جلسة 21 من يونيه سنة 2009
(الدائرة السابعة)
الطعن رقم 8872 لسنة 49 القضائية عليا.
شئون الضباط– أحكام الترقية إلى رتبة لواء– السلطة التقديرية لجهة الإدارة في ذلك، وحدود رقابة القضاءعليها.
توفيقا من المشرع بين حق ضابط الشرطة في العمل، وهو حق دستوري تكفله القوانين، وحق الجهات الإدارية في اختيار موظفيها ووضعهم في المكان المناسب بما يتفق وحسن سير مرفق الشرطة الموكول له حفظ الأمن والنظام؛ فقد عقد لوزارة الداخلية سلطة تقديرية أرحب في اختيار كبار موظفيها ممن ترى فيهم الصلاحية البدنية والذهنية، وذلك تحت رقابة القضاء على نحو تتحقق معه المصلحة العامة، مادام قرارها قد خلا من إساءة استعمال السلطة- لا خلاف على أن هذه الموازنة تسقط عنها نهائيا بانتهاء خدمة الضابط الذي كفل له المشرع الوصول إلى أعلى المراتب في قانون هيئة الشرطة حال قضاء مدة عامين في رتبة اللواء- ببلوغ هذا الأجل فإن ما يتم بشأن حالة الضابط تتمتع فيه جهة الإدارة بسلطة تقديرية واسعة تقف سلطة المحكمة إزاءها عند التحقق من توافر عيب الانحراف أو تخلفه في القرار فقط، دون أن تمتد رقابتها إلى سائر عناصر البت في القرار التي تستقل جهة الإدارة بتقديرها – متى اختلفت مواقع العمل وتباينت الامتيازات انتفى محل الاستشهاد– تطبيق.
بتاريخ 21/5/2003 أودعت هيئة قضايا الدولة نائبة عن الطاعن قلم كتاب هذه المحكمة تقرير الطعن الماثل طعناً في حكم محكمة القضاء الإداري الدائرة الثامنة ترقيات بجلسة 23/3/2003 في الدعوى رقم 15665 لسنة 54 ق الذي قضى بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار رقم 812 لسنة 2000 فيما تضمنه من إحالة المدعي إلى المعاش برتبة لواء اعتبارا من 1/8/2000 وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وطلب الطاعن للأسباب الواردة في تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وبوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه بصفة مستعجلة، وفي الموضوع بإلغائه والقضاء مجدداً برفض الدعوى وإلزام المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي.
وقد أعلن تقرير الطعن على النحو المبين بالأوراق. وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبوله شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن المصروفات.
وتدوول نظر الطعن بجلسات المرافعة أمام هذه المحكمة على النحو الثابت بمحاضرها بعد أن أحيل إليها من دائرة فحص الطعون، وبجلسة 29/3/2009 قررت إصدار الحكم بجلسة 14/6/2009 ومد أجل النطق به لجلسة اليوم، حيث صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد إتمام المداولة.
وحيث إن عناصر الطعن تخلص حسبما يبين من الأوراق في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 15665 لسنة 54 ق بإيداع عريضتها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري طالباً الحكم بإلغاء القرار رقم 812 لسنة 2000 فيما تضمنه من إحالته إلى المعاش برتبة لواء وأحقيته في عودته للخدمة وما يترتب على ذلك من آثار.
وذكر شرحاً لدعواه أنه كان يقوم بعمله كضابط شرطة على أكمل وجه، وصدر قرار وزير الداخلية رقم 812 لسنة 2000 بترقيته إلى رتبة لواء مع إحالته للمعاش اعتباراً من 1/8/2000، ونعى على هذا القرار صدوره مشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة والانحراف بها ومخالفة القانون؛ لاستمرار من هم أقل منه كفاءة في الخدمة، حيث تولى العديد من الوظائف القيادية وحصل على علاوات تشجيعية وعديد من الفرق التدريبية، ولم توقع عليه جزاءات أو تتم إحالته للمحاكمة التأديبية. وانتهى لذلك إلى طلباته سالفة الذكر.
وبجلسة 23/3/2003 قضت محكمة القضاء الإداري بحكمها المتقدم، وشيدت قضاءها على أن المدعي حصل على العديد من الدورات التدريبية وجميع تقارير كفايته بمرتبة ممتاز فيما عدا تقريرين بمرتبة جيد، ولم توقع عليه جزاءات طوال مدة خدمته، في حين أن المستشهد به الأول اللواء/ … وقعت عليه ثلاثة جزاءات، وأن المستشهد به الثاني وقع عليه (12) جزاءً وتقاريره الدورية أقل مرتبة من تقارير المدعي، ومن ثم لا يجوز القول إن الإدارة قد ساوت بين المتماثلين، وهو ما يعيب قرارها بعيب إساءة استعمال السلطة، مما يتعين معه إلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من إحالة المدعي للمعاش اعتباراً من 1/8/2000 وما يترتب على ذلك من آثار.
ولم يلق هذا القضاء قبولاً لدى الطاعن فأقام الطعن الماثل ناعياً على هذا الحكم مخالفة القانون؛ لأن التجديد عند الترقية لرتبة لواء مما يدخل في السلطة التقديرية لجهة الإدارة توصلاً للعناصر القادرة على التعاون مع وزير الداخلية في تنفيذ السياسة العامة للدولة والقدرة على تولي شئون القيادة العليا بالوزارة.
