جلسة 30 من ديسمبر سنة 2007
(الدائرة السابعة)
الطعن رقم 8203 لسنة 49 القضائية عليا.
– انقطاع عن العمل- الإجراءات المتبعة- خصم الأجر عن أيام الانقطاع لا يعد إجراء تأديبيا يحول دون اعتبار العامل مستقيلا.
المادة (98) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978- المادة (100) من لائحة شئون العاملين بهيئة النقل العام الصادرة بقرار رئيس مجلس إدارة هيئة النقل العام بالقاهرة رقم 19 لسنة 1988.
أجاز المشرع لجهة الإدارة مواجهة انقطاع العامل عن عمله دون مبرر مشروع بأحد إجراءين: إما اعتبار العامل مستقيلا تأسيسا على قرينة أن ترك العامل للعمل على هذا النحو يعبر عن رغبته في هجر العمل والاستقالة منه، وإما أن تواجه الإدارة انقطاع العامل كمخالفة تأديبية باعتباره إخلالا بواجبات وظيفته وتطبق النظام التأديبي عليه- إذا اختارت الإدارة اتخاذ الإجراءات التأديبية ضد العامل المنقطع امتنع عليها اعتباره مستقيلا، بشرط اتخاذ تلك الإجراءات خلال الشهر التالي لانقطاعه عن العمل- قيام الإدارة بخصم أيام الانقطاع من راتب العامل المنقطع لا يعد إجراء تأديبيا يحول دون اعتباره مستقيلا؛ لأن حرمان العامل من الأجر عن مدة الانقطاع عن العمل لا يعتبر عقوبة تأديبية- تطبيق.
في يوم الخميس الموافق 8/5/2003 أودع السيد المستشار رئيس هيئة مفوضي الدولة قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرا بالطعن في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري (الدائرة التاسعة بهيئة استئنافية) بجلسة 10/3/2003 في الطعن رقم 581 لسنة 31 ق.س الذي قضى بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعا، وإلزام الطاعن المصروفات.
وطلب الطاعن بصفته في ختام تقرير طعنه الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به، والقضاء مجدداً بإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وقد أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني ارتأت فيه- للأسباب المبينة به- الحكم بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وقد نظرت المحكمة الطعن الماثل فحصا وموضوعا على الوجه الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 11/11/2007 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم، وبهذه الجلسة صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص حسبما يبين من الأوراق في أن الطاعن قد أقام الدعوى رقم 264 لسنة 44 ق بتاريخ 18/5/1997 طالبا الحكم بانعدام قرار إنهاء خدمته، وإعادته للعمل بذات الدرجة والمزايا مع ما يترتب على ذلك من آثار، وذلك على سند من أنه التحق بوظيفة محصل بالهيئة المدعى عليها في 29/8/1980 بالدرجة السادسة، وتدرج في وظيفته حتى حصل على الدرجة الثالثة، وبتاريخ 3/8/1996 حصل على إجازة مرضية حتى 10/8/1996 ثم عاد للعمل، وفي نهاية أغسطس امتنعت جهة الإدارة عن صرف راتبه، كما منع من التوقيع في سجل الحضور والانصراف، وفي أوائل مايو 1997 علم شفاهة بفصله من العمل دون أن يبلغ رسميا، فتقدم بتظلم رفضته جهة الإدارة، مما حداه على إقامة دعواه طالبا الحكم له بالطلبات آنفة الذكر.
وبجلسة 2/5/1999 قضت المحكمة الإدارية للنقل والمواصلات بقبول الدعوى شكلا، ورفضها موضوعا، وإلزام المدعي المصروفات.
وشيدت المحكمة قضاءها بعد أن استعرضت حكم المادة (100) من لائحة شئون العاملين بهيئة النقل العام على أن المدعي قد انقطع عن العمل بغير إذن خمسة وثلاثين يوما خلال عام 1996 في الفترة من شهر يناير حتى شهر يوليو، وقد أنذرته الجهة الإدارية في 16/4/1996 على عنوانه الثابت بملف خدمته بغيابه عشرة أيام، ونظر إلى استمرار غيابه بدون إذن حتى اكتملت مدة الانقطاع أكثر من ثلاثين يوما أصدرت الجهة الإدارية القرار المطعون فيه بإنهاء خدمته اعتباراً من 12/7/1996. وانتهت المحكمة المذكورة إلى أن القرار المطعون فيه قد قام على أساس سليم من الواقع والقانون.
وإذ لم يلق هذا الحكم قبولا لدى المدعي فقد طعن عليه أمام محكمة القضاء الإداري (الدائرة التاسعة بهيئة استئنافية) بتاريخ 19/6/1999 ، وقيد الطعن برقم 581 لسنة 31 ق س، وطلب القضاء بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به، والحكم مجدداً بقبول الدعوى شكلا وفي الموضوع بإلغاء القرار رقم 416 لسنة 1996 فيما تضمنه من إنهاء خدمته مع ما يترتب على ذلك من آثار، ومنها عودته للعمل وصرف كافة مستحقاته المالية، وإلزام المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي.
وبجلسة 10/3/2003 حكمت محكمة القضاء الإداري (الدائرة التاسعة بهيئة استئنافية) بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا، وإلزام الطاعن المصروفات، وأسست المحكمة قضاءها على ذات الأسباب التي استندت إليها محكمة أول درجة المشار إليها.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل أن الحكم المطعون فيه قد خالف أحكام القانون وما جرى عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا على سند من أن الجهة الإدارية قد اتخذت حيال الطاعن إجراء تأديبيا تمثل في خصم ثلاثة عشر يوما من راتبه لانقطاعه عن العمل خلال الأيام المذكورة، فإنها بذلك تكون قد قدرت نوع الجزاء الذي يستحقه المذكور، وهي بذلك تكون قد استنفدت ولايتها في هذا الشأن، ومن ثم لا يحق لها اتخاذ الطريق الآخر المنصوص عليه في المادتين 84 و 100 من لائحة شئون العاملين بالهيئة المطعون ضدها وهو اعتباره مستقيلا ومن ثم إنهاء خدمته، إذ إنه يمتنع عليها الجمع بين كليهما.
وخلص الطاعن بصفته إلى طلب الحكم بالطلبات آنفة الذكر.
ومن حيث إنه بمطالعة لائحة شئون العاملين بهيئة النقل العام الصادرة بقرار رئيس مجلس إدارة هيئة النقل العام بالقاهرة رقم 19 لسنة 1988 ليبين أن المادة (100) منها تنص على أن “يعتبر العامل مقدما استقالته في الحالات الآتية:
1ـ إذا انقطع عن عمله بغير إذن أكثر من خمسة عشر يوما متتالية…
2ـ إذا انقطع عن عمله بغير إذن تقبله الهيئة أكثر من ثلاثين يوما غير متصلة في السنة وتعتبر خدمته منتهية في هذه الحالة من اليوم التالي لاكتمال هذه المدة.
وفي الحالتين السابقتين يتعين إنذار العامل كتابة بعد انقطاعه لمدة خمسة أيام في الحالة الأولى وعشرة أيام في الحالة الثانية.
3ـ …
ولا يجوز اعتبار العامل مستقيلا في جميع الأحوال إذا كانت قد اتخذت ضده إجراءات تأديبية خلال الشهر التالي لانقطاعه عن العمل أو لالتحاقه بالخدمة في جهة أجنبية”.
وهذا النص يماثل في حكمه نص المادة (98) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 الذي جرى قضاء هذه المحكمة بصدده على أن هذا النص قد أجاز لجهة الإدارة مواجهة انقطاع العامل عن عمله دون مبرر مشروع بأحد إجراءين: إما اعتبار العامل مستقيلا تأسيساً على قرينة أن ترك العامل للعمل على هذا النحو إنما يعبر عن رغبته في هجر العمل والاستقالة منه، فيجوز لجهة الإدارة في ضوء ذلك أن تعتد بهذه الرغبة وتعتبره مستقيلا، وإما أن تواجه الجهة الإدارية انقطاع العامل كمخالفة تأديبية باعتباره إخلالا بواجبات وظيفته وتسلك طريق تطبيق النظام التأديبي عليه، بما يستتبعه من القضاء بالإدانة أو البراءة بحسب الأحوال، فإن اختارت الإدارة اتخاذ الإجراءات التأديبية ضد العامل امتنع عليها اعتباره مستقيلا بشرط أن تتخذ الإجراءات التأديبية خلال الشهر التالي لانقطاعه عن العمل.
وبهذا يتوقف عمل قرينة الاستقالة على تصرف الإدارة إزاء انقطاع العامل الذي هو قوام القرينة وعمادها، فإن شاءت الإدارة أبطلت أثر القرينة بمؤاخذة العامل تأديبيا عن انقطاعه، أو أنفذت أثرها بعدم مساءلته عن الانقطاع.
ومن حيث إن البين من عبارة “الإجراءات التأديبية” أنها جاءت في صيغة العموم ولم يرد بالنص ما يخصصها، ولم تشترط المادة أن يكون هذا الإجراء التأديبي بالإحالة إلى النيابة الإدارية أو المحكمة التأديبية، وإنما نصت على مجرد اتخاذ الإدارة “إجراءات تأديبية” أيا كانت هذه الإجراءات، ويندرج فيها بلا شك إحالة العامل إلى التحقيق بمعرفة الشئون القانونية للجهة التابع لها أو رئاستها.
ومن حيث إنه لما كان الأمر كذلك، وكان الثابت من الأوراق أن الطاعن قد انقطع عن عمله مدة خمسة وثلاثين يوماً غير متصلة خلال الفترة من 2/1/1996 حتى 14/7/1996 بدون إذن، وقد قامت جهة الإدارة بإنذاره على محل إقامته بتاريخ 16/4/1996 نظرا لغيابه عشرة أيام بدون إذن، وأنه إذا اكتمل غيابه أكثر من ثلاثين يوما في العام سيعتبر مستقيلا من خدمة الهيئة، إلا أن الطاعن المذكور استمر في غيابه حتى اكتملت مدة انقطاعه عن العمل خمسة وثلاثين يوما بتاريخ 14/7/1996، ومن ثم يكون قرار إنهاء خدمة الطاعن المذكور اعتباراً من 12/7/1996 قد قام على سببه المبرر له في الواقع والقانون.
ولا يقدح في ذلك ما أثاره الطعن الماثل من أن الجهة الإدارية قد اتخذت حيال الطاعن إجراء تأديبيا تمثل في خصم ثلاثة عشر يوما من راتبه لانقطاعه عن العمل سبعة أيام في شهر يونية وخمسة أيام في شهر يوليو، وأنها بذلك تكون قد استنفدت ولايتها في هذا الشأن، فهذا القول مردود بأن حرمان العامل من الأجر عن مدة الانقطاع عن العمل لا يعتبر عقوبة تأديبية، إذ إنه من المقرر أن الأجر مقابل العمل، وهو ما أكده نص المادة (74) من قانون العاملين المدنيين بالدولة رقم 47 لسنة 1978 الذي ينص على أنه “… إذا انقطع العامل عن عمله يحرم من أجره عن مدة غيابه وذلك مع عدم الإخلال بالمسئولية التأديبية”، ومن ثم فإنه يجوز الجمع بين الحرمان من الأجر والمساءلة التأديبية ، ذلك أن الحرمان من الأجر سببه عدم أداء العمل، والمساءلة التأديبية سببها الإخلال بسير المرفق.
ومن حيث إنه لما كان ما تقدم، وكانت أوراق الطعن قد خلت من دليل يفيد قيام جهة الإدارة باتخاذ إجراءات تأديبية حيال انقطاع الطاعن عن العمل بدون إذن المدد المشار إليها، وقد أعملت جهة الإدارة في شأنه قرينة الاستقالة الضمنية إعمالاً لحكم المادة (100) من لائحة شئون العاملين بالهيئة المطعون ضدها، ومن ثم يكون القرار المطعون فيه قد جاء متفقا مع صحيح حكم القانون. وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى رفض الطعن، فإنه يكون قد أصاب وجه الحق، ويكون الطعن الماثل غير قائم على سند من القانون خليقاً بالرفض.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعا.