جلسة 28 من ديسمبر سنة 2011
الطعن رقم 8859 لسنة 55 القضائية (عليا)
(الدائرة السادسة)
– تحويل الأماكن المخصصة لإيواء السيارات إلى محلات تجارية– الأصل أنه لا يجوز الترخيص للأفراد في أي نشاطٍ في الأماكن المخصصة لإيواء السيارات يخالف النشاط المخصصة له- في بعض الحالات لا يوجد في العقار مكان يصلح لإيواء السيارات، كأن يكون العقار بحسب تصميمه ليس به منزل لدخول السيارات وآخر لخروجها، أو أن المسافات بين الأعمدة لا تسمح بمرور حركة السيارات، فحينئذ يكون القرار السلبي بالامتناع عن الترخيص في نشاط آخر في تلك الأماكن قرارا مخالفا للقانون.
– المواد أرقام (1) و (2) و (3) من القانون رقم (453) لسنة 1954 بشأن المحال الصناعية والتجارية وغيرها من المحال المقلقة للراحة والمضرة بالصحة والخطرة، معدلا بموجب القانون رقم (359) لسنة 1956.
– المادة رقم (16) من القانون رقم 106 لسنة 1976 بشأن توجيه وتنظيم أعمال البناء، معدلا بموجب القانون رقم 30 لسنة 1983، وقبل تعديله بالقانون رقم 101 لسنة 1996. (الملغى لاحقا –عدا المادة 13 مكررا منه- بموجب القانون رقم 119 لسنة 2008 بإصدار قانون البناء).
– ترخيص البناء- القواعد القانونية واجبة التطبيق على الترخيص- العبرة في الاشتراطات المتعلقة بالترخيص بالقواعد النافذة وقت صدوره- تطبيق: صدور ترخيص البناء في ظل وضع تشريعي لا يحظر التجاوز عن المخالفات المتعلقة بتوفير أماكن لإيواء السيارات، وعدم وجود مكان في العقار يصلح لإيواء السيارات، يجعل امتناع جهة الإدارة عن السماح للمرخص له بترخيص محل بذلك العقار يشكل قرارا سلبيا مخالفا للقانون.
في يوم الثلاثاء الموافق 10/2/2009 أودع وكيل الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرا بالطعن في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (الدائرة الثالثة) بجلسة 27/1/2009 في الدعوى رقم 18951 لسنة 62 ق، فيما قضى به من قبول الدعوى شكلا وفي الطلب العاجل برفض وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وإلزام المدعي مصروفات هذا الطلب، وبإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لتحضيرها وإعداد تقرير بالرأي القانوني فى موضوعها.
وطلب الطاعن في تقرير الطعن -ولما أورده من أسباب- الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام المطعون ضده المصروفات.
وتم إعلان تقرير الطعن إلى المطعون ضده على النحو المبين بالأوراق، وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني فى الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا (أصليا) بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة وإلزام الطاعن المصروفات. و(احتياطيا) بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري، وإلزام الطاعن المصروفات.
وتدوول نظر الطعن أمام الدائرة السادسة عليا فحص طعون بالمحكمة الإدارية العليا بجلسات المرافعة على النحو الثابت بمحاضر جلساتها، حيث قررت إحالة الطعن إلى الدائرة السادسة عليا موضوع بالمحكمة الإدارية العليا، وتدوول بجلساتها على النحو الثابت بمحاضرها، وبجلسة 26/10/2011 قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
وحيث إن الطعن قد استوفى جميع أوضاعه الشكلية، فمن ثم يكون مقبولا شكلا.
وحيث إنه عن موضوع الطعن فإن عناصر هذه المنازعة تخلص -حسبما يبين من الأوراق- في أن الطاعن كان قد أقام الدعوى رقم 18951 لسنة 62ق ضد الجهة الإدارية المطعون ضدها أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (الدائرة الثالثة)، طلب فيها الحكم بقبولها شكلا، وبوقف تنفيذ وإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن ترخيص المحل موضوع الدعوى، مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية المدعى عليها المصروفات، وذلك على سند من أنه تقدم بطلب إلى الجهة الإدارية لترخيص المحل المذكور الذي يقع بالبدروم المخصص لمبيت السيارات، ونعى المدعي على القرار المطعون فيه مخالفة القانون؛ حيث إن المحل المذكور أقيم قبل التعديل التشريعي الذي يلزم ملاك العقارات توفير أماكن لإيواء السيارات، وهو ما حداه على إقامة هذه الدعوى للحكم له بطلباته المبينة سالفا.
…………………………..
وبجلسة 27/1/2009 أصدرت محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (الدائرة الثالثة) حكمها المطعون فيه.
وشيدت المحكمة قضاءها -بعد أن استعرضت نصي المادتين (2) و(16) من القانون رقم 453 لسنة 1954 بشأن المحال الصناعية والتجارية، والمادة (16) من القانون رقم 106 لسنة 1976 بشأن توجيه وتنظيم أعمال البناء- على أن البادي من ظاهر الأوراق أن المحل المطلوب الترخيص فيه يقع ببدروم العقار رقم (88) شارع الميرغني- مصر الجديدة- القاهرة على وفق ترخيص المباني رقم 54. 211/1983، المحرر عنه محضر المخالفة رقم 128/1986، ومن ثم يكون القرار المطعون فيه -تأسيسا على أن المحل يقع مكان الجراج– قائما على سببه المبرر له، ويتفق مع ما استقر عليه قضاء المحكمة من عدم تحويل الجراجات المخصصة لإيواء السيارات إلى محلات تجارية، وبناء عليه ينتفي ركن الجدية فى طلب وقف التنفيذ، مما يتعين معه القضاء برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه.
…………………………..
ونظرا إلى أن هذا القضاء لم يلق قبولا من جانب الطاعن فقد بادر إلى إقامة الطعن الماثل ناعيا على الحكم المطعون فيه مخالفته القانون والخطأ فى تطبيقه وتأويله، حيث إن المكان المطلوب ترخيصه مستوفٍ لجميع الشروط العامة والخاصة الواردة بالقانون رقم 453 لسنة 1954 بشأن المحال الصناعية والتجارية، فضلا عن أن المبنى الذي يقع به المحل مقام قبل الحظر الوارد بالقانون رقم 106 لسنة 1976، بالإضافة إلى أن الإدارة ذكرت أن هناك محضر مخالفة للعقار، ولم تبين ما انتهى إليه هذا المحضر، وأخيرا فهناك استحالة مادية من استخدام البدروم كجراج للسيارات لوجود الأعمدة الحاملة على مسافات قريبة لا تسمح بدخول السيارات أو خروجها، وعدم وجود مخارج للسيارات.
…………………………..
وحيث إنه من المستقر عليه أنه يتطلب لوقف تنفيذ القرار الإداري على وفق حكم المادة (49) من قانون مجلس الدولة توفر ركنين مجتمعين، هما ركن الجدية بأن يكون القرار المطعون فيه -بحسب الظاهر من الأوراق- مرجح الإلغاء، وركن الاستعجال بأن يترتب على تنفيذه نتائج يتعذر تداركها فيما لو تراخى القضاء بإلغائه.
وحيث إنه عن ركن الجدية، فإن المادة (1) من القانون رقم 453 لسنة 1954 بشأن المحال الصناعية والتجارية وغيرها من المحال المقلقة للراحة والمضرة بالصحة والخطرة تنص على أن: “تسري أحكام هذا القانون على المحال المنصوص عليها فى الجدول الملحق بهذا القانون سواء كانت منشأة من البناء أو الخشب أو الألواح المعدنية أو أية مادة بناء أخرى…”.
وتنص المادة (2) من ذات القانون على أنه: “لا يجوز إقامة أي محل تسري عليه أحكام هذا القانون أو إداراته إلا بترخيص بذلك…”.
وتنص المادة (3) من القانون على أن: “يقدم طلب الحصول على الرخصة إلى الإدارة العامة بمصلحة الرخص أو فروعها بالمحافظات والمديريات طبقا للأنموذج الذي يصدر به قرار من وزير الشئون البلدية والقروية، مرفقا به الرسومات والمستندات المنصوص عليها فى القرارات المنفذة لهذا القانون، وتبدي تلك الجهة رأيها فى مرفقات الطلب فى ميعاد لا يجاوز شهرا من تاريخ تقديمه أو وصوله.
وفي حالة قبوله يعلن الطالب بذلك كتابة مع تكليفه بدفع رسوم المعاينة التي يصدر بتحديدها قرار من وزير الشئون البلدية والقروية”.
وتنص المادة (16) من القانون رقم 106 لسنة 1976 بتنظيم أعمال البناء، المعدل بالقانون رقم 30 لسنة 1983، قبل تعديله بالقانون رقم 101 لسنة 1996 على أن: “يصدر المحافظ المختص أو من ينيبه بعد أخذ رأي لجنة تشكل بقرار منه من ثلاثة من المهندسين المعماريين والمدنيين من غير العاملين بالجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم ممن لهم خبرة لا تقل عن عشر سنوات قرارا مسببا بإزالة أو تصحيح الأعمال التي تم وقفها وذلك خلال خمسة عشر يوما على الأكثر من تاريخ إعلان قرار وقف الأعمال المنصوص عليه بالمادة السابقة.
ومع عدم الإخلال بالمحاكمة الجنائية يجوز للمحافظ بعد أخذ رأي اللجنة المنصوص عليها فى الفقرة السابقة التجاوز عن الإزالة في بعض المخالفات التي لا تؤثر على مقتضيات الصحة العامة أو أمن السكان أو المارة أو الجيران وذلك فى الحدود التي تبينها اللائحة التنفيذية.
وفي جميع الأحوال لا يجوز التجاوز عن المخالفات المتعلقة بعدم الالتزام بقيود الارتفاع المقررة طبقا لهذا القانون أو قانون الطيران المدني الصادر بالقانون رقم 28 لسنة 1981 أو بخطوط التنظيم أو بتوفير أماكن تخصص لإيواء السيارات.
وللمحافظ المختص أن يصدر قراره فى هذه الأحوال دون الرجوع إلى اللجنة المشار إليها فى الفقرة الأولى”.
وتنص المادة السابعة من القانون رقم 30 لسنة 1983 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 106 لسنة 1976 على أن: “ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية، ويعمل به من اليوم التالى لتاريخ نشره ويبصم هذا القانون بخاتم الدولة، وينفذ كقانون من قوانينها”.
وقد نشر القانون المشار إليه بالجريدة الرسمية بتاريخ 7/7/1983.
وحيث إن مفاد ما تقدم من نصوص أن المشرع حظر -فى المادة (16) المذكورة سالفا- التجاوز عن المخالفات المتعلقة بتوفير أماكن لإيواء السيارات، ومن ثم فإن هذا الحظر تلتزم وتتقيد به جهة الإدارة والأفراد على السواء، احتراما لقواعد المشروعية التي تطبق على الجميع طبقا لمبدأ سيادة القانون، فلا يسوغ لجهة الإدارة أو للأفراد التحلل من هذا الحكم أو الخروج على مقتضاه، ومن ثم فإن مقتضى هذا الحكم ولازمه أنه لا يجوز للإدارة الترخيص للأفراد في الأماكن المخصصة لإيواء السيارات بأي نشاط يخالف النشاط المخصص له ليكون مقرا لإيواء السيارات طبقا لترخيص البناء، فإذا وقعت هذه المخالفة وتم مباشرة نشاط آخر في هذا المكان الذي لم يتم تخصيصه لهذا الغرض، فإن المخالفة تستمر قائمة مادام لم يخصص المكان للغرض الذي حدده القانون ولائحته التنفيذية، وذلك بصرف النظر عن تغيير المالك أو المستأجر المنتفع بهذا المكان؛ لأن التخصص لإيواء السيارات يرد على العين ذاتها بصرف النظر عن شخص مالكها أو مستأجرها أو المنتفع بها، وإلا عد ذلك إقرارا بالنشاط المخالف وتكريسا له، وهو الأمر المناقض لأحكام القانون.
(حكم المحكمة الإدارية العليا فى الطعن رقم 11188 لسنة 46ق.ع بجلسة 10/5/2003)
وحيث إن الأصل أنه ولئن كان لا يجوز التجاوز عن المخالفات المبينة سالفا، إلا أن هذه السلطة المخولة للمحافظ مرتبطة بأن يكون العقار على وفق الترخيص الصادر له به مكان لإيواء السيارات، حيث إنه في بعض الحالات لا يوجد فى العقار مكان يصلح لإيواء السيارات، كأن يكون العقار بحسب تصميمه لا يسمح باستخدام البدروم كمكان لإيواء السيارات لكثرة الأعمدة به، وكذلك الحالات التي لا يسمح فيها اتساع الشارع بذلك على النحو الذي حددته القرارات التنفيذية للقانون المذكور.
(حكم المحكمة الإدارية العليا فى الطعن رقم 4298 لسنة 44ق.ع بجلسة 25/3/2001) ([1])
وحيث إنه بالتطبيق لما تقدم، وكان البادي من ظاهر الأوراق أن المحل المطلوب ترخيصه يقع ببدروم العقار رقم (88) شارع الميرغني- مصر الجديدة- القاهرة، وهذا العقار صادر له ترخيص المباني رقم 54 لسنة 1983 ببدروم وأرضي وأول وأعمدة الثاني، ثم الترخيص رقم 211 لسنة 1983 بتعديل الترخيص السابق ليكون بدروم وأرضي وخمسة أدوار متكررة طبقا للرسومات المعدلة من الشركة بعد عمل اللازم بالطبيعة.
وحيث إن ترخيص البناء رقم 54 لسنة 1983 صادر بتاريخ 13/3/1983، أي قبل العمل بأحكام القانون رقم 30 لسنة 1983 في 8/7/1983 الذي نص لأول مرة على حظر التجاوز عن المخالفات المتعلقة بتوفير أماكن لإيواء السيارات، حيث لم تتضمن نصوص القانون رقم 106 لسنة 1976 المشار إليه هذا الحظر فى بداية صدوره، فضلا عن أنه بالاطلاع على تقرير المهندس الاستشاري المودع أمام محكمة أول درجة، يبين أن العقار محل النزاع ليس به منزل لدخول السيارات ومنزل لخروجها، وأن المسافات بين الأعمدة -نظرا لكبر قطاعات هذه الأعمدة- لا تترك مساحات لمرور وحركة السيارات بأمان خاصة عند نشوب حريق، كما لا يمكن إجراء أي تعديل بالعقار بقصد عمل مَنْزَل للدخول والخروج من الجراج وإليه، ومن ثم يكون القرار السلبي المطعون فيه بالامتناع عن ترخيص محل للطاعن بالعقار المذكور، قد جاء مخالفا صحيح حكم القانون مرجح الإلغاء، مما يتوفر معه ركن الجدية، كما يتوفر ركن الاستعجال حيث يترتب على الامتناع عن الترخيص للطاعن نتائج يتعذر تداركها تتمثل فى حرمانه من تشغيل المحل وحرمانه هو وأسرته من مصدر رزق شريف، مما يستوجب القضاء بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد قضى بخلاف ذلك، فمن ثم يكون قد صدر مخالفا صحيح حكم القانون خليقا بالإلغاء.
وحيث إنه من خسر الطعن يلزم مصروفاته عملا بنص المادة (184) من قانون المرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وما يترتب على ذلك من آثار، أخصها إلزام الجهة الإدارية السير فى إجراءات ترخيص المحل الخاص بالطاعن، والكائن ببدروم العقار رقم (88) شارع الميرغني- مصر الجديدة- القاهرة، وألزمتها المصروفات.
(1) منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة في السنة 46 مكتب فني، الجزء الثاني، المبدأ رقم 140 ص1175.