جلسة 23 من نوفمبر سنة 2011
الطعن رقم 15436 لسنة 54 القضائية (عليا)
(الدائرة السادسة)
– دراسات عليا- شروط القيد لنيل درجة الدكتوراه بكلية التربية الفنية بجامعة حلوان– اجتياز دورة في اللغة الأجنبية لا يعد شرطا للقيد لنيل درجة الدكتوراه، وإنما هو شرط لنيل هذه الدرجة– عدم اجتياز تلك الدورة لا يعد مانعا قانونيا يحول بين الراغب في الحصول على درجة الدكتوراه والقيد لدراستها، ومن ثم فإن امتناع الجامعة عن قيده يشكل قرارا سلبيا مخالفا للقانون.
– المادة (36) من اللائحة الداخلية لكلية التربية الفنية بجامعة حلوان، الصادرة بقرار وزير التعليم العالي رقم 833 بتاريخ 22/6/1996.
– مسئولية جهة الإدارة عن أعمالها- مناط مسئولية الإدارة عن قراراتها الإدارية الصادرة عنها هو وجود خطأ من جانبها بأن يكون القرار الإداري غير مشروع، أو مشوبا بعيب من العيوب المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة، وأن يلحق بصاحب الشأن ضرر مباشر، وأن تقوم علاقة السببية بين الخطأ والضرر- انتفاء أي ركن من هذه الأركان يرتب انتفاء المسئولية المدنية لجهة الإدارة، فلا يكون هناك مجال للحكم بالتعويض.
– مسئولية جهة الإدارة عن أعمالها- ركن الخطأ- تحققه- قيام الجهة الإدارية بسحب القرار المطعون فيه لا ينفي ركن الخطأ في جانبها، ولا يرفع كامل الضرر المادي والأدبي- السحب الإداري للقرار ليس أنفذ ولا أبلغ أثرا من الإلغاء القضائي من حيث أثره في المسئولية المدنية الموجبة للتعويض.
– مسئولية جهة الإدارة عن أعمالها- ركن الضرر- لا يقوم الضرر على الافتراض والتسليم بوقوعه بمجرد إلغاء القرار المشوب بمخالفة موضوعية للقانون، وإنما يتعين على من يدعيه إثباته بجميع طرق الإثبات.
في يوم الخميس الموافق 17/4/2008 أودع الحاضر عن الطاعن قلم كتاب هذه المحكمة تقريرا بالطعن الماثل على الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (الدائرة الثامنة) بجلستها المعقودة بتاريخ 17/2/2008، الذي قضى في منطوقه باعتبار الخصومة منتهية بالنسبة لطلب إلغاء القرار المطعون فيه، ورفض ما عدا ذلك من الطلبات، وإلزام المدعي وجهة الإدارة المصروفات مناصفة.
وطلب الطاعن –للأسباب الواردة بتقرير الطعن– الحكم بقبوله شكلا، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا بإلزام المطعون ضده بصفته أن يؤدي له مبلغ ألف جنيه تعويضا عن الأضرار التي لحقت به، وإلزام جهة الإدارة المصروفات.
وقد أعلن تقرير الطعن على وفق الثابت بالأوراق، وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه –للأسباب الواردة به- الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا بأحقية الطاعن في التعويض الذي تقدره عدالة المحكمة عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقته، وإلزام المطعون ضده المصروفات.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا التي قررت بجلسة 17/5/2011 إحالة الطعن إلى الدائرة السادسة بالمحكمة الإدارية العليا لنظره أمامها بجلسة 22/6/2011، حيث جرى نظر الطعن أمام هذه المحكمة على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 5/10/2011 قررت حجز الطعن ليصدر فيه الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانونا.
وحيث إن الطعن استوفى جميع أوضاعه الشكلية.
وحيث إنه عن موضوع الطعن فإن عناصر هذه المنازعة تخلص –حسبما يبين من الأوراق– في أن الطاعن كان قد أقام الدعوى ابتداءً أمام المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم، وطلب في ختام صحيفتها الحكم بقبول الدعوى شكلا، وبوقف تنفيذ وإلغاء قرار رئيس جامعة حلوان المتضمن اشتراط الحصول على دورة اللغة الأجنبية للقيد بالدراسات العليا (ماجستير– دكتوراه)، وما يترتب على ذلك من آثار، وبالتعويض المناسب جبرا للأضرار التي لحقت به نتيجة صدور القرار المطعون فيه، وإلزام جهة الإدارة المصروفات.
وقال شرحا لدعواه: إنه معيد بكلية التربية الفنية بجامعة حلوان، وقد تقدم بأوراقه للقيد بالدراسات العليا في العام الجامعي 2002/2003، إلا أنه فوجئ بالقرار المطعون فيه الذي يشترط اجتياز دورة اللغة الأجنبية للقيد بالدراسات العليا، ونعى المدعي على القرار المطعون فيه مخالفة القانون، لذلك أقام دعواه بالطلبات السالف بيانها.
وبجلسة 16/6/2003 حكمت المحكمة بعدم اختصاصها نوعيا بنظر الدعوى وإحالتها بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري بالقاهرة للاختصاص، وتنفيذا لذلك وردت الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (الدائرة الثامنة) حيث قيدت بجدولها برقم 30551 لسنة 57ق.
وبجلسة 17/2/2008 أصدرت محكمة القضاء الإداري بالقاهرة حكمها الطعين.
وشيدت المحكمة قضاءها على أنه أيا كان الرأي حول مشروعية القرار المطعون فيه، رغم استجابة جهة الإدارة لطلب المدعي بعد رفع الدعوى، فقد خلت الأوراق مما يفيد أن هناك ضررا ماديا لحق بالمدعي نتيجة صدور هذا القرار، أما بالنسبة للضرر الأدبي فقد استجابت جهة الإدارة لطلبه الذي رفع دعواه من أجله بقيده بالدراسات العليا بالكلية المشار إليها على الوجه السالف بيانه مما يعد معه خير تعويض، ومن ثم يضحى طلب التعويض والحال هذه غير قائم على أساس سليم من القانون، ومن ثم قضت المحكمة برفضه.
ونظرا إلى أن هذا القضاء لم يلق قبولا من الطاعن فقد أقام الطعن الماثل ناعيا على الحكم الخطأ في تطبيق القانون وتأويله والقضاء بغير الثابت من الأوراق؛ ذلك أن الثابت من أوراق الدعوى أنه حاصل على درجة الماجستير بتاريخ 15/6/2002، ولم يقبل ورقه للقيد بمرحلة الدكتوراه إلا بتاريخ 29/11/2003، وهي الفترة التي تعطل فيها عن مواصلة البحث العلمي بمرحلة الدكتوراه، لاسيما أنه مقيد بوظيفة مدرس مساعد بكلية التربية الفنية بجامعة حلوان مما أثر في مرتبه ماديا، علاوة على ما تكبده من أتعاب للمحاماة في اللجوء إلى لجنة التوفيق في بعض المنازعات وإلى القضاء، فضلا عن الأضرار الأدبية والنفسية التي لحقت به.
ومن ثم خلص الطاعن إلى الطلبات السابق الإشارة إليها.
……………………………….
وحيث إنه من المستقر عليه أن أساس مسئولية الإدارة عن القرارات الإدارية الصادرة عنها تقوم على ثبوت خطأ من جانبها، بأن يكون القرار غير مشروع أي يشوبه عيب أو أكثر من العيوب المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة، وأن يلحق بصاحب الشأن ضرر مباشر من جراء هذا الخطأ، وأن تقوم علاقة السببية بين الخطأ والضرر، فإن تخلف ركن أو أكثر من هذه الأركان الثلاثة أدى ذلك إلى انتفاء المسئولية المدنية في جانب الإدارة، فضلا عن أنه فيما يتعلق بركن الضرر المترتب على القرار الإداري غير المشروع، فإنه لا يقوم على الافتراض والتسليم بمجرد إلغاء القرار المشوب بمخالفة موضوعية للقانون، بل يتعين على من يدعيه إثباته بطرق الإثبات جميعها؛ وذلك لأن التعويض يشمل ما لحق بالمدعي من خسارة وما فاته من كسب.
فضلا عن أن قيام الجهة الإدارية بسحب القرار المطعون فيه على التفصيل الوارد بالأوراق لا ينفي ركن الخطأ في جانبها ولا يرفع كامل الضرر المادي والأدبي الذي لحق بالمطعون ضده بسببه، فالسحب الإداري للقرار ليس أنفذ ولا أبلغ أثرا من الإلغاء القضائي من حيث الأثر في المسئولية المدنية الموجبة لالتزام الجهة الإدارية بالتعويض، فكما أنه ليس هناك تلازم حتمي بين الإلغاء القضائي للقرار الإداري وإزالة كامل الضرر عن المقضي له بالإلغاء، فقد جرى قضاء العديد من الأحكام بالتعويض عن قرارات إدارية لمستصدري الأحكام بإلغائها، حيث إن السحب الإداري للقرار لا ينفي ركن الضرر ووجوب التعويض عن الأضرار التي لم يجبرها، وهو بذلك أي السحب الإداري شأنه في هذا الخصوص شأن الإلغاء القضائي للقرار الإداري.
وحيث إنه عن ركن الخطأ فإن المادة (36) من اللائحة الداخلية لكلية التربية الفنية بجامعة حلوان (الصادرة بقرار وزير التعليم العالي رقم 833 بتاريخ 22/6/1996) تنص على أنه: “يشترط لنيل الدارس درجة دكتوراه الفلسفة في التربية الفنية بتخصصيها ما يلي: 1-… 2- أن يجتاز الدارس دورة اللغة الأجنبية بنجاح طبقا للنظام الذي يقرره مجلس الدراسات العليا والبحوث بالمستوي المطلوب ما لم يحقق هذا المستوى من قبل”.
وحيث إن مفاد ذلك أن المشرع اشترط لنيل الدارس بكلية التربية الفنية بجامعة حلوان درجة الدكتوراه في فلسفة التربية الفنية، أن يجتاز دورة في اللغة الأجنبية طبقا للنظام الذي يقرره مجلس الدراسات العليا والبحوث، وإنه ولئن كان المشرع قد استلزم توفر هذا الشرط لنيل درجة الدكتوراه في فلسفة التربية الفنية، إلا أنه لم يستلزمه للقيد لنيل هذه الدرجة، وبمعنى آخر: ليس هناك مانع قانوني يحول بين الراغب في الحصول على درجة الدكتوراه في فلسفة التربية الفنية والقيد لدراسة تلك الدرجة، إذ يمكن للراغب في الحصول على درجة الدكتوراه أن يقيد نفسه أولا، ثم يحصل على دورة اللغة الأجنبية أثناء دراسته.
وحيث إنه بالتطبيق لما تقدم، ولما كان الثابت أن جامعة حلوان امتنعت عن قيد الطاعن بالدراسات العليا لنيل درجة الدكتوراه في العام الدراسي 2002/2003 قبل اجتيازه دورة اللغة الأجنبية، وبتاريخ 29/11/2003 تراجعت الجامعة عن قرارها واستجابت لطلبات الطاعن، حيث وافقت على قيده بالدراسات العليا لنيل درجة الدكتوراه في العام الجامعي 2003/2004، ولما كان شرط اجتياز دورة اللغة الأجنبية ليس من بين الشروط اللازمة للقيد بالدراسات العليا لنيل درجة الدكتوراه في فلسفة التربية الفنية طبقا للمادة (36) من اللائحة الداخلية لكلية التربية الفنية بجامعة حلوان، فمن ثم يشكل امتناع جامعة حلوان عن قيد الطاعن بالدراسات العليا لنيل درجة الدكتوراه قرارا سلبيا مخالفا للقانون، لاسيما وأنه قد ترتب على ذلك تأخره عن القيد لنيل درجة الدكتوراه ومواصلة دراسته بها أسوة بزملائه لمدة عام كامل، وهو ما يتوفر معه ركن الخطأ في جانب الجامعة المطعون ضدها.
وحيث إنه عن ركن الضرر فهو لا شك متوفر كذلك، ويتمثل فيما تكبده الطاعن من تكاليف ومصروفات اللجوء إلى القضاء للحصول على حقه، فضلا عما أصابه من ضرر أدبي تمثل في شعوره بالظلم والتعسف من جانب الجامعة المطعون ضدها وما أصابه من شعور بالأسى والحزن لتوقفه وتأخره عن مواصلة رسالته في البحث العلمي، بالإضافة إلى تأخره عن باقي قرنائه بالجامعات الأخرى، كما توفرت علاقة السببية بين خطأ الجامعة المطعون ضدها والأضرار التي أصابت الطاعن، ومن ثم تكتمل كل عناصر المسئولية الإدارية الموجبة للتعويض في حق الجامعة الطاعنة.
وحيث إنه وإذ ذهب الحكم المطعون فيه إلى خلاف ما تقدم، فإنه يكون قد صدر بالمخالفة لحكم القانون حقيقا بالإلغاء، والقضاء مجددا بأحقية الطاعن فى تعويض قدره (ألف جنيه) جبرا للضرر المادي والأدبي الذي أصابه من جراء مسلك الجامعة المطعون ضدها.
وحيث إن من يخسر الطعن يلزم مصروفاته عملا بحكم المادة 184 من قانون المرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا بأحقية الطاعن في تعويض مقداره ألف جنيه عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقته من جراء مسلك الجامعة المطعون ضدها، وألزمت الجامعة المصروفات.