جلسة 23 من يونيه سنة 2013
الطعن رقم 24722 لسنة 53 القضائية (عليا)
(الدائرة السابعة)
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ حسن كمال محمد أبوزيد شلال
نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ كارم عبد اللطيف عبد العظيم أحمد ومحمد محمد مجاهد راشد وحسن محمود سعداوي محمد ود. مجدي صالح يوسف الجارحي.
نواب رئيس مجلس الدولة
عقد نقل الركاب- تذكرة النقل للراكب تُعَدُّ من بين عقود النقل التي تُبرِمها جهةُ الإدارة مع المتَحَصِّلِ عليها- يحق لجهة الإدارة بموجبه تقاضي مقابل التذكرة والوصول إلى المركبة قبل الموعد المقرَّر بهذا العقد، وتتحمل بالتزامها بما ورد بالتذكرة من حقوق للطرف الآخر، من تمكينه من الجلوس على المقعد المخصَّص له، فضلا عن التزامها بالأمن والسلامة له- قيام جهة الإدارة بتكرار حجز مقعد بالقطار لأكثر من شخصٍ يُعَدُّ إخلالا منها بالتزاماتها العقدية، يستوجِبُ التعويض.
في يوم السبت الموافق 1/9/2007 أودع وكيل الطاعَنيْنِ قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرًا بالطعن في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 8058 لسنة 55 ق. بجلسة 2/7/2007، القاضي منطوقه بقبول الدعوى شكلا، ورفضها موضوعًا، مع إلزام المدعيين المصروفات.
وطلب الطاعنان -للأسباب المبينة بتقرير الطعن- الحكم بقبوله شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مُجددًا بإلزام المطعون ضدهما متضامنين أن يؤديا للطاعنين مبلغًا مقداره خمسون ألف جنيه، والمصروفات.
وقد تم إعلان تقرير الطعن على النحو الثابت بالأوراق.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا مُسبَّبًا بالرأي القانوني في الطعن، ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مُجددًا بإلزام الجهة الإدارية المطعون ضدها دفع التعويض المناسب الذي تقدره عدالة المحكمة جبرًا للأضرار المادية والأدبية.
وتدوول نظر الطعن بدائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا، ثم تمت إحالته إلى هذه الدائرة، ونُظِرَ بجلساتها على وفق المبين بمحاضرها، وبجلسة 14/4/2013 قررت إصدار الحكم بجلسة 16/6/2013، وفيها قررت مدَّ أجل الحكم لجلسة اليوم، وبها صدر وأودعت مُسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وتمام المداولة.
وحيثُ إن الطعن استوفى جميع أوضاعه الشكلية المقرَّرة قانونًا، ومن ثم يكون مقبولا شكلا.
وحيثُ إنه عن عناصر المنازعة في الطعن الماثل، فإنها تخلص -حسبما يبين من الحكم المطعون فيه ومن الأوراق- في أن الطاعنَيْنِ كانا قد أقاما الدعوى رقم 8058 لسنة 55ق. أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة، وطلبا في ختامها الحكم بإلزام المطعون ضدهما متضامنين أن يدفعا لهما تعويضًا مقداره خمسون ألف جنيه عن الأضرار المادية والنفسية والمصروفات، وذلك تأسيسًا على أنهما توجها إلى محطة سكك حديد مصر بعد حجز التذكرتين من المنفذ الخاص بحجز تذاكر القطارات بميدان رمسيس، وذلك بالقطار رقم 866 المقرر قيامه من محطة مصر بالقاهرة الساعة العاشرة وعشر دقائق مساءً، مُدونًا على التذكرتين بيان برقم القطار والعربة والرقم المسلسل للمقعدين المخصَّصين لهما بالقطار، غير أنهما فُوجِئا بحجز مقعديهما وجلوس آخرين بهما، فتوجها إلى رئيس القطار للنظر في ذلك دون جدوى، مما حداهما على تحرير شكوى ضده، ونتيجة لذلك فقد قطعا تلك المسافة الطويلة بين القاهرة ومدينة إسنا واقِفَين، مما أصابهما بالإعياء الشديد، وبذلك تكون الهيئة المطعون ضدها قد خالفت عقد النقل، ثم تقدما في تاريخ 10/3/2001 بشكويين انتهتا إلى صدور قرارٍ بمُجازاة الموظف المختص بخصم سبعة أيام من راتبه، مما تتوفر معه أركان المسئولية الإدارية، نظرًا لِما أصابهما من أضرارٍ نفسية، لاسيما أن الطاعن الأول يعمل مُحاميا وزوجته تعمل مُوظفة بمركز البحوث الزراعية.
……………………………………………………………..
وبجلسة 2/7/2007 قضت المحكمة بقبول الدعوى شكلا، ورفضها موضوعًا.
وأقامت أسباب حكمها على أنَّ الأوراق قد خلت تمامًا مما تطمئن منه المحكمة إلى وجود أضرار أصابت المدعيين من جراء تكرار حجز المقعدين، خاصةً أنهما قد أقرا صراحةً بأنهما استكملا الرحلة بالقطار ذاته، وإنْ أنكرا جلوسهما على مقعدين بديلين، فهو لا يستقيم عقلا ومنطقًا ويناقضه الواقع، وذلك لطول المسافة التي تبلغ حوالي ألف كيلو متر بين محطة القيام والوصول، فضلا عما تُعُورِفَ عليه من وجود مقاعد للطوارئ بجميع القطارات تمَّ إلحاقُ المدعيين بها، ويدلُّ على ذلك المذكرة الصادرة عن هيئة الشئون الإدارية من توفير مقعدين بديلين لهما، بما تُنبئ معه جميع الأوراق عن زوال أي أضرارٍ قد لحقت بالمدعيين.
ولما لم يرتضِ الطاعنان هذا القضاء، أقاما طعنهما الماثل ناعيين عليه الخطأ في تطبيق القانون، وإغفاله المستندات التي تؤكِّد توقيع جزاء في حق الموظف المختص، والقصور في التسبيب، والفساد في الاستدلال؛ إذ إنه اعتمَد على المذكرة المقدمة عن هيئة الشئون الإدارية المؤرَّخة في 5/8/2001، والتي تفيد زوال الضرر، في حين أن القطار كان متكدسًا، ولا يوجد به مقاعد للطوارئ، مما حال بين الطاعنين والجلوس على أي منها، كما نعى الطاعنان على الحكم المطعون فيه قيامه على انقضاء ركن الضرر خلافًا للواقع، إذ إنهما قد تكبدا في سبيل مقاضاة الهيئة المبالغ المالية، فضلا عن الأضرار الأدبية المتمثلة في الأذى النفسي بسبب الوقوف بين المقاعد باعتبارهما يتمتعان بمركزٍ اجتماعي، بالإضافة لِما لحق بهما من أذى بدني بسبب طول المسافة محل العقد.
……………………………………………………………..
وحيثُ إن ما نعى به الطاعنان على الحكم المطعون فيه في محله، ذلك أنه من المقرَّر أن تذكرة النقل للراكب تُعَدُّ من بين عقود النقل التي تبرِمها جهة الإدارة مع المتحصِّل عليها.
ولا ريب أنَّ الأصول العامة في العقود تقضي بأن العقد شريعة المتعاقدين، يتحمل كلُّ من طرفيها التزاماتٍ يُقابلها الحقُّ الوارد بها، وأن حق جهة الإدارة في مثل هذه العقود يخلص في سداد مُقابل التذكرة، والوصول إلى المركبة قبل الموعد المقرَّر بهذا العقد، ومن ثم تتحمل الجهة الإدارية المتعاقدة التزامها بما ورد بالتذكرة من الحقوق المقرَّرة للطرف الآخر، من تمكينه من الجلوس على المقعد المخصَّص له والمبين بالعقد الوارد عنها، فضلا عن التزامها بالأمن والسلامة له.
ومتى كان ذلك، وكانت جهة الإدارة المطعون ضدها لم تنكر تكرار حجز المقعدين المخصَّصين للطاعِنَين لآخَرَيْنِ، يُؤكِّد ذلك ما ورد بالمذكرة الصادرة عنها والمؤرَّخة في 5/8/2001، والتي ثَبُتَ بها توقيع جزاء الخصم سبعة أيام من راتب المدعو/…، وأنه مُحَصِّل وصراف تذاكر القاهرة والمسئول عن تكرار حجز المقاعد، وقد نُفِّذَت العقوبة في شأنه، ومن ثم تكون جهة الإدارة قد أخلَّت بالتزاماتها العقدية في هذا الصدد.
وحيثُ إنه عن ركن الضرر، فإنه ولئن كانت الجهة الإدارية المطعون ضدها تزعم زوال الضرر، وذلك بإحلال الطاعِنَين بمقعدي الطوارئ، إلا أن ذلك لم تُقْنِع به الأوراق، ولا يُستَساغ عقلا القولُ بعدم توفر ركن الضرر دون قيام الدليل على ذلك يقينًا، حتى وإن صحَّ توفير ما تمَّ الجلوسُ عليه بين عربات القطار من كرسيٍ مُتحرك أو ما شابه ذلك، إذ إن ذلك لا ينقضي معه ركن الضرر الذي لَحِقَ بالطاعِنَين من جراء عدم تمكينهما من الجلوس على المقعدين المخصَّصين لهما بالتذكرتين الصادرتين بذلك، لاسيما أن الطاعن الأول يصطحب معه زوجته، وما قد يلحق بها من وهن وضعف لا تقوى على تحمله لكونها امرأة، الأمر الذي تكون معه قد اكتملت بشأنه المسئولية العقدية في جانب جهة الإدارة، بما يتعيَّن معه إلزامها أن تؤدى للطاعنين مبلغًا مقداره عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض عن الأضرار المادية والأدبية، ومتى ذهب الحكم المطعون في قضائه غير هذا المذهب، فإنه يكون قد خالف صحيح الواقع والقانون.
وحيثُ إنه عن مصروفات الطعن، فإنه يُلزم بها من خسر عملا بحكم المادة (184) من قانون المرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مُجددًا بإلزام جهة الإدارة أن تؤدي للطاعنين مبلغًا مقداره عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض، وألزمتها المصروفات عن درجتي التقاضي.