وحيث إن الطعن قد رفع في الميعاد مستوفياً سائر أوضاعه الشكلية ومن ثم فهو مقبول شكلاً.
وحيث إنه عن موضوع الطعن فإن المادة (17) من قانون هيئة الشرطة الصادر بالقانون رقم 109 لسنة 1971 المعدل بالقانون رقم 20 لسنة 1998 تنص على أنه: “مع مراعاة حكم المادة 15 من هذا القانون تكون الترقية إلى كل رتبة من الرتب السابقة عليها مباشرة بالأقدمية المطلقة حتى رتبة عقيد”.
وتنص المادة (19) من ذات القانون على أن: “تكون الخدمة في رتبة عقيد لمدة سنتين، يكون مدها لمدة مماثلة مرة واحدة أو أكثر حتى حلول الدور في الترقية إلى رتبة عميد.
وتكون الترقية إلى رتبة عميد بالاختيار، ومن لا يشمله الاختيار يحال إلى المعاش مع ترقيته إلى رتبة عميد، إلا إذا رأى المجلس الأعلى للشرطة لأسباب هامة يقدرها عدم ترقيته وإحالته للمعاش.
وتكون الخدمة في رتبة عميد لمدة سنة، يجوز مدها لمدة مماثلة مرة واحدة أو أكثر حتى حلول الدور في الترقية إلى رتبة لواء.
وتكون الترقية إلى رتبة لواء بالاختيار، ومن لا يشمله الاختيار يحال إلى المعاش مع ترقيته إلى رتبة لواء، إلا إذا رأى المجلس الأعلى للشرطة لأسباب هامة يقدرها عدم ترقيته وإحالته إلى المعاش، وتكون الخدمة في رتبة لواء لمدة سنة يجوز مدها لمدة مماثلة مرة واحدة أو أكثر تنتهي خدمته بانتهائها، ولو رقي خلالها إلى درجة مالية أعلى، وتكون الترقية إلى الرتب الأعلى بالاختيار”.
كما تنص المادة (71) على أن: “تنتهي خدمة الضابط لأحد الأسباب التالية:
ومفاد ما تقدم أن المشرع توفيقا منه بين حق ضابط الشرطة في العمل، وهو حق دستوري تكفله القوانين، وحق الجهات الإدارية في اختيار موظفيها ووضعهم في المكان المناسب بما يتفق وحسن سير مرفق الشرطة، الموكول له من المهام جسامها لحفظ الأمن والنظام، قد عقد لوزارة الداخلية سلطة تقديرية أرحب في اختيار كبار موظفيها ممن ترى فيهم الصلاحية البدنية والذهنية، وذلك تحت رقابة القضاء على نحو تتحقق معه المصلحة العامة مادام قرارها قد خلا من إساءة استعمال السلطة، ولا خلاف على أن هذه الموازنة تسقط عنها نهائياً بانتهاء خدمة الضابط الذي كفل له المشرع الوصول إلى أعلى المراتب في قانون هيئة الشرطة حال قضاء مدة عامين في رتبة اللواء، وببلوغ هذا الأجل فإن ما يتم بشأن إحالة الضابط إلى المعاش تتمتع فيه جهة الإدارة بسلطة تقديرية واسعة، تقف سلطة المحكمة إزاءها عند التحقق من توافر عيب الانحراف أو تخلفه في القرار فقط، دون أن تمتد رقابتها إلى سائر عناصر البت في القرار التي تستقل جهة الإدارة بتقديرها.
(في هذا المعني حكم هذه المحكمة في الطعن رقم 4160 لسنة 50 ق. عليا بجلسة 18/1/2009)
وحيث إنه في ضوء ما تقدم ولما كان الثابت من الأوراق أن المطعون ضده قد ساق دليلاً على صدور القرار المطعون فيه مشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة متمثلاً في أنه حاصل على تقارير كفاية بمرتبة ممتاز، ولم توقع عليه جزاءات، وأنه حصل على دورات تدريبية وعمل بمراكز قيادية عديدة، وأنه بذلك أكفأ من زميليه المستشهد بهما اللواء/… واللواء/ … اللذين تم المد لهما دونه.
وحيث إن الثابت من الأوراق أن المستشهد بهما تختلف مراكز كل منهما عن الآخر وعن المطعون ضده في ظروف عملهم، لاسيما الجهات التي خدموا فيها، وأن المطعون ضده ولئن كان قد تميز عنهما في بعض جوانب حياته الوظيفية فقد تميزا عنه في جوانب أخرى، وآية ذلك أنه حصل على (21) تقرير كفاية بمرتبة ممتاز وتقريرين بمرتبة جيد، في حين حصل زميله المستشهد به الأول على (22) تقرير كفاية بمرتبة ممتاز وتقرير واحد بمرتبة جيد، وحصل زميله الثاني على نوط الامتياز من الطبقة الأولى، في حين خلت الأوراق مما يفيد حصول المطعون ضده على مثل ذلك، ومتى اختلفت مواقع العمل وتباينت الامتيازات انتفى محل الاستشهاد، الأمر الذي لا ينهض ما ساقه المطعون ضده دليلاً على إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها في إصدار القرار المطعون فيه، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى غير هذا المذهب وقضى بإلغاء القرار المطعون فيه فإن هذا الحكم يضحى غير قائم على سند صحيح من الواقع والقانون متعينا القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى.
وحيث إنه من خسر الطعن يلزم مصروفاته عملاً بنص المادة 184 من قانون المرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وبإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي.