جلسة 17 من مايو سنة 2009
(الدائرة السابعة)
الطعن رقم 10260 لسنة 51 القضائية عليا.
أعضاء هيئة التدريس– تعيين– السلطة التقديرية لرئيس الجامعة فى تعيين عميد الكلية أو المعهد- الأقدمية أو الكفاية العلمية لا يكفيان بذاتهما لإثبات جدارة المرشح ([1]) .
لم يقيد المشرع سلطة رئيس الجامعة بقيود محددة عند تعيين عمداء الكليات والمعاهد التابعة للجامعة، بل جعلها سلطة تقديرية فى اختيار من يراه رئيس الجامعة أصلح على تصريف أمور الكلية إدارياً ومالياً وفنياً، ولا يحده فى ذلك سوى إساءة استعمال السلطة- التعيين فى الوظائف العامة من الملاءمات التقديرية التى تترخص فيها الجهة الإدارية فى حدود ما تراه متفقاً مع المصلحة العامة، وبمراعاة ما يكون قد حدده المشرع من شروط للصلاحية أو من عناصر يراها عند المفاضلة لازمة لتبيان أوجه الترجيح عند المزاحمة بين المرشحين للتعيين– إذا لم يحدد المشرع عناصر المفاضلة فإن تقدير الجهة الإدارية فى ذلك يكون مطلقاً من كل قيد مادام قد خلا من إساءة استعمال السلطة، وهو أمر لا يكفي لإثباته فى هذا المجال مجرد خلو ملف المرشح من الشوائب، أو كونه كفئاً فى تخصصه كأستاذ، أو عمله لدى الكثير من المنظمات الدولية والعربية والوطنية، أو كثرة أبحاثه وغزارة إنتاجه العلمي، كما لا يكفي لإثبات إساءة استعمال السلطة أقدمية من لم يتم تعيينه من المرشحين عن المعين– تطبيق.
في يوم الأربعاء الموافق 6/4/2005 أودع وكيل الطاعن بصفته قلم كتاب هذه المحكمة تقريراً بالطعن على الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالمنوفية في الدعوى رقم 216 لسنة 4 ق بجلسة 3/3/2005 الذي قضى أولا- بقبول تدخل/ … خصماً منضماً للجامعة المدعى عليها، وثانيا- بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار رقم 837 لسنة 2002 إلغاءً مجرداً، وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجامعة المدعى عليها المصروفات.
وطلب الطاعن للأسباب الواردة في تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداً برفض الدعوى وإلزام المدعي المصروفات عن درجتي التقاضي.
وقد تم إعلان تقرير الطعن على النحو المقرر قانوناً.
وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الجامعة المصروفات.
وتدوول نظر الطعن بجلسات المرافعة أمام هذه المحكمة على النحو الثابت بمحاضرها بعد أن أحيل إليها من دائرة فحص الطعون، وبجلسة 8/2/2009 قررت إصدار الحكم بجلسة 10/5/2009 ومد أجل النطق به لجلسة اليوم، حيث صدر هذا الحكم وأودعت مسودته مشتملة على أسبابه لدى النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد إتمام المداولة.
وحيث إن عناصر الطعن تخلص – حسبما يبين من الأوراق – في أن المطعون ضده كان قد أقام الدعوى رقم 216 لسنة 4 ق بإيداع عريضتها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بالمنوفية بتاريخ 2/11/2002 طالباً الحكم بإلغاء قرار رئيس جامعة المنوفية رقم 837 لسنة 2002 فيما تضمنه من تجديد تعيين … عميداً لكلية الآداب بالجامعة لفترة ثلاث سنوات إلغاءً مجرداً وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجامعة المصروفات.
وذكر شرحاً لدعواه أنه تدرج في الوظائف الجامعية منذ عام 1977 إلى أن شغل أول رئيس لقسم الجغرافيا بكلية الآداب جامعة المنوفية ورقي لدرجة أستاذ في عام 1992 وشغل منصب وكيل الكلية لخدمة المجتمع والبيئة منذ عام 1996 ثم وكيلاً للكلية وللدارسات العليا منذ عام 1999 وفوجئ بصدور قرار بتعيين أ.د/ … عميداً للكلية، فتظلم من هذا القرار وانتظر انتهاء فترة العمادة لتصحيح الوضع، إلا أنه فوجئ بصدور القرار المطعون فيه بتجديد تعيينها لمدة ثلاث سنوات أخرى رغم حصولها على درجة الأستاذية في 31/1/1999 قبل تعيينها الأول عميدة بثمانية أشهر، بينما هو يشغل هذه الدرجة منذ عام 1995 وسيرته الذاتية حافلة بما يزكيه لشغل هذا المنصب.
وبجلسة 3/3/2005 قضت المحكمة المذكورة أولا- بقبول تدخل الدكتورة/ …خصماً منضماً للجامعة. ثانيا- بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه إلغاءً مجرداً، وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجامعة المدعى عليها المصروفات.
وشيدت المحكمة قضاءها على أن سلطة رئيس الجامعة المقررة بنص المادة (43) من قانون تنظيم الجامعات الصادر بالقانون رقم 49 لسنة 1972 وإن كانت سلطة تقديرية في تعيين عميد الكلية أو المعهد، إلا أنها ليست طليقة من كل قيد، ولا تفلت من رقابة القضاء للتثبت من صدور القرار استناداً إلى سبب صحيح، وبراءته من عيب إساءة استعمال السلطة، ويستشف من نصوص قانون الجامعات أنها تنتقي اختيار الأكثر دراية وخبرة عند التعيين في المناصب الجامعية، كما هو الحال عند تعيين (رئيس قسم)، بأن أوجب النص أن يكون الاختيار من بين أقدم ثلاثة أساتذة، والمدعي أسبق من المطعون على تعيينها، سواء من حيث الخبرة العلمية أو من حيث الأقدمية في درجة أستاذ، ومن حيث تولي المناصب القيادية بالكلية، ولم تقدم الجامعة دليلاً على أفضلية المطعون على تعيينها على المدعي، مما يجعل الاختيار مفتقداً للدقة الواجبة، وتكون النتيجة التي خلص إليها القرار مستخلصة استخلاصاً غير سائغ من الأوراق، ويضحى معه هذا القرار جديرا بالإلغاء إلغاءً مجردا وما يترتب على ذلك من آثار.
ولم يلق هذا القضاء قبولاً لدى الجامعة فأقامت طعنها الماثل ناعية على هذا الحكم الخطأ في تطبيق القانون ومخالفة نص المادة (43) من قانون الجامعات التي أعطت رئيس الجامعة السلطة التقديرية في تعيين عميد الكلية لا يحده في ذلك سوى إساءة استعمال السلطة، وهو ما خلت منه الأوراق، وأن القانون لم ينص على إجراء مفاضلة بين المرشحين من حيث الأقدمية أو غيرها، وأن السيرة الذاتية للمطعون على تعيينها حافلة بما يؤهلها لشغل منصب عميد الكلية.
ورداً على ذلك قدم المطعون ضده حافظة مستندات ومذكرة جاء فيها أن الجامعة نفذت الحكم المطعون فيه بتاريخ 29/5/2005 وأن قانون تنظيم الجامعات أكد على الاعتداد بالأقدمية في كثير من نصوصه منها المواد (36)، (40)، (47) في شأن تعيين رؤساء الأقسام والمعيدين والمدرسين المساعدين، وتشكيل مجلس الكلية، وأن المحكمة الإدارية العليا (دائرة فحص الطعون) قضت في الطعنين رقمي 3455، 3458 لسنة 48 ق. عليا بجلسة 5/6/2002 في حالة مماثلة تماماً بمثل ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه.
وحيث إن الطعن قد رفع في الميعاد مستوفياً سائر أوضاعه الشكلية فهو مقبول شكلاً.
وحيث إنه عن موضوع الطعن فقد نصت المادة (43) من قانون تنظيم الجامعات الصادر بالقانون رقم 49 لسنة 1972 على أن: “يعيِّن رئيس الجامعة المختص عميد الكلية أو المعهد التابع للجامعة من بين الأساتذة العاملين بها لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد، وفي حالة عدم وجود أساتذة في الكلية أو المعهد لرئيس الجامعة أن يندب أحد الأساتذة من الكليات أو المعاهد التابعة للجامعة للقيام بعمل العميد، وله أن يندب أحد الأساتذة المساعدين من ذات الكلية أو المعهد للقيام بعمل العميد…”.
ومفاد ما تقدم أن المشرع ناط برئيس الجامعة تعيين عميد الكلية أو المعهد التابع للجامعة رئاسته من بين الأساتذة بالكلية أو المعهد، وأجاز المشرع لرئيس الجامعة ندب أحد الأساتذة من خارج الكلية لشغل منصب العميد إذا لم يكن بالكلية أو المعهد أي من الأساتذة، كما أجاز له ندب أحد الأساتذة المساعدين من الكلية أو المعهد للقيام بعمل العميد.
ومؤدى ذلك أن المشرع لم يقيد سلطة رئيس الجامعة بقيود محددة عند تعيين عمداء الكليات والمعاهد التابعة للجامعة، بل جعلها سلطة تقديرية في اختيار من يراه رئيس الجامعة أصلح على تصريف أمور الكلية إدارياً ومالياً وفنياً، ولا يحده في ذلك سوى إساءة استعمال السلطة.
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن التعيين في الوظائف العامة من الملاءمات التقديرية التي تترخص فيها الجهة الإدارية في حدود ما تراه متفقاً مع المصلحة العامة، وبمراعاة ما يكون قد حدده المشرع من شروط للصلاحية أو من عناصر يراها عند المفاضلة لازمة لتبيان أوجه الترجيح عند المزاحمة بين المرشحين للتعيين، وإذ لم يحدد المشرع عناصر المفاضلة فإن تقدير الجهة الإدارية في ذلك يكون مطلقاً من كل قيد، مادام قد خلا من إساءة استعمال السلطة، وهو أمر لا يكفي لإثباته في هذا المجال مجرد خلو ملف المرشح من الشوائب أو كونه كفئاً في تخصصه كأستاذ أو عمله لدى الكثير من المنظمات الدولية والعربية والوطنية أو كثرة أبحاثه وغزارة إنتاجه العلمي، فقد يكون الأستاذ عالماً جليلاً نابغاً في مادته العلمية، ولكن تعوزه بعض المهارات الإدارية كقيادي لتسيير عمل إداري معين بالكلية أو الجهة التي يعمل بها، كما لا يكفي لإثبات إساءة استعمال السلطة أقدمية من لم يتم تعيينه من المرشحين عن المعين، إذ إن ذلك لم يرد في نص المادة (43) سالفة الذكر كمعيار للأفضلية في التعيين، ولو أراد المشرع ذلك لنص عليه صراحة كما هو الحال في نص المادة (56) من قانون تنظيم الجامعات فيما يتعلق بتعيين رئيس مجلس القسم حيث قيده بأن يكون من بين أقدم ثلاثة أساتذة.
(في هذا المعني حكم هذه المحكمة في الطعن رقم 4000 لسنة 53 ق. عليا بجلسة 22/2/2009)
وعلى هدي ما تقدم ولما كان الثابت بالأوراق أنه بتاريخ 4/11/1999 صدر قرار بتعيين الأستاذة الدكتورة/ … عميداً لكلية الآداب جامعة المنوفية لمدة ثلاث سنوات، ثم صدر قرار رئيس الجامعة رقم 837 لسنة 2002 بتاريخ 20/10/2002 بتجديد تعيينها في منصب العميد لمدة ثلاث سنوات أخرى، وذلك وفقاً لما نصت عليه المادة (43) سالفة الذكر في ضوء السلطة التقديرية لرئيس الجامعة ولم يقدم المطعون ضده ما يفيد إساءة استعمال رئيس الجامعة لسلطته التقديرية في هذا التعيين، وهو من العيوب القصدية التي يتعين على صاحب الشأن أن يقيم الدليل القاطع عليها، ولا يكفي مجرد الركون إلى الأقدمية وأنه أكفأ منها وتوليه العديد من المناصب، إذ إن ذلك مما يدخل في تقدير السلطة المختصة التي لا يجوز الحلول محلها فيه، طالما لم يلزمها المشرع بأقدمية معينة أو قواعد ثابتة، ولو أراد المشرع ذلك لنص عليه صراحة، ولما غاير في نص المادة (43) سالفة الذكر بإطلاق عبارة من بين الأساتذة دون أقدمية معينة عن بعض المواد الأخرى التي اشترط فيها أقدمية معينة، فضلاً عن ثبوت قيام المطعون على تعيينها بمهام المنصب التي تم التجديد لها فيه في الفترة السابقة على التجديد مما ينتفي معه عيب إساءة استعمال السلطة لدى هذا التجديد.
وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى غير هذا المذهب وقضى بإلغاء القرار رقم 837 لسنة 2002 المطعون فيه إلغاءً مجرداً فإنه يكون قد خالف صحيح حكم القانون مما يتعين معه الحكم بإلغائه والقضاء مجدداً بقبول الدعوى شكلاً وبرفضها موضوعاً وإلزام المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي.
ولا يغير من ذلك ما استند إليه المطعون ضده من سبق صدور حكم لدائرة الفحص في الطعنين رقمي 3455، 3458 لسنة 48 ق. عليا بجلسة 5/6/2002 ذلك أنه فضلاً عن أن استظهار عيب إساءة استعمال السلطة -وهو من العيوب القصدية- يختلف من واقعة إلى أخرى حسب الظروف والملابسات المحيطة بها، فقد استقر قضاء المحكمة الإدارية العليا -على نحو ما قضت به بجلسة 22/2/2009 في الطعن رقم 4000 لسنة 53 ق. عليا المشار إليه- على أن سلطة رئيس الجامعة في تعيين عمداء الكليات سلطة تقديرية لا يحدها في ذلك سوى إساءة استعمال السلطة، ولا يثبتها أقدمية أحد المرشحين عمن تم تعيينه.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً، وألزمت المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي.
([1]) صدر القانون رقم (84) لسنة 2012 ونص في مادته الرابعة على إضافة المادة رقم (13) مكررا إلى قانون تنظيم الجامعات، ونصت على: “يتولى أعضاء هيئة التدريس ومعاونوهم اختيار شاغلي الوظائف القيادية المنصوص عليها بهذا القانون (رئيس مجلس القسم- عميد الكلية أو المعهد- رئيس الجامعة)، وذلك بطريق الانتخاب وفقا للشروط والإجراءات ومعايير المفاضلة التي يقرها المجلس الأعلى للجامعات، بمشاركة ثلاثة من رؤساء نوادي أعضاء هيئة التدريس، على نحو يضمن كفالة المساواة والعدالة بين جميع المتقدمين لشغل هذه الوظائف، وتحقيق اختيار أفضل وأكفأ العناصر الممثلة لإرادة أعضاء هيئة التدريس بالجامعات، ويصدر قرار التعيين من السلطة المختصة بالتعيين وفقا لهذا القانون، وذلك طبقا لنتيجة الانتخابات. ويلغى كل ما يخالف ذلك“.