جلسة 28 من ديسمبر سنة 2011
الطعن رقم 17753 لسنة 52 القضائية (عليا)
(الدائرة السادسة)
– سلطة الحكومة في الاعتقال- سلطة الحاكم في اعتقال المواطنين عند إعلان حالة الطوارئ تقتصر على المشتبه فيهم والخطرين على الأمن والنظام العام، الذين ينسب إليهم نشاط معين يثبت ارتكابهم له بالفعل- إذا جاء قرار الاعتقال خاليا من نسبة نشاط محدد ووقائع بذاتها للمعتقل فإنه يغدو فاقدا لسببه المبرر له قانونا- مجرد القول إن الاعتقال تم لدواعٍ أمنية، لا يصلح سببا لحمل قرار الاعتقال.
– المادة الثالثة من قانون حالة الطوارئ، الصادر بالقرار بقانون رقم 162 لسنة 1958.
– التعويض عن الاعتقال غير المشروع– قرار الاعتقال غير المشروع يمثل مساسا بالحرية الشخصية للمعتقل، وحقه في التنقل، وقد يمثل مساسا بحق دستوري آخر، كالحق في التعليم ومواصلة دراسته التعليمية –المساس بهذين الحقين الدستوريين يقتضي تعويضا منفردا لكل منهما؛ لاختلاف طبيعة الأضرار المترتبة على التعدي على كل منهما([1]).
في يوم الأحد الموافق 23/4/2006 أودع الأستاذ/… المحامي نائبا عن الأستاذ/… المحامى بالنقض والإدارية العليا بصفته وكيلا عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرا بالطعن قيد بجدولها بالرقم عاليه في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بقنا (الدائرة الأولى) في الدعوى رقم 3225 لسنه 11 ق بجلسة 23 /2/ 2006، القاضي في منطوقه بإلغاء القرار المطعون فيه، وما يترتب على ذلك من آثار، ورفض ما عدا ذلك من طلبات، وألزمت المدعي والجهة الإدارية المصروفات مناصفة.
وطلب الطاعن -للأسباب الواردة بتقرير الطعن- الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا بإلزام المطعون ضده الأول أن يؤدي للطاعن المبلغ الذي تراه عدالة المحكمة جابرا للأضرار المادية والمعنوية التي لحقت به من جراء حرمانه من مواصلة دراسته في الفترة منذ العام الدراسي 92/93 حتى 2003، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وتم إعلان تقرير الطعن على النحو المبين بالأوراق.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، وبإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض طلب التعويض، والقضاء مجددا بأحقية الطاعن في الحصول على التعويض الذي تراه المحكمة جابرا للأضرار، وإلزام جهة الإدارة المطعون ضدها المصروفات.
وتدوول نظر الطعن أمام الدائرة السادسة فحص طعون بالمحكمة الإدارية العليا بجلسات المرافعة على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، ثم قررت تلك الدائرة إحالة الطعن إلى الدائرة السادسة موضوع بالمحكمة الإدارية العليا حيث نظرته بجلسات المرافعة على النحو الثابت بمحاضر جلساتها، حيث قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم، وبها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانونا.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إنه عن موضوع الطعن فإن عناصر المنازعة تخلص –حسبما يبين من الأوراق- في أن الطاعن كان قد أقام الدعوى رقم 3225 لسنة11 ق أمام محكمة القضاء الإداري بقنا (الدائرة الأولى) بتاريخ 26/5/2003، طالبا الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار السلبي بامتناع المدعى عليهم عن تمكينه من أداء امتحان الصف الثالث الثانوي الزراعي، وتنفيذ الحكم في الشق المستعجل بمسودته دون إعلان، وإلزام المدعى عليه الأول أن يؤدي إليه تعويضا جابرا للضرر الذي لحقه من جراء القرار المطعون فيه، على سند من أنه كان طالبا بالصف الثالث الثانوي الزراعي بقنا عندما اعتقل لأسباب سياسية وأودع سجن الوادي الجديد، وأنه طلب من إدارة السجن تمكينه من أداء الامتحان إلا أنها لم تجبه إلى طلبه، مما يشكل قرارا سلبيا مخالفا للقانون لما شابه من عيوب، أهمها الإخلال بحقه الدستوري في مواصلة دراسته وتمكينه من أداء الامتحانات المقررة.
………………………………
وبجلسة 29/5/2003 أصدرت المحكمة حكمها في الشق العاجل من الدعوى بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وأحيل الشق الموضوعي إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني فيه، وقدمت الهيئة التقرير المطلوب والذي ارتأت فيه الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه، وأحقية المدعي في التعويض الجابر للأضرار المادية والأدبية من جراء هذا القرار، وبجلسة 23/2/2006 قضت المحكمة في الشق الموضوعي (المطعون فيه) بإلغاء القرار المطعون فيه، وما يترتب على ذلك من آثار، ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات.
وشيدت المحكمة قضاءها فيما يتعلق بطلب التعويض على أن الثابت من الأوراق أن المدعي كان مقيدا بمدرسة قنا الثانوية الزراعية بالصف الأول في العام الدراسي 1990/1991، ثم تخرج وانتقل إلى الصف الثاني الثانوي زراعي نظامي في العام الدراسي 1991/1992، وفي العام الدراسي 1992/1993 كان بالصف الثالث الثانوي الزراعي، ونظرا إلى دواعي الأمن اعتقل ولم يحرر استمارة الدبلوم عام 1992/1993 لعدم حصوله على نسبة 75% في المواد العلمية ونسبة 85% في الحضور؛ للاعتقال في شهر ديسمبر عام 1992، ثم تقدم ولي أمر المدعي بطلب يرغب فيه بدخول نجله امتحان الدبلوم عام 2003، حيث إن امتحان الدبلوم مقرر له يