جلسة 6 من فبراير سنة 2010
الطعن رقم 12361 لسنة 53 القضائية عليا
(دائرة توحيد المبادئ)
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد أحمد الحسيني
رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضـويــة الســـادة الأسـاتــذة المستشـارين/ أحمد شمس الدين خفاجى، ومحمد منير السيد جويفل، والسيد محمد السيد الطحان، ورمزي عبد الله محمد أبو الخير، وغبريال جاد عبد الملاك، وأحمد أمين حسان، والصغير محمد محمود بدران، وعصام عبد العزيز جاد الحق، وسعيد أحمد محمد حسين برغش، ويحيى أحمد راغب دكروري.
نــواب رئيس مجلس الدولـة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ مصطفى حسين السيد
نائب رئيس مجلس الدولة ومفوض الدولة
التدخل في الدعوى– عدم جواز التدخل أمام دائرة توحيد المبادئ– لا تفصل هذه الدائرة في نزاع بين طرفين، وإنما تحسم أمر اتجاهات متعددة لفهم وتفسير وتطبيق النصوص القانونية، فلا يكون من المقبول التدخل أمامها([1]).
شئون الأعضاء – مرتب – عدم جواز احتفاظ عضو الهيئة القضائية الذي يعين في أدنى الوظائف القضائية براتبه الأساسي الذي كان يتقاضاه في وظيفته السابقة– التنظيم القانوني للهيئات القضائية لم يأخذ بمبدأ إعادة التعيين وما يترتب عليه من احتفاظ بالأجر السابق، ولم ينظم في هذا الشأن سوى إعادة تعيين العضو السابق بالهيئة القضائية، فأجازه ولم يجز غيره– لا يسوغ استدعاء أحكام قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة في هذا الشأن.
إحالة إحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا طعنا إلى دائرة توحيد المبادئ يوجب عليها أن تتريث في الفصل في الدعاوى المماثلة لحين إقرار المبدأ القانوني الذي طلبته– تصديها للفصل في دعوى مماثلة دون انتظار حكم هذه الدائرة لا يعد عدولا منها عن الإحالة السابقة إليها.
في يوم الخميس الموافق 3 من مايو سنة 2007 أودع الأستاذ/ … بصفته وكيلا عن الطاعن، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرا بالطعن، قيد برقم 12361 لسنة 53 ق.ع، مختصما فيه المطعون ضدهم بصفاتهم، وانتهى إلى طلب الحكم:
(أولا) بأحقية الطاعن في الاحتفاظ بالمرتب الأساسي الذي كان يتقاضاه أثناء عمله بالبنك الرئيسي للتنمية والائتمان الزراعي، و مقداره (156) مئة وستة وخمسون جنيها، قبل تعيينه بهيئة النيابة الإدارية، مع ما يترتب على ذلك من آثار وفروق.
(ثانيا) بأحقية الطاعن في منحة الزواج ومقدارها عشرة آلاف جنيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
(ثالثا) بإلزام المطعون ضدهم أداء مبلغ مليون جنيه تعويضا عن الأضرار المادية والأدبية التي أصابت الطاعن من جراء تخطيه في التعيين بالقرار الجمهوري رقم (230) لسنة 2000 المقضي بإلغائه.
وذكر الطاعن شرحا لطعنه أنه بتاريخ 6/4/2002 صدر حكم الدائرة الثانية بالمحكمة الإدارية العليا لصالح الطاعن بإلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم (230) لسنة 2000 الصادر في 14/5/2000، فيما تضمنه من تخطيه في التعيين في وظيفة (معاون نيابة إدارية)، ونفاذا لهذا الحكم صدر قرار رئيس الجمهورية رقم (228) لسنة 2002 بتعيين معاونا للنيابة الإدارية، دون رد أقدميته إلى 14/5/2000 (تاريخ صدور القرار المقضي بإلغائه)، فأقام الطعنين رقمي 2882 لسنة 49 ق.ع و 4578 لسنة 50 ق.ع، اللذين قضي فيهما بجلسة 30/4/2006 برد أقدميته إلى التاريخ المشار إليه، وترقيته إلى (وكيل نيابة إدارية).
وأضاف بالنسبة إلى الطلب الأول: أنه كان يعمل بالبنك الرئيسي للتنمية والائتمان الزراعي بوظيفة (محام خامس) بمرتب أساسي مقداره (156) مئة وستة وخمسون جنيها، حتى 8/9/2002 عندما تسلم عمله بهيئة النيابة الإدارية بوظيفة (معاون نيابة)، فتقاضى راتبا أساسيا مقداره (132) مئة واثنان وثلاثون جنيها، وتقدم بعدة طلبات للاحتفاظ بمرتبه السابق دون جدوى، على الرغم من أنه طبقا للمادة (25) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة – التي تسري على أعضاء النيابة الإدارية لخلو قانونها من تنظيم لإعادة التعيين– يحق له الاحتفاظ بالأجر الذي كان يتقاضاه في وظيفته السابقة، متى كان يزيد على بداية الأجر المقرر للوظيفة المعين عليها، بشرط عدم مجاوزة نهاية ربط الوظيفة، وأن تكون خدمته متصلة، وذلك طبقا لما استقرت عليه أحكام المحكمة الإدارية العليا.
وبالنسبة إلى الطلب الثاني بأحقيته في منحة الزواج البالغ مقدارها عشرة آلاف جنيه، أوضح الطاعن أنه في 30/4/2006 صدر لصالحه الحكم في الطعنين رقمي 2882 لسنة 49 ق.ع و 4578 لسنة 50 ق.ع قاضيا برد أقدميته إلى 14/5/2000 تاريخ صدور قرار رئيس الجمهورية رقم (230) لسنة 2000، ومن ثم فإنه يعد شاغلا لوظيفة (معاون نيابة إدارية) من هذا التاريخ، وليس من 1/8/2002. ولما كان قد تزوج في 30/11/2000 إبان عمله بعقد مؤقت كباحث بالجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، ولم يحصل على إعانة زواج، فقد تقدم بطلب إلى المطعون ضده الرابع يلتمس فيه صرف منحة الزواج المقررة أسوة بأقرانه المعينين بالقرار الجمهوري المقضي بإلغائه، إلا أن طلبه هذا رفض، بالمخالفة لأحكام القانون وحجية الأحكام الصادرة لصالحه، التي اعتبرته شاغلا لوظيفة (معاون نيابة إدارية) اعتبارا من 14/5/2000 ، وإنه وإذ تزوج في 17/11/2000 فيحق له أن يطالب بمنحة الزواج المشار إليها.
وأضاف بالنسبة إلى طلب التعويض بمبلغ مليون جنيه عن الأضرار التي ألمت به لتخطيه في التعيين بوظيفة (معاون نيابة إدارية) بالقرار الجمهوري الملغي، الأمر الذى يثبت الخطأ في جانب الجهة الإدارية، وهو ما نتج عنه أضرار مادية متمثلة في فروق المرتب وملحقاته وبدل العلاج وبدل الإجازات وفائض الميزانية ومنحة الزواج ومكافأة الانتخابات التي صرفت عام 2000 والدعم الذي يقدمه نادي هيئة النيابة الإدارية في المصايف وغيرها، فضلا عن الآلام النفسية التي تعرض لها نتيجة تعيين من هم أقل منه في المستوى العلمي، وقد تحققت علاقة السببية بين الخطأ والضرر، ومن ثم بات مستحقا للتعويض.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني، انتهت فيه إلى قبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بأحقية الطاعن في الاحتفاظ بمرتبه الذي كان يتقاضاه في وظيفته السابقة، مع ما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية، وبإلزام الجهة الإدارية أن تؤدي للطاعن التعويض المناسب الجابر لما لحقه من أضرار مادية وأدبية، ورفض ما عدا ذلك من طلبات.
وحددت لنظر الطعن أمام الدائرة السابعة بالمحكمة الإدارية العليا جلسة 27/1/2008، وتدوول بالجلسات على النحو المبين بمحاضرها، وبجلسة 23/11/2008 تقرر حجز الطعن للحكم بجلسة 18/1/2009 مع التصريح بمذكرات في أسبوعين، وبهذه الجلسة قررت المحكمة إحالة الطعن إلى دائرة توحيد المبادئ المشكلة بموجب المادة (54) مكررا من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم (47) لسنة 1972 للعدول عن المبدأ الذي قررته الأحكام السابق صدورها عن المحكمة الإدارية العليا بأحقية أعضاء الهيئات القضائية الذين يتم تعيينهم في أدنى الوظائف القضائية في الاحتفاظ بمرتباتهم السابقة التي كانوا يتقاضونها في أعمالهم السابقة، بما لا يجاوز نهاية ربط الوظيفة المعينين عليها، إعمالا لحكم المادة (25) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، الصادر بالقانون رقم (47) لسنة 1978؛ وذلك لخلو القوانين المنظمة للهيئات القضائية من نصوص مثيلة.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة بدائرة توحيد المبادئ تقريرا بالرأي القانوني، ارتأت فيه الحكم بعدم أحقية عضو الهيئة القضائية الذي يتم تعيينه في أدنى الوظائف القضائية في الاحتفاظ براتبه السابق الذي كان يتقاضاه في عمله السابق قبل التحاقه بالهيئة القضائية.
وحددت لنظر الطعن أمام هذه الدائرة جلسة 9/5/2009، وتم تداوله بالجلسات على النحو المبين بمحاضرها، وبجلسة 5/12/2009 حضر … رئيس النيابة الإدارية وقـدم طلب تدخــــل انضمامي إلى جانب الطاعن، طالبا ضم الطعن رقم 6916 لسنة 50 ق.ع المقام منه، طالبا الاحتفاظ بأجره الأساسي السابق الذي كان يتقاضاه بوظيفته السابقة بالبنك الأهلي المصري قبل تعيينه بالنيابة الإدارية. وبجلسة 2/1/2010 قررت الدائرة إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
ومن حيث إنه عن طلب التدخل المقـدم من … رئيس النيابة الإدارية، خصما منضما إلى جانب الطاعن، فإنه ولئن كان هذا الطلب قد اتبعت في شأنه الإجراءات المنصوص عليها في المادة (126) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، بأن قدم في جلسة 5/12/2009 في مواجهة الحاضر عن الجهة الإدارية والطاعن، وأُثبت في محضر الجلسة، بيد أنه بالنظر إلى طبيعة هذه الدائرة واختصاصها، حسبما أورده نص المادة (54) مكررا من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم (47) لسنة 1972 بالبت في المسألة القانونية التي كانت محلا لتعارض وتناقض الأحكام الصادرة عن دوائر المحكمة الإدارية العليا، أو إقرار مبدأ قانوني على خلاف أحكام سابقة، أو العدول عنها، وبتشكيل خاص، وصدور أحكامها بأغلبية تزيد على ضعفي الأغلبية التي تصدر بها أحكام دوائر المحكمة الإدارية العليا، بما يشكل ضمانة أساسية لتوحيد واستقرار المبادئ القانونية، فتنزل كلمة الحق والعدل والقانون في المسألة القانونية المطروحة عليها بعد تمحيص ودراسة متأنية للأسباب التي قامت عليها تلك الأحكام المتعارضة، أو للأسباب الجديدة التي بناء عليها قد يتم العدول عن مبدأ قانوني معمول به، فإنها بهذه المثابة لا تفصل في نزاع بين طرفين، وإنما تحسم أمر اتجاهات متعددة لفهم وتفسير وتطبيق النصوص القانونية، ومن ثم يغدو من غير المقبول التدخل أمامها، وبناء على ذلك يتعين عدم قبول تدخل … ، مع الاكتفاء بالإشارة إلى ذلك في الأسباب.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تجمل –حسبما يبين من الأوراق– في أن الطاعن أقام طعنه الماثل بتاريخ 3/5/2007، طالبا في ختامه: الحكم (أولا) بأحقيته في الاحتفاظ بمرتبه الأساسي الذي كان يتقاضاه إبان عمله بالبنك الرئيسي للتنمية والائتمان الزراعي قبل تعيينه معاونا بالنيابة الإدارية، مع ما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية. (ثانيا) بأحقيته في منحة الزواج المقررة لعضو الهينة القضائية. (ثالثا) بتعويضه بمبلغ مليــون جنيه عما ألم به من أضرار مادية وأدبية ناتجة عن عدم تعيينه بهيئة النيابة الإدارية بقرار رئيس الجمهورية رقم (230) لسنة 2000 الذي صدر حكم بإلغائه فيما تضمنه من تخطيه في التعيين بتلك الوظيفة، وصدر حكم آخر برد أقدميته إلى 14/5/2000 تاريخ صدور القرار المقضي بإلغائه وترقيته إلى وظيفة (وكيل نيابة إدارية).
ومن حيث إن المسألة القانونية المثارة – التي رأت الدائرة السابعة عليا إحالة الطعن الماثل إلى هذه الدائرة بشأنها– تتعلق بمدى جواز احتفاظ عضو الهيئة القضائية الذي يعين في أدنى الوظائف القضائية براتبه الأساسي الذي كان يتقاضاه في وظيفته السابقة على تعيينه عضوا بالهيئة القضائية. وقد ذهبت الدائرة السابعة في هذا الشأن إلى أن قوانين الهيئات القضائية قد نظمت تعيين أعضائها، وألحقت بها جداول للمرتبات تضمنت بدايات ونهايات ربط الوظائف المدرجة بها. وقد خلت نصوص هذه القوانين من مبدأ إعادة التعيين في وظائفها؛ نظرا لاختلاف طبيعة الوظائف القضائية عن غيرها من الوظائف، وهذه الطبيعة تحول دون الأخذ بكل ما يطبق في مجال الوظائف العامة الأخرى، ومنها حساب مدد الخدمة السابقة وغيرها. كذلك فلو أن المشرع أراد أن يحتفظ لمن يعين في أدنى الوظائف القضائية بمرتبه الأساسي الذي كان يتقاضاه في عمله السابق لنص على ذلك صراحة. ولأن ما انتهت إليه هذا يتعارض وأحكام سابقة ترى العدول عنها، فقد أحالت الطعن الماثل إلى هذه الدائرة.
ومن حيث إن البين مما سبق أن ثمة اتجاها في أحكام المحكمة الإدارية العليا ذهب إلى أحقية عضو الهيئة القضائية المعين في أدنى الوظائف القضائية في الاحتفاظ بمرتبه الذي كان يتقاضاه في وظيفته السابقة قبل تعيينه بالهيئة القضائية؛ تأسيسا على أنه إزاء خلو نصوص قوانين الهيئات القضائية من نص ينظم احتفاظ عضو الهيئة بمرتبه الذي كان يتقاضاه قبل التحاقه بها، فإنه يتعين الاستعانة بالقواعد العامة التي تنظم شئون التوظف، وهي أحكام قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، الصادر بالقانون رقم (47) لسنة 1978، التي تسري على المعاملين بقوانين خاصة فيما لم يرد بشأنه نص خاص في هذه القوانين، ومنها نص المادة (25) التي تقرر الاحتفاظ للعامل الذي يعاد تعيينه بالأجر الذي كان يتقاضاه في وظيفته السابقة، متى كان يزيد على بداية الأجر المقرر للوظيفة المعين عليها، شريطة ألا يجاوز نهاية ربط هذه الوظيفة، وأن تكون خدمته متصلة (الأحكام الصادرة بجلسات 16/1/1999 في الطعن رقم 3996 لسنة 38 ق. ع و 1/9/2003 في الطعن رقم 2396 لسنة 47 ق.ع و 22/6/2008 في الطعن رقم 9968 لسنة 53 ق.ع). وهو الاتجاه المطلوب العدول عنه.
ومن حيث إن المادة (38) مكررا من القانون رقم (117) لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية تنص على أن: “يكون شأن أعضاء النيابة الإدارية فيما يتعلق بشروط التعيين والمرتبات والبدلات وقواعد الترقية والندب والإعارة والإجازات والاستقالة والمعاشات شأن أعضاء النيابة العامة”.
ومفاد هذا النص أنه أحال في شأن تعيين ومرتبات وبدلات وترقيات وندب وإعارة أعضاء النيابة الإدارية وأيضا إجازاتهم ومعاشاتهم إلى ما ينطبق على نظرائهم من أعضاء النيابة العامة، بحيث تتوحد الأحكام المطبقة على أعضاء النيابة العامة والنيابة الإدارية.
ومن حيث إن المادة (116) من قانون السلطة القضائية، الصادر بالقانون رقم (46) لسنة 1972 تنص على أن: “يشترط فيمن يعين مساعدا بالنيابة العامة أن يكون مستكملا الشروط المبينة في المادة (38) على ألا تقل سنه عن إحدى وعشرين سنة. ويشترط فيمن يعين معاونا بالنيابة العامة أن يستكمل هذه الشروط على ألا تقل سنه عن تسع عشرة سنة. ولا يجوز أن يعين أحد مباشرة من غير معاوني النيابة في وظيفة (مساعد) إلا بعد تأدية امتحان، تحَدد شروطه وأحكامه بقرار من وزير العدل بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى، وبشرط أن يكون مقيدا بجدول المشتغلين أمام المحاكم الابتدائية إن كان محاميا، أو أن يكون قد قضى سنتين متواليتين مشتغلا بعمل قانوني إن كان من النظراء. فإذا كان من اجتاز الامتحان من أعضاء الإدارات القانونية بالحكومة أو الهيئات أو المؤسسات العامة أو الوحدات الاقتصادية التابعة لها تنقل درجته عند تعيينه بالنيابة العامة باعتمادها المالي المدرج لها في ميزانية الجهة التي كان يعمل بها إلى ميزانية وزارة العدل”.
ومن حيث إن المادة (123) من ذات القانون تنص على أن: “تحدد مرتبات رجال النيابة بجميع درجاتهم وفقاً للجدول الملحق بهذا القانون”.
ومن حيث إن المادة (124) من ذات القانون تنص على أن: “تحدد أقدمية أعضاء النيابة وفق القواعد المقررة لتحديد أقدمية رجال القضاء طبقا للمادة (50)”.
ومن حيث إن مفاد النصوص المتقدمة أن المشرع حدد شرائط التعيين في وظيفتي (مساعد) و (معاون نيابة)، ولم يجز التعيين في وظيفة (مساعد نيابة) من غير معاوني النيابة إلا إذا كان من المحامين المشتغلين أمام المحاكم الابتدائية، أو مشتغلا بعمل قانوني نظير لمدة سنتين متتاليتين، وبعد اجتيازه للاختبار، فإذا كان من بين أعضاء الإدارات القانونية بالجهات المبينة في النص، يتم نقل الاعتماد المالي لدرجته من الجهة التي كان يعمل بها إلى ميزانية وزارة العدل. وغني عن البيان أن هذا الحكم مقصور على من يعين مباشرة من غير معاوني النيابة، ولا يمتد ليشمل غيرهم، وبعبارة أخرى فإن من يعين في وظيفة (معاون نيابة) لا تنتقل اعتمادات الدرجة التي كان يشغلها قبل تعيينه هذا إلى ميزانية الوزارة.
ومن حيث إنه طبقا لما سلف بيانه يكون التنظيم القانوني للهيئات القضائية، ولما تتسم به وظائفها من طبيعة خاصة، قد شمل التعيين بها وشرائطه، ولم يأخذ بمبدأ إعادة التعيين وما يترتب عليه من احتفاظ بالأجر السابق؛ لكون ذلك يتأبى وتلك الطبيعة الخاصة، فالمشرع لم ينظم في هذا الشأن سوى إعادة تعيين العضو السابق بالهيئة القضائية، فأجازه ولم يجز غيره، فلا مجال للقول بأن تعيين أحد العاملين بالجهاز الإداري للدولة أو غيره بإحدى الوظائف القضائية هو في حقيقته إعادة تعيين يستصحب معه احتفاظه براتبه؛ لأنه فضلا عما سبق فإن الآثار المترتبة على إعادة التعيين –على فرض جوازه– لا تنصرف فقط إلى الاحتفاظ بالراتب، بل تمتد لتشمل أيضا الاحتفاظ بالأقدمية السابقة في الوظيفة التي كان يشغلها قبل التعيين بالهيئة القضائية، رغم الاختلاف البين بين طبيعة كلتيهما، بالإضافة إلى أن هذه الآثار إذا ما ترتبت سوف ينتج عنها قيام التفرقة بين شاغلي ذات الوظيفة القضائية الواحدة الذين يمارسون ذات الاختصاصات والمسئوليات.
ومن حيث إنه لا يسوغ استدعاء أحكام قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم (47) لسنة 1978 في مثل هذه الحالة؛ إذ إن هذا الاستدعاء لا يتأتى إلا عند خلو القانون أو اللائحة الخاصة من تنظيم مسألة ما، أما إذا وجد هذا التنظيم، وأيا كانت أحكامه، فيمتنع الاستناد والرجوع إلى أحكام قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة. فلو أراد المشرع أن يقرر الاحتفاظ بالراتب السابق لمن يعين في أدنى الوظائف القضائية لما أعوزه النص على ذلك صراحة، مثلما فعل عندما ضمَّن نص المادة (119) من قانون السلطة القضائية المشار إليه احتفاظ من يشغل وظيفة (النائب العام) عند عودته للعمل بالقضاء بمرتباته وبدلاته، وكذلك الحال بالنسبة إلى احتفاظ الرئيس بمحكمة الاستئناف بمعاملته المالية المقررة لوظيفته عند ندبه للقيام بأعمال المحامي العام الأول، الأمر الذي لم يحدث في شأن تعيين أحد العاملين في أدنى الوظائف القضائية. وهذا ما أكده نص المادة (1) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة المشار إليه، الذي قرر في فقرته الثانية عدم سريان أحكامه على من تنظم شئونهم قوانين أو قرارات خاصة فيما نصت عليه هذه القوانين والقرارات.
ومن حيث إنه ابتناء على ما سلف بيانه فإنه لا يجوز لمن يعين في أدنى الوظائف القضائية أن يحتفظ بأجره الأساسي الذي كان يتقاضاه في وظيفته السابقة على تعيينه.
ومن حيث إنه لا ينال من ذلك ما ذهبت إليه الأحكام التي أخذ بها الاتجاه الساري حاليا في أحكام المحكمة الإدارية العليا من استناد إلى أحكام المادة (25) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة للقول بجواز الاحتفاظ بالراتب الأساسي في مثل هذه الحالة؛ لأنه بمطالعة هذا النص يتضح أنه قرر الأصل العام باستحقاق العامل عند التعيين بداية الأجر المقرر لدرجة الوظيفة طبقا لجدول الأجور، وجاءت الفقرة الثالثة من هذه المادة لتقرر استثناء من هذا الأصل العام أنه: “إذا أعيد تعيين العامل في وظيفة من مجموعة أخرى في نفس درجته أو في درجة أخرى احتفظ له بالأجر الذي كان يتقاضاه في وظيفته السابقة إذا كان يزيد على بـــداية الأجـــــر المقرر للوظيفة المعين عليها، بشرط ألا يجاوز نهايته، وأن تكون مدة خدمته متصلة “، وإنه فضلا عن أن هذا الحكم ورد على سبيل الاستثناء فلا يتوسع في تطبيقه ولا يقاس عليه، فإن مناط تطبيقه هو أن تتم إعادة التعيين في وظيفة من مجموعة وظيفية أخرى من ذات الدرجة أو في درجة أخرى، أي أنه يتعين أن يكون التنظيم القانوني الذي يسمح بانطباق هذا النص ينطوي على مجموعات وظيفية تشتمل كل منها على وظائف متنوعة، فإذا كان النظام القانوني الذى أعيد التعيين به لا يعرف نظام المجموعات الوظيفية، كما هو الشأن في الهيئات القضائية، فإن مناط تطبيق هذا الحكم الاستثنائي ينتفي، ولا يجوز قانونا هذا التطبيق.
كذلك فإن الفقرة الثالثة من المادة (25) المشار إليها عندما قررت سريان الحكم الاستثنائي السابق على العاملين السابقين بالوحدات الاقتصادية والمعاملين بنظم خاصة، خصصت ذلك بالذين يعاد تعيينهم في الجهات التي تطبق أحكام قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، أي قصرته على هذه الفئة فقط، فهذا النص ينطبق على عضو الهيئة القضائية الذي يعاد تعيينه بإحدى الجهات التي تطبق أحكام قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، وهي الحالة العكسية للحالة محل الطعن الماثل.
ومن حيث إنه في ضوء ما تقدم يغدو الاستناد إلى المادة (25) المشار إليها، لتقرير أحقية عضو الهيئة القضائية المعين في أدنى وظائفها في الاحتفاظ براتبه الأساسي الذي كان يتقاضاه في عمله السابق، في غير محله، ويتعين الالتفات عنه، والعدول عن هذا الاتجاه السائد، والأخذ بعدم أحقية عضو الهيئة القضائية المعين في أدنى الوظائف القضائية في الاحتفاظ براتبه الأساسي الذي كان يتقاضاه في عمله السابق.
ومن حيث إن الدائرة المختصة بالمحكمة الإدارية العليا كانت قد أحالت في 18/1/2009 إلى هذه الدائرة الدعوى الماثلة لإقرار مبدأ قانوني في المسألة آنفة البيان، وهو ما كان يتعين معه أن تتريث في الفصل في الدعاوى المماثلة لحين إقرار المبدأ القانوني الذي طلبته، إلا أنها أصدرت حكمها في الطعن رقم 9833 لسنة 51 ق.ع بجلستها المعقودة في 22/2/2009 بأحقية الطاعن في الاحتفاظ براتبه الاساسي الذي كان يتقاضاه قبل تعيينه بالهيئة القضائية، والذي قدم الطاعن صورة منه أمام هذه الدائرة بجلسة المرافعة المعقودة في 6/1/2010، والذي ورد على خلاف المبدأ الذي أقرته هذه الدائرة قبلاً في هذا الشأن، وهو لا يعد عدولا منها عن الإحالة السابقة إلى هذه الدائرة.
ومن حيث إنه وقد انتهت هذه الدائرة إلى المبدأ المتقدم في شأن عدم الاحتفاظ بالراتب الأساسي الذي كان يتقاضاه المعين في أدنى درجات الهيئات القضائية، فإنها تحيل هذه الدعوى بكاملها إلى الدائرة المختصة بالمحكمة الإدارية العليا للفصل فيها في ضوء هذا المبدأ، وكذا الفصل في باقي الطلبات.
حكمت المحكمة بعدم أحقية عضو الهيئة القضائية، الذي عين في أدنى الوظائف القضائية، في الاحتفاظ براتبــه الأساسي الذي كان يتقاضاه في عمله السابق. وأمرت بإعادة الدعوى إلى الدائرة المختصة بالمحكمة الإدارية العليا للفصل فيها في ضوء ما ورد بالأسباب.
([1]) في الاتجاه ذاته: الحكم الصادر عن دائرة توحيد المبادئ في الطعن رقم 4471 لسنة 46 القضائية عليا بجلسة 3/7/2003، مع ملاحظة أن الدائرة في هذا الحكم أوضحت أن الفصل في طلبات التدخل المقدمة أمامها يكون منوطا بمحكمة الموضوع، مما يستوجب إحالة هذه الطلبات إليها؛ بينما لم تسلك هذا الاتجاه في حكمها المنشور أعلاه.