جلسة 2 من يوليو سنة 2008
(الدائرة السادسة)
الطعن رقم 8786 لسنة 47 القضائية عليا.
– الأراضي المتاخمة للآثار- إزالة التعدي عليها– أثر تعديل حرم الأراضي المتاخمة للآثار في الأعمال التي سبقت إقامتها داخله.
المواد (1) و (2) و (17) و (20) من قانون حماية الآثار، الصادر بالقانون رقم (117) لسنة 1983.
كفل المشرع حماية الآثار التي صدر قرار عن رئيس مجلس الوزراء باعتبارها كذلك، وهي العقارات والمنقولات ذات الأهمية التاريخية والأثرية، التي أنتجتها الحضارات المختلفة في العصور التاريخية المتعاقبة إلى ما قبل مئة عام– يحق للجهة الإدارية المختصة إزالة أي تعدٍ يقع على هذه الآثار بالطريق الإداري– لا يجوز منح رخص بناء في المواقع أو الأراضي الأثرية، وتحظر إقامة أية منشآت أو مدافن فيها أو في المنافع العامة للآثار– يمتد هذا الحكم ليشمل الأراضي المتاخمة للآثار، الواقعة خارج نطاق تلك المناطق الأثرية حتى مسافة ثلاثة كيلومترات في المناطق المأهولة، أو للمسافة التي يحددها المجلس الأعلى للآثار بما يحقق حماية بيئة الأثر في غيرها من المناطق– إذا وقع تعدٍ على أرض متاخمة للآثار في منطقة غير مأهولة بالمخالفة للمساحة التي حددها المجلس الأعلى للآثار كحرم لها، ثم صدر قرار لاحق بإنقاص هذه المساحة بما لا يجعل هذه الأعمال متعدية، فلا محل لصدور قرار بإزالتها– تطبيق.
في يوم السبت الموافق 16/6/2001 أودع وكيل الطاعن قلم كتاب المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها تحت الرقم المشار إليه، في حكم محكمة القضاء الإداري –الدائرة الثالثة– الصادر بجلسة 17/4/2001 في الدعوى رقم 5240 لسنة 54ق، الذي قضى برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام المدعي المصروفات.
وطلب الطاعن – للأسباب الواردة بتقرير الطعن – الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجدداً بوقف تنفيذ القرار رقم 259 الصادر في 12/2/2000 عن الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار مع إلزام المطعون ضدهم المصروفات.
وجرى إعلان تقرير الطعن على النحو الثابت بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني، ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن المصروفات.
وعينت لنظر الطعن أمام الدائرة السادسة فحص طعون جلسة 6/2/2006، وبجلسة 16/11/2007 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة السادسة) موضوع لنظره بجلسة 5/12/2007، وبجلسة 16/4/2008 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة قانونا.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص – حسبما يبين من الأوراق- في أنه بتاريخ 6/3/2000 أقام الطاعن الدعوى رقم 5240 لسنة 54ق أمام محكمة القضاء الإداري، طلب فيها الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار الإزالة رقم 259 لسنة 2000 الصادر عن المجلس الأعلى للآثار بإزالة التعدي الواقع على حرم الأثر (ربع قايتباي) رقم 104، والمتمثل في بناء عقار من طابقين فوق الأرضي داخل حرم الأثر.
وبجلسة 17/4/2001 قضت المحكمة برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وشيدت قضاءها على أن البناء الذي أقامه المدعي تم داخل حرم الأثر رقم 104 حيث يبعد عنه بمسافة 22 مترا، في حين أن حرم الأثر 30 متراً لا يجوز البناء داخلها، فمن ثم يكون القرار صحيحا، الأمر الذي يتخلف معه ركن الجدية اللازم لوقف تنفيذ القرار المطعون فيه. ولا ينال من ذلك حصول المدعي على ترخيص بالبناء رقم 2 لسنة 1995 من السلطة المختصة بشئون التنظيم بالحي؛ ذلك أن هذا الترخيص لا يغني عن الحصول على موافقة هيئة الآثار المهيمنة على حماية الآثار والتأكد من أن البناء خارج حرم الأثر. كما لا ينال من ذلك ما دفع به من أن اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية قررت بجلسة 23/2/2000 بعد صدور القرار المطعون فيه بتاريخ 12/2/2000 اعتبار الحرم ثلاثة أمتار فقط؛ لأن ذلك يعد من قبيل الاقتراحات والإجراءات الخاصة بتعديل حرم الأثر باعتبار أنه لم يصدر قرار بذلك عن السلطة المختصة المشار إليها طبقاً لأحكام قانون حماية الآثار الصادر بالقانون رقم 117 لسنة 1983.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله لأسباب حاصلها أن الحكم جاء مجهلا، حيث لم يثبت صدور قرار باعتبار الأرض المتاخمة الكائن بها العقار داخل خطوط التجميل للأثر، إنما اقتصر على بيان أن البناء تم على بعد 22 متراً من الأثر وبالتالي يقع داخل حرم الأثر، والمقصود بسلطة هيئة الآثار في منح رخص البناء إنما ينصرف إلى المواقع أو الأراضي الأثرية، أما الأرض التي تم عليها البناء فهي ليست أثرية وإنما تبعد عن جبانة قايتباي الأثرية بمسافة 22 مترا، وبالتالي فلا وجه لحصوله على ترخيص بالبناء من المجلس الأعلى للآثار. وقد أغفل الحكم قرار اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية الصادر عقب قرار الإزالة بتاريخ 23/2/2000 الذي قصر حرم الأثر على ثلاثة أمتار فيكفي أن يبتعد البناء عن الأثر بمسافة ثلاثة أمتار، في حين أن المبنى الذي أقامه الطاعن يبعد بمسافة 22 متراً عن حدود الأثر (جبانة قايتباي) وأن ما يصدر به قرار وزاري هو تحديد الآثار أما تحديد حرم الأثر فلا يعرض على الوزير المختص.
ومن حيث إن المادة (1) من قانون حماية الآثار الصادر بالقانون رقم 117 لسنة 1983تنص على أن “يعتبر أثراً كل عقار أو منقول أنتجته الحضارات المختلفة أو أحدثته الفنون والعلوم والآداب والأديان من عصر ما قبل التاريخ وخلال العصور التاريخية المتعاقبة حتى ما قبل مئة عام متى كانت له قيمة وأهمية أثرية أو تاريخية… “.
وتنص المادة (2) منه على أنه “يجوز بقرار من رئيس مجلس الوزراء وبناء على عرض الوزير المختص بشئون الثقافة أن يعتبر أي عقار أو منقول ذي قيمة تاريخية أو علمية أو دينية أو أدبية أو فنية أثرا متى كانت للدولة مصلحة قومية في حفظه وصيانته، وذلك دون التقيد بالحد الزمني الوارد بالمادة السابقة، ويتم تسجيله وفقاً لأحكام هذا القانون”.
وتنص المادة (20) منه على أنه “لا يجوز منح رخص بناء في المواقع أو الأراضي الأثرية، ويحظر على الغير إقامة منشآت أو مدافن أو شق قنوات … فيها أو في المنافع العامة للآثار أو الأراضي الداخلة ضمن خطوط التجميل المعتمدة … ويسري حكم الفقرة السابقة على الأراضي المتاخمة التي تقع خارج نطاق المواقع المشار إليها في الفقرة السابقة والتي تمتد حتى مسافة ثلاثة كيلو مترات في المناطق المأهولة، أو للمسافة التي تحددها الهيئة بما يحقق حماية بيئة الأثر في غيرها من المناطق…”.
وتنص المادة (17) منه على أن “مع عدم الإخلال بالعقوبات المنصوص عليها في هذا القانون أو غيره من القوانين يجوز لرئيس مجلس إدارة الهيئة بناء على قرار من اللجنة الدائمة للآثار، ودون حاجة إلى الالتجاء إلى القضاء، أن يقرر إزالة أي تعد على موقع أثري أو عقار أثري بالطريق الإداري…”.
ومفاد ما تقدم أن المشرع كفل حماية الآثار التي صدر قرار عن رئيس مجلس الوزراء باعتبارها كذلك، وهي العقارات والمنقولات ذات الأهمية التاريخية والأثرية التي أنتجتها الحضارات المختلفة في العصور التاريخية المتعاقبة إلى ما قبل مئة عام، وقرر حق الجهة الإدارية المختصة في إزالة أي تعد يقع على هذه الآثار، وشمل هذا الحكم الأرض المتاخمة للآثار التي تقع خارج نطاق تلك المواقع الأثرية في حدود ثلاثة كيلو مترات في المناطق المأهولة أو للمسافة التي تحددها الهيئة بما يحقق حماية للأثر في غيرها من المناطق.
ويبين من جريدة الوقائع المصرية العدد 115 في 17/12/1951 أنه صدر قرار وزير المعارف العمومية باعتبار ربع قايتباي من الآثار المسجلة بمدينة القاهرة، وتضمنت التوصية الخاصة بتحديد الحرم لكل أثر ِإسلامي بالقاهرة في البند (189) ربع السلطان قايتباي– قرافة قايتباي أثر رقم 104 يرجع إلى سنة 879 هـ / سنة 1474 م – الحرم المقترح يؤخذ مقدار 30 متراً حرماً لجميع الجهات.
وإذ صدر القرار الجمهوري رقم 82 لسنة 1994 بإنشاء المجلس الأعلى للآثار وتضمنت المادة الرابعة عشرة منه أن للمجلس الحق في اتخاذ إجراءات التنفيذ المباشر تحقيقاً لأغراضه في حماية الآثار، فقد ثبت من واقع محضر المعاينة المؤرخ 8/4/1996 وجود تعدٍ على أرض الآثار (ربع قايتباي) الكائن 11 شارع فرج فضة بقيام الطاعن ببناء عقار من طابقين فوق الأرضي داخل حرم الأثر ويبعد عنه بمسافة 22 متراً تقريبا، في حين كان متعيناً أن يبعد عنه بمسافة ثلاثين متراً، ومن ثم أصدر الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار القرار رقم 2334 لسنة 96 بإزالة التعدي الواقع من الطاعن الذي طعن عليه بالدعوى رقم 2188 لسنة 51 أمام محكمة القضاء الإداري التي قضت بجلسة 1/12/1998 بوقف تنفيذه لصدوره عن سلطة غير مختصة، فتم تصويبه بالقرار رقم 259 لسنة 2000 المطعون فيه من الأمين العام للمجلس الأعلى بعد تفويضه من وزير الثقافة في الاختصاصات المنوطة برئيس المجلس الأعلى للآثار المنصوص عليها بقانون حماية الآثار وذلك بالقرار رقم 186 لسنة 1997.
ومن حيث إن محضر المعاينة المؤرخ 25/6/2000 لموقع التعدي المحرر بمعرفة لجنة مشكلة من مديرة منطقة آثار شرق القاهرة ومفتشة بالمنطقة وفني مساحة بأملاك القطاع قد انتهت فيه –لدى معاينتها للعقار الذي أقامه الطاعن – إلى أن هذا العقار يقع خارج نطاق حرم الأثر المشار إليه، وذلك بعد تعديل اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية لحدود الحرم وجعله ثلاثة أمتار فقط بتاريخ 23/2/2000، وقد تم اعتماد هذا المحضر من مدير عام المنطقة، وقد قرر مدير عام اللجنة الدائمة بكتابه المرسل إلى رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية أن اللجنة وافقت بتاريخ 23/2/2000 على الحرم المقترح لآثار منطقة شرق القاهرة طبقاً للمحاضر المرفقة وعددها ثلاثة وستون والخرائط الموقع عليها الحرم وطلب تنفيذ قرار اللجنة، ومن ثم يضحى الطاعن غير متعد على حرم الأثر المشار إليه. ولا سند في أن تحديد حرم الأثر إنما يتم بقرار وزاري ينشر في جريدة الوقائع المصرية؛ ذلك أن تحديد حرم الأثر المشار إليه بثلاثين متراً لم يتم وفقاً لقرار وزاري معين ولم ترفق الجهة الإدارية أي قرارات وزارية في هذا الشأن، ولم يتضمن قانون حماية الآثار سالف الذكر الإلزام بصدور قرار وزاري وإنما أجاز في المادة (20) منه للمجلس الأعلى للآثار الذي حل محل هيئة الآثار سلطة تحديد الأرض المتاخمة للآثار والمسافة التي يتحقق بها حماية الأثر، وإعمالاً لذلك حددت اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية مسافة ثلاثين متراً لإقامة المباني بعيداً عن الأثر المشار إليه، وإذ مارست الجهة المختصة هذا الاختصاص وعدلت نطاق هذا الحرم وقصرته على ثلاثة أمتار بجلستها المنعقدة بتاريخ 23/2/2000 فإنه يتعين التقيد بما انتهت إليه تلك اللجنة، إذ وضعت قاعدة عامة مجردة لكافة آثار منطقة شرق القاهرة، ومن بينها أثر (ربع قايتباي)، وبذلك يضحى القرار المطعون فيه مخالفاً لأحكام القانون بما يتوافر معه ركنا الجدية والاستعجال في طلب وقف تنفيذه متعيناً الحكم بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه.
وإذ انتهج الحكم المطعون فيه نهجاً مغايراً فإنه يضحى مخالفاً لأحكام القانون متعيناً الحكم بإلغائه، وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات عملاً بحكم المادة 184 مرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وألزمت الجهة الإدارية المصروفات0