جلسة 9 من يونيه سنة 2010
الطعن رقم 12829 لسنة 51 القضائية عليا
(الدائرة العاشرة)
تلتزم الدولة بتوفير العلاج والرعاية الطبية، ولا سبيل لها للنكول عن مباشرة ذلك الالتزام بدعوى ارتفاع أسعار الدواء أو قصور في الموازنة المخصصة أو غير ذلك من الأسباب– إذا كان سبب امتناع الهيئة العامة للتأمين الصحي عن صرف الدواء المطالب به هو ارتفاع سعره، دون أن تقدم تقارير طبية تفيد أن الدواء المطالب به أو جرعاته ليس مطلوبا بشأن حالة الطالب المرضية ، فإن الأمر يخرج عن النطاق الفني البحت الذي يستقل بتقديره المتخصصون إلى النطاق المالي الذي تملك المحكمة القضاء فيه على ضوء القواعد القانونية.
-المادة (17) من دستور 1971.
-المواد (47) و (72) و (85) من قانون التأمين الاجتماعي، الصادر بالقانون رقم (79) لسنة 1975.
في يوم الثلاثاء الموافق 10/5/2005 أودع قلم كتاب هذه المحكمة تقرير الطعن الماثل على الحكم المطعون عليه الصادر عن محكمة القضاء الإداري بطنطا في الدعوى رقم 3042 لسنة 12ق، الذي جاء منطوقه بقبول الدعوى شكلا، وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار على النحو المبين بالأسباب، وإلزام الهيئة المدعى عليها مصروفات هذا الطلب ومبلغ مئة جنيه مقابل أتعاب المحاماة، وإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني في موضوعها.
وطلب الطاعنان في ختام تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلا وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون عليه، وفي الموضوع بإلغاء الحكم الصادر في الدعوى رقم 3042 لسنة 12ق، مع إلزام المطعون ضدها المصروفات.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانوني في الطعن، ثم نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون التي أمرت بإحالة الطعن إلى هذه المحكمة، حيث تدوول أمامها بالجلسات على النحو الثابت بالمحاضر، ثم قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة 26/5/2010، وفيها تقرر مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم لإتمام المداولة، وبها صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، والمداولة قانونا.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية لذا فهو مقبول شكلا.
ومن حيث إن عناصر المنازعة في الطعن تتحصل في أن المطعون ضدها أقامت الدعوى المطعون في الحكم الصادر فيها بصحيفة أودعت بتاريخ 10/ 3/2005 أمام محكمة أول درجة، طالبة في ختامها الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن صرف الدواء الموضح بصدر الصحيفة، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها صرف الأدوية اللازمة لعلاجها، مع إلزام جهة الإدارة المصروفات.
وذكرت شرحا للدعوى أنها مصابة بتليف في الكبد وتضخم بالطحال نتيجة فيروس (c) وسكر متقدم، وكانت تصرف لها الأدوية المشار إليها بصحيفة الدعوى، ثم فوجئت بامتناع الهيئة العامة للتأمين الصحي عن صرفها لارتفاع ثمنها، وأنها حاولت مرارا صرف الدواء دون جدوى مما حداها على إقامة الدعوى الماثلة للقضاء لها بما تقدم من طلبات.
وبجلسة 28/3/2005 حكمت المحكمة بالحكم المطعون عليه، وشيدت قضاءها على أسباب تخلص في أن هناك التزاما على الدولة كفله الدستور ونص عليه القانون، وهو تحقيق العلاج والرعاية للمواطنين جميعا، ومن بينهم العاملون المدنيون بالدولة، وهذا الالتزام لا ينفك عن الدولة إلا باستقرار الحالة المرضية أو بالإبراء من المرض، وأن تشخيص المرض وتحديد العلاج المناسب له أمر فني تستقل بتقديره وتقريره جهة طبية متخصصة لا ينازعها في ذلك أحد.
ومن حيث إنه لما كانت المدعية قدمت تقريرًا طبيًا صادرًا عن معهد الكبد بجامعة المنوفية يثبت ما سبق وأوضحته بصدر صحيفة الدعوى، وأنها تحتاج إلى الدواء المدون بالتقرير الطبي المرافق، وكان سبب امتناع الهيئة المدعى عليها عن صرف الدواء المطالب به للمدعية هو ارتفاع سعره، فإن الأمر قد خرج من النطاق الفني البحت الذي يتمثل في كون الدواء صالحا لعلاج الحالة من عدمه، إلى النطاق المالي الذي تملك المحكمة القضاء فيه على ضوء القواعد القانونية، وبالتالي فليس من الجائز قانونا التذرع بارتفاع ثمن الدواء كسبب للامتناع عن توفيره لمريض وهو في أمس الحاجة إليه، وانتهت المحكمة إلى حكمها المطعون عليه.
……………………………………………………………………..
ولم يرتض الطاعنان هذا الحكم فأقاما الطعن الماثل استنادا إلى أسباب حاصلها أن الحكم خالف القانون وأخطأ في تطبيقه؛ لانتفاء ركن الخطأ في جانب جهة الإدارة، فضلا عن أن محاكم مجلس الدولة غير مختصة ولائيا بنظر الدعوى، تأسيسا على أنه ليس هناك قرار إداري يمكن الطعن عليه، ومن ثم كان يتعين معه على محكمة القضاء الإداري أن تقضي بعدم اختصاصها ولائيا، أو أن تقضي برفض الدعوى.
……………………………………………………………………..
-ومن حيث إنه عن الدفع بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة ولائيا بنظر الدعوى تأسيسا على أنه ليس ثمة قرار إداري يمكن الطعن عليه، فإن ذلك مردود عليه بأن حقيقة المنازعة الماثلة أنها منازعة إدارية بين الطاعنة والهيئة المطعون ضدها حول كيفية تقديم العلاج والرعاية الطبية للطاعنة بتقديم الدواء المشار إليه بصحيفة الطعن أو بأية وسيلة أخرى تقررها الجهات الفنية في الهيئة المطعون ضدها، ومن ثم فإن النزاع الماثل يدخل في مفهوم المنازعات الإدارية الواردة في البند الرابع عشر من المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972، ومن ثم يتعين رفض الدفع المشار إليه واختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر النزاع.
-ومن حيث إنه عن موضوع الطعن فإنه يلزم لوقف تنفيذ القرار توافر ركنين مجتمعين أولهما أن يستند الطلب إلى أسباب جدية، وثانيهما أن يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها.
ومن حيث إن المادة (17) من الدستور تنص على أن: “تكفل الدولة خدمات التأمين الاجتماعي والصحي ومعاشات العجز عن العمل والبطالة والشيخوخة للمواطنين وذلك وفقا للقانون”.
وتنص المادة (47) من القانون رقم 79 لسنة 1975 بشأن التأمين الاجتماعي على أنه: “يقصد بالعلاج والرعاية الطبية ما يأتي: …
5- العمليات الجراحية وأنواع العلاج الأخرى حسبما يلزم. … 7- صرف الأدوية اللازمة في جميع الحالات المشار إليها فيما تقدم”.
وتنص المادة رقم (72) منه على أن: “يمول تأمين المرض بما يأتي:
(1) الاشتراكات الشهرية، وتشمل:
(أ) حصة صاحب العمل، وتقدر على النحو الآتي:
1– 3% من أجور المؤمن عليهم بالجهاز الإداري للدولة والهيئات والمؤسسات العامة والوحدات الاقتصادية التابعة لأي من هذه الجهات والوحدات الاقتصادية الأخرى بالقطاع العام.
2 – 4% من أجور المؤمن عليهم المنصوص عليهم بالبندين (ب) و (جـ) من المادة 2…”.
كما تنص المادة رقم (85) من ذات القانون على أن: “تتولى الهيئة العامة للتأمين الصحي علاج المصاب أو المريض ورعايته طبيا إلى أن يشفى أو يثبت عجزه وللهيئة القومية للتأمين الاجتماعي الحق في ملاحظة المصاب أو المريض حيثما يجري علاجه. ويقصد بالعلاج والرعاية الطبية ما هو منصوص عليه بالمادة 47 …”
ومن حيث إن المستفاد مما تقدم أن الدستور احتراما لحق الأفراد في الحياة والمحافظة على الصحة العامة للمواطنين دعم التأمين الاجتماعى والصحي، وناط بالدولة كفالة تقديم الخدمة الصحية للمواطنين، وهو ما يمثل الحد الأدنى من المعاملة الإنسانية للمواطنين، وهذا الواجب الدستوري المنوط بالدولة محظور عليها النكول عن القيام به، فالدولة ملتزمة بالعلاج والرعاية الطبية، وذلك بإجراء العمليات الجراحية وأنواع العلاج الأخرى، وكذلك صرف الأدوية اللازمة، كما حدد القانون وسيلة تمويل تأمين المرض عن طريق اشتراكات شهرية تخصم من العاملين وغيرهم من المواطنين، وذلك بالنسب المنصوص عليها في القانون، وكذلك لا تُرخَّص في مباشرته بدعوى ارتفاع أسعار الدواء أو قصور في الموازنة المخصصة أو غير ذلك من الأسباب، خاصة إذا انجلى مرض المواطن بتقارير طبية قاطعة يستوجب ترياقا غلا سعره أو تدخلا جراحيا حاسما يخفف عن المريض آلامه.
ومن حيث إن تأثير تعاطي أي دواء على المريض وما يمكن أن يسببه من مشاكل صحية أو مضاعفات لا يمكن القطع به إلا بمعرفة المتخصصين وبعد إجراء التحاليل والفحوص الطبية اللازمة، كما أن مدة العلاج قد تختلف من مريض لآخر، وجرعات العلاج والأدوية قد تزيد أو تنقص حسب حالة المريض، وهو الأمر الذي يتعين معه أن يكون تعاطي هذا الدواء تحت الإشراف الطبي المباشر في أحد المستشفيات التابعة للهيئة العامة للتأمين الصحي أو المستشفيات المتعاقد معها، ولا يمكن صرف هذا الدواء للمدعي بيده يتناوله في عيادة خاصة أو طبيب خاص؛ لما قد يترتب على ذلك أيضا من أثر في حياته إذا تغيرت ظروفه الصحية أو الجرعة المطلوبة أو إذا استدعت ظروفه الصحية وقف العلاج.
ومن حيث إنه لما كانت المطعون ضدها قدمت تقريرًا طبيا يثبت حالتها الصحية وأنها تحتاج إلى الدواء المدون بالتقرير المشار إليه، وكان سبب امتناع الهيئة الطاعنة عن صرف الدواء المطالب به هو ارتفاع سعره، فإن الأمر قد خرج عن النطاق الفني البحت الذي يتمثل في كون الدواء صالحا لعلاج الحالة من عدمه إلى النطاق المالي الذي تمتلك المحكمة القضاء فيه على ضوء القواعد القانونية، وبالتالي فليس من الجائز قانونا التذرع بارتفاع ثمن الدواء كسبب للامتناع عن توفيره لمريض وهو في أمس الحاجة إليه، سيما وأن الهيئة العامة للتأمين الصحي لم تقدم أي تقارير طبية تفيد أن الدواء المطالب به أو جرعاته ليس مطلوبا بشأن حالة المطعون ضدها المرضية، ومن ثم يكون امتناعها عن صرف الدواء المقرر للمطعون ضدها غير قائم على أساس سليم من القانون، وبالتالي يتوفر ركن الجدية في طلب وقف التنفيذ كما يتوفر ركن الاستعجال بالحفاظ على حياة المطعون ضدها؛ ذلك أن الامتناع عن تلبية الدواء الفعال لها هو من قبيل تعريض حياتها للخطر، الأمر الذي يتعين معه القضاء بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وهو ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه، فيكون صحيحا ويكون الطعن عليه فاقدا سنده في غير محله جديرا بالرفض، وإلزام الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات، بحسبانها قد خسرت الطعن عملا بحكم المادة (184) من قانون المرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعا، وألزمت الطاعنين المصروفات.