جلسة 19 من نوفمبر سنة 2011
الطعن رقم 15912 لسنة 54 القضائية (عليا)
(الدائرة الثانية)
– شئون الأعضاء- الحق في الشكوى واللجوء إلى القضاء- حق الشكوى أو اللجوء إلى القضاء أمر يكفله الدستور والقانون لكل مواطن، ومن ثم لا يمكن أن يُحرم منه عضو الهيئة القضائية، مادام أنه لم ينتهك بممارسته هذا الحق قدسية وظيفته، وهيبة ومكانة الهيئة القضائية التي يمثلها في المجتمع.
– المادة رقم (40 مكررا) من القرار بقانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية، المضافة بموجب القانون رقم 12 لسنة 1989.
– المادتان رقما (16) و(23) من التعليمات العامة بتنظيم العمل الفني بالنيابة الإدارية، الصادرة بقرار رئيس هيئة النيابة الإدارية رقم 106 لسنة 2005.
– شئون الأعضاء- التنبيه الموجه للعضو– أحواله- لوزير العدل ولرئيس هيئة النيابة الإدارية حق تنبيه الأعضاء شفاهة أو كتابة إلى كل ما يقع منهم مخالفا لواجباتهم أو مقتضياتها، بعد سماع أقوالهم.
– القضاء بالتعويض ليس من مستلزمات القضاء بالإلغاء– الحكم بإلغاء القرار الإداري قد يكون فيه جبرٌ كافٍ للضرر– الأمر مرده للمحكمة، تبحث كل حالة على حدة، على وفق واقعاتها وظروفها وملابساتها، بما يحقق العدالة بين طرفي النزاع.
في يوم الاثنين الموافق 21/4/2008 أودع وكيل الطاعنة قلم كتاب هذه المحكمة تقرير الطعن الماثل، وطلبت في ختامه الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر بتوجيه تنبيه كتابي إليها وتعويضها عن الأضرار المادية والأدبية التي حاقت بها من جراء القرار المطعون عليه بمبلغ مقداره عشرون ألف جنيه.
وتم إعلان تقرير الطعن على الوجه المقرر قانونا، وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني في الطعن.
وجرى نظر الطعن أمام هذه المحكمة على النحو الثابت بمحاضر الجلسات حيث أودع كل من الطرفين ما عن له من مذكرات ومستندات، وبجلسة 1/10/2011 قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة اليوم مع مذكرات في أسبوعين، ولم تقدم أية مذكرات من الطرفين خلال الأجل، وبالتالي صدر الحكم وأودعت مسودته مشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية لذا يضحى مقبولا شكلا، ولا ينال من ذلك الدفع بعدم قبوله لعدم التظلم؛ ذلك أن الثابت بالأوراق أن الطاعنة قد تظلمت في المواعيد وأخطرتها جهة الإدارة برفض تظلمها.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص في أنه بتاريخ 18/3/2008 قرر المستشار/ رئيس هيئة النيابة الإدارية توجيه تنبيه كتابي للطاعنة لما ثبت في حقها من مخالفة وضرورة مراعاة عدم السلوك بهذا المسلك مستقبلا، وذلك بناء على ما ثبت ضدها في التحقيق رقم 3 لسنة 2008 بأن تصرفها ينم عن مسلك معيب ومخالف للتعليمات المنظمة للعمل الفني بالنيابة الإدارية، الصادرة بقرار رئيس الهيئة رقم 106 لسنة 2005؛ وذلك لأنها توجهت إلى قسم شرطة عابدين بتاريخ 16/3/2008 بقصد تحرير مذكرة تتضرر فيها من عدم ترشيحها كقاضية، ودون اللجوء إلى جهة عملها لاستطلاع رأيها في هذا الشأن، وأنها تظلمت من هذا القرار وأخطرت في 1/4/2008 برفض تظلمها، ثم أقامت الطعن الماثل على هذا القرار لصدوره مستندا إلى أمور مخالفة للحقيقة والواقع؛ ذلك أنها لم تتضرر من عدم ترشيحها كقاضية لسبب واحد هو أنها رشحت بالفعل وحضرت الدورة التدريبية بمركز الدراسات القضائية، واجتازت الاختبارات المقررة ثم أخطرت مع باقي زميلاتها بموعد الامتحان التحريري في 16/3/2008، ثم فوجئت عند حضورها بمنعها من دخول قاعة اللجنة بدعوى استبعادها بتعليمات شفوية صادرة عن المستشار/ وزير العدل حسبما أبلغها وكيل إدارة التفتيش القضائي بالوزارة، فتوجهت إلى قسم شرطة عابدين لإعداد مذكرة إثبات حالة بالواقعة ضمانا لحقها، كما قامت برفع دعاوى عاجلة لإلغاء قرار منعها من دخول الامتحان.
وأضافت الطاعنة أن الجهة الإدارية المدعى عليها بمسلكها ذلك تحرمها من المساواة بغيرها من المواطنين في اللجوء للجهة المختصة لإثبات واقعة مادية، كما أنها أوردت وقائع لمخالفة تأديبية لم تصدر عنها وأسندتها إليها وبادرتها بالجزاء، واختتمت الطاعنة طعنها بطلب القضاء لها بطلباتها سالفة الذكر.
ومن حيث إن جهة الإدارة المطعون ضدها في مجال ردها على الطعن أودعت حافظتي مستندات ومذكرة طلبت فيه القضاء بعدم قبول الطعن لعدم سابقة التظلم، ورفض الطعن موضوعا بشقيه الإلغاء والتعويض.
……………………………………..
ومن حيث إنه عن طلب إلغاء قرار رئيس هيئة النيابة الإدارية الصادر بتوجيه تنبيه كتابي للطاعنة، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
ومن حيث إن المادة رقم (40 مكررا) من القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية وتعديلاته تنص على أن: “لكل من وزير العدل ورئيس هيئة النيابة الإدارية أن يوجه تنبيها لعضو النيابة الذي يخل بواجباته أو مقتضيات وظيفته بعد سماع أقواله ويكون التنبيه شفاهة أو كتابة، وللعضو أن يعترض على التنبيه الكتابي الصادر إليه خلال أسبوع من تاريخ إخطاره به إلى المجلس الأعلى للنيابة الإدارية، وللمجلس إجراء تحقيق عن الواقعة التي كانت محلا للتنبيه إلى أن يندب لذلك أحد أعضائه بعد سماع أقوال العضو الذي وجه إليه التنبيه وله أن يؤيد التنبيه أو أن يعتبره كأن لم يكن، ويبلغ قراره إلى وزير العدل، وفي جميع الأحوال إذا تكررت المخالفة أو استمرت بعد صيرورة التنبيه نهائيا رفعت الدعوى التأديبية”.
وحيث إنه يستفاد من النص المتقدم أن المشرع أجاز لوزير العدل ولرئيس هيئة النيابة الإدارية حق تنبيه الأعضاء شفاهة أو كتابة إلى كل ما يقع منهم مخالفا لواجباتهم أو مقتضياتها وذلك بعد سماع أقوالهم.
وحيث إن المادة رقم (16) من قرار رئيس هيئة النيابة الإدارية رقم 106 لسنة 2005 بإصدار التعليمات العامة بتنظيم العمل الفني بالنيابة الإدارية تنص على أن: “يجب على أعضاء النيابة أن يحافظوا على مقتضيات وظيفتهم القضائية وأن يصونوا كرامتها، فلا يجعلوها عرضة لما يشينها، ولا يتخذون منها وسيلة للإعنات بالأفراد أو النيل منها أو لقضاء مصالح شخصية لهم أو لذويهم أو معارفهم وأن ينأوا بأنفسهم عن مواطن الشبهة وأن يسلكوا في تصرفاتهم مسلكا قويما يتفق وجلال وظيفتهم”.
وحيث إن هذه المحكمة قد ذهبت إلى أنه إذا كان حق الشكوى أو اللجوء إلى القضاء أمرا يكفله القانون لكل مواطن، ولا يمكن أن يحرم منه رجال القضاء ومنهم الطاعن، إلا أنه لا يجوز لهذه الطائفة عند ممارستهم لحقوقهم أن ينتهكوا تلك الوظائف وما تتطلبه في كل منهم من التعفف عن الدنايا والبعد عن الإمعان في لدد الخصومة والارتفاع عن فحش القول وفجر القذف، ولو كانت الاتهامات التي يدعيها في نظره صحيحة.
(يراجع الطعن رقم 5478 لسنة 48 ق.عليا جلسة 29/1/2006)
وحيث إنه بإنزال ما تقدم على وقائع النزاع الماثل فإن الثابت بالأوراق أن السيد الأستاذ المستشار/ رئيس هيئة النيابة الإدارية قد وجه تنبيها كتابيا للطاعنة؛ وذلك لما نسب إليها من أنها بتاريخ 16/3/2008 قد توجهت لقسم شرطة عابدين بقصد تحرير مذكرة تتضرر فيها من عدم ترشيحها كقاضية، دون اللجوء إلى جهة عملها لاستطلاع رأيها في هذا الشأن، وبالمخالفة للمادة (16) من التعليمات المنظمة للعمل الفني بالنيابة الإدارية وذلك طبقا لما انتهى إليه التحقيق رقم 3 لسنة 2008.
وحيث إنه لما كان الثابت من الاطلاع على أوراق التحقيق المشار إليه الذي أجرته إدارة التفتيش الفني بهيئة النيابة الإدارية أن السيد الأستاذ المستشار الأمين العام للمجلس الأعلى لهيئة النيابة الإدارية تقدم بمذكرة مؤرخة في 17/3/2008 فحواها أن الأستاذ المستشار مساعد وزير العدل لشئون التفتيش القضائي أبلغه بتوجه الطاعنة وأخرى لتحرير محضر بقسم شرطة عابدين ضد السيد الوزير متضررتين من عدم ترشيحهما للعمل قاضيتين، وأن هذا هو مضمون ما ورد ببلاغ ضابط مباحث أمن الدولة، وأن المذكورتين قد تجاوزتا جهة رئاستهما وتخطيتاها قبل اتخاذهما أي إجراء مما أتيتاه، وكانت الطاعنة في مجال ردها على ما وجه إليها من أسئلة قد أوضحت أنها تم تكليفها من قبل رئاستها بحضور الدورة التدريبية للمرشحات للعمل قاضيات، وأنها اجتازت الامتحانات الشفوية، وفوجئت يوم 16/3/2008 (موعد امتحان التحريري) بعدم وجود اسمها بكشوف الممتحنات، وبسؤال المختصين بالتفتيش القضائي أفادوا بوجود تعليمات شفوية بعدم دخولها الامتحان هي وزميلتها رغم تفرغها التام لمدة شهر كامل لحضور تلك الدورة، فلجأت إلى قسم الشرطة لإثبات واقعة منعها من دخول الامتحان لعدم وجود تعليمات مكتوبة أو أسباب تبرر هذا الاستبعاد، وأنها قامت بإعداد مذكرة بالواقعة لم تتعرض فيها لشخص أو صفة وزير العدل سواء تصريحا أو تلميحا، ومن ثم فإن الأمر على هذا النحو الثابت بالأوراق ليس به ما يثبت إدانتها بما يستحق أن تلام عليه؛ ذلك أن ما قامت به الطاعنة هو تصرف شخص يعرف جيدا حقوقه وواجباته ولا يعرف التفريط في مثل تلك الحقوق، ذلك أنه ولئن كان حق الشكوى أو اللجوء إلى القضاء أمرا يكفله الدستور والقانون لكل مواطن، ومن ثم فلا يمكن أن يُحرم منه أعضاء الهيئات القضائية مادام لم يثبت أنهم بممارستهم لهذا الحق قد انتهكوا قدسية تلك الوظائف أو هيبة ومكانة الهيئة القضائية التي يمثلونها في المجتمع، لاسيما أن الجهة الإدارية المطعون ضدها لم تقدم ما يثبت عكس أقوال الطاعنة من أنها كانت تريد إثبات واقعة حرمانها من دخول امتحان بعد دورة انتظمت فيها لمدة شهر كامل، وإلا أضحت المادة رقم (23) من قرار رئيس هيئة النيابة الإدارية رقم 106 لسنة 2005 والتي توجب على أعضاء النيابة الانتظام في الدورات التدريبية التي تعقد لهم بهدف الاستزادة من العلوم الإنسانية وتحديث معلوماتهم في شتى فروع القانون والعناية بالدرس والتحصيل والظهور خلالها بالمظهر المشرف للهيئة التي ينتمون إليها لغوا لا لزوم لها، ومن ثم فلا جناح على الطاعنة في سلوكها ذلك المسلك الذي يحفظ حقوقها أمام الغير وكرامتها أمام زملائها، لاسيما وأنها لم تقصد بذلك النيل من شخص أو صفة السيد المستشار وزير العدل، ومن ثم يكون القرار الصادر بالتنبيه عليها غير قائم على أسباب صحيحة، ويتعين القضاء بإلغائه مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وحيث إنه عن طلب التعويض فإن أساس مسئولية الإدارة عن القرارات الصادرة عنها هو وجود خطأ من جانبها بأن يكون القرار غير مشروع لعيب من العيوب المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة، وأن يلحق بصاحب الشأن ضرر، وأن تقوم علاقة السببية بين الخطأ والضرر.
وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن صدور القرار الإداري مشوبا بعيب أو أكثر من العيوب المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة يفقده المشروعية، إلا أن ذلك لا يعني تحقق ركن الخطأ الموجب للتعويض، ولما كان الثابت بالأوراق أنه صدر قرار رئيس الهيئة المتضمن توجيه تنبيه كتابي للطاعنة، وقد ثبت أن القرار المشار إليه غير مشروع مما يتوفر به ركن الخطأ، إلا أن إلغاء قرار رئيس هيئة النيابة الإدارية هو خير تعويض لها.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، ورفض ما عدا ذلك من طلبات