جلسة 5 من يناير سنة 2013
الطعن رقم 10193 لسنة 55 القضائية (عليا)
(دائرة توحيد المبادئ)
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ غبريال جاد عبد الملاك
رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضـويــة السـادة الأسـاتــذة المستشـارين/ د.محمد عبد الحميد مسعود ويحيى أحمد راغب دكروري وعبد الله عامر إبراهيم سليمان ومحمد عبد العظيم محمود سليمان وفايز شكري حنين ومحمد عبد الحميد عبد اللطيف إبراهيم وربيع عبد المعطي أحمد الشبراوي ولبيب حليم لبيب ومحمود محمد صبحي العطار وحسن كمال محمد أبو زيد شلال.
نواب رئيس مجلس الدولة
دائرة توحيد المبادئ- لا يجوز طلب إثبات ترك الخصومة أمامها- هذا الطلب يقدم إلى المحكمة التي تنظر موضوع الطعن، وليس أمام دائرة توحيد المبادئ التي تضع المبدأ القانوني فقط.
الضرورة تقدر بقدرها، وبالغاية المستهدفة منها.
([1]) القاعدة في اللغة هي الأساس، وفي الاصطلاح: قضية كلية منطبقة على جميع جزئياتها (راجع التعريفات للجرجاني، باب القاف، والمعجم الوسيط، مادة: قَعَد). وتمتاز القاعدة بأنها من جوامع الكلِم، فهي تصاغ في جملة مفيدة موجزة مكونة من كلمة أو كلمات من ألفاظ العموم.
والقاعدة الفقهية هي: بيان لحكم شرعي كلي تتفرع عنه الكثير من الأحكام الجزئية التي يتحقق فيها المعنى الكلي العام.
والقواعد الفقهية كثيرة العدد ولا تحصى، والقواعد الفقهية الخمس الكبرى هي: (الأمور بمقاصدها) و(الضرر يُزال) و(اليقين لا يزول بالشك) و(المشقة تجلب التيسير) و(العادة مُحَكَّمة)، وتحت كل منها تندرج قواعد أخرى.
والقواعد الفقهية بهذا المعنى تفترق عن القواعد الأصولية التي هي: قواعد استدلالية يُتوصل من خلالها إلى الكشف عن الأحكام الشرعية، كليِّها وجزئيِّها.
ومن القواعد الأصولية: قاعدة (الأمر المطلق يفيد الوجوب) وقاعدة (النهي المطلق يفيد التحريم) وقاعدة (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب)، فهذه القواعد قواعد استدلالية وليست أحكاما فقهية كلية، فهي وسيلة للكشف عن الحكم وليس ذات الحكم.
والقواعد الأصولية متقدمة في وجودها على القواعد الفقهية؛ لأن معرفة الجزئيات متوقف على وجود القاعدة الأصولية، لأنها القيود التي أخذ الفقيه بها نفسه عند استنتاجه الحكم، في حين أن القواعد الفقهية متأخرة في وجودها على الفروع نفسها؛ لأنها جمع لأشتاتها وربْط بينها وجمع لمعانيها.
ومن العلماء من لم يرَ تفرقة بين القواعد الأصولية والقواعد الفقهية، ويرى أن القاعدة يمكن أن تكون أصولية من وجه وفقهية من وجه آخر.
ويفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة القانونية في أن القاعدة القانونية ما هي إلا نوع من أحكامِ جزئياتِ الوقائع، فهي تشبه الأحكام الفقهية الفرعية، أما القاعدة الفقهية فتمثل الأطر العامة التي تجمع أحكاما لجزئيات غير محدودة العدد. =
= (يراجع فيما سبق: د. محمد صدقي، الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية، ط مؤسسة الرسالة، وعلي الندوي، القواعد الفقهية، ط دار القلم، ود. عبد العزيز عزام، القواعد الفقهية، ط دار الحديث).
مبدأ المساواة- المساواة في الحقوق بين المواطنين لا تقوم على مخالفة صور التمييز جميعها؛ إذ إن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية- التمييز المنهي عنه هو الذي يكون تحكميا- كل تنظيم تشريعي لا يعد مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتُها إطارًا للمصلحة العامة، فإذا كان التنظيم بما انطوى عليه من تمييز مصادمًا لهذه الأغراض، بحيث يستحيل منطقيا ربطه بها أو اعتباره مدخلا إليها، فإن التمييز يكون تحكميا، ومن ثم غير مستند إلى أسس موضوعية.
شئون الطلاب- رفع الدرجات- الدرجات التي تقترحها لجنة الممتحنين لرفع الدرجات في إحدى المواد بغية رفع نسب النجاح بها، يقتصر منحها على الطلاب الراسبين فقط بما يمكنهم من بلوغ درجة النجاح فيها، ولا يجوز منحها للطلاب الناجحين بغرض رفع درجاتهم- الأصل في عملية التصحيح أن يمنح الطالب الدرجة التي يستحقها بناء على هذا التقييم، سواء اجتاز بها الامتحان أو رسب- منح تلك الدرجات هو استثناء لا يقاس عليه ولا يتوسع في تطبيقه، وإلا أدى إلى نتائج لا تستقيم حقا أو عدلا- ليس في ذلك إخلال بالمساواة بين الطلاب؛ لعدم تماثل المركز القانوني للطالب الناجح مع الطالب الراسب.
– المادة (71) من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات، الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 809 لسنة 1975.
الإجراءات
في يوم الأحد الموافق 22/2/2009 أودع الأستاذ/… المحامى بصفته وكيلا عن الطاعن- بصفته- قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرًا بالطعن قيد بجدولها برقم 10193 لسنة 55ق. عليا فى الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري (الدائرة الثامنة) بجلسة 15/2/2009 فى الدعوى رقم 38886 لسنة 63ق.، القاضي بقبول الدعوى شكلا، ورفضها موضوعًا، وإلزام المدعى المصروفات.
وطلب الطاعن -للأسباب الواردة بتقرير الطعن- الحكم بقبول الطعن شكلا، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بإلغاء القرار المطعون فيه (قرار إعلان نتيجة نجله محمد بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، السنة الأولى، فى مواد المدخل للعلوم القانونية واللغة الأجنبية والاقتصاد بالفصل الدراسي الأول 2008)، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة المطعون ضدها المصروفات.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا مُسببًا بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بإلغاء القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، على النحو المبين بالأسباب، مع إلزام الجامعة المطعون ضدها المصروفات.
وقد حددت لنظر الطعن أمام الدائرة السادسة (فحص الطعون) بالمحكمة الإدارية العليا جلسة 17/11/2009، وتدوول بالجلسات على النحو المبين بمحاضرها، حيث قررت بجلسة 15/12/2009 إحالة الطعن إلى الدائرة السادسة (موضوع) بالمحكمة الإدارية العليا، وحددت لنظره أمامها جلسة 27/1/2010، وتدوول نظر الطعن أمام تلك الدائرة على النحو المبين بمحاضر جلساتها، إلى أن قررت بجلسة 24/2/2010 إحالته إلى الدائرة السابعة (موضوع) بالمحكمة الإدارية العليا لاستشعار الحرج، وتداولت هذه الدائرة الأخيرة نظر الطعن على النحو المبين بمحاضر جلساتها، إلى أن قررت بجلسة 27/6/2010 إحالة الطعن إلى دائرة توحيد المبادئ المشكلة طبقًا للمادة (54 مكررًا) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 المضافة بالقانون رقم 136 لسنة 1984، حيث تبين لها أن المحكمة الإدارية العليا سبق أن أصدرت حكمًا فى موضوع مماثل لموضوع هذا النـزاع، انتهت فيه إلى وقف تنفيذ قرار لجنة الممتحنين بالفرقة الرابعة بكلية الحقوق جامعة القاهرة فى العام الجامعي 2007/2008 فيما تضمنه من قصر منح درجتين فى مواد أصول الفقه والبحري والجوى والتنفيذ الجبري والدولي الخاص ودرجة واحدة فى مادة التشريع الضريـبي على الطلاب الراسبين فى هذه المواد للوصول بهم إلى درجة النجاح مع ما يترتب على ذلك من آثار (الطعن رقم 7062 لسنة 55 ق. عليا)، ورأت المحكمة أن هذا الحكم يخالف النظر الذي تعتنقه فى هذا الخصوص، وبناء عليه قررت إحالة الطعن إلى دائرة توحيد المبادئ لوضع مبدأ فى هذا الشأن.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا مُسببًا بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقصر تطبيق الدرجات التى تقترحها لجان الممتحنين على الطلاب الراسبين فقط بما يمكنهم من الوصول إلى درجة النجاح فى المقرر أو المقررات المعنية، حسبما ذهب إليه القرار المطعون فيه، وإحالة الطعن إلى الدائرة السابعة (موضوع) بالمحكمة الإدارية العليا للفصل فيه على هذا الأساس.
وقد حددت لنظر الطعن أمام هذه الدائرة جلسة 6/11/2010، وتدوول أمامها بالجلسات على النحو المبين بمحاضرها، إلى أن قررت بجلسة 12/11/2011 إصدار الحكم بجلسة 14/1/2012، وقررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة 3/3/2012، ثم لجلسة 7/4/2012 لإتمام المداولة، وتأجل النطق بالحكم إداريا لجلسة 5/5/2012، وفيها قررت المحكمة إعادة الطعن إلى المرافعة بجلسة 1/7/2012 لتقديم تقرير تكميلي من هيئة مفوضي الدولة، وأعدت هذه الهيئة تقريرًا تكميليا انتهت فيه إلى الرأي نفسه الذي خلصت إليه فى تقريرها السابق، وبجلسة 13/10/2012 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 1/12/2012، وخلال فترة حجز الطعن للحكم قدم الطاعن بصفته طلبًا لإعادة الطعن للمرافعة لإثبات تركه الخصومة فى الطعن.
والمحكمة تلتفت عن هذا الطلب؛ إذ إن طلب إثبات الترك يقدم إلى المحكمة التى تنظر موضوع الطعن، وليس أمام دائرة توحيد المبادئ التى تضع المبدأ القانوني فقط.
وبجلسة 1/12/2012 قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم لإتمام المداولة، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
وحيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص -حسبما يبين من الأوراق- فى أنه بتاريخ 22/2/2009 أقام/… بصفته وليا طبيعيا على نجله (محمد) الدعوى رقم 38886 لسنة 62ق. ضد رئيس جامعة القاهرة وعميد كلية الحقوق جامعة القاهرة بصفتيهما أمام محكمة القضاء الإداري، وطلب الحكم بقبول الدعوى شكلا، وفى الموضوع بوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار إعلان نتيجة نجله (محمد) بالفرقة الأولى- المجموعة (ب)- بكلية الحقوق بجامعة القاهرة فيما تضمنه من حصوله على 11 درجة من 20 درجة فى مادة المدخل للعلوم القانونية، و18 درجة من 20 درجة فى مادة اللغة الأجنبية، و13 درجة من 20 درجة فى مادة الاقتصاد، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها تعديل درجات نجله فى هذه المواد بإضافة أربع درجات فى مادة المدخل للعلوم القانونية لتصبح درجته فيها 15 درجة من 20، وإضافة درجتين فى مادة اللغة الأجنبية لتصبح درجته فيها 20 درجة من 20، وإضافة ثلاث درجات فى مادة الاقتصاد لتصبح درجته فيها 16 درجة من 20 درجة، مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وقال شرحًا لدعواه إن نجله (محمد) كان طالبًا بالفرقة الأولى- المجموعة (ب)- بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، وقد أدى امتحان الفصل الدراسي الأول، ولدى إعلان نتيجة هذا الفصل في شهر إبريل 2008، تبين حصول نجله على 11 درجة من 20 درجة في مادة المدخل للعلوم القانونية، و18 درجة من 20 درجة في مادة اللغة الأجنبية، و13 درجة من 20 درجة في مادة الاقتصاد، وقد تنامي إلى علمه أن نسب نجاح ودرجات الطلاب في هذه المواد كانت متدنية مما حدا بلجنة الممتحنين بالكلية إلى التدخل لمعالجة هذا التدني في درجات تلك المواد، بأن أصدرت قرارًا بمنح الطلاب أربع درجات كحد أقصى في مادة المدخل للعلوم القانونية، ودرجتين في مادة اللغة الأجنبية، وثلاث درجات في مادة الاقتصاد، على أن يطبق ذلك على الطلاب الحاصلين على درجات تقل عن عشر درجات وفي الحدود التي تصل بهم إلى درجة النجاح فحسب.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا مُسببًا بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الدعوى شكلا، وبإلغاء القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام جهة الإدارة المصروفات.
…………………………………………………………….
وبجلسة 15/2/2009 حكمت محكمة القضاء الإداري (الدائرة الثامنة) بقبول الدعوى شكلا، ورفضها موضوعًا، وألزمت المدعي المصروفات.
وأقامت المحكمة قضاءها -بعد أن استعرضت نص المادة (71) من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات (الصادر بالقرار بقانون رقم 49 لسنة 1972) الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 809 لسنة 1975– على أن الأصل أن قدرة الطالب العلمية إنما تتحدد في ضوء ما يحصل عليه من درجات عن إجابته الفعلية في الامتحانات التي تعقد لهذا الغرض لقياس مستواه العلمي، وأن درجات الرأفة التي تمنح له لإقالته من عثرته حتى يتمكن من مواصلة دراسته مع أقرانه ذات طبيعة استثنائية، فلا يقاس عليها ولا يتوسع في تفسيرها، وأن المطالبة بمنح نجل المدعي أربع درجات في مادة المدخل للعلوم القانونية، ودرجتين في كل من مادتي اللغة الأجنبية والاقتصاد، تنطوي على إخلال بقاعدة المساواة وتمس المراكز القانونية التي استقرت لأقران نجل المدعي بالفرقة الأولى؛ لأن الراسب في تلك المواد لم يُمنح بالضرورة أربع درجات في مادة المدخل للعلوم القانونية، ودرجتين في كل من مادتي اللغة الأجنبية والاقتصاد، وإنما يُمنح القدر الذي يصل به إلى درجة النجاح فقط دون تجاوز لهذا الحد، فضلا عن أن توسيع نطاق القرار ليشمل منح تلك الدرجات للناجحين، قد يترتب عليه حصول بعض الطلاب على ما يزيد على الدرجة النهائية للمادة، وهي نتيجة غير منطقية وغير مقبولة.
…………………………………………………………….
وحيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه خالف القانون، وأخطأ فى تطبيقه وتأويله؛ ذلك أن ما ذهب إليه من أن إضافة درجات الرأفة تقتصر على الطلاب الراسبين دون الناجحين إنما يمثل مخالفة صارخة للقانون، إذ إن هذه الدرجات لا تدخل ضمن درجات التيسير التى تمنح للطالب الراسب لتغيير حالته، وإنما هي درجات تمنح لمعالجة الاختلالات التى نشأت عن التصحيح وأصابت تقديرات الطلاب بالانخفاض الشديد، كما أن الحكم المطعون فيه خالف مبدأ المساواة؛ إذ آثرت الجهة الإدارية المطعون ضدها تدارك التشوهات التى أصابت عملية التصحيح فى المواد المطعون على نتيجتها، وأرادت عن طريق لجنة الممتحنين أن تعالج هذا الاختلال بإضافة درجات للطلاب الراسبين الحاصلين على درجات تقل عن عشر درجات وفى الحدود التى تصل بهم إلى درجة النجاح فقط، وحرمان باقي الطلاب الناجحين من هذه الإضافة، الأمر الذي يخل بمبدأ المساواة الواجب احترامه؛ حيث إن التشدد غير المبرر والتشوهات الناتجة عن تصحيح تلك المواد قد أصاب جميع طلاب الفرقة، ولا يسوغ أن يتخذ من أثر هذا التشدد وهذه التشوهات تَكُأَةً للتمييز بين طلاب الفرقة الواحدة، ومن ثم كان يتعين على الجهة الإدارية تطبيق قاعدة إضافة الدرجات التى تقررها لجنة الممتحنين فى تلك المواد إلى جميع الطلاب؛ لأن هذه الدرجات لا تعد درجات رأفة أو تيسير تمنح للطالب الراسب لتغيير وضعه من راسب إلى ناجح، وإذ لم تفعل الجهة الإدارية ذلك، فإنها تكون قد خالفت مبدأ المساواة المصان دستوريا، أما ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن تطبيق درجات لجنة الممتحنين على جميع الطلاب سوف يؤدى إلى نتائج شاذة؛ لأنه من الوارد أن يحصل بعض الطلاب على ما يزيد على الدرجة النهائية للمادة، فهو تصور فاسد ذلك أن إضافة الدرجات تكون فى إطار النهاية العظمى، وهذا هو منطق الأشياء؛ حيث يحصل كل طالب على هذه الدرجات كلها أو بعضها بالقدر الذي يصل به إلى الدرجة النهائية التى يستوي عندها جميع الطلاب.
…………………………………………………………….
وحيث إن المسألة المعروضة على هذه الدائرة حددتها الدائرة السابعة (موضوع) بالمحكمة الإدارية العليا بجلستها المنعقدة فى 27/6/2010، والتي قررت فيها أن المحكمة الإدارية العليا أصدرت حكمًا فى موضوع مماثل لموضوع الطعن الماثل (الحكم الصادر بجلسة 17/5/2009 فى الطعن رقم 7062 لسنة 55ق.عليا) يقضي بوقف تنفيذ قرار لجنة الممتحنين بالفرقة الرابعة كلية الحقوق جامعة القاهرة فى العام الجامعي 2007/2008 فيما تضمنه من قصر منح درجتين فى مواد أصول الفقه والبحري والجوى والتنفيذ الجبري والدولي الخاص ودرجة واحدة فى مادة التشريع الضريـبي على الطلاب الراسبين فى هذه المواد للوصول بهم إلى درجة النجاح، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وقد تأسس هذا الحكم على أسباب حاصلها أن منح الراسبين فى المواد المشار إليها درجتين أو درجة واحدة -بحسب الأحوال- إفرادًا لهم بهذه المنحة ومنعها عن الناجحين فى المواد نفسها، يغدو فى منطق الأشياء وعدلها تمييزًا لطائفة دون أخرى رغم وحدة العلة بينهما، بما يشكل مخالفة لمبدأ المساواة المصان دستوريا؛ إذ إن الناجح فى تلك المواد قد أدركه ما أدرك الطالب الراسب من تشدد فى تقدير مستوى الإجابة، فإذا كان هذا التشدد قد حال بين الراسب وبلوغ درجة النجاح قبل منحه درجات الرفع المقترحة، فإن الناجح وبنفس المقدار قد حيل بينه وبين بلوغ الدرجة المستحقة، وأفصحت الدائرة عن وجهة نظر تغاير هذه الوجهة؛ لذا قررت إحالة الطعن الماثل إلى دائرة توحيد المبادئ لوضع مبدأ فى هذا الشأن.
وحيث إن المادة (71) من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 809 لسنة 1975 تنص على أنه: “فيما عدا امتحانات الفرق النهائية بقسم الليسانس أو البكالوريوس، يعين مجلس الكلية- بعد أخذ رأى مجلس القسم المختص- أحد أساتذة المادة ليتولى وضع موضوعات الامتحانات التحريرية بالاشتراك مع القائم بتدريسها، ويجوز عند الاقتضاء أن يشترك فى وضعها من يختاره مجلس الكلية لهذا الغرض.
وتُشكل لجنة الامتحان فى كل مقرر من عضوين على الأقل يختارهما مجلس الكلية بناء على طلب مجلس القسم المختص، ويتم اختيارهما بقدر الإمكان من أعضاء هيئة التدريس بالكلية، وللعميد فى حالة الاستعجال اختيار أعضاء اللجنة.
وتتكون من لجان امتحان المقررات المختلفة لجنة عامة فى كل فرقة أو قسم برئاسة العميد أو رئيس القسم حسب الأحوال، وتعرض عليها نتيجة الامتحان لمراجعتها واقتراح ما تراه فى شأن مستوى تقديرات الطلاب بالنسبة للمقررات المختلفة، ويُدون محضر باجتماع اللجنة وتُعرض نتيجة مداولاتها على مجلس الكلية لإقرارها”.
وحيث إن تقييم إجابات الطالب فى الامتحان وتحديد الدرجة التى يستحقها، إنما يجرى على أسس موضوعية، يُستشف من خلالها مدى الجهد الذي بذله الطالب فى تحصيل العلوم واستيعابها، وهى عملية محايدة، لا يُبتغى من ورائها إلا الوقوف على قدرة الطالب على فهم المواد التى درسها ومدى استيعابه لها، والأصل فى عملية التصحيح أن يُمنح الطالب الدرجة التى يستحقها بناء على هذا التقييم، سواء اجتاز بها الامتحان أو رسب، وتُعرض نتيجة الامتحان على وفق المادة (71) من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات على لجنة الممتحنين؛ لتقترح على مجلس الكلية ما تراه فى شأن نتائج الامتحان فى المقررات المختلفة.
وحيث إنه وإن كان للجنة الممتحنين أن تقرر -فى ضوء نص المادة (71) من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات- رفع نتيجة إحدى المواد، فما عليها سوى إضافة الدرجات التى تقررها للراسبين فى هذه المادة للبلوغ بهم إلى درجة النجاح؛ لأن الضرورة التى دفعت لجنة الممتحنين إلى التدخل فى النتيجة، إنما تقدر بقدرها وبالغاية المستهدفة منها، وهى رفع نسبة النجاح فى تلك المادة، وليس فى ذلك إخلال بالمساواة بين الطلاب؛ ذلك أن المساواة فى الحقوق بين المواطنين لا تقوم على مخالفة صور التمييز جميعها؛ إذ إن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية (مثل الحالة المعروضة)، بما مؤداه أن التمييز المنهي عنه هو الذي يكون تحكميا، ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعد مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها، تعكس مشروعيتُها إطارًا للمصلحة العامة التى يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان التنظيم -بما انطوى عليه من تمييز- مصادمًا لهذه الأغراض، بحيث يستحيل منطقيا ربطه بها أو اعتباره مدخلا إليها، فإن التمييز يكون تحكميا، وغير مستند بالتالي إلى أسس موضوعية، وهو ما لا يتوفر فى الحالة المعروضة التى قام فيها التمييز فى منح درجات لجنة الممتحنين فى بعض المواد على أساس موضوعي، قوامه رفع نسبة الناجحين فى هذه المواد، بعد ما أدركت لجنة الممتحنين تدني مستوى النجاح فيها، فمنحت هذه اللجنة الراسبين فى مادة المدخل للعلوم القانونية أربع درجات كحد أقصى، وفى كل من مادتي اللغة الأجنبية والاقتصاد منحت اللجنة الطلاب الراسبين درجتين كحد أقصى.
وحيث إن القول بأحقية الطلاب الناجحين فى المواد المشار إليها فى إضافة درجات الممتحنين التى حصل عليها الطلاب الراسبون إلى درجاتهم؛ تحقيقًا لمبدأ المساواة بين الطلاب، هذا القول يعوزه الفهم الصحيح للقانون؛ ذلك أنه لا يجوز المطالبة بإعمال هذا المبدأ إلا بالنسبة للأوضاع المتماثلة، أي مراكز قانونية متماثلة تتوفر فى أصحابها الشروط الموضوعية التى تحددها، فى حين يختلف المركز القانوني للطالب الراسب عن المركز القانوني للطالب الناجح، فلا تساوي بينهما، ومنح الراسبين درجات استثنائية حتى يبلغوا درجة النجاح فى بعض المواد هو استثناء، لا يُقاس عليه ولا يُتوسع فى تطبيقه، وإلا أدى إلى نتائج لا تستقيم حقا أو عدلا، فقد لا يحتاج الراسب فى إحدى المواد إلا لدرجة واحدة للوصول إلى النجاح فيها، وفى المقابل قد يُمنح الناجح فى هذه المواد الحد الأقصى من درجات لجنة الممتحنين التى مُنحت فيها، وهذا خلل فرضه القياس على حالة استثنائية لا يُقاس عليها ولا يُتوسع فى تطبيقها أو تفسيرها.
وحيث إن منح درجات لجنة الممتحنين للراسبين فى بعض المواد للوصول بهم إلى درجة النجاح، هو نظام مأخوذ به فى كثير من المؤسسات التعليمية؛ باعتبار أن تقدير الدرجة التى يستحقها الطالب خاصةً فى المواد النظرية هي مسألة تقديرية، تختلف فيها التوجهات بين التشدد والتساهل فى منح الدرجات، ولا علاج لاختلاف التقديرات فى هذا الشأن إلا تقرير درجات معينة تُمنح للراسبين فى بعض المواد وتصل بهم استثناءً من الأصل إلى درجة النجاح، وهذا الاستثناء الذي فرضته الضرورة يبقى محدودًا فى آثاره ولا يُقاس عليه بمنح الناجحين الدرجات ذاتها التى مُنحت للراسبين؛ لأن الاستثناء لا يُقاس عليه، وإذا كان من شأن منح درجات لجنة الممتحنين للطلاب الراسبين مزاحمة الطلاب الناجحين، وبصفة خاصة الحاصلون على الحد الأدنى لدرجة النجاح (10 درجات من 20 درجة)، فإن ذلك الأثر السلبي ينحصر فى حدود ضيقة، إذا ما قورن بالآثار الناجمة عن منح تلك الدرجات لجميع الطلاب الناجحين منهم والراسبين؛ إذ منح درجات لجنة الممتحنين لجميع الطلاب، بالإضافة إلى أنه يخرج قاعدة المنح من طبيعتها الاستثنائية، فإنه سوف يترتب عليه نتائج شاذة تمس المراكز القانونية التى اكتسبها بعض الطلاب، بما يوَسِّع من دائرة الإخلال بمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص المقررين دستوريا؛ إذ لن يتم منح هذه الدرجات للطالب الحاصل على 20 درجة من 20 درجة لخروجه عن دائرة تطبيق المنح، فى الوقت الذي يكون فيه هذا الطالب وهو الأولى بالرعاية أكبر الخاسرين من تعميم هذا المنح، وسيُتيح لبعض زملائه وهم الحاصلين على 17 درجة و18 درجة و 19 درجة (فى حالة ما إذا كانت الدرجات الممنوحة ثلاث درجات) اللحاق به ومزاحمته فى مركزه القانوني، وبما ينطوي على مساس بهذا المركز دون تقصير منه أو حق لهم، مما يقتضي أن يقتصر منح تلك الدرجات على الطلاب الراسبين فقط، وفى الحدود وبالقدر اللازم لبلوغهم درجة النجاح.
وحيث إنه فى ضوء ما تقدم جميعه، فإنه يكون متعينًا الحكم بأن الدرجات التى تقترحها لجنة الممتحنين يقتصر منحها على الطلاب الراسبين فقط، بما يمكنهم من بلوغ درجة النجاح فى المقرر أو المقررات المعنية.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بأن الدرجات التى تقترحها لجنة الممتحنين يقتصر منحها على الطلاب الراسبين فقط، بما يمكنهم من بلوغ درجة النجاح فى المقرر أو المقررات المعنية، وأمرت بإعادة الطعن إلى الدائرة السابعة (موضوع) بالمحكمة الإدارية العليا للفصل فيه.