جلسة 25 من مايو سنة 2002م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ د. عبدالرحمن عثمان أحمد عزوز.
رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ على فكرى حسن صالح، ويحيى خضرى نوبى محمد، وأحمد عبدالحميد حسن عبود وأحمد حلمى محمد أحمد حلمى.
نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار / أحمد الشحات.
مفوض الدولة
وحضور السيد / كمال نجيب مرسيس.
سكرتير المحكمة
الطعن رقم 9488 لسنة 47 قضائية عليا
ـ الطعن على الحكم ـ لا يترتب على إغفال اختصام من تدخَّل فى الدعوى منضمًا إلى خصم آخر فى طلباته بطلان تقرير الطعن .
المادة (218) من قانون المرافعات .
ليس بأحكام القانون ما يوجب على الخصم عند الطعن على الحكم اختصام من تدخَّل فى الدعوى منضمًا إلى الخصم الآخر فى طلباته لكى يثار أمر بطلان تقرير الطعن عند إغفال هذا الإجراء ـ حتى مع وجود مثل هذا الالتزام الذى تضمنته الفقرة الثانية من المادة 218 من قانون المرافعات التى أوجبت فى حالة رفع الطعن على أحد المحكوم لهم فى الميعاد اختصام الباقين، ولو بعد فوات ميعاد الطعن بالنسبة لهم ـ أحكام قانون المرافعات صريحة فى عدم جواز الحكم بالبطلان رغم النص عليه إذا ثبت تحقق الغاية من الإجراء ـ فإذا ما ثبت قيام الطاعن باختصام باقى المحكوم لهم يكون قد استقام شكل الطعن واكتملت له موجبات قبوله بما لازمه سريان أثر الطعن فى حق جميع الخصوم ومنهم من تم اختصامهم فيه بعد رفعه ـ تطبيق .
ـ ما يدخل فى اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إدارى طلب وقف تنفيذ وإلغاء ترخيص صحيفة مقام من الإدارة .
مجلس الدولة صاحب الولاية العامة فى المنازعات الإدارية ـ المنازعة فى وقف تنفيذ وإلغاء ترخيص صحيفة تتعلق بقرار إدارى، فإنها تعتبر من قبل المنازعات الإدارية مما تختص بها محاكم مجلس الدولة بهيئة قضاء إدارى ـ الحظر الدستورى والقانونى بشأن وقف وإلغاء الترخيص الصحفى لا يحجب اختصاص القضاء الإدارى بنظر المنازعات حول قرار الترخيص إصداراً أو استمراراً ـ الجدل حول هذا الحظر يتعلق بالموضوع ولا يتعلق بالاختصاص ـ الدفع بعدم اختصاص القضاء الإدارى استناداً إلى عدم اختصاص المجلس الأعلى للصحافة باللجوء إلى مجلس الدولة ـ بهيئة قضاء إدارى ـ للنظر فى إنهاء أو إلغاء الترخيص ووقف تنفيذه، استناد غير سليم لأن القانون لم يمنع الجهة الإدارية المختصة من اللجوء إلى القضاء فى المنازعات التى تكون طرفاً فيها، فلم يقصر المشرع هذا الحق على الأفراد وحدهم، وإنما لكل ذى شأن هذا الحق بما فيها الجهات الإدارية طالما أنها طرف فى النزاع، بل إن هذا هو الأصل فى حسم المنازعات بصفة عامة ومنها المنازعات الإدارية ـ وهو اللجوء إلى القضاء ـ إذا كان المشرع قد خَوَّل الجهة الإدارية بصفتها سلطة عامة حق التدخل بطريق التنفيذ المباشر لاعتبارات قدَّرها بهدف تسيير مرفق عام فإن ذلك خروج على الأصل العام فى حل المنازعات الذى هو من اختصاص جهة القضاء المختصة ـ ومن ثَمَّ لا يوجد ما يمنع جهة الإدارة من ترك التدخل بطريق التنفيذ المباشر واللجوء إلى القاعدة الأصل وهو التقاضى لحل نزاع تكون طرفا فيه ـ تطبيق.
ـ الترخيص الصحفى ـ الطبيعة القانونية للترخيص الصحفى.
الترخيص الصحفي، كقرار إدارى ـ يخضع لما تخضع له سائر القرارات الإدارية من أحكام ومنها خضوعه لرقابة القضاء الإدارى،وتحصن وجوده بفوات مواعيد الطعن عليه ـ الترخيص وإن استقر وجوده القانونى ميلاداً وإصدارًا فإن استمرار وجوده بحكم اتصاله وتعلقه بممارسة نشاط معين يخضع أيضًا لرقابة القضاء فى حدود التنظيم القانونى لهذه الممارسة ولشروط الترخيص إن وجدت ـ هذا التنظيم وهذه الشروط قد تجيز إلغاء الترخيص إذا جدَّ واقع جديد أثناء سريان الترخيص يبرر هذا الإلغاء فى الحالات وبالشروط الواردة بالقواعد القانونية الحاكمة لهذا النشاط وهذا لا يعد سحباً أو إلغاءً للقرار الأول بأثر رجعى وإنما هو قرار جديد بإلغاء الترخيص بالنسبة للمستقبل فى ضوء الوقائع الجديدة التى تبرر هذا الإلغاء كنهاية للقرار الأول ـ القاعدة أنه يجوز إنهاء القرار الإدارى قبل النهاية الطبيعية له وذلك بالنسبة للمستقبل، فلا يجوز إنهاء قرار إدارى معين صدر سليماً أو تحصن بفوات ميعاد الطعن عليه إلا فى الحالات وللأسباب التى ينص عليها القانون وبواسطة السلطة التى خَوَّلها القانون ذلك ـ الترخيص الصحفى يخضع لهذه المبادئ فيتحصن وجوده وفقاً لقواعد تحصين القرارات الإدارية عند إصداره، ثم يخضع ـ أيضًا ـ فى مرحلة السريان وممارسة النشاط للقواعد القانونية المنظمة للنشاط الصحفى ـ تطبيق .
ـ حرية الصحافة حرية عامة كفلها الدستور ـ لا يملك القضاء الإدارى فى ضوء التشريعات السارية إلغاء أو تعطيل تراخيص الممارسة الصحفية لأى سبب .
كفلت التشريعات المنظمة لحرية الصحافة وحرية التعبير والنشر فى نصوصها حرية الصحافة ـ المشرع التزامًا منه بحرية الصحافة وحرية التعبير عن الرأى التى كفلها الدستور، حدد تحديداً واضحًا، لا يداخله شك أو غموض مسئولية الصحفى والصحيفة والجرائم الصحفية، والعقوبات المحددة لها والتى يجوز للمحاكم توقيعها على الصحفى، كما حدد التدابير التى يمكن اتخاذها ضد الصحيفة التى أساءت استعمال حرية الصحافة وحرية التعبير عن الرأى وارتكبت إحدى الجرائم الصحفية وحصرها فى الجزاءات والتدابير التى وردت فى قانون العقوبات وفى المسئولية التأديبية كما وردت فى قانون تنظيم الصحافة، وقد وردت على سبيل الحصر والتعيين تلك الجزاءات ـ ففى مجال التدابير ضد الجريدة أجاز المشرع للمحاكم ضبط ومصادرة الأعداد الصحفية المخالفة، ثم أجاز لها عند إدانة الصحفى أو رئيس التحرير الحكم بتعطيل الجريدة لمدة مؤقتة ـ لم تتضمن هذه النصوص ما يجيز للمحكمة سلطة إلغاء ترخيص الصحيفة من بين الجزاءات التى خوَّلها المشرع للقضاء واكتفى بسلطته فى تعطيل صدور الجريدة بصفة مؤقتة جوازيًا وأحيانًا وجوبيًًا فى أحيان أخرى ـ حافظ المشرع بذلك على حماية حرية الصحافة والنشر وضمان استمرارها، كما حفظ للسلطة القضائية سلطتها على الصحف التى تسيء استعمال هذه الحرية بما حدده من جزاءات دون مصادرة لهذه الحرية ـ الحظر التشريعى بعدم إلغاء صحيفة نهائياً لا يخاطب القضاء الجنائى وحده وإنما يخاطب أيضًا ـ باعتباره تنظيمًا شاملاً لحرية الصحافة ـ القضاء الإدارى ـ أساس ذلك: إن القانون يخاطب سلطات الدولة بما فيها السلطة القضائية بفرعيها العادى والإدارى ـ يترتب على ذلك: لا يجوز للقضاء الإدارى الحكم بإلغاء ترخيص صحيفة، بعد صدوره صحيحاً أو بعد تحصنه واستقرار المركز القانونى للصحيفة فى الحياة الصحفية ـ لم تتضمن التشريعات المنظمة للتراخيص والممارسة الصحفية أى نص يجيز للقضاء الإدارى المساس بهذا الترخيص إلغاءً أو تعطيلاً بمناسبة النظر فى المنازعات الإدارية حول ترخيص الصحيفة واستمرارها بسبب ممارستها الصحفية وإساءة استعمالها لحرية الصحافة ـ لا يملك القضاء الإدارى فى ضوء التشريعات السارية إلغاء أو تعطيل ترخيص الممارسة لأى سبب من الأسباب التزاماً بإرادة المشرع فيما قرره بشأن تنظيم الصحافة إصدارًا أو ممارسة ـ إلغاء ترخيص الصحيفة يعتبر من قبيل التدابير الجزائية التى تنال من حرية الصحافة والتى يرتبط توقيعها بتقدير المشرع، الذى لم يقدر الوصول بهذا الجزاء إلى مرحلة إلغاء ترخيص إصدار الصحيفة ـ تطبيق .
فى يوم السبت الموافق 7/7/2001 أودع الأستاذ / محمد ضبع أبوقفه، المحامى المقبول أمام المحكمة الإدارية العليا بصفته وكيلاً عن الطاعن بموجب التوكيل الرسمى العام رقم 628 أ د لسنة 1999/ توثيق الجيزة قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرًا بالطعن ـ قيد بجدولها تحت رقم 9488 لسنة 47ق .عليا ـ فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى “الدائرة الأولى ” فى الدعوى رقم8229 لسنة 55 ق بجلسة 4/7/2001، والذى قضى فى منطوقه بقبول الدعوى شكلاً، وفى الطلب العاجل بوقف تنفيذ قرار المجلس الأعلى للصحافة بالترخيص بصدور جريدة “النبأ الوطنى “وألزمت المدعى عليه والخصوم المتدخلين معه المصروفات، وأمرت بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضى الدولة لإعداد تقرير بالرأى القانونى فى موضوعها .
وطلب الطاعن ـ للأسباب الواردة بتقرير الطعن ـ الحكم بقبول الطعن شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى فى الطلب العاجل بوقف ترخيص جريدة “النبأ الوطنى” وفى موضوع الشق المستعجل بإلغائه والقضاء مجددًا بعدم اختصاص المحكمة ولائيًا بنظر الدعوى وإلزام المطعون ضده مصروفات هذا الشق .
وقد أعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده على النحو الثابت بالأوراق.
وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريرًا مسبباً بالرأى القانونى فى الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعًا وإلزام الطاعن بصفته المصروفات .
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 27/9/2001، ونظرته بهذه الجلسة والجلسات التالية على النحو المبين بمحاضرها، وبجلسة 7/1/2001 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا ( الدائرة الأولى ـ موضوع ) وحددت لنظره أمامها جلسة 26/1/2002 وتدوول نظر الطعن بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها، وبعريضة معلنة قانونًا فى 28/1/2002 اختصم الطاعن بصفته كلاً من : 1 ـ قداسة الأنبا شنودة بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية بصفته. 2 ـ نقيب المحامين بصفته. 3ـ الممثل القانونى لمركز الكلمة لحقوق الإنسان .
وبجلسة 9/2/2002 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 27/4/2002 مع التصريح بتقديم مذكرات لمن يشاء فى شهر، وبتاريخ 7/3/2002 أودع الحاضر عن الطاعن مذكرة بالدفاع اختتمت بطلب الحكم/ أولاً: عدم قبول تدخل المتدخلين. ثانيًا: إلغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمَّنه من وقف ترخيص جريدة النبأ الوطنى وما ترتب عليه من آثار، مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات والأتعاب.
وبتاريخ 9/3/2002 أودع الحاضر عن الخصم المتدخل/ صاحب القداسة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية مذكرة بالدفاع التمس فيها الحكم أولاً:قبول تدخل البابا شنودة الثالث بصفته خصمًا منضمًا للمطعون ضده فى طلب رفض الطعن. ثانيًا: رفض الطعن مع إلزام الطاعن المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتى التقاضى.
وتلتفت المحكمة عن أية مستندات تم إيداعها خلال هذا الأجل لعدم التصريح بتقديمها وبالجلسة المحدد للنطق بالحكم قررت المحكمة مد أجل النطق به لجلسة 11/5/2002 لإتمام المداولة ثم تقرر مد أجل النطق بالحكم لجلسة 25/5/2002، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة .
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص ـ حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق ـ فى أن المطعون ضده الأول أقام الدعوى رقم 8229 لسنة 55 ق أمام محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة “الدائرة الأولى” بموجب عريضة مودعة قلم كتابها بتاريخ 23/6/2001 طالبًا الحكم: أولاً: بقبول الدعوى شكلا ،وبوقف ترخيص جريدة “النبأ الوطنى” بصفة عاجلة لحين الفصل فى موضوع الدعوى. ثانيًا:وفى الموضوع بإلغاء ذلك الترخيص وما يترتب عليه من آثار مع إلزام المدعى عليه بصفته المصروفات، على سند من القول إن عدد جريدة “النبأ” الصادر بتاريخ 17/6/2001 تضمَّن صورًا إباحية مخلة أشد الإخلال بالآداب العامة تتعلق بسلوكيات راهب سابق مفصول وعلى نحو يسىء إلى الوحدة الوطنية، الأمر الذى حدا برئيس محكمة جنوب القاهرة إلى إصدار أمره بمصادرة ذلك العدد، وفى اليوم التالى صدر عدد آخر من ذات الجريدة، ضم صورًا من ذات النوع، وذلك فى تصعيد جديد من الجريدة لما تبنته من نهج ينطوى على امتهان الأديان والدعوة إلى احتقار طائفة من طوائف المجتمع. وإزاء ذلك فقد اجتمعت هيئة مكتب المجلس الأعلى للصحافة فقررت إبلاغ النيابة العامة بما نشر فى عددى تلك الجريدة، وإحالة الأمر إلى لجنة شئون الصحافة والصحفيين بالمجلس الأعلى للصحافة وإلى نقيب الصحفيين لسرعة اتخاذ الإجراءات الكفيلة بردع مثل هذا المسلك وعرض ما تنتهى إليه اللجنة والنقابة على المجلس الأعلى للصحافة. وقد ارتأت لجنة الصحافة والصحفيين فى اجتماعها المؤرخ فى 19/6/2001 أن الأمر يقتضى اتخاذ الإجراءات القانونية لإنهاء ترخيص تلك الجريدة، وقد عرضت هذه التوصيات على المجلس الأعلى للصحافة بجلسته المنعقدة فى 19/6/2001 فاستعرضها فى ضوء ما استظهره من استمرارية التجاوزات من هذه الجريدة على الرغم من إخطارها مرارًا وإنذارها تكرارًا بما سجلته تقارير لجنة الممارسة الصحفية بالمجلس الأعلى للصحافة على تلك الجريدة من تجاوزات تضمنت عدم مراعاة الآداب العامة والإغراق فى نشر تفاصيل الجريمة على نحو شاذ لا يخدش الحياء فحسب، بل ويثير الاشمئزاز، فضلاً عن نشر أخبار مجهلة الأسماء
أو باستخدام الأحرف الأولى. أو بأوصاف تنطبق على أكثر من شخص على نحو يسىء إلى الكثير من الأبرياء وارتأى أن ما صدر عن جريدة ” النبأ ” من نشر صور فاضحة يمثل خروجاً صارخاً على الآداب العامة. وقيم المجتمع وتقاليده ومثله ومصالحه العليا، وكذا التقاليد والقيم الصحفية مقرونًا بما يمس الوحدة الوطنية ويهددها ويعرضها للخطر وهو مسلك من الجريدة يتنافى مع المقومات الأساسية للمجتمع ويتعارض مع الحرية المسئولة للصحافة، ورسالتها وخلص ـ بناء على ما تقدم ـ إلى إصدار قراره بالموافقة على رفع دعوى عاجلة أمام محكمه القضاء الإدارى بمجلس الدولة بطلب إلغاء ترخيص جريدة “النبأ”، استنادًا إلى اختصاص القضاء الإدارى بنظر الدعوى وأن الدستور والقانون يحظران مصادرة الصحف أو تعطيلها
أو إلغاء ترخيصها بالطريق الإدارى، فضلاً عن جسامة ما صدر عن الجريدة والقائمين على أمرها من تجاوزات خطيرة الأثر على الأمن العام وسلامة المجتمع بما يهدد الوحدة الوطنية وينال من تماسك البنيان الاجتماعى لأفراد هذا الوطن.
واختتم المدعى بصفته دعواه بطلب الحكم بما تقدم.
وتدوول نظر الشق العاجل من الدعوى أمام محكمه القضاء الإدارى على النحو المبين بمحاضر جلساتها، حيث تدخل فيها كل من/ قداسة الأنبا شنودة بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، ونقابة المحامين، ومركز الكلمة لحقوق الإنسان كخصوم منضمين لجانب المدعى بصفته فى طلباته، كما تدخل كخصم منضم للمدعى عليه، عاطف حامد عبدالحميد نيابة عن العاملين بجريدة “النبأ”.
وبجلسة 4/7/2001 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه، وشيَّدت المحكمة قضاءها ـ بعد استعراض نصوص المواد 47، 48، 206، 207، 208، 211 من الدستور، والمواد 1، 3، 4، 5، 18، 20 من القانون رقم 96 لسنة 1996 بشأن تنظيم الصحافة، على أساس إن البين من الأوراق أن جريدة “النبأ” أقدمت فى سابقة غير معهودة فى الصحافة المصرية ـ على نشر صور عديدة فى يوم 17/6/2001 ، ثم يوم 18/6/2001، وخروجاً سافراً على كل ما نادت به الشرائع السماوية من الأخلاق الحميدة والقيم النبيلة، متمادية فى غيها فأتبعت الصور بالكلمات والعبارات والادعاءات التى تمس أحد الأماكن المقدسة حتى تكتمل دائرة الإخلال بالآداب العامة، وهى تسير كلها فى إطار مخاطبة الغرائز الجنسية بصورة جديدة على الصحافة المصرية فى الابتذال والاستهزاء بكل القيم والمشاعر التى يحملها أبناء مصر بكافة فئاتهم، وكأنما أرادت هذة الجريدة أن تثبت بالدليل والبرهان أنها ماضية فى طريق الشيطان حتى نهايته، مجاهرة بعداوة لا مثيل لها بكل القيم والفضائل والمقدسات مُؤثِرةً مركب الشطط والابتذال على عين العقل والبصيرة، وخاضت فى أعراض ما كان لها أن تخوض فيها وانتهكت شعور المصريين كافةً بسوء مسلكها وابتذال تصرفها؛ الأمر الذى يجعل ما أتته جريدة “النبأ الوطنى” ـ حسبما يبين من ظاهر الأوراق ـ يباعد بينها وبين رسالة الصحافة التى نص عليها الدستور المصرى ونظَّمها قانون الصحافة .
ومن ثَمَّ فإنه بات راسخًا فى عقيدة المحكمة أن القرار الصادر بالترخيص لصحيفة “النبأ الوطنى” بالصدور قد فقد ركنًا جوهريًا من أركان مشروعية استمراره وهو استمرار التزام الصحيفة بالضوابط التى حددها الدستور والقانون لممارسة العمل الصحفى والمتمثلة فى عدم المساس بالمقومات الأساسية للمجتمع أو النيل من الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى وذلك حسبما يكشف ظاهر الأوراق مما تقدر معه المحكمة أن ركن الجدية اللازم لوقف تنفيذ القرار المطعون فيه قد توافر وبالنسبة لركن الاستعجال قالت المحكمة: إنه لما كان استمرار الترخيص بصدور جريدة “النبأ الوطنى” قائمًا ومنتجًا لآثاره بعد أن استبان لها خطوط شخصيتها وتناولها للموضوعات، مما يمكنها من مواصلة عملها وما يؤدى إليه ذلك من ترديات تهدد الكثير من الثوابت الراسخة فى المجتمع المصرى، ويختفى معها الردع الخاص الذى يجب أن يتوافر قِبل هذه الجريدة، والردع العام الذى يحقق الانضباط المطلوب لمثل هذه الوسائل فى أداء رسالتها الخطيرة، مما تقدر معه توافر ركن الاستعجال المطلوب لوقف تنفيذ القرار المطعون فيه. وبناءً على ما تقدم فإنها قد تيقنت من توافر ركنى وقف التنفيذ اللازمين للحكم فى الشق العاجل من الدعوى .
ومن حيث إن قضاء المحكمة المشار إليه لم يلق قبولاً لدى الطاعن، فقد طعن عليه بالطعن الماثل ناعيًا على الحكم المطعون فيه بأوجه النعى الآتية:
أولاً: بطلان الحكم المطعون فيه لمخالفة الدستور والقانون، وفى بيان ذلك ذكر الطاعن أن جريدة “النبأ” لم تتحول إلى جريدة يومية بقرار إدارى من المجلس الأعلى للصحافة ولكنها تحولت إلى صحيفة يومية بحكم قضائى نهائى. وليس هناك سلطة تملك وقفه أو إلغاءه وإنه لما كانت وظيفة القضاء الإدارى الأساسية:هى الرقابة على القرارات الإدارية التى تكون محلاً للطعن عليها أمامه وكانت الدعوى المطروحة على محكمة أول درجة قد خلت من القرار ولكنها امتدت إلى طلب تأديب قرار إدارى صدر صريحًا متفقًا مع الدستور والقانون وتحصن من الطعن عليه لفوات ستين يومًا عليه، بل لقد حصنه الدستور القائم والقانون رقم 96
لسنة 1996 الذى ينظم سلطة الصحافة فحظر بشكل مطلق الرقابة على الصحف أو إنذارها أو وقفها بالطريق الإدارى، وإذ عجزت جهه الإدارة عن اتخاذ قرار إدارى فى هذا الشأن فلجأت لمحكمة القضاء الإدارى لمحاكمة هذا القرار الإدارى وتأديبه بالرغم من خلو الدستور
أو القانون من نص يبيح ذلك فكان الحكم الطعين بمثابة عقوبة تأديبية لهذا القرار وللمسئولين عن الجريدة وإذ لم يعط المشرع الدستورى والقانونى لمحكمة القضاء الإدارى سلطة توقيع جزاء على المؤسسة الطاعنة، فمن أين جاءت المحكمة لنفسها بهذه السلطة بحيث نصَّبت من نفسها محكمة تأديبية لهذا القرار الإدارى النهائى، فصنعت لنفسها اختصاصًا بمحاكمته، ولم تقف عند حد محاكمة القرار الإدارى بذاته، بل امتد إلى محاكمة المسئول عن الجريدة بصفته، إذ ورد بمدونات قضائها أن الطاعن قد ارتكب العديد من التجاوزات التى وصفها الحكم بأنها تخالف التقاليد والآداب العامة وبما يخالف نص المادة 18 من قانون الصحافة سالف الذكر رغم أن هذا النص لا يعطى للمحكمة سلطه توقيع العقاب التأديبى على المؤسسة الصحفية باعتبار أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، بل إن هذا النص من شأنه تحصين الصحفى من المحاكمة التأديبية التى باشرتها محكمة أول درجة ضد الطاعن والصحيفة التى يمثلها، وهو من شأنه المساس بأمن الصحفى الناشر وكل العاملين بالمؤسسة الذين يتجاوز عددهم 1000 صحفى وموظف وعامل بخلاف 3500 من القائمين على توزيع الجريدة فى البلاد وهم الذين يعتمدون فى معيشتهم على ما يحصلون عليه من دخل عن التوزيع، وعلى ذلك يكون هذا الجزاء والذى قضى لأول مرة فى تاريخ الصحافة بغلق جريدة ووقف ترخيصها إنما يكون قد افتقد ركنًا جوهريًا هو السبب المبرر له، إذ لا يوجد ثمة نص يعطى للمحكمة سلطة توقيع هذا الجزاء وبهذه الدرجة من الجسامة والغلو .
وفضلاً عن ذلك فإن المشرع الدستورى والقانونى لم يعطِ للمجلس الأعلى للصحافة أية سلطة لمراقبة الصحف، ومن ثَمَّ فإن قيامه بمراقبتها ومطالبته القضاء بإلغائها إنما هو قول
لا يستند إلى نص فى القانون بما يعيب هذا الطعن من جانب المجلس الأعلى للصحافة بعيب عدم الاختصاص برفع هذه الدعوى، إذ إن المشرع الدستورى والقانونى لم يعطِ للمجلس الأعلى للصحافة إلا حق تطوير ودعم سلطة الصحافة وليس تقييدها أو وقفها أو إلغائها (طبقًا لنص المادة 70 من قانون الصحافة رقم 96 لسنه 1996) ومن ثَمَّ تكون الدعوى المذكورة سلفًا مرفوعة من غير ذى صفة .
بالإضافه إلى ما تقدم فإن هناك وجهًا آخر لهذا السبب من أسباب الطعن تتمثل فى الغلو فى تقدير الجزاء، وحاصل هذا السبب أن محكمة أول درجة قد أعملت سلطتها فى وقف ترخيص الجريدة، وهو أقصى درجات الإدانة باعتبارها قد نصَّبت من نفسها محكمة تأديبية للصحيفة ورئيس تحريرها، فانحرفت عن الطلب المستعجل ـ إلى مناقشة موضوع الطعن ـ فنسبت للطاعن خروجه عن الحدود اللازمة لمباشرة الترخيص بالتعرض للأديان ونشر أمور وصور جنسية تخالف الآداب العامة والتقاليد والأعراف، وهو ما يتجاوز الطلب المستعجل الذى يتطلب فقط توافر ركنى الاستعجال والجدية، وإنه من المقرر فى قضاء المحكمة الإدارية العليا أن الجزاء يجب أن يكون بقدر الخطأ وأن يتدرج الجزاء من الإنذار إلى المصادرة، أما أن يذهب القرار المغلف بحكم القضاء إلى توقيع أقصى عقوبة على الجريدة وهى عقوبة الإعدام، وقد تجلى ذلك فيما سطرته المحكمة بأسباب قضائها الذى يدل على مدى تأثرها بالرأى العام المنشور بصحف الحكومة، وكان هذا الرأى من المحكمة وهو من العلم الشخصى، بحسبان أن أوراق الدعوى قد جاءت خلوًا من مثل هذه المعلومات، وأن محاكمة الجريدة عن أعمال مستقبلية غير معلومة فيه عدوان على الفكر المستقبلى الذى لن يكون فيه خروج عن التقاليد والقانون والدستور .
ثانيًا: عدم توافر شرطى اختصاص المحكمة فى الطلب العاجل، ذلك أن المحكمة قضت بوقف تنفيذ ترخيص الجريدة رغم أن الحكم جاء خاليًا من توافر شرطى الاستعجال والجدية، إذ لم يعرض الحكم فى مدونات قضائه إلى توافر شرط الاستعجال، فقد جاءت الدعوى خالية من أى دليل على توافر هذا الشرط فقد تمت مصادرة الجريدة عن عددى يومى
16، 17/6/2001 بقرار رئيس محكمة جنوب القاهرة، وهما العددان اللذان انطويا على نشر وقائع انحراف راهب مفصول بدير المحرق، ولم يعد هناك أى خطر من استمرار الصحيفة فى العمل الصحفى اليومى. وإن القضاء بوقف الترخيص لوجود خطر مستقبلى فإنه يكون قد تناول أمورًا مستقبلية لا تزال غير معلومة للجهة الطاعنة، كما أن الحكم الطعين فى حد ذاته يعد بالقطع حكمًا فى موضوع الدعوى الذى لم يكن معروضًا على المحكمة لأن الحكم بوقف ترخيص الجريدة هو فى حقيقته حكم بإلغاء الترخيص لأن الآثار المترتبة على الحكم فى الطلب العاجل هى نفسها الآثار المترتبة على الحكم الموضوعى، فكلاهما يعطل الصحيفة عن الصدور، من ثَمَّ كان الفصل فى الطلب المستعجل بوقف ترخيص الصحيفة فيه تجاوز لحدود القضاء من ظاهر الأوراق إذ تعمق الحكم فى بحث أصل طلب الحق وتجاوز حدود الطلب العاجل، فجاءت الأسباب التى أقام عليها قضاءها على أسس موضوعية، فضلاً عن أن هذه المصادرة أو الوقف تتنافى وتتناقض مع نص المادة 36 من الدستور التى تحظر مصادرة الأموال إذ من شأن هذا الوقف هو توقف الجريدة عن الصدور وعلى ذلك يكون هناك إهدار ومصادرة لأموالها بما يخالف الدستور، فضلاً عن إهدار حق الطاعن فى الرأى وحقه فى العمل وحق الصحفيين والعمال بالجريدة، الأمر الذى يعد مصادرة للنصوص الدستورية التى توجب على الدولة توفير فرص العمل وكفالة حرية التعبير والنقد وعدم المساس بأمن الصحفى بسبب ما يُنشره من آراء وتحقيقات صحفية .
ثالثًا: بطلان الحكم المطعون فيه لعيب جوهرى هو عدم اختصاص المدعى المطعون ضده الأول فى طلباته وفقًا لما تنص عليه المادة 70 من القانون رقم 96 لسنة 1996 سالف الذكر، ويوجز هذا السبب فى أن سلوك المدعى المطعون ضده الأول بصفته طريق الدعوى أمام محكمه القضاء الادارى هو غصب لاختصاص لم يفوضه فيه المشرع طبقًا للمادة المذكورة وإذ استجابت المحكمة له بالرغم من عدم اختصاصه بمثل هذا الطلب المتعلق بإلغاء ترخيص، فإن حكمها يكون قد شَابَه ـ عيب جسيم، تأسيسًا على أن المحكمة قد سايرت المدعى فى طلباته رغم أن القانون رقم 96 لسنة 1996 الصادر من السلطة التشريعية ـ بتنظيم سلطة المجلس الأعلى للصحافة ـ لم يفوض المدعى فى اتخاذ أى إجراء من شأنه المساس بأمن الصحفى أو غلق جريدة أو إنذارها، بل كانت نصوص ذلك القانون واضحة فى أن المجلس المذكور ليس له سلطة رئاسية على الصحف ولا حق له عليها فى المصادرة أو الغلق أو إلغاء الترخيص، فاختصاصه يقف عند حد كفالة حرية الصحافة وحق الصحفى فى تدفق المعلومات وحقه فى إبداء رأيه فيما يُنشر .
رابعًا: عدم قبول دعوى المجلس الأعلى للصحافة لانتفاء المصلحة فى الدعوى، استنادًا إلى أنه طبقًا لنص المادة 12 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 التى قضت بأنه
لا تقبل الطلبات المقدمة من أشخاص ليست لهم مصلحة شخصية مباشرة مادية كانت
أو أدبية، على أنه لما كان المجلس الأعلى للصحافة ليس له أية مصلحة أو صفة فى رفع هذه الدعوى تأسيسًا على أن المشرع لم يفوضه فى هذه الإجراءات طبقًا لما سلف بيانه فى أسباب تقرير الطعن المشار إليها سلفًا، ولو كان المشرع الدستورى أو القانونى يبغى أن يعطيه اختصاصًا فى ذلك لكان قد نص صراحة كما هو الحال بالنسبة للجهات الأخرى ذات الشخصية الاعتبارية كالنقابات والهيئات الإدارية الأخرى، ولكن منعته من ذلك نصوص الدستور التى حظرت التعرض لحرية الصحافة، بل عمدت إلى كفالتها واستقلالها والقول بأن للمطعون ضدة الأول مصلحة بصفته ممثلاً للمجلس المذكور قول لا يسانده حق فى القانون، بل إنه لم يتعرض لأية أضرار من جراء استمرار الترخيص الصادر للجريدة حتى تتحقق له بصفة أو مصلحة فى رفع الدعوى، وإذ استجابت المحكمة لطلب من غير ذى صفة أو مصلحة فيكون حكمها الطعين معدومًا .
خامسًا: ذكر الطاعن أن ما أورده الحكم المطعون فيه من أن محكمة القضاء الإدارى تظل تراقب القرار الإدارى منذ ولادته وحتى مماته هو مردود عليه بأنه ليس هذا هو اختصاص هذه المحكمة بالنسبة للصحافة التى أحاطها المشرع بسياج شديد فنص على كفالة حريتها وحظر مراقبتها أو إنذارها أو وقفها أو إلغائها، بما يعنى أن المشرع الدستورى ومن بعده القانون قد أكدا على غلق الباب حول مناقشة أو غلق الصحيفة تحت أى وصف، فقد منع المجلس الأعلى للصحافة ـ وهى أعلى سلطة ـ من مباشرة أعمال أى سلطة على أى صحيفة وإنما أعطاه فقط حق متابعة وتقييم ما تنشره الصحف وإصدار التقارير الدورية عن مدى التزامها بآداب المهنة وميثاق الشرف الصحفى، وإلزام الصحف أن تنشر تلك التقارير، وعلى ذلك فإن المجلس الأعلى للصحافة لا يملك سحب قرار ترخيص أى صحيفة أو إلغائه، وأضاف الطاعن قائلاً: إن المجلس الأعلى للصحافة قد ناصب جريدة “النبأ الوطنى” والقائمين عليها عداوة غير مسبوقة فامتنع عن الموافقة على تحويل هذه الجريدة من جريدة أسبوعية إلى جريدة يومية، وما إن صدر حكم محكمة القضاء الإدارى بالأحقية فى الصدور اليومى حتى سارع إلى الطعن على الحكم والاستشكال أمام محكمة الأمور المستعجلة بالأزبكية، وهى محكمة غير متخصصة، مما حدا بالمحكمة إلى إصدار حكمها فى الموضوع لتمكين الجريدة من الصدور اليومى، وهو الأمر الذى سطره الحكم فى الصفحة رقم 9 منه من أن القضاء الإدارى قد انتصر من قبل لهذه الجريدة ووقف إلى جانب إصدارها اليومى، وبالرغم مما نوه عنه إلا أن هناك جهات عديدة تكالبت عليها لتحرمها من حق الصدور اليومى، ثم عادت المحكمة وأعلنت عن رأيها الشخصى الخارج عن أوراق الدعوى بقولها: إنه يجب أن تختفى هذه الجريدة من الوجود لتحول بينها وبين ما تنفثه من سموم وما تعبث به من أخلاقيات وقيم، وهو قول ينقصه الدليل، فقد خلا الحكم بمدوناته كلها من أى دليل على ما أوردته من تزيد بأسبابها، الأمر الذى يطالب معه محكمة الطعن أن تأمر بمحو تلك العبارات الواردة بقضاء محكمة أول درجة التى لا تقوم على مستند من الأوراق والمستندات المقدمة بالدعوى، فالقضية التى طرحتها الجريدة تتعلق بنشر خبر صادق وصحيح عن واقعة مشينة ارتكبها راهب مشلوح، ولم يكن قصد الجريدة من هذا النشر هو بث سموم، إنما كان الهدف هو التحذير والتنوير لحماية القيم وعدم الإساءة إلى المقدسات الدينية.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة جرى على أن الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا بطرح الطعن برمته على المحكمة لتنظره وتزنه بميزان القانون والواقع، سواء من حيث الشكل
أو الإجراءات أو سلامة مباشرتها لولاية رقابة الإلغاء أو وقف التنفيذ، طبقًا، وفى حدود أحكام الدستور والقانون، وإعمالاً لمبدأ استقلال مجلس الدولة واستقلال السلطة القضائية، التى يباشرها القاضى فى المنازعات التى يختص بحسمها والفصل وفيها وفقًا للمادتين 165و172 من الدستور .
ومن حيث إنه بالنسبة إلى ما أثاره المتدخلون عن قداسة البابا شنودة ببطلان الطعن لإغفال الطاعن اختصام باقى الخصوم، فمردود عليه بأنه ليس بأحكام القانون ما يوجب على الخصم عند الطعن على الحكم اختصام من تدخل فى الدعوى منضمًا إلى الخصم الآخر فى طلباته، لكى يثار أمر بطلان تقرير الطعن عند إغفال هذا الإجراء حتى مع وجود مثل هذا الالتزام الذى تضمنته الفقرة الثانية من المادة 218 من قانون المرافعات التى أوجبت ـ فى حالة رفع الطعن على أحد المحكوم لهم فى الميعاد ـ اختصام الباقين، ولو بعد فوات ميعاد الطعن بالنسبه إليهم، فإن أحكام قانون المرافعات صريحة فى عدم جواز الحكم بالبطلان رغم النص عليه، إذا ثبت تحقق الغاية من الإجراء، وعلى ذلك فإذا ما ثبت قيام الطاعن باختصام باقى المحكوم لهم ومن ثَمَّ يكون قد استقام شكل الطعن واكتملت له موجبات قبوله بما لازمه سريان أثر الطعن فى حق جميع الخصوم ومنهم من تم اختصامهم فيه بعد رفعه.
وحيث إنه عن تدخل قداسة البابا شنودة فإن الثابت من محاضر جلسات 5/11/2001 (فحص)،26/1/2002 (موضوع) حضور الأستاذ / منصف نجيب سليمان المحامى عن صاحب القداسة البابا شنودة بموجب توكيل رسمى برقم 471 أ.ح لسنة 2001 فى 30/7/2001 ( مكتب توثيق الوايلى ) ـ مرفق صورته بالأوراق وطلب إثبات تدخله فى الطعن كخصم منضم إلى رئيس مجلس الشورى بصفته، كما حضر عنه ـ أيضًا ـ كل من الأساتذة/ أحمد كمال أبوالفضل المحامى، وفكرى حبيب المحامى، والدكتور/ محمد ميرغنى المحامى، والدكتور / عاطف البنا المحامى .
وحيث إنه وإن كان الحاضر عن قداسة البابا أمام محكمة القضاء الإدارى لم يقدم سند وكالته عنه إلا أنه من المستقر عليه فى قضاء هذه المحكمة قبول التدخل الانضمامى إلى حد الخصوم لأول مرة أمام المحكمة الإدارية العليا إذا لم يطلب المتدخل لنفسه أكثر مما يطلبه الخصم المنضم إليه .
وحيث إنه عن الدفع بعدم اختصاص محكمة القضاء الإدارى ـ ولائيًا ـ بنظر طلب وقف تنفيذ وإلغاء قرار ترخيص الصحيفة ـ فمردود عليه بأنه من المستقر عليه فى قضاء هذه المحكمةـ وفى قضاء المحكمة الدستورية العليا ـ أن مجلس الدولة أصبح ـ بموجب نص المادة 172 من الدستور والمادة العاشرة من قانون مجلس الدولة ـ صاحب الولاية العامة فى المنازعات الإدارية. ولما كانت المنازعات موضوع الطعن تتعلق بقرار إدارى، فإنها تعتبر من قبيل المنازعات الإدارية مما تختص بها مجلس الدولة بهيئة قضاء إدارى، وإن الخطر الدستورى والقانونى بشأن وقف وإلغاء الترخيص الصحفى لا يحجب اختصاص القضاء الإدارى بنظر المنازعات حول قرار الترخيص. إصدارًا واستمرارًا، وإن الجدل حول هذا الحظر يتعلق بالموضوع ولا يتعلق بالاختصاص. كما أن الدفع بعدم اختصاص القضاء الإدارى استنادًا إلى عدم اختصاص المجلس الأعلى للصحافة باللجوء إلى مجلس الدولة ـ بهيئة قضاء إدارى ـ للنظر فى إنهاء أو إلغاء الترخيص ووقف تنفيذه، استنادًا غير سليم لأن القانون لم يمنع الجهة الإدارية المختصة من اللجوء إلى القضاء فى المنازعات التى تكون طرفًا فيها، فلم يقصر المشرع هذا الحق على الأفراد وحدهم وإنما لكل ذى شأن هذا الحق بما فيها الجهات الإدارية، طالما أنها طرف فى النزاع بل إن هذا هو الأصل فى حسم المنازعات بصفة عامة ومنها المنازعات الإدارية، وهو اللجوء إلى القضاء وإذا كان المشرع قد خَوَّلها ـ بصفتها سلطة عامة ـ حق التدخل بطريق التنفيذ المباشر لاعتبارات قدَّرها بهدف تسيير المرافق العامة، فإن ذلك خروج على الأصل العام فى حل المنازعات وحسم الخصومات الذى هو اختصاص جهة القضاء المختصة حتى وإن أجاز القانون لجهة الإدارة هذا الطريق، ومن ثَمَّ لا يوجد ما يمنع جهة الإدارة من ترك التدخل بطريق التنفيذ المباشر واللجوء إلى القاعدة الأصل ـ وهو التقاضى لحل نزاع تكون طرفًا فيه، فإذا لجأت الإدارة للقضاء لحل المنازعات الإدارية، سواء كان ذلك اختيارًا أو كان ذلك بسبب منعها من التدخل الإدارى المباشر بنص فى الدستور أو القانون كما هو الحال فى الحالة محل الطعن، فإنها بذلك تستعمل حقًا أصيلاً لها تقضى به القواعد العامة فى حق التقاضى .
وحيث إنه عن الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذى صفة أو مصلحة فيها، فقد استعرضت المحكمة نصوص المواد 67، 70، 72 من قانون تنظيم الصحافة، واستبان لها أن المشرع ناط بالمجلس الأعلى للصحافة مباشرة الاختصاصات المنصوص عليها فى المادة 70 من قانون تنظيم الصحافة ومن هذه الاختصاصات: متابعة وتقييم ما تنشره الصحف وإصدار تقارير دورية عن مدى التزامها بآداب المهنة وميثاق الشرف الصحفى، وتلتزم الصحف بنشر تلك التقاير وضمان احترام الصحف والصحفيين لحق الرد وحق التصحيح، وكذا النظر فى شكاوى الأفراد ضد الصحف أو الصحفيين فيما يتعلق بالتزام الصحافة بآداب المهنة وسلوكياتها فيما نشر ماسًا بحقوق الأفراد أو حياتهم الخاصة ـ كما أن المشرع اعتبر المجلس هيئة مستقلة قائمة بذاتها و يتمتع بالشخصية الاعتبارية وأن رئيس المجلس هو الذى يمثله أمام القضاء والجهات الإدارية وفى مواجهة الغير .
وحيث إنه مما تقدم يكون المجلس الأعلى للصحافة هو الجهة الإدارية صاحبة الاختصاص والصفة فى كل ما يتعلق بالمنازعات الصحفية، ومن ثَمَّ يكون الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذى صفة غير قائم على سند سليم من القانون ويكون فى غير محله متعينًا رفضه.
ومن حيث إنه عن موضوع الطعن ،وهو طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، فإنه وفقًا لنص المادة 49 من قانون مجلس الدولة يشترط لوقف تنفيذ القرار وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة ـ توافر ركنين: أولهما, ركن الجدية, بأن يقوم الطلب على أسباب جدية يرجح معها ـ بحسب الظاهر من الأوراق ـ الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه، وثانيهما: ركن الاستعجال بأن يترتب على تنفيذ القرار أو الاستمرار فى تنفيذه نتائج يتعذر تداركها فيما لو حكم بإلغاء القرار عند نظر موضوع طلب الإلغاء .
وحيث إنه عن ركن الجدية فإن الترخيص الصحفى ـ كقرار إدارى ـ يخضع لما تخضع له سائر القرارت الإدارية من أحكام ومنها خضوعه لرقابة القضاء الإدارى، وتحصن وجوده بفوات مواعيد الطعن عليه، إلا أن الترخيص وإن استقر وجوده القانونى ميلادًا وإصدارًا فإن استمرار وجوده بحكم اتصاله وتعلقه بممارسة نشاط معين يخضع ـ أيضًا ـ لرقابة القضاء فى حدود التنظيم القانونى لهذه الممارسة ولشروط الترخيص إن وجدت، هذا التنظيم وهذه الشروط قد تجيز بحسب نوع النشاط من خلال الرقابة على الممارسة إلغاء الترخيص إذا جد واقع جديد أثناء سريان الترخيص يبرر هذا الإلغاء فى الحالات وبالشروط الواردة فى القواعد القانونية الحاكمة لهذا النشاط وهذا لا يعد سحبًا أو إلغاءً للقرار الأول بأثر رجعى وإنما هو قرار جديد بإلغاء الترخيص بالنسبة للمستقبل فى ضوء الوقائع الجديدة التى تبرر هذا الإلغاء كنهاية للقرار الأول، فالقاعدة أنه يجوز إنهاء القرار الإدارى قبل النهاية الطبيعية له وذلك بالنسبة للمستقبل فقد ينظم المشرع بالنسبه لنوع معين من القرارات أحوال وأسباب إلغائها والسلطة المختصة بذلك، ومؤدى ذلك أنه لا يجوز إنهاء قرار إدارى معين صدر سليمًا
أو تحصّن بفوات ميعاد الطعن عليه إلا فى الحالات وللأسباب التى نص عليها القانون وبواسطة السلطة التى خَوَّلها القانون ذلك، والترخيص الصحفى يخضع لهذة المبادئ، فيتحصن وجوده وفقًا لقاعدة تحصين القرارات الإدارية عند إصداره، ثم يخضع ـ أيضًا ـ فى مرحلة السريان وممارسة النشاط للقواعد القانونية المنظمة للنشاط الصحفى .
وحيث إن القرار الصادر بالترخيص لجريدة “النبأ الوطنى” بالصدور، صدر ابتداءً وفقًا لأحكام القانون المنظم لإصدار تراخيص الصحف، واستقر هذا الوجود القانونى بفوات مواعيد الطعن عليه، ودخوله ميدان الحياة الصحفية، فإن استمرار هذا الترخيص واستمرار ممارسة الصحيفة لنشاطها الصحفى وما يثور من نزاع حول هذا الاستمرار تعطيلاً وإلغاءً يدخل فى نطاق الرقابة القضائية فى حدود ما تسمح به القواعد القانونية المنظمة لإصدار تراخيص الصحف واستمرارها وما إذا كانت تجيز إنهاء التراخيص الصحفيه كإحدى الجزاءات والتدابير التى يسمح بها القانون فى حالة الخروج على الالتزام الصحفى أو ارتكاب إحدى الجرائم الصحفية كما حددها القانون، بما يمس حق استمرارها فى ممارسة نشاطها كما هو الشأن فى إلغاء التراخيص الأخرى كإلغاء تراخيص حيازة الأسلحة، وسحبها أو تراخيص المحلات أو الأنشطة الأخرى فى الحدود التى تسمح بها القوانين المنظمة لتلك التراخيص كلما جد ما يبرر هذا الإلغاء قانونًا وتحقق سببه المبرر له .
وحيث إنه بالرجوع إلى القواعد الحاكمة لإصدار التراخيص الصحفية واستمرارها سواء ما ورد فيها فى دستور 1971 أو فى قانون تنظيم الصحافة رقم 96 لسنة 1996 أو قانون العقوبات، استظهرت المحكمه أن الدساتير المصرية المتعاقبة حرصت جميعها ابتداءً من دستور 1923 وانتهاءً بدستور 1971 على النص على ضمان حرية التعبير وحرية الصحافة، وقد ورد ذلك فى نصوص المواد 209،208،207،48،47 من دستور 1971 التى أكدت على مبدأ حرية التعبير عن الرأى وعلى حرية الصحافة واستقلالها فى مباشرة رسالتها فى إطار المقومات الأساسية للمجتمع وفوض المشرع الدستورى والمشرع العادى فى تنظيم هذه الحرية فى حدود المبادئ التى نص عليها الدستور والتى استهدفت ضمان حرية الصحافة إصدارًا وممارسة.
كما استبان للمحكمة ـ وبالقدر اللازم للفصل فى طلب وقف التنفيذ ـ من استعراض التشريعات المنظمة لحرية الصحافة وحرية التعبير والنشر سواء تلك التى صدرت قبل دستور 1971 وما بقى منها ساريًا من نصوص مثل قانون المطبوعات رقم 20لسنة 1936 وقانون العقوبات الصادر سنة 1937، أو ما أدخله المشرع من تعديلات على تلك القوانين بعد صدور الدستور، وحتى القانون رقم 95 لسنه 1996 بتعديل قانون العقوبات، وما أصدره المشرع من تشريعات فى شأن تنظيم الصحافة وآخرها القانون رقم 96 لسنة 1996، هذه التشريعات كلها كفلت فى نصوصها حرية الصحافة، وفى ذات الوقت تضمنت فى نصوصها ما يكفل وقاية النظام الاجتماعى والسلامة العامة والأمن القومى والوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى بما تضمنته تلك القوانين ـ وخاصة قانون العقوبات ـ من تحديد للجرائم الصحفية والعقوبات المقررة لها، ولم تتضمن أى من هذه التشريعات أى نص يجيز لأى سلطة بما فيها السلطة القضائية إلغاء ترخيص الصحيفة أيًا كانت الجريمة المنسوبة إلى الصحفى، اكتفاءً بتقرير المسئولية الجنائية والتأديبية عن اساءة استعمال حرية الصحافة وحرية التعبير والنشر، فقد حدد قانون تنظيم الصحافة رقم 96 لسنة 1996 فى الفصلين الرابع والخامس من الباب الأول منه المسئولية الجنائية والتأديبية للصحفى عن الجرائم التى تقع بواسطة الصحف، وذلك فى المواد من 34 إلى 44 من ذلك القانون، وأحال فى شأن المسئولية الجنائية إلى قانون العقوبات بالضوابط التى وردت فى المواد المشار إليها. ولم يتضمن قانون تنظيم الصحافة الإشارة إلى إلغاء ترخيص الصحيفة كجزاء، ولم يتعرض لإلغاء ترخيص الصحيفة إلا فى ثلاث حالات فقط وهى فى مرحلة الميلاد، على النحو الوارد فى المواد 48، 49، 54 وتتعلق الحالة الأولى باعتبار ترخيص الصحيفة كأن لم يكن إذا لم تصدر خلال الثلاثة أشهر التالية للترخيص
أو إذا لم تصدر بانتظام خلال ستة أشهر، والثانية فى حالة التصرف فى ترخيص الصحيفة، والثالثة وردت فى المادة 54 وتتعلق بالحكم بتعطيل الجريدة لمدة لا تجاوز ثلاثة أشهر فى حالة عدم تعيين رئيس تحرير لها وعدد من المحررين المسئولين، يشرف كل منهم إشرافًا فعليًا على قسم معين من أقسامها، ثم اعتبر الترخيص ملغىً إذا لم تتم إزالة أسباب المخالفة خلال مدة تعطيل الصحيفة، وبذلك يكون المشرع قد حدد العقوبات والجزاءات والتدابير التى توقع على الصحفى وتلك التى تتخذ ضد الصحيفة فى ضوء الجرائم والمخالفات التى ترتكبها سواء تلك الواردة فى قانون العقوبات أو الواردة فى قانون تنظيم الصحافة وما تتعلق بشئون الصحافة من نصوص ما زالت سارية فى قانون المطبوعات.
وحيث إن قانون العقوبات تضمَّن فى الباب الرابع عشر من الكتاب الثانى المعدل بالقانون رقم 93 لسنة 1995 ثم بالقانون رقم 95 لسنة 1996 وتحت عنوان “الجرائم التى تقع بواسطة الصحف وغيرها” وحصرت الجرائم الصحفية وحددت العقوبات التى يجوز الحكم بها على الصحفى والتدابير التى يجوز الحكم بها على الصحيفة من المحاكم وهى الجرائم التى استهدف بها المشرع حماية النظام الاجتماعى والأمن القومى والحياة الخاصة للمواطنين من إساءة الممارسة الصحفية فعاقبت على التحريض على قلب نظام الحكم وعلى كراهة هذا النظام أو الازدراء به (م 174/ أولاً) وتحبيذ أو ترويج المذاهب التى ترمى إلى تغيير مبادئ الدستور الأساسية أو النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية بالقوة أو الإرهاب أو بأية وسيلة أخرى غير مشروعة، وعاقب فى المادة 175 عقوبات على جريمة تحريض الجند على الخروج على الطاعة أو التحول عن أداء واجباتهم العسكرية. وفى المادة 176 عاقب على التحريض على بُغضِ طائفة أو طوائف من الناس أو على الازدراء بها إذا كان من شأن التحريض تعكير السلم العام. وعاقب على كل من حرض غيره بإحدى وسائل العلانية على عدم الانقياد للقوانين أو حسَّن أمرًا من الأمور التى تعد جناية أو جنحة بحسب القانون، ثم عاقب فى المادة 178 مكررًا ثالثًا على كل من صنع أو حاز بقصد الاتجار أو التوزيع أو الإيجار أو اللصق
أو العرض صورًا من شأنها الإساءة إلى سمعة البلاد سواء كان بمخالفة الحقيقة أو بإعطاء وصف غير صحيح أو بإبراز مظاهر غير لائقة. وعاقبت المادة 179 كل من أهان رئيس الجمهورية، وكل من عاب فى حق ملك أو رئيس دوله أجنبية وكل من عاب فى حق ممثل لدولة أجنبية معتمد فى مصر بسبب أمور تتعلق بوظيفته (م182)، وكل من أهان أو سب مجلس الشعب أو مجلس الشورى أو غيرهما من الهيئات النظامية أو الجيش أو المحاكم
أو السلطات أو المصالح العامة ( م 184)، وكذلك كل من نشر بسوء قصد أخباراً أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو أوراقًا مصطنعة أو مزورة. إذا كان من شأن ذلك تكدير السلم العام أو إثارة الفزع بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة. كما عاقب فى المادة 308 على العيب أو الإهانة أو القذف أو السب الذى يتضمن طعنًا فى عرض الأفراد أو خدشًا لسمعة العائلات وشدد المشرع العقوبة فى الحالات السابقة إذا تمت بواسطة النشر فى الصحف.
ومن حيث إن المشرع، فى قانون العقوبات بعد أن حدد العقوبات التى يحكم بها على الصحفى مرتكب الجريمة الصحفية وهى الحبس والغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين أجاز فى المادة 198 منه لرجال الضبطية القضائية ضبط كل الكتابات أو الرسوم أو الأعداد الصحفية تحت إشراف النيابة العامة المختصة ورئيس المحكمة الابتدائية أو من يقوم مقامه الذى يصدر قراره بتأييد أمر الضبط أو بإلغائه وبالإفراج عن الأشياء المضبوطة. كما أجاز فى المادة 200 من قانون العقوبات، للمحكمة فى حالة إدانة رئيس التحرير المسئول أو الناشر أو صاحب الجريدة فى جناية ارتكبت بواسطه الجريدة أو فى جريمة من الجرائم المنصوص عليها فى المادتين 179، 308 من قانون العقوبات الحكم بتعطيل الجريدة لمدة مؤقتة على النحو المبين فى تلك المادة.
ومن حيث إن البادى مما تقدم من نصوص، وبالقدر اللازم للفصل فى طلب وقف التنفيذ أن المشرع التزامًا منه بحرية الصحافة وحرية التعبير عن الرأى التى كفلها الدستور، حدد تحديدًا واضحًا، لا يداخله شك أو غموض مسئولية الصحفى والصحيفة والجرائم الصحفية، والعقوبات المحددة لها والتى يجوز للمحاكم توقيعها على الصحفى. كما حد التدابير التى يمكن اتخاذها ضد الصحيفة التى أساءت استعمال حرية الصحافة وحرية التعبير عن الرأى وارتكبت إحدى الجرائم الصحفية، وحصرها فى الجزاءات والتدابير التى وردت فى قانون العقوبات وفى المسئولية التأديبية كما وردت فى قانون تنظيم الصحافة، فقد حدد المشرع على سبيل الحصر والتعيين تلك الجزاءات. والتى خَوَّل المحاكم ـ من خلال تطبيق أحكام القانون ـ توقيعها على الصحفى مرتكب جريمة النشر والجريدة التى تولت هذا النشر، وفى مجال التدابير ضد الجريدة أجاز المشرع للمحاكم ضبط ومصادرة الأعداد الصحفية المخالفة، ثم أجاز لها عند إدانة الصحفى أو رئيس التحرير الحكم بتعطيل الجريدة لمدة مؤقتة. ومن ثَمَّ وعلى ضوء نصوص التجريم والعقاب عن الجرائم الصحفية كما وردت فى القانون، لم تتضمن هذه النصوص ما يجيز للمحاكم سلطة إلغاء ترخيص الصحيفة من بين الجزاءات التى خَوَّلها المشرع للقضاء واكتفى فقط بسلطته فى تعطيل صدور الجريدة بصفة مؤقتة، جوازيًا أحيانًا ووجوبيًا فى أحيان أخرى، وبذلك حافظ المشرع على حماية حرية الصحافة، وحرية النشر والتعبير عن الرأى وضمان استمرارها دون حظر أو إلغاء، كما حفظ للسلطة القضائية سلطانها على الصحف التى تسيء استعمال هذه الحرية بما ترتكبه من جرائم صحفية بما حدده من جزاءات دون مصادرة لهذه الحرية.
ومن حيث إن هذا الحظر التشريعى بعدم إلغاء ترخيص الصحيفه نهائيًَا لا يخاطب القضاء الجنائى وحده، وإنما يخاطب ـ أيضًا ـ باعتباره تنظيمًا شاملاً لحرية الصحافة ـ القضاء الإدارى على أساس أن القانون يخاطب سلطات الدولة بما فيها السلطة القضائية بفرعيها العادى والإدارى، ومن ثَمَّ لا يجوز للقضاء الإدارى الحكم بإلغاء ترخيص صحيفة، بعد صدوره صحيحًا أو بعد تحصنه واستقرار المركز القانونى للصحيفة فى الحياة الصحفية، حيث حظر المشرع ذلك، وهو الأمر المستفاد من أن التشريعات المنظمة للتراخيص والممارسة الصحفية وللجرائم الصحفية والجزاءات المحددة لها، لم تتضمن أى نص يجيز للقضاء الإدارى المساس بهذا الترخيص إلغاءً أو تعطيلاً بمناسبة النظر فى المنازعة الإدارية حول التراخيص الصحفية واستمرارها بسبب ممارستها الصحفية وإساءة استعمالها للحرية الصحفية. واكتفى المشرع فى هذا التنظيم بما خوَّله فقط للقضاء الجنائى من حق تعطيل صدور الجريدة لمدة مؤقتة دون إلغاء ترخيصها ـ ومن ثَمَّ لا يملك القضاء الإدارى فى ضوء التشريعات السارية إلغاء أو تعطيل تراخيص الممارسة الصحفية لأى سبب من الأسباب التزامًا بإرادة المشرع فيما قرره بشأن تنظيم الصحافة إصدارًا أو ممارسةً، لأن مثل هذا القضاء يأتى على خلاف مراد المشرع فيما قرره بالنسبة للشأن الصحفى، كما أن إلغاء ترخيص الصحيفة يعتبر من قبيل التدابير الجزائية التى تنال من حرية الصحافة والتى يرتبط توقيعها بتقدير المشرع الذى لم يقدر الوصول بهذا الجزاء إلى مرحلة إلغاء ترخيص إصدار الصحيفة، الأمر الذى ينتفى معه ركن الجديه اللازم لوقف التنفيذ.
ومن حيث إنه لما كان ذلك وكان الحكم المطعون، فى مجال استظهار ركن الجدية قد أخذ بغير ذلك، وقضى بغير نص بوقف تنفيذ قرار الترخيص بإصدار جريدة “النبأ الوطنى” بسبب ممارستها الصحفية فى العددين الصادرين بتاريخ 17، 18/6/2001 فإنه يكون ـ وفقًا للظاهر من النصوص ـ قد أخطأ فى تفسير القانون وتأويله، ويكون ما انتهى اليه من توافر ركن الجدية ـ وإن طلب إلغاء ترخيص الصحيفة مرجح القبول عند النظر فى الموضوع، غير قائم على سند سليم من القانون.
وحيث إنه عن ركن الاستعجال، فإن مناط توافر عنصر الاستعمال هو أن يترتب على استمرار ترخيص الصحيفه نتائج وآثار يتعذر تداركها،ومفهوم ما تقدم ولازمه أن تكون تلك النتائج وهذه الآثار مؤكدة الوقوع ومعلومة علمًا يقينيًا وقت الحكم بوقف الترخيص فلا يجوز وقف تنفيذ قرار أو ترخيص غير معلومة آثاره ونتائجه لتعلقه بأمور مستقبلية لا يمكن الجزم بوقوعها فهى مجرد أمور أو نتائج محتملة غير مؤكدة الوقوع وتدخل فى دائرة الاحتمال. كما أن هذا القول يقوم على أساس افتراض حدوث نتائج ظنية الحدوث ولا دليل عليها ولا على حتمية وقوعها لأنه يقوم على افتراض أن الجريدة سوف تستمر فى ارتكاب المخالفات والجرائم الصحفية فى المستقبل استنادًا إلى ماضيها وهذا قول يقوم بلا شك على الظن والتخمين لا على القطع واليقين، لتعلقها بوقائع وأحداث تتعلق بالمستقبل قد تقع وقد لا تقع فى ضوء أنه تم عقاب الجريدة ورئيس تحريرها، وقد يؤتى هذا العقاب أثره فى زجر الصحيفة وإقلاعها عن العودة إلى نشر ما يوقعها تحت طائلة القانون مرة أخرى خشية العقاب.
وحيث إنه من جهة أخرى فإن الخطورة الناجمة عن شخص معين ارتكب جريمة أو جرائم معينة واكتمل القصاص منه بشأنها، هذه الخطورة لا تزيد على أن تكون احتمالاً لأن ينزلق الشخص مستقبلاً فى جريمة أو جرائم أخرى غير معينة وأنه ينبغى التحوط لها، باتخاذ تدابير معينة تنال من حريته الشخصيه فإن هذه الجريمة المحتملة التى لم ترتكب بعد والتى يراد توقيها من خلال التدابير التى يحكم بها فإن فى ذلك إحداثًا لحالة إجرامية مفترضة بلا دليل على قيام علاقة حتمية بين ارتكاب الشخص لجريمة أو جرائم سابقة وبين ترديه والعودة إليها من جديد فى المستقبل، فذلك مما يناقض قرينة أو افتراض البراءة فى أى شخص بأن يدان لا عن جريمة أتاها وتتخذ عقوبتها بالنظر إلى جسامتها، بل بناءً على محض افتراض بالاستمرار فى الإجرام لا رجوع عنه ومن ثَمَّ لا يجوز ترتيب آثار على مجرد خطورة متوقعة من شخص معين لا تتسم باليقين، بل تقوم فى بنيانها على أن الجرائم التى ارتكبت من قبل هى دليل حاضره ومحددة لمسيرة مستقبله. كما أن القول بأن مواجهة النزعة الإجرامية الكامنة فى نفس من حكم عليه أكثر من مرة لازمها اتخاذ تدابير تردها فذلك مردود بأنه لمحكمة الموضوع تقدير مناسبة الجريمة الأخيرة التى ارتكبها وجزاءها الملائم لها آخذة فى اعتبارها سجل الشخص الإجرامى.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه على توافر عنصر الاستعجال على افتراض استمرار الصحيفة فى استخدامها وسيلة لنشر أمور هى فى حكم القانون جرائم صحفية ورتب على ذلك قضاءه بوقف ترخيص الصحيفة ـ كشق عاجل فى الدعوى ـ فإنه يكون قد بنى قضاءه على أمور مستقبلية مجهولة وافترض فى الصحيفة ارتكابها جرائم صحفية لم تقع، فجَّرم وقائع لم تحدث وافترض خطورة منها لا يقين فيها ولا على حتمية وقوعها دليل وبذلك تكون المحكمة قد استخلصت وجود عنصر الاستعجال من أمور غير قائمة وبنيت على الافتراض.
وحيث إنه وقد استظهرت المحكمة على النحو المتقدم ـ من ظاهر الأوراق ونصوص القانون ـ وبالقدر اللازم للفصل فى الشق العاجل المطروح عليها فى الطعن ـ عدم توافر ركنى الجدية والاستعجال اللازمين لوقف تنفيذ ترخيص الصحيفة محل الطعن، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بوقف تنفيذ قرار الترخيص بصدور جريدة “النبأ الوطنى”، فإنه يكون ـ حسب الظاهر من الأوراق ـ قد أخطأ فى تطبيق القانون وتفسيره، الأمر الذى يتعين معه الحكم بإلغائه والقضاء مجددًا برفض طلب وقف ترخيص الجريدة.
والمحكمة لا يفوتها أن تسجل استنكارها لما نشرته الجريدة من وقائع مؤسفة غير لائقة تعرضت فيها للحياة الخاصة لأحد المصريين، إلا أن المحكمة التزامًا منها بأحكام الدستور والقانون واحترامًا لإدارة المشرع فيما قدره من جزاء وعقوبة فى القانون، سواء بالنسبة للصحفى أو بالنسبة للصحيفة حسبما وردت فى قانون العقوبات وقانون تنظيم الصحافة ورأى فيها الجزاء الأوفى لا يسعها إلا تطبيق حكم القانون فى حدود صلاحيتها وفقًا للقانون وما قدره المشرع فى الشأن الصحفى، وحسب المحكمة والمصريين جميعًا أن الصحفى المسئول أحيل للمحاكمة الجنائية ونال جزاءه القانونى بما حكم عليه جنائيًا بخلاف المساءلة التأديبية المتاحة قانونًا.
حكمت المحكمة
بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وألزمت المطعون ضده الأول بصفته المصروفات.