جلسة 24 من مايو سنة 2009
(الدائرة السابعة)
الطعن رقم 124 لسنة 53 القضائية عليا.
شئون الأعضاء– التعيين في وظيفة مندوب مساعد– شرط اللياقة الصحية- الإصابة بمرض الالتهاب الكبدى (c) لا تصلح سببا للتخطي في التعيين.
أفصح الدستور صراحة أن حق المواطنين فى العمل لا يجوز إهداره أو تقييده بما يعطل جوهره، فلا يرخص لجهة الإدارة فى إطار أحكام القوانين واللوائح المنظمة أن تتدخل بقرار إداري يعطل هذا الحق منعاً له أو تقييداً لممارسته– أحاط المشرع التعيين فى أي من الوظائف القضائية بسياج من الضمانات وصولاً إلى حسن اختيار المتقدمين لشغل هذه الوظائف- حال اكتمال أهلية المرشح لشغل الوظيفة سواء من ناحية توافر شروط حسن السمعة والكفاءة الصحية كان حقه فى التعيين دستوريا، ينأى عن أي تقدير للجهة القائمة على الاختيار والذى يخضع لرقابة القضاء.
حددت أحكام قرار وزير الصحة المشار إليه أمراضاً مانعة من التعيين فى وظائف النيابة العامة، وقد خلا من إدراج الإصابة بمرض الالتهاب الكبدى (c) ضمن الأمراض المانعة من التعيين في هذه الوظائف– مؤدى ذلك: تخطي الطاعن فى التعيين في وظيفة مندوب مساعد بهيئة قضايا الدولة لإصابته بالمرض المذكور غير قائم على سبب صحيح يبرره– تطبيق.
تخلص في أن تقرير الطعن الماثل قد أودع قلم كتاب المحكمة موقعاً عليه من محام مقبول وذلك يوم الأربعاء الموافق 4/10/2006، وطلب في ختامه الحكم بإلغاء القرار الجمهوري رقم 239 لسنة 2006 فيما تضمنه من تخطي الطاعن في التعيين بوظيفة مندوب مساعد بهيئة قضايا الدولة وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وقد أعلن تقرير الطعن على الوجه المبين بالأوراق.
وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار الجمهوري رقم 239/2006 فيما تضمنه من تخطي الطاعن في التعيين بوظيفة مندوب مساعد بهيئة قضايا الدولة مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وقد نظر الطعن بجلسات المحكمة على الوجه المبين بمحاضر الجلسات وقدم أطرافه مستندات ومذكرات دفاع، وبجلسة 5/4/2009 قررت المحكمة حجز الطعن للحكم بجلسة 17/5/2009، ومذكرات في أسبوعين وفيها قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم.
وقد صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد إتمام المداولة قانوناً.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية والإجرائية.
ومن حيث إنه عن وقائع النزاع الماثل فإن الطاعن كان ضمن المتقدمين بهيئة قضايا الدولة لشغل وظيفة مندوب مساعد دفعة 2004، وقد صدر القرار المطعون فيه خلواً من اسمه رغم حصوله على ليسانس الحقوق جامعة المنوفية بتقدير عام جيد بنسبة 73.60% كما حصل على دبلوم القانون العام دور مايو 2005، وأدى المقابلة الشخصية، وصدر القرار المطعون فيه 239 لسنة 2006 خلوا من اسم الطاعن، حيث استبعدته الجهة المطعون ضدها استنادا إلى إصابته بفيروس (c)، وقدم الطاعن تظلمه، ولم ترد عليه جهة الإدارة، فأقام طعنه الماثل ناعياً على القرار صدوره مخالفاً للقانون ومشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة، فضلاً عما يمثله من اعتداء على حقه الدستوري.
ومن حيث إنه عن موضوع الطعن فإن المادة (13) من دستور جمهورية مصر العربية تنص على أن: “العمل حق وواجب وشرف تكفله الدولة، ويكون العاملون المختارون محل تقدير الدولة والمجتمع”.
وتنص المادة (1) من قرار رئيس الجمهورية رقم 2120 الصادر في 7/9/1963 بأحكام اللياقة الصحية للتعيين في الوظائف العامة على أن: “يعتبر جميع المرشحين للتعيين في الوظائف العامة بالحكومة والهيئات والمؤسسات العامة لائقين للدخول في الخدمة عدا من يثبت الكشف الطبي عليهم إصابتهم بأحد الأمراض الآتية:
أما المرشحون لوظائف تتطلب شروطا صحية معينة أو درجات إبصار خاصة فتطبق عليهم أحكام اللياقة بالجداول الملحقة بهذا القرار”.
وتنص المادة (11) من القرار سالف الذكر على أن تعتبر الجداول المرافقة لهذا القرار مكملة لأحكامه، ولوزير الصحة بقرار منه أن يعدل هذه الجداول.
ومن حيث إن المستفاد من أحكام الدستور والتشريعات المنظمة للحق في العمل أن سلطة المشرع في مجال تنظيم هذا الحق سلطة تقديرية ما لم يحدها الدستور بضوابط، وأن الحق في العمل يتصل بأسمى الحقوق (حق الحياة) بحسبان أن ضرورة صون حرية المواطن الشخصية تتصل اتصالاً مباشراً بحقوق عدة، على رأسها الحق في العمل، انطلاقاً من أن هذا الحق ليس ترفا يمكن النزول عنه، ولا هو منحة من الدولة تمنعها أو تمنحها لمن تشاء لاعتبار لا يتصل بنوع العمل والقدرات المطلوبة لإنجازه، وقد أفصح الدستور في الفقرة الأولى من المادة (13) بما لا لبس فيه ولا غموض أن حق المواطنين في العمل لا يجوز إهداره أو تقييده بما يعطل جوهره بالنظر إلى تعظيم قيمة العمل ودوره في تقدم الجماعة وإشباع احتياجاتها، ولا يرخَّص لجهة الإدارة باعتبارها القوامة على إدارة المرافق العامة في إطار وأحكام القوانين واللوائح المنظمة أن تتدخل بقرار إداري يعطل هذا الحق منعا له أو تقييدا لممارسته، فتعتد اعتسافا بمرض غير مانع لأداء العمل، خاصة إذا أفرد المشرع في قواعد عامة ومجردة حالات المنع والتأجيل، والقول بغير ذلك يمثل اعتداء صارخا على مبدأ المشروعية وتكافؤ الفرص بين المواطنين.
ومن حيث إن التعيين في إحدى الوظائف القضائية شرف يسعى إليه كل دارس للقانون التماساً لإشباع حاجة لديه بممارسة دوره الاجتماعي، وقد أحاطه المشرع بسياج من الضمانات سواء تلك التي حددها القانون، وكذا اجتياز الامتحان الذي تقوم عليه لجنة من شيوخ القضاء وصولاً إلى حسن اختيار المتقدمين لشغل هذه الوظائف، ويجب في كافة الحالات أن يكون الاختيار محاطاً بإطار من المشروعية يتحقق باستهداف المصلحة العامة، واكتمال أهلية المرشح لشغل الوظيفة، سواء من ناحية توافر شروط حسن السمعة والكفاءة الصحية والشخصية ، فإذا توافر ذلك كان حق المرشح في التعيين دستورياً ينأى عن أي تقدير للجهة القائمة على الاختيار، وتخضع قرارات الجهة الإدارية بشأنه لرقابة القضاء إعمالاً لمبدأ المشروعية.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أنه متى أفصحت الجهة الإدارية عن سبب قرارها حتى لو لم تكن ملزمة بإبدائه فإنها تخضع لرقابة القضاء للتأكد مما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانونياً.
ومن حيث إن قرار وزير الصحة رقم 184 لسنة 2001 الصادر بناء على كتاب المستشار وزير العدل بشأن قواعد اللياقة الصحية قد حدد أمراضاً مانعة للتعيين في وظائف النيابة العامة، وقد حددت أحكام القرار الوزاري المشار إليه الأمراض، وهذا التحديد الصادر عن جهة الاختصاص يمنع إدراج أي مرض من الأمراض ضمن تلك المانعة من التعيين.
ومن حيث إنه ولما كان الثابت من أوراق الطعن أن الجهة المطعون ضدها قد أفصحت عن سبب استبعاد الطاعن من التعيين في وظيفة مندوب مساعد بهيئة قضايا الدولة ، وهو ما تبين من الكشف الطبي الذي أجرى بمعرفة المعامل المركزية بوزارة الصحة من إصابته بفيروس (c)، وإذ خلا قرار وزير الصحة من إدراج هذا المرض ضمن الأمراض المانعة من التعيين في وظيفة مندوب مساعد بهيئة قضايا الدولة؛ فإن القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطي الطاعن في التعيين استنادا إلى هذا السبب غير قائم على سبب صحيح يبرره، وذلك بغض النظر عن ثبوت إصابة المرشح بالمرض أو الشفاء منه أو خمول الفيروس، ولا جدال في أن علاج هذه الأمراض وغيرها واجب على الدولة، ولا يستساغ أن تتخذها دون سند لائحي وسيلة لحرمان المواطن من حق العمل.
ومن حيث إنه لما كان الأمر كذلك فإن طلب الطاعن إلغاء القرار المطعون فيه يكون متفقاً وأحكام القانون وقائماً على سبب يبرره وتقضي المحكمة بإلغاء القرار.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطي الطاعن في التعيين بوظيفة مندوب مساعد بهيئة قضايا الدولة، مع ما يترتب على ذلك من آثار.