جلسة 3 من يوليو سنة 2003م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ د. عبد الرحمن عثمان أحمد عزوز
رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ محمد أحمد الحسينى عبدالمجيد مسلم، وجودة عبدالمقصود فرحات، وعادل محمود زكى فرغلى، وإسماعيل صديق محمد راشد، وكمال زكى عبد الرحمن اللمعى، وعلى فكرى حسن صالح، والسيد محمد السيد الطحان، وغبريال جاد عبد الملاك، ود. حمدى محمد أمين الوكيل، ويحيى خضرى نوبى محمد.
نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار / حتة محمود حتة
مفوض الدولة
وحضور السيد / كمال نجيب مرسيس
سكرتير المحكمة
الطعن رقم 7402 لسنة 44 قضائية عليا:
ـ فرض مقابل مالى نظير الخدمات الميكروفيلمية ـ مدى جواز صدور قرار بتنظيم هذه الخدمة من رئيس المحكمة الابتدائية.
المادة (119) من الدستور.
قرار رئيس محكمة الاسماعيلية الابتدائية قد فرض مقابلاً مالياً نظير الخدمات الميكروفيلمية المشار إليها فيه، وقد توافرت فى شأن أسعار هذه الخدمة خصائص الرسوم على أساس أنها مبلغ محدد من النقود يسدد جبراً عن أصحاب الشأن من المتقاضين وهذا السعر يدفع مقابل انتفاع صاحب الشأن بالخدمة ـ ويترتب على هذه الخدمة تحقيق نفع خاص إلى جانب النفع العام، نفع خاص للمتقاضى يتمثل فى تمكين صاحب الشأن من الرجوع إلى الأوراق والمستندات المودعة بملف الدعوى والاطلاع عليها بسهولة ويسر والحفاظ على صور مستنداته وأوراقه التى أودعها بملف الدعوى خشية فقدها أو التلاعب فيها، ونفع عام يتمثل فى تقديم أساليب متقدمة للحفاظ على المستندات والأوراق وتيسير إجراءات التقاضى وتحقيق سرعة الفصل فى الدعاوى وبذلك يستفيد المجتمع نتيجة استقرار الحقوق فيه وإقرار العدل وتوفير العدالة لأفراده ـ ليس صحيحًا أن القرار المشار إليه قد استهدف استحداث نظام حديث لتيسير التقاضى وأن المقابل المادى للخدمة الميكروفيلمية لا يعتبر رسماً بدعوى أن حصيلته تؤول إلى خزينة الشركة القائمة على هذه الخدمة وليس لخزانة الدولة ـ أساس ذلك ـ أنه لايجوز تطوير الخدمة وتحديثها إلا من خلال الأساليب والوسائل الشرعية والدستورية بما توجبه من إجراء التعديلات القانونية والتشريعية اللازمة ـ كما أنه لا وجه للتحدى بأن مقابل الخدمة الميكروفيلمية لا يعتبر رسماً تأســــيساً علــــى أن حصيلته
لا تذهب إلى الخزانة العامة ذلك أن الغرض الأساسى من اقتضاء الرسوم مقابل الخدمة التى يؤديها المرفق العام هو غرض مالى، فجهة الإدارة تستهدف من فرض الرسم الحصول على إيرادات للخزانة العامة تواجه بها جزءًا من النفقات العامة التى تتحملها الخزانة العامة فى سبيل توفير هذه الخدمة، ولما كان مقابل هذه الخدمة الميكروفيلمية لا تتحمله وزارة العدل ولا تتحمل أية نفقات فى هذا الشأن طبقاً للعقد المبرم بينها وبين الشركة القائمة على هذه الخدمة وأيضاً لا تتحمله الخزانة العامة، فإن هذه الرسوم ـ التى تؤول حصيلتها لخزانة الشركة ـ تمثل نفقة الخدمة الميكروفيلمية وإن كانت وزارة العدل لا تتحملها فإن ذلك لا يغير من طبيعتها كرسم ـ الرسوم القضائية تعتبر مساهمة من جانب المتقاضين مع الدولة فى تحمل نفقات مرفق القضاء والسبيل الوحيد لتقريرها هو زيادة الرسوم القضائية المقررة فى قوانين الرسوم القضائية والتوثيق والشهر أو صدور قانون بفرض الرسم ـ تطبيق .
فى يوم الأحد الموافق 2/8/1998 أودع الأستاذ/ عبد الرحيم على عثمان النائب بهيئة قضايا الدولة نائباً عن الطاعنين بصفتيهما قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن قيد بجدولها العمومى تحت رقم 7402 لسنة ٤٤ ق. عليا فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بالإسماعيلية “الدائرة الأولى” فى الدعوى رقم 2635 لسنة ٢ ق بجلسة 22/6/1998 القاضى منطوقه:” بقبول الدعوى شكلاً وبوقف تنفيذ القرار رقم 26 لسنة 1991 الصادر من السيد المستشار/ رئيس محكمة الإسماعيلية الابتدائية فيما تضمنه من تطبيق نظام الخدمة الميكروفيلمية بالمحكمة المذكورة مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت جهة الإدارة بمصروفات هذا الطلب وأمرت بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضى الدولة لتحضيرها وإعداد تقرير بالرأى القانونى فى موضوعها”.
وطلب الطاعنان بصفتهما ـ للأسباب الواردة بتقرير الطعن ـ الحكم: بقبول الطعن شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وفى الموضوع بإلغائه والقضاء مجدداً برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع إلزام المطعون ضده المصروفات والأتعاب عن درجتى التقاضى .
وقد أعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده على النحو الثابت بالأوراق .
وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريراً مسبباً بالرأى القانونى فى الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع برفضه وإلزام الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات.
وقد حدد لنظر الطعن أمام الدائرة الأولى عليا فحص طعون جلسة 3/1/2000 وبجلسة 19/6/2000 قررت تلك الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى ـ موضوع) وحددت لنظره أمامها جلسة 27/8/2000 وتداولت نظره على النحو المبين بمحاضر جلساتها إلى أن قررت بجلستها المعقودة بتاريخ 17/2/2001 إحالة الطعن إلى الدائرة المشكلة بالتطبيق لحكم المادة 54 مكرراً من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 المضافة بالقانون رقم 136 لسنة 1984.
وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريراً مسبباً بالرأى القانونى انتهت فيه إلى أنها ترى العدول عن المبدأ الذى قررته المحكمة الإدارية العليا فى الطعن رقم 2748 لسنة 32ق. عليا بجلسة 19/1/1991 إلى تأييد قرار السيد الأستاذ المستشار رئيس محكمة الإسماعيلية الابتدائية بإدخال نظام الخدمة الميكروفيلمية بالمحكمة المذكورة.
وقد عُين لنظر الطعن أمام هذه الدائرة جلسة 5/4/2001وتدوول بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها حيث أودعت هيئة قضايا الدولة مذكرتى دفاع صممت فى ختامهما على الطلبات المبينة بتقرير الطعن تأسيساً على أنه قد تم الاتفاق بين الهيئة العامة لصندوق أبنية المحاكم وبعض المراكز المتخصصة فى مجال خدمة الميكروفيلم لإدخال نظام هذه الخدمة فى حفظ وثائق ومستندات الدعاوى المنظورة أمام المحاكم والإشراف على تطبيقه فنياً وهندسياً وإدارياً بحيث يكون المركز مسئولاً عن كافة الأعمال التى يؤديها فى مقر المحكمة وفقاً للنظم التى تم الاتفاق عليها بموجب العقود التى أبرمت بشأن إدخال هذه الخدمة، لذلك فقد أصدر رئيس محكمة الإسماعيلية الابتدائية مفوضًا من جمعيتها العمومية الأمر الإدارى المطعون فيه بشأن قواعد وإجراءات التوثيق الميكروفيلمى للدعاوى والأوامر بجميع محاكم الإسماعيلية وعلى ذلك يكون القرار الطعين قد صدر طبقاً لأحكام السلطة القضائية وفى حدود الاختصاص المخَوَّل لرؤساء المحاكم الابتدائية تفويضًا من الجمعية العمومية بها، ولا يقدح فى ذلك ما ذهب إليه حكم المحكمة الإدارية العليا فى الطعن رقم 2748 لسنة 32ق. عليا بجلسة 19/1/1991 الذى استند إليه الحكم المطعون فيه بشأن القرار المطعون فيه بأنه قد تضمّن حظراً أو مانعاً على قيد الدعاوى وفرض رسم لم يقرره المشرع لأن الأخذ بهذا النظام العالمى المستحدث الذى يعد من أكفأ الأنظمة فى حفظ أوراق ومستندات الدعاوى من الفقد والضياع أو العبث بها أو التلاعب فى محتواها لايعد بحال من الأحوال حظراً على قبول وقيد الدعاوى وخاصة أنه ليس فى قانون المرافعات أو قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 ما يمنع من تنظيم العمل بالمحاكم تمشياً مع التكنولوجيا الحديثة المتطورة أو بإدخال الأنظمة الحديثة بالمحاكم، كما أن المقابل المالى اليسير المقرر مقابل هذه الخدمة المتطورة لا يعد قيداً حظرًا على قيد وقبول الدعاوى كما صوره الحكم المطعون فيه لأن القيد أو الحظر معناه غل يد صاحب الشأن ومنعه من قيد دعواه على أية صورة من الصور أى منعه مطلقًا من ذلك وهذا ما لا يرمى إليه نظام الخدمة الميكروفيلمية بالمحاكم فضلاً عن أن هذا المقابل ـ الذى وصف بطريق الخطأ رسماً ـ وهو ليس برسم وإنما هو مقابل من المال نظير أداء هذه الخدمة، ويؤكد ذلك أن حصيلته لا تؤول إلى خزانة الدولة وإنما تؤول على المركز أو المؤسسة التى تقوم على تنفيذ هذا النظام، كما لا يرتبط فى تحديد قيمته بالقيمة المالية للدعوى وإنما يكون حسب عدد أوراقها ومستنداتها وعلى ذلك لا يعد تقرير هذا النظام والعمل به مخالفاً لأحكام الدستور أو القانون باعتبار أنه خدمة هامة ترمى بالفعل إلى تحقيق مصلحة المتقاضى ذاته والمصلحة العامة فى ذات الوقت بالحفاظ على أوراق ومستندات الدعاوى لدى دور المحاكم وسرعة الرجوع إليها والاطلاع عليها مما يكون له أكبر الأثر فى تحقيق عدالة ناجزة وسريعة بين المتقاضين.
وبجلسة 6/3/2003 قررت الدائرة إصدار الحكم بجلسة 8/5/2003 مع التصريح بتقديم مذكرات لمن يشاء في شهر حيث لم تقدم أية مذكرات من الطرفين وبالجلسة السالفة تقرر مد أجل النطق بالحكم لجلسة 5/6/2003 لإتمام المداولة وبهذه الجلسة تقرر مد أجل النطق بالحكم إدارياً لجلسة 3/7/2003 وفيها صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق بالحكم .
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانونًا.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص ـ حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق ـ فى أن المطعون ضده كان قد أقام الدعوى رقم 2635 لسنة 2ق أمام محكمة القضاء الإدارى بالإسماعيلية بموجب عريضة مودعة قلم كتابها بتاريخ 24/7/1997 بطلب الحكم بقبول الدعوى شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار رقم 26 لسنة 1991 الصادر من رئيس محكمة الإسماعيلية الابتدائية بشأن قواعد وإجراءات نظام التوثيق الميكروفيلمى للدعاوى والأوامر والعقود التجارية بمجمع محاكم الإسماعيلية وفى الموضوع بإلغاء القرار المذكور، مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام جهة الإدارة المصروفات على سند من القول أنه بتاريخ 1/11/1991 صدر قرار رئيس محكمة الإسماعيلية الابتدائية رقم 26 لسنة 1991 بتطبيق نظام التوثيق الميكروفيلمى للدعاوى والأوامر والعقود التجارية بمجمع محاكم الإسماعيلية وفرض هذا النظام فى تعاملات المحامين والأفراد والمتقاضين أمام المحاكم الابتدائية والمحاكم الجزئية ناعياً على هذا القرار أنه فرض هذا النظام مقابل رسم بالمخالفة للقانون وانتهاكاً لحرمة الدستور بدعوى أن نصوص قانون المرافعات فى المواد 63 حتى 71 حددت كيفية رفع الدعوى وقيدها أمام المحكمة بإجراءات واجبة التنفيذ وعلى سبيل الحصر ولا يجوز فيها التأويل أو التفسير وأن تقرير نظام الميكروفيلم يعتبر قيداً على حق التقاضى ويشكل مخالفة لنص المادة 68 من الدستور، كما أنه يخالف نصوص القانون رقم 90 لسنة 1944 بشأن الرسوم القضائية ورسوم التوثيق فى المواد المدنية المتضمن قواعد تقدير رسوم الدعوى وأحوال تخفيضها وكيفية حسابها، وكذلك مخالفة المادة 119 من الدستور التى تنص على أن إنشاء الضرائب العامة أو تعديلها أو إلغاءها لا يكون إلا بقانون كما أنه يتضمن إخلالاً بسرية التقاضى والانحراف بالسلطة كما أنه صدر معيباً بعيب غصب السلطة وهى سلطة المشرع المنوط به إصدار القوانين.
وبجلسة 22/6/1998 أصدرت محكمة القضاء الإدارى بالإسماعيلية “الدائرة الأولى” حكمها المطعون فيه.
وشيدت المحكمة قضاءها ـ بعد استعراض نصوص المواد 68، 69، 165 من الدستور و15 من القانون رقم 46 لسنة 1972 بشأن السلطة القضائية و 63 من قانون المرافعات المدنية والتجارية و 37 و51 من القانون رقم 90 لسنة 1944 بشأن الرسوم القضائية فى المواد المدنية ـ على أن البادى من ظاهر الأوراق أن رئيس محكمة الإسماعيلية الابتدائية أصدر بتاريخ 1/11/1991 القرار رقم 26 لسنة 1991 متضمناً تطبيق نظام التوثيق الميكروفيلمى للمستندات والأوراق وملفات الدعاوى بمحكمة الإسماعيلية الابتدائية وجزئياتها وحدد خطوات قيد الدعاوى الجديدة وإلزام أصحاب الشأن بالتقدم إلى مركز الخدمة الميكروفيلمية بالعريضة والمستندات ليقوم المركز بتقدير وتحصيل الرسوم المستحقة لتوثيق تلك الأوراق وقرر عدم قبول عرائض الدعاوى أو مستنداتها أو أية أوراق متعلقة بها إلا بعد التحقق من توثيقها بالميكروفيلم وختمها بالخاتم الخاص بذلك، كما حظر تسليم صور الأحكام أو الشهادات أو المستندات أو الاطلاع عليها إلا بعد اتخاذ إجراءات التوثيق الميكروفيلمى وإلزام أمين السر بتكليف أصحاب الشأن بسداد قيمة توثيق جميع المستندات والأوراق كل فيما يخصه بخزينة الميكروفيلم وبذلك يكون رئيس محكمة الإسماعيلية الابتدائية قد وضع قواعد تنظيمية عامة بقرار إدارى يقيد به اطلاع الخصوم على أوراق ومستندات الدعاوى الأمر الذى يشكل قيداً على الاطلاع لم يرد به نص فى قانون المرافعات فضلاً عما تنطوى عليه تلك القيود من إخلال بحق الدفاع وتدخل فى سير الدعاوى على نحو يتعارض مع اختصاص القاضى الذى ينظر الدعوى صاحب الحق الوحيد فى الترخيص بالاطلاع من عدمه وفقاً لما يراه محققاً وكافلاً لحق الخصوم فى إبداء دفاعهم فى الدعوى كما أنه يكون بذلك قد فرض رسوماً بالمخالفة لصريح أحكام القانون رقم 90 لسنة 1944 المعدل بالقانون رقم 66 لسنة 1964 بشأن الرسوم القضائية ورسوم التوثيق فى المواد المدنية والتى نصت عليها المادتان 37، 51 منه والمادة 35 من قانون الرسوم أمام المحاكم الشرعية الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 1991 وعلى ذلك يكون القرار المطعون فيه رقم 26 لسنة 1991 على حسب الظاهر من الأوراق قد صدر بالمخالفة الصارخة لأحكام الدستور والقانون لما قرره من وضع قيود وفرض رسوم على رفع الدعاوى وقيدها أمام المحاكم والاطلاع عليها بغير الطريق المقرر قانوناً وبأداة أدنى من التشريع اللازم لفرض الرسم فى مثل هذه الحالة ومن ثم يكون ركن الجدية قد توافر فى طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه كما يتوافر ركن الاستعجال فيه لما يترتب على الاستمرار فى تنفيذ القرار الطعين إلحاق أضرار بالمدعى وجمهور المتقاضين يتعذر تداركها تتمثل فى تعطيل وتأخير قيد الدعاوى وإفشاء أسرارهم .
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ فى تطبيقه وتأويله لأسباب حاصلها أن القرار المطعون فيه لايحمل فى مضمونه ومحتواه سوى تنظيم وتحديث إجراءات التقاضى بما فى ذلك حفظ أوراق ومستندات الدعاوى من التلف أو الضياع بما لا شك فيه تحقق الفائدة القصوى للمتقاضين من هذا التطور الحديث حيث إنه يحق للسلطة العامة أن تتدخل فى أى وقت لتعديل سير المرافق العامة دون أن يؤثر فى استعمالها لهذا الحق اعتبار غير المصلحة العامة، وجهة الإدارة تتولى إدارة وتنظيم المرفق العام بما يتلاءم وطبيعة المرفق ونوع الخدمات التى يؤديها وكيفية انتفاع الجمهور به فإذا ما ظهر فى أى وقت من الأوقات أن هذا التنظيم لم يعد يتفق مع المنفعة المرجوة أو أن هناك تنظيمًا يكفل أداءها على وجه أفضل كان لها أن تلجأ إلى تنظيم المرفق ولها أن تفرض رسوماً على الانتفاع أو تخفف الرسوم الموجودة أو تشدد من الرسوم المتطلبة، وحق الإدارة فى هذا الشأن لايقيده إلا مراعاة الصالح العام ، ولا يمكن أن يقيدها فى ذلك اعتبارات مستمدة من حق يدعى اكتسابه لموظف المرفق العام أو للمنتفعين وإذ خالف الحكم المطعون فيه ما تقدم وخلط بين الرسوم التى فرضها القانون على إجراءات التقاضى وبين تلك التى تحددها الإدارة بحسبانها القوامة على المرفق العام بما يكفل حفظ أوراقهم ومستنداتهم من العبث أو التلف بما يكفل بالتالى حسن أداء المرفق وتطوير خدماته التى تؤدى للجمهور المنتفع بما يكون معه الحكم الطعين قد أخطأ فى تطبيق القانون الأمر الذى ينتفى معه ركن الجدية فى طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه.
ومن حيث إن مقطع النزاع فى الطعن الماثل يدور حول طبيعة الرسوم المقررة مقابل تأدية الخدمات الميكروفيلمية بمقتضى القرار المطعون فيه رقم 26 لسنة 1991م الصادر من السيد المستشار/ رئيس محكمة الإسماعيلية بشأن قواعد وإجراءات نظام التوثيق الميكروفيلمى للدعاوى والأوامر والعقود التجارية بمجمع محاكم الإسماعيلية والذى قصد به إنشاء نظام جديد ملزم للعاملين بالمحاكم وأصحاب الشأن من المتقاضين والسادة المحامين والذى راعى فى وضع تقدير تلك الرسوم أو المقابل المالى لتلك الخدمات الحديثة وزن الضوابط والاعتبارات التى رؤى استهدافها من وراء تزويد دور المحاكم بالوسائل العلمية الحديثة وما تحققه من مزايا عديدة فى هذا الشأن حيث لم يقتصر النزاع الماثل بشأنها حول أساس الالتزام بأسعار الخدمة الميكروفيلمية وإنما امتد حول ما إذا كانت القواعد المقررة فى هذا النظام مستقلة بماجاء بقوانين الرسوم القضائية باعتبار أن مجال كل منها مختلف عن الآخر، وأنه لاحرج فى اختلاف أسس التقدير الموضوعة لكل منهما وقواعد واجراءات تحصيل تلك الرسوم لاختلاف الغاية التى يقصد إليها كل منهما مما يتطلب إجراء التناسق بين أحكامها وإعمال كل منهما فى مجاله الخاص به مما يقتضى العدول عن المبدأ الذى قررته المحكمة الإدارية العليا فى الطعن رقم 2748 لسنة 32 ق. عليا 19/1/1991وتأييد القرار الطعين أم أن القواعد التى اشتمل عليها القرار المطعون فيه تشكل خروجاً على أحكام الدستور ومخالفة لأحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968 وقانون السلطة القضائية رقم46 لسنة 1972 وقوانين الرسوم القضائية وأخصها:
1ـ القانون رقم 90 لسنة 1944 وتعديلاته بشأن الرسوم القضائية فى المواد المدنية.
2ـ القانون رقم 91 لسنة 1944 وتعديلاته بشأن الرسوم أمام المحاكم الشرعية.
3ـ القانون رقم 70 لسنة 1964 بشأن رسوم التوثيق والشهر ـ فى خصوص ما ورد فى كل منهما بشأن حقوق وقواعد التقاضى والإجراءات القضائية .
ومن حيث إن الثابت أن الطعن الماثل أحيل إلى هذه الهيئة لنظره فى ضوء حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر فى الطعن رقم 2748 لسنة 32ق. عليا بجلسة 19/1/1991.
ومن حيث إنه يبين من استقراء هذا الحكم الصادر فى الطعن رقم 2748 لسنة 32 ق. عليا فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى “دائرة منازعات الأفراد والهيئات” بجلسة 6/5/1986 في الدعوى رقم 2596 لسنة 39ق ـ حيث إن هذه الدعوى كانت قد أقيمت بطلب الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء الأمر الإدارى الصادر من السيد الأستاذ المستشار/ رئيس محكمة الجيزة الابتدائية بفرض نظام الميكروفيلم بكافة جزئياته مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات وقد قضت محكمة القضاء الإدارى بجلستها المنعقدة فى 6/5/1986 بقبول تدخل السيد/ ……………………… ……………. خصماً منضماً للمدعى (الطاعن) وبعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإدارى وألزمت المدعى والمتدخل بالمصروفات وأقامت قضاءها بعد قـــــبول الدعوى على أن القرار المطعون فيه لا تتوافر فى شأنه مقومات القرار الإدارى لكونه مجرد أوامر أو تعليمات داخلية لتنظيم العمل بالمحكمة ملزمة للعاملين بها مستهدفة رعاية مصالح المتقاضين ومن ثم لايدخل فى عداد القرارات الإدارية التى يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إدارى بنظر الطعون المقامة عليها.
وقد قضت المحكمة الإدارية العليا بجلسة 19/1/1991 فى الطعن المشار إليه “بقبوله شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه وفى الموضوع بإلغاء القرارات المطعون فيها على النحو المبين بالأسباب وألزمت الجهة الإدارية بالمصروفات”.
وأسست المحكمة حكمها على أن الثابت من الأوراق أنه بناء على موافقة السيد/ وزير العدل بتاريخ 31/1/1984 على ما اقترحته محكمة الجيزة الابتدائية بتنفيذ نظام الخدمة الميكروفيلمية بالمبنى الجديد للمحكمة فقد أبرم عقد بتاريخ 27 من سبتمبر سنة 1984 بين الهيئة العامة لصندوق أبنية دور المحاكم التابعة لوزارة العدل ومركز الاستشاريين العرب للإدارة والمشروعات “أبروماك” وذلك لتنفيذ نظام الخدمة الميكروفيلمية فى مبنى محكمة الجيزة الابتدائية، وإنه إعمالاً لأحكام هذا العقد ومناسبة بدء العمل بنظام الخدمة الميكروفيلمية بمحكمة الجيزة الابتدائية فقد أصدر السيد المستشار/ رئيس المحكمة بتاريخ 5/1/1985 المنشور رقم (1) ونص فى البند أولاً: منه على أنه: “يراعى عدم قبول أية مستندات أو أوراق فى الدعاوى إلا بعد التحقق من تصويرها ميكروفيلميًا وختمهاً بالختم الخاص بذلك” كما نص البند ثانياً : من المنشور على أنه: “على السادة الرؤساء والقضاة بالمحكمة مراعاة ذلك والتنبيه على أمناء السر بالالتزام بذلك وكذا التنبيه عليهم بعدم تمكين أى من الاطلاع على ملفات القضايا ويكون الاطلاع من مركز الخدمة الميكروفيلمية فقط وبتاريخ 29/1/1985 أصدر السيد المستشار/ رئيس المحكمة أمرًا إدارياً نص البند الأول منه على أنه “عند تقديم طلب من ذوى الشأن للاطلاع على القضايا أو مستنداتها
أو أى أوراق بها ينفذ الآتى: 1ـ يبين فى هذا الطلب المستند والأوراق المطلوب الاطلاع عليها.
2ـ ………….. “.
وبتاريخ 24/4/1985 صدر أمر إدارى تال نص البند أولاً منه على أنه ينبه على جميع أمناء السر وكتبة الجلسات بالمحكمة بتسليم كافة القضايا المتدوالة أو التى يكون قد صدر فيها أحكام فرعية أو قرارات شطب أو صلح أو وقف أو ترك الخصومة أو أى أحكام أخرى لمركز الميكروفيلم لاتخاذ اللازم نحوها ثم أصدر السيد المستشار/ رئيس المحكمة أمراً إدارياً لاحقاً بتاريخ 17/7/1985 نص البند ثالثاً منه على تسليم العاملين بالميكروفيلم الصورة الأصلية للحكم متى طلب تصويره ثم تعاد فوراً وترفق بالدعوى .
وأخيراً وبتاريخ 10/8/1986 صدر قرار يقضى بالتنبيه على السادة المتقاضين والمحامين الراغبين فى الاطلاع الاستعلام من مكتبة الميكروفيلم عن وجود الدعوى بالمركز أم لا وذلك قبل ملء النموذج الخاص بالاطلاع.
وبعد استعراض المحكمة لنصوص المواد 68، 69، 165، 167 من الدستور و15، 158، 159، 160، 161 من القانون رقم 90 لسنة 1944معدلاً بالقانون رقم 66 لسنة 1964 بشأن الرسوم القضائية ورسوم التوثيق فى المواد المدنية.
خلصت المحكمة إلى أن مؤدى قرار رئيس المحكمة المطعون عليه بتقريره الالتزام بعدم قبول أوراق الدعاوى ومستنداتها قبل تصويرها ميكروفيلماً وسداد المقابل المقرر لذلك يكون فى حقيقته إنشاء لقيد جديد على رفع الدعوى لم يرد به نص فى قانون وعلى ذلك فلا يسوغ لقلم الكتاب أن يجحف الخصومة عن قاضيها المرفوعة أمامه أو أن يمتنع عن قبول الصحيفة كما لايجوز لأية جهة قضائية أو غير قضائية أن تضع من القيود أو تضيف من الشروط ما يعطل ممارسة هذا الحق أو يعوقه تحت أى سبب من الأسباب كما أن القرار المذكور قد فرض رسوماً بالمخالفة لأحكام القانون رقم 90 لسنة 1944 معدلاً بالقانون رقم 66 لسنة 1964 سالف الذكر فى حين أن المتقاضين يكونون غير ملزمين منذ رفع الدعوى وحتى صدور الحكم فيها وتنفيذه أو الطعن عليه والاستشكال فى تنفيذه وغير ذلك من أمور تتعلق بالخصومة القضائية والسير فيها إلا بما قرره القانون المذكور من رسم من حيث حالات الاستحقاق ومقدار الرسوم والإعفاء منه بحيث لايسوغ تحت أى اعتبار تحميل المتقاضين برسوم أو نفقات لم يرد النص على تقريرها أو على أساس فرضها فى القانون فضلاً عن أنه لايسوغ أيضاً تحت أى سبب أو دافع إشراك غير أعوان القضاء سواء من العاملين أو من غير العاملين فى سير العملية القضائية حفاظاً على سرية الأوراق والمستندات ونظراً لما يقتضيه العمل القضائى من صفات قدر المشرع أنها تتوافر فيمن يختار لهذا العمل وألزمه بحلف اليمين ورسم له قواعد أداء العمل فى حدود ما نص عليه قانون السلطة القضائية وقانون المرافعات المدنية والتجارية وذلك على الوارد تفصيلاً بأسباب الحكم.
اختتمت المحكمة أسبابها التى بنى عليها حكمها المشار إليه بأن الأوامر والمنشورات التى صدرت عن السيد الأستاذ المستشار/ رئيس محكمة الجيزة الابتدائية سالفة الذكر تكون فى حقيقتها قرارات إدارية انطوت على مخالفات جسيمة لأحكام الدستور والقانون رغم ما يبدو فى ظاهرها من تنظيم اتباع اسلوب تكنولوجى متقدم وحفظ وثائق ومستندات الدعاوى وذلك لما شابها من عيوب تمثلت فى غصب سلطة التشريع بوضع قيود لم يرد بها نص فى القانون على إقامة الدعوى مع الإخلال بحق الخصوم فى الدفاع هذا فضلا عن فرض رسوم بغير الطريق الذى رسمه القانون وإشراك غير أعوان القضاء فى إدارة وتنفيذ العمليات الإدارية والقضائية المرتبطة بسير الخصومة منذ إقامة الدعوى وحتى صدور الحكم فيها وهو ما يجعلها مشوبة بعيوب جسيمة تجعلها منعدمة الأثر قانوناً الأمر الذى يستوجب القضاء بإلغائها نزولاً على الشرعية وسيادة الدستور والقانون، هذه السيادة التى يتعين أن تعلو على إرادة كل فرد وكل جماعة وكل سلطة فى الدولة وأنه يخضع لها كل تصرف أو قرار إدارى حتى ولو كانت غايته الظاهرة الأخذ بأساليب العلم والتكنولوجيا الحديثة كما هو الأمر بشأن موضوع الطعن الماثل حيث لا نفع ولا قيمة لذلك مالم يحقق الاحترام للنظام العام القضائى ويؤكد حق الدفاع أمام المحاكم ولايمس أحكام الدستور أو يهدر أحكام القانون.
ومن حيث إن الثابت من مطالعة قرار السيد المستشار/ رئيس محكمة الإسماعيلية الابتدائية رقم 26 لسنة 1991 الصادر بتاريخ 1/11/1991 مثار النزاع الماثل ـ بشأن قواعد وإجراءات نظام التوثيق الميكروفيلمى للدعاوى والأوامر والعقود التجارية بمجمع محاكم الإسماعيلية بعد أن أشار فى ديباجته إلى العقد المبرم بين الهيئة العامة لصندوق أبنية دور المحاكم والشهر العقارى ومؤسسة الأهرام بشأن تنفيذ نظام الخدمة الميكروفيلمية بمجمع محاكم الإسماعيلية والقرار الوزارى باعتماد قواعد وإجراءات التشغيل والمحاسبة المالية لنظام التوثيق الميكروفيلمى للمستندات والأوراق وملفات الدعاوى.
فقد نص فى البند أولاً منه على أن:
(على ذوى الشأن التقدم إلى مركز الميكروفيلم بالمحكمة لتسجيل صحف الدعاوى والعرائض والطلبات والأوامر “ميكروفيلميا” بعد سداد المقابل المحدد بالعقد المبرم بين الهيئة العامة لصندوق أبنية دور المحاكم والشهر العقارى ومؤسسة الأهرام والمعلن عنه بمركز الخدمة الميكروفيلمية بالمحكمة وختمها بخاتم المركز ……….).
كما نص فى البند ثانيًا منه على أنه: (على ذوى الشأن تقديم مستنداتهم …… إلى مركز الميكروفيلم لختمها بعد سداد المقابل المحدد بالعقد المشار إليه بالبند أولاً وقبل تقديمها إلى المحكمة أو القاضى الآمر….).
ونص فى البند الثالث منه على أن 🙁 على ذوى الشأن عند اتخاذهم أى إجراء من إجراءات التقاضى بعد رفع الدعوى التقدم أولاً بأوراق ذلك الإجراء إلى مركز الخدمة الميكروفيلمية لتسجيله قبل تقديمه إلى قلم الكتاب المختص أو إيداعه به).
ونص فى البند الرابع منه على أن: (وعلى قلم الكتاب تقديم الأوراق الخاصة بتنفيذ قرارات المحكمة وكذا ما يرد من تقارير خبراء أو غيرها إلى مركز الميكروفيلم لتسجيلها ).
ونص فى البند السادس منه على أنه: (بالنسبة للدعاوى المجددة من الشطب أو المعجلة من الوقف أو الانقطاع على طالب التجديد أو التعجيل تسجيل صحيفته بمركز الميكروفيلم قبل تقديمها إلى قسم الجدول، فإذا كانت الدعوى غير مسجلة ميكروفيلمياً ، التزم صاحب الشأن بسداد مقابل التسجيل الميكروفيلمى كاملاً بالنسبة لجميع أوراق الدعوى ومستنداتها).
ونص فى البند السابع منه على أن: (يراعى عدم تسليم أصحاب الشأن أية صورة رسمية مما حوته الدعوى……. إلا من خلال مركز الخدمة الميكروفيلمية ).
ونص فى البند الثامن من على أن: (يلزم أمناء السر بتسليم ملف الدعوى إلى مركز الميكروفيلم خلال ثلاثة أيام فقط من تاريخ توقيع القاضى على نسخة الحكم الأصلية).
وأخيراً نص فى البند التاسع منه على أن: (بالنسبة لتسجيل ملفات عقود الشركات وتعديلاتها يقوم مركز الخدمة الميكروفيلمية بالمحكمة بتسجيل ملخصات عقود الشركات المراد شهرها وتعديلاتها بعد سداد مقابل الخدمة الميكروفيلمية وذلك قبل قيدها بسجلات القسم التجارى).
ومن حيث إنه يتضح بجلاء من مطالعة بنود القرار المطعون فيه أنه قد فرض مقابلاً ماليًا نظير الخدمات الميكروفيلمية المشار إليها فيه وأنه قد توافرت فى شأن أسعار هذه الخدمة الميكروفيلمية خصائص الرسوم على أساس أنها مبلغ محدد من النقود يسدد جبراً عن أصحاب الشأن من المتقاضين ويبدو عنصر الجبر واضحاً في استقلال مصدر هذا القرار بوضع نظامه القانونى من حيث تحديد مقداره وحالات استحقاقه وطريقة تحصيله، وأن هذه السعر يدفع مقابل انتفاع صاحب الشأن بالخدمة الميكروفيلمية وأنه يترتب على هذه الخدمة تحقيق نفع خاص إلى جانب النفع العام ويبدو هذا واضحًا بين أسعار الخدمة الميكروفيلمية التى يدفعها المتقاضون نظير خدمة مرفق القضاء يترتب عليها تحقيق نفع خاص للمتقاضى
لا يشاركه فيه غيره من الأفراد يتمثل فى تمكين صاحب الشأن من الرجوع إلى الأوراق والمستندات المودعة بملف الدعوى والاطلاع عليها فى سهولة ويسر والحفاظ على صور مستنداته وأوراقه التى أودعها بملف الدعوى خشية فقدها أو التلاعب فيها وفى ذلك مراعاة لمصالحه الخاصة حتى يتم حصوله على حقه وضمان عدم منازعة أحد فيه بعد ذلك وفي نفس الوقت تحقيق نفع عام يتمثل فى تقديم أساليب متقدمة للحفاظ على المستندات والأوراق وتيسير إجراءات التقاضى وتحقيق سرعة الفصل فى الدعاوى وبذلك يستفيد المجتمع نتيجة استقرار الحقوق فيه وإقرار العدل وتوفير العدالة لأفرداه.
ومن حيث إنه ليس صحيحاً التعلل بما ذهبت إليه جهة الإدارة الطاعنة من أن القرار الطعين قد استهدف استحداث نظام حديث لتيسير التقاضى وأن المقابل المالى للخدمة الميكروفيلمية لايعتبر رسماً بدعوى أن حصيلته تؤول إلى خزينة الشركة القائمة على هذه الخدمة وليس لخزانة الدولة ذلك لأن تطوير نظام الخدمة التى يؤديها المرفق العام مسايرة للتقدم العلمى والتكنولوجى والاستفادة من منجزاته، يلقى على عاتق المشرع التزامًا بمواكبة هذا التقدم نزولاً عن مقتضيات المحافظة على الشرعية وسيادة القانون، بما لا يجوز معه تطوير هذه الخدمة وتحديثها إلا من خلال الأساليب والوسائل الشرعية والدستورية بما توجبه من إجراء التعديلات القانونية والتشريعية اللازمة، كما أنه لا وجه للتحدى بأن مقابل الخدمة الميكروفيلمية لاتعتبر رسماً تأسيسًا على أن حصيلة هذا المقابل لا تذهب إلى الخزانة العامة ذلك أنه لما كان من المتفق عليه أن الغرض الأساسى من اقتضاء الرسوم مقابل الخدمة التى يؤديها المرفق العام هو غرض مالى فجهة الإدارة تستهدف من فرض الرسم الحصول على إيرادات للخزانة العامة تواجه بها جزءًا من النفقات العامة التى تتحملها الخزانة العامة فى سبيل توفير هذه الخدمة، ولما كان الثابت أن مقابل هذه الخدمة الميكروفيلمية لا تتحمله وزارة العدل، ولاتتحمل أية نفقات فى هذا الشأن طبقاً للعقد المبرم بينها وبين الشركة القائمة على هذه الخدمة وإذ ثبت أن الخزانة العامة لا تحتمل نفقة أداء هذه الخدمة ومن ثَمَّ فإن تحصيل هذه الرسوم والتى تؤول حصيلتها لخزانة الشركة، تمثل نفقة الخدمة الميكروفيلمية وبالتالى فإنه وإن كانت وزارة العدل لاتتحمل أية نفقة فى مقابل هذه الخدمة فإن ذلك لايغير من طبيعة هذا المقابل كرسم.
ومن حيث إنه من المقرر دستوراً وقانوناً أن الرسوم القضائية تعتبر مساهمة من جانب المتقاضين مع الدولة فى تحمل نفقات مرفق القضاء، والسبيل فى ذلك فرض الرسوم القضائية بالأداة التشريعية المقررة دستوراً.
ومن حيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أن الدستور قد مايز ـ بنص المادة 119 منه ـ بين الضريبة العامة وبين غيرها من الفرائض المالية سواء من حيث أداة إنشاء كل منها أو من حيث مناطها، فالضريبة العامة فريضة مالية تقتضيها الدولة جبراً من المكلفين بأدائها إسهاماً من جهتهم فى الأعباء المالية، دون أن يقابلها نفع يعود عليهم من وراء التحمل بها، فى حين أن مناط استحقاق الرسم قانوناً أن يكون مقابل خدمة محددة بذلها الشخص العام لمن طلبها كمقابل لتكلفتها، وإن لم يكن بمقدارها، ومن ثم فإن تدخل المشرع بفرض رسوم على الدعاوى القضائية بوجه عام ـ ومنها دعاوى القسمة ـ عوضاً عما تتكبده الدولة من نفقة فى سبيل تسيير مرفق العدالة، لاينطوى على إخلال بحق الملكية أو بالحق فى الميراث.
وحيث إن النص الطعين ـ بعدم الدستورية ـ نص المادة 75 من القانون رقم90 لسنة 1944 بالرسم القضائية ورسوم التوثيق فى المواد المدنية فى شأن تقدير الرسوم النسبية، لا يتضمن مساساً بحق التقاضى الذى كفله الدستور للناس كافة وإلزام الدولة بتقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل فى الدعاوى لأن ذلك لا يتعارض ومساهمة المتقاضين فى نفقات تسيير مرفق العدالة على الوجه الذى لايرهق وصول الحقوق لأصحابها (حكم المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 136 لسنة 21 ق دستورية جلسة 5/5/2001).
ومن حيث إنه ـ بالبناء على ما تقدم جميعه ـ فإنه لما كان من المقرر أن الدستور لم يستلزم لفرض الرسم صدور قانون بتقريره بل اكتفى بأن يكون فرض الرسم بناء على قانون، ومن ثم فإنه يتعين أن تستند القرارات الإدارية بفرض الرسوم إلى قوانين تجيز لها هذا الفرض، وأن يكون ذلك فى حدود إجازتها وإلا كانت هذه القرارات باطلة دستورياً وافتقدت أساس الإلزام بها .
ومن حيث إن خلاصة القول فى ذلك كله، فإن السبيل الوحيد لتقرير مساهمة المتقاضين فى نفقات تسيير مرفق العدالة زيادة الرسوم القضائية المقررة فى قوانين الرسوم القضائية والتوثيق والشهر أو صدور قانون بفرض الرسم، وهذا ما أكده مسلك المشرع بإصدار القانون رقم 7 لسنة 1985 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 36 لسنة 1975 بإنشاء صندوق للخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية والقانون رقم 8 لسنة 1985 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 96 لسنة 1980 بفرض رسم إضافى لدور المحاكم.
ومن حيث إنه متى ثبت ما تقدم فإن القرار المطعون فيه يشكل خروجاً على مبدأ المشروعية الدستورية غايتها أن تكون النصوص القانونية والقرارات الإدارية مطابقة لأحكام الدستور وتتبوأ هذه الشرعية قمة البنيان القانونى فى الدولة وذلك لما شابه من عيب تمثل فى غصب سلطة المشرع بفرض رسوم بالمخالفة لحكم المادة 119 من الدستور.
ومن حيث إنه لا يغير من ذلك القول بأن القرار الطعين كان يستهدف تنظيم مرفق القضاء بأساليب علمية حديثة عن طريق اتباع أسلوب تكنولوجى متقدم بإدخال نظام الميكروفيلم لتصوير القضايا وحفظها حتى يمكن الرجوع إليها بسهولة وحفظ وثائق ومستندات الدعاوى، فإن مواجهة متطلبات العصر الحديث والاستفادة من الثورة العلمية والتكنولوجية واستخدام أحدث الوسائل العلمية فى تدعيم نظام المحاكم وتطوير عمل الهيئات القضائية كإدخال نظام الحاسب الإليكترونى لتخزين وضبط المعلومات والرجوع إليها بسهولة ونظام الخدمة الميكروفيلمية وغيرها من مخترعات العلم الحديث ومنجزات التقدم التكنولوجى، فإن ذلك لايكون إلا عن طريق تدخل المشرع بزيادة الرسوم القضائية لتقرير مساهمة المتقاضين فى نفقات تلك الخدمات إعمالاً لمبدأ الشرعية وسيادة القانون.
ومن حيث إنه من جهة أخرى فإن القرار المطعون فيه قد تضمن قواعد تنظيمية عامة بقرار إدارى بشأن نظام الخدمة الميكروفيلمية، فإنه للوصول إلى الرأى الراجح فى المسألة المطروحة بشأن عما إذا كانت هذه القواعد تخالف نصوص قوانين أخرى من عدمه، فإنه يتعين الرجوع إلى النصوص الحاكمة فى هذا الشأن بداءة بالدستور الذى أفرد الباب الرابع منه لبيان المبادئ الدستورية التى يقوم عليها عنوان هذا الباب “سيادة القانون” ومنها خضوع الدولة للقانون، واستقلال القضاء وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات وكذا حق التقاضى وحق الدفاع، كما أفرد المشرع الدستورى الفصل الرابع من الباب الخامس لبيان الأحكام الدستورية المتعلقة “بالسلطة القضائية” وأناط المشرع العادى تنظيم السلطة القضائية وتحديد الهيئات القضائية واختصاصاتها.
ومن حيث إنه من المقرر أن الحقوق التى كفلها الدستور ومنها حق التقاضى، وحق الدفاع، فإنها ليست حقوقاً مطلقة، وإنما يجوز تنظيمها تشريعياً بما لاينال من محتواها إلا بالقدر وفى الحدود التى ينص عليها الدستور.
ومن حيث إن المشرع أصدر التشريعات المنظمة لحق التقاضى وحق الدفاع، وتنظيم الوظيفة القضائية وتحديد الهيئات القضائية واختصاصاتها وإجراءات الالتجاء إلى القضاء ومنها قانون المرافعات وقوانين الرسوم القضائية والتوثيق والشهر وقانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972. وإذ ثبت من مطالعة الحكم المطعون فيه ـ والذى استند فى قضائه إلى حكم المحكمة الإدارية العليا المشار إليه سلفاً ـ قد تناول فى أسبابه العيوب الأخرى التى اعتورت القرار الطعين بتحميله المتقاضين رسوم أو نفقات بالمخالفة للقانون رقم 90 لسنة 1944 معدلاً بالقانون رقم 66 لسنة 1964 بشأن الرسوم القضائية ورسوم التوثيق فى المواد المدنية فضلاً عن انطوائه على وضع قيود على حق التقاضى وحق الدفاع والاختصاص الولائى للدائرة التى تنظر الدعوى لم يرد بها نص فى القانون بالمخالفة لأحكام قانون المرافعات، كما يتضمن مشاركة العاملين بالشركة القائمة على نظام خدمة الميكروفيلم لأعوان القضاء فى سير العمل الإدارى والقضائى بالمحاكم بالمخالفة لأحكام قانون السلطة القضائية آنف الذكر.
ومن حيث إنه متى كان الأمر كذلك وكان الثابت أن قرار السيد المستشار رئيس محكمة الإسماعيلية الابتدائية رقم 26 لسنة 1991 المطعون فيه فيما تضمنه من قواعد تنظيمية عامة بشأن تطبيق نظام الخدمة الميكروفيلمية بمحاكم الإسماعيلية قد شابه عيوب جسيمة طبقاً لما سلف بيانه مما يصمه بعدم المشروعية، مما يتعين معه عدم العدول عن المبدأ الذى قررته المحكمة الإدارية العليا فى الطعن رقم 2748 لسنة 32 ق. عليا بجلسة 19/1/1991 وإعادة الطعن إلى الدائرة المختصة بالمحكمة الإدارية العليا لتفصل فيه وفقاً لذلك.
حكمت المحكمة
بعدم مشروعية القرار المطعون فيه على النحو المبين بالأسباب وقررت إحالة الطعن إلى الدائرة المختصة بالمحكمة الإدارية العليا لتفصل فيه وفقاً لذلك.