكرات لمن يشاء خلال أسبوعين، وبتلك الجلسة تقرر مد أجل النطق بالحكم لجلسة 28/12/2011 لإتمام المداولة، وبجلسة اليوم صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانونا.
وحيث إن الطاعنين يطلبان الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجددا:
1- بعدم قبول الدعوى المطعون في الحكم الصادر فيها لعدم سابقة التظلم من القرار المطعون فيه ولرفع الدعوى بعد الميعاد، وإلزام المطعون ضدهم المصروفات.
2- برفض الدعوى، وإلزام ذات الجهة الإدارية المصروفات عن درجتي التقاضي.
وحيث إن الطعن قد استوفى جميع أوضاعه الشكلية، ومن ثم يكون مقبولا قانونا.
وحيث إنه عن موضوع الطعن، فإن عناصر هذه المنازعة تخلص –حسبما يبين من الأوراق- في أن السيد/ناجح… (المطعون ضده الأول)، كان قد أقام ضد المطعون ضدهم الدعوى رقم 3188 لسنة 14ق أمام محكمة القضاء الإداري بطنطا بتاريخ 22/1/2007، وطلب في ختام عريضتها الحكم بقبول الدعوى شكلا، وبوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار الجهة الإدارية المدعى عليها باعتبار يوم 21/9/2006 (تاريخ أسبقيته للتقدم بطلب الترخيص للصيدلية الخاصة به)، وليس تاريخ 17/9/2006، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها الاستمرار في إجراءات الترخيص، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة الإدارية المدعى عليها المصروفات.
وقال المدعى شرحا لدعواه إنه تقدم إلى المدعى عليه الثالث (مدير إدارة الصيدلة بمحافظة الغربية) بتاريخ 13/9/2006 بخطاب مسجل بالبريد السريع للحصول على ترخيص صيدلية، وقيد هذا الطلب بتاريخ 17/9/2006، إلا أنه فوجئ بالمدعى عليه الثالث يخطره بأن القانون يشترط إرسال الطلب بخطاب مسجل موصى عليه بعلم الوصول، وليس مسجلا بالبريد السريع، وأن عليه سحب هذا الطلب والتقدم بطلب آخر عن طريق خطاب مسجل موصى عليه بعلم الوصول، وإنه بحسن النية قام بسحب الطلب، وتقديم طلب آخر مسجل موصى عليه بعلم الوصول، وترتب على ذلك أن تمكن المدعى عليه الرابع السيد/على… (الطاعن الأول) من تقديم طلب للحصول على ترخيص صيدلية في تاريخ لاحق لتاريخ تقديم طلبه ومزاحمته في الأسبقية بدون وجه حق، فضلا عن أن مكان الصيدلية الخاصة بالمدعى عليه المذكور عبارة عن شقة سكنية تم تعديلها بالمخالفة للقانون، وأصدرت الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم بطنطا قرارا بإزالة هذا التعديل، فلا يصلح المكان للمفاضلة بينهما في الاستمرار في إجراءات الترخيص، مما حده على إقامة هذه الدعوى للحكم له بطلباته التي وردت بعريضتها، ناعيا على مسلك الجهة الإدارية المدعى عليها مخالفة القانون.
…………………………….
وتدوول نظر الدعوى أمام محكمة أول درجة المذكورة سالفا حيث قررت بجلسة 4/9/2007 إحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لتحضيرها وإعداد تقرير بالرأي القانوني في الدعوى في طلب وقف تنفيذ وطلب إلغاء القرار المطعون فيه، ثم أودعت الهيئة المذكورة تقريرا بالرأي القانوني في طلب إلغاء القرار المطعون فيه بقبول الدعوى شكلا، وفي طلب الإلغاء بإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة الإدارية المدعى عليها المصروفات.
…………………………….
وبجلسة 30/11/2008 حكمت محكمة القضاء الإداري بطنطا (الدائرة الأولى) بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار الإداري المطعون فيه بإدراج طلب المدعي في سجل الطلبات المقدمة للترخيص بفتح صيدليات اعتبارا من 20/9/2006، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها اعتباره مدرجا في هذا السجل اعتبارا من 18/9/2006، والسير في إجراء الترخيص على هذا الأساس، وإلزام الجهة الإدارية المدعى عليها المصروفات.
وشيدت المحكمة قضاءها بعد أن استعرضت نص المادة (12) من القانون رقم 127 لسنة 1955 بشأن مزاولة مهنة الصيدلة على أساس أن المسلم به قانونا أن قواعد الشكل والإجراءات ليست هدفا في حد ذاتها، وإنما تقررت مراعاة لمصلحة الأفراد والمصلحة العامة، ومن ثم فإذا تحققت الغاية من الإجراء فلا بطلان، وأنه لما كان الهدف الذي تغياه المشرع في المادة 12 من القانون رقم 127 لسنة 1955 بشأن مزاولة مهنة الصيدلة من إلزام طالب الترخيص بصيدلية بكتاب مسجل بعلم الوصول هو ضمان وصول الطلب إلى جهة الإدارة، وإمكان إثبات تاريخ وصوله وقيده بالسجل المعد لذلك، وأنه لما كان الطلب الذي أرسله المدعي للحصول على ترخيص بالصيدلية العامة الخاصة به والكائنة بناحية طنطا بشارع عمر الجارم قد أرسله بخطاب مسجل بالبريد السريع قد وصل إلى جهة الإدارة فعلا بتاريخ 17/9/2006، ومن ثم تكون قد تحققت الغاية من الإجراء، ويكون طلب الجهة الإدارية منه سحب الطلب والأوراق المرافقة له وإعادة تقديمها مرة أخرى بالبريد المسجل بعلم الوصول إغراقا في الشكلية يجافي العقل والمنطق السليم، وتبعا لذلك يكون قرار الجهة الإدارية بعدم الاعتداد بالطلب المرسل من المدعي بالبريد السريع في تاريخ سابق على طلب المدعى عليها الخامسة (الدكتورة/ ابتسام…) قد خالف صحيح القانون جديرا بالإلغاء، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وبذلك انتهت محكمة أول درجة إلى قضائها المذكور سالفا.
…………………………….
ونظرا إلى أن هذا القضاء لم يلق قبولا من جانب المدعى عليهما الخامسة والسادس (الطاعنين) فقد طعنا عليه بالطعن الماثل، ناعيين عليه مخالفته للقانون؛ لأن طلب الترخيص بصيدلية يجب أن يقدم بالطريقة المحددة قانونا، وأنه عندما يحدد المشرع الوسيلة التي يقدم بها طلب الترخيص فيجب احترام النص القانوني المحدد لذلك الإجراء، وأنه ليس صحيحا كما ذهب الحكم الطعين من أن قواعد الشكل والإجراء ليست هدفا في ذاتها، كما لا تكون جهة الإدارة برفضها للطلب الذي قدمه المطعون ضده الأول للحصول على ترخيص بصيدليته المذكورة سالفا بطريق البريد المسجل السريع، ومطالبته بإعادة هذا الطلب وإرساله إليها بطريق البريد المسجل بعلم الوصول، إغراقا في الشكلية يجافي العقل والمنطق السليم، وإنما هو مطابق لنص المادة 12 من القانون رقم 127 لسنة 1955، مما يكون معه مسلك الجهة الإدارية قد صدر مطابقا للمادة 12 من القانون المذكور سالفا، مما يجعل طلب إلغائه فاقدا سنده خليقا بالرفض.
كما يعيب الطاعنان على الحكم المطعون فيه مخالفته لنص المادة 24 من قانون مجلس الدولة عندما قضى بقبول الدعوى شكلا، في الوقت الذي علم فيه المدعي علما يقينيا بصدور القرار المطعون فيه قبل أكثر من ثلاثة أشهر على تاريخ إقامته للدعوى المطعون في الحكم الصادر فيها بإيداع عريضتها قلم كتاب محكمة أول درجة بتاريخ 22/1/2007، مما تكون معه هذه الدعوى قد أقيمت بعد انتهاء الميعاد المقرر قانونا بالمادة 24 من قانون مجلس الدولة المذكورة سالفا، مما كان يتعين على محكمة أول درجة أن تقضي بعدم قبول هذه الدعوى لرفعها بعد الميعاد، وإذ قضى الحكم المطعون فيه بقبول الدعوى فإن هذا الحكم يكون قد صدر مخالفا للقانون خليقا بالإلغاء والقضاء مجددا:
(أولا) أصليا بعدم قبول الدعوى شكلا لرفعها بعد الميعاد.
(ثانيا) احتياطيا برفض الدعوى وإلزام المطعون ضدهم في أي من الحالتين بالمصروفات.
وبذلك خلص الطاعنان إلى طلباتهما التي أورداها بتقرير الطعن.
…………………………….
وحيث إنه عن السبب الأول من أسباب الطعن (والذي يقوم على الدفع بعدم قبول الدعوى شكلا لرفعها بعد الميعاد المنصوص عليه في المادة 24 من قانون مجلس الدولة) فإن هذه المادة تنص على أن: “ميعاد رفع الدعوى أمام المحكمة فيما يتعلق بطلبات الإلغاء ستون يوما من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه في الجريدة الرسمية أو في النشرات التي تصدرها المصالح العامة أو إعلان صاحب الشأن به. وينقطع سريان هذا الميعاد بالتظلم إلى الجهة الإدارية التي أصدرت القرار أو الهيئات الرئاسية، ويجب أن يبت في التظلم قبل مضى ستين يوما من تاريخ تقديمه، وإذا صدر القرار بالرفض وجب أن يكون مسببا، ويعتبر مضى ستين يوما على تقديم التظلم دون أن تجيب عنه السلطات بمثابة رفضه. ويكون ميعاد رفع الدعوى بالطعن في القرار الخاص بالتظلم ستين يوما من تاريخ انقضاء الستين يوما المذكورة”.
وحيث إن أحكام المحكمة الإدارية العليا مستقرة في ضوء المادة 24 من قانون مجلس الدولة على أن المشرع قد ألزم أصحاب الشأن أن يقوموا برفع الدعوى بطلب إلغاء القرار الإداري خلال مدة ستين يوما من تاريخ نشر القرار الإداري المطلوب وقف تنفيذه وإلغاؤه في الجريدة الرسمية أو في النشرات التي تصدرها المصالح العامة أو إعلان صاحب الشأن بهذا القرار.
وأضافت المحكمة الإدارية العليا واقعة أخرى يبدأ منها ميعاد رفع الدعوى بطلب وقف تنفيذ وإلغاء القرار الإداري، وهي واقعة العلم اليقيني بالقرار المطعون فيه، على أن يكون هذا العلم شاملا لجميع أركان القرار الإداري المطعون فيه ويقينيا لا ظنيا ولا افتراضيا، وأن هذا الميعاد ينقطع بالتظلم إلى الجهة الإدارية التي أصدرت القرار الإداري المطعون فيه أو إلى السلطة الرئاسية للجهة الإدارية التي أصدرت هذا القرار، وألزم المشرع أن تبت الجهة المتظلم إليها في التظلم قبل مضي ستين يوما من تاريخ تقديم هذا التظلم، وإذا أصدرت الجهة المتظلم إليها قرارها برفض هذا التظلم يتعين أن يكون القرار بالرفض مسببا، وأنه إذا لم تبت الجهة المتظلم إليها في التظلم خلال ستين يوما من تاريخ تقديم التظلم، فإن ذلك يعد رفضا منها لهذا التظلم، وفى هذه الحالة يتعين على ذوي الشأن أن يقيموا الدعوى بطلب وقف تنفيذ وإلغاء القرار الصادر في التظلم خلال الستين يوما التالية لتاريخ انقضاء الستين يوما التالية لتاريخ تقديم التظلم.
وحيث إنه بتطبيق مقتضى ما تقدم على حالة الطعن الماثل، ولما كان الثابت من الأوراق أن المطعون ضده الأول (الدكتور/ناجح…) كان قد تقدم بتاريخ 14/9/2006 بطلب للحصول على ترخيص صيدليته العامة الكائنة بشارع عمر الجارم بناحية طنطا محافظة الغربية إلى السيد/ مدير إدارة الصيدليات بمحافظة الغربية، وقد وصل هذا الطلب إلى الجهة الإدارية المختصة بتاريخ 17/9/2006، وبذات التاريخ أي في 17/9/2006 أرسلت إليه مديرية الصحة بالغربية (إدارة الصيدلة) الكتاب رقم 4425 تطلب منه سرعة الحضور لإدارة الصيدلة بالغربية لسحب الطلب والأوراق المرافقة له المقدم منه للحصول على ترخيص في صيدليته الكائنة بالعنوان المذكور، وذلك بسبب تقديمه بالبريد المسجل بالبريد السريع في الوقت الذي تتطلب فيه المادة 12 من القانون رقم 127 لسنة 1955 أن يرسل الطلب إلى الجهة الإدارة المختصة بطريق البريد المسجل الموصى عليه بعلم الوصول، حيث قام بسحبه في 17/9/2006 ومرفقاته، وأعاد تقديمه إلى تلك الجهة الإدارية المختصة بتاريخ 20/9/2006 وقيد طلبه برقم 1128 في 21/9/2006.
ولما كان قيام المطعون ضده الأول المذكور بسحب طلبه المرسل بطريق البريد السريع ليس راجعا إلى إرادته، وإنما كان بناء على كتاب الجهة الإدارية المطعون ضدها رقم 4425 بتاريخ 17/9/2006 لمطالبته بسرعة سحب هذا الطلب ومرفقاته وإعادة إرسال الطلب إلى الجهة الإدارية عن طريق البريد المسجل الموصى عليه بعلم الوصول، ولم يكن يدر في خلده أن أسبقيته في تقديم طلب الترخيص بالصيدلية العامة الكائنة بالعقار المذكور سالفاً سَتُمَسُّ، وأنه ليس من المتوقع أن يقدم طلب من الغير للحصول على ترخيص بصيدلية في الشارع نفسه الموجودة به الصيدلية الخاصة به، وأن الطلب المقدم من المطعون ضده الأول سيصبح في ترتيب متأخر عن الطلب المقدم من الغير، وأنه سيترتب على ذلك عدم توفر شرط المسافة المنصوص عليها في القانون رقم 127 لسنة 1955، ومن ثم رفض الطلب المقدم منه، إلا أن الثابت من الأوراق أنه بعد أن قام المطعون ضده الأول بسحب طلبه المذكور سالفا بتاريخ 17/9/2006 وذلك لكي يستبدله بطلب يرسل بالبريد المسجل الموصى عليه بعلم الوصول إعمالا لطلب الجهة الإدارية المختصة، فإن الرياح قد أتت بما لا تشتهي السفن، حيث كانت الطاعنة متربصة بما يقوم به المطعون ضده الأول تنفيذا لتعليمات الجهة الإدارية بسحب طلبه الأقدم، وقامت الصيدلانية (ابتسام…- الطاعنة الثانية) بتقديم طلب إلى الجهة الإدارية نفسها للترخيص لها في صيدليتها العامة المزاحمة لصيدلية المطعون ضده الأول، حيث قيد طلبها برقم 4423 في 19/9/2006، في الوقت الذي أرسل فيه المطعون ضده المذكور طلبه إلى الجهة الإدارية بتاريخ 20/9/2006، وقيد طلبه برقم 4428 في 21/9/2006، وبذلك أصبح الطلب المقدم من المطعون ضده الأول في ترتيب متأخر عن الطلب المقدم من الصيدلانية المذكورة، وقد خلت الأوراق مما يفيد علم المطعون ضده المذكور علما يقينيا بواقعة تقدم الدكتورة المذكورة بطلبها في التاريخ المذكور سالفا، وما ترتب على هذا الطلب من أسبقية طلبها من حيث الرقم والتاريخ وما سيترتب على تقديم هذا الطلب على الطلب المقدم من المطعون ضده الأول، ولم يتوفر علمه اليقيني بتلك الوقائع في تاريخ سابق على 22/1/2007 تاريخ إقامته للدعوى المطعون في الحكم الصادر فيها، ومن ثم تكون تلك الدعوى مقامة في الميعاد المنصوص عليه في المادة 24 من قانون مجلس الدولة, مما يكون معه الدفع المبدى من الطاعنين بعدم قبول الدعوى شكلا لرفعها بعد انتهاء الميعاد المقرر قانونا غير قائم على سند من القانون خليقا بالرفض.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد قضى بما تقدم فإنه يكون قد أصاب القانون ويضحى بالتالي الدفع المذكور سالفا غير قائم على سند من القانون خليقا بالرفض.
– وحيث إنه عن السبب الثاني للطعن فإن المادة 12 من القانون رقم 127 لسنة 1955 في شأن مزاولة مهنة الصيدلة([1]) تنص على أن: “يحرر طلب الترخيص إلى وزارة الصحة العمومية على الأنموذج الذي تقرره وزارة الصحة العمومية، ويرسل للوزارة بخطاب مسجل بعلم الوصول مرفقا به ما يأتي:
فإذا قدم الطلب مستوفيا أدرج في السجل الذي يخصص لذلك ويعطى للطالب إيصال يوضح به رقم وتاريخ قيد الطلب في السجل”.
وحيث إنه يستفاد من النص المتقدم أن المشرع اشترط للحصول على ترخيص صيدلية التقدم بطلب الترخيص إلى وزارة الصحة على النموذج المعد لذلك، ويرسل للوزارة بخطاب مسجل موصى عليه بعلم الوصول مرفقا به المستندات المنصوص عليها قانونا، وهذا الطلب يرتب أولوية وأسبقية لصاحبه على التالين له، ولذلك أوجب المشرع الاعتداد بتاريخ تقديم الطلب، وألزم جهة الإدارة إدراجه في السجل الذي يخصص لذلك، وإعطاء الطالب إيصالا يوضح به رقم وتاريخ قيد الطلب في السجل.
وحيث إن المسلم به في أحكام المحكمة الإدارية العليا أن قواعد الشكل والإجراءات ليست هدفا في حد ذاتها وإنما تقررت تلك القواعد مراعاة لمصلحة الأفراد والمصلحة العامة، وإنه إذا تحققت الغاية من الإجراء لا يترتب على مخالفة قواعد الشكل والإجراء أي بطلان.
وحيث إن المستفاد من النص المتقدم أن الهدف الذي تغياه المشرع في المادة 12 من القانون رقم 127 لسنة 1955 المذكور سالفا من إرسال طلب الترخيص بصيدلية بكتاب مسجل بعلم الوصول هو ضمان وصول الطلب إلى جهة الإدارة وإمكان إثبات تاريخ وصوله وقيده بالسجل المعد لذلك، ومن ثم فإنه لما كان الثابت من الأوراق أن المطعون ضده الأول (المدعي) قد تقدم بطلب ترخيص صيدلية عامة بناحية طنطا بشارع عمر الجارم بتاريخ 14/9/2006 عن طريق البريد السريع، وصل إلى جهة الإدارة بتاريخ 17/9/2006، وبذلك يكون قد تحقق الغرض الذي تغياه المشرع من حماية مصلحة طالبي الترخيص بصيدلية وكذلك مصلحة الجهة الإدارية المقدم إليها هذا الطلب، ومن ثم فإنه لما كان الثابت أيضا أنه بتاريخ 17/9/2006 أرسلت الجهة الإدارية المطعون ضدها (مديرية الشئون الصحية بالغربية– إدارة الصيدلة) إلى المطعون ضده الأول الكتاب رقم 4425 تطلب منه سرعة الحضور إلى إدارة الصيدلة لسحب الطلب المقدم منه والأوراق المرفقة به والتي أرسلها إليها لترخيص الصيدلية الخاصة به الكائنة بالعنوان المذكور سالفا بطريق البريد السريع بالمخالفة لنص المادة 12 من القانون رقم 127 لسنة 1955 المذكور سالفا، وقد قام المطعون ضده الأول بسحب هذا الطلب ومرفقاته وإعادة إرسالها إلى تلك الجهة الإدارية بالبريد المسجل الموصى عليه بعلم الوصول، حيث وصل هذا الطلب لها بتاريخ 20/9/2006 وقيد برقم 4428 بتاريخ 21/9/2006، في الوقت الذي كان قد ورد إلى تلك الجهة الإدارية طلب الطاعنة الثانية (ابتسام…) للحصول على ترخيص صيدلية بذات الشارع الكائنة به صيدلية المطعون ضده الأول (ناجح…)، وذلك بتاريخ 19/9/2006 وقيد برقم 4423، وترتب على ذلك الاعتداد بأسبقية الطاعنة الثانية (المدعى عليها الخامسة) وانتفاء شرط المسافة الذي تطلبه القانون بالنسبة للمطعون ضده الأول.
وبالبناء على ما تقدم ولما كان الثابت أيضا من الأوراق أن الطلب الذي أرسله المطعون ضده الأول إلى الجهة الإدارية بتاريخ 14/9/2006 للحصول على ترخيص في صيدليته العامة الكائنة بالشارع المذكور سالفا، قد ورد إلى الجهة الإدارية بتاريخ 17/9/2006، ومن ثم تكون قد تحققت الغاية من الإجراء، وبالتبعية يكون الطلب المقدم من تلك الجهة إلى المطعون ضده الأول بسحب طلبه المذكور سالفا والمرسل إليها بطريق البريد المسجل السريع وإعادة تقديم هذا الطلب بطريق البريد المسجل الموصى عليه بعلم الوصول، إنما يمثل إغراقا في الشكلية يجافى العقل والمنطق السليم، وتبعا لذلك يكون قرار تلك الجهة الإدارية بعدم الاعتداد بالطلب المرسل من المطعون ضده الأول بالبريد السريع في تاريخ سابق على طلب الطاعنة الثانية (ابتسام…) قد صدر مخالفا للقانون خليقا بالإلغاء، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها الاعتداد بتاريخ وصول الطلب المقدم بطريق البريد السريع في 17/9/2006 وبأقدميته رقم 4423 والاستمرار في إجراءات فتح صيدلية المطعون ضده الأول (الدكتور/ ناجح…) الكائنة بالعنوان المذكور سالفا.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد قضى بما تقدم، فإنه يكون قد صدر مطابقا للقانون، ويضحى الطعن عليه فاقدا سنده خليقا بالرفض.
وحيث إن الطاعنين يكونان بذلك قد خسرا الطعن، فمن ثم حق إلزامهما المصروفات عملا بالمادة 184 من قانون المرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وبرفضه موضوعا، وألزمت الطاعنين المصروفات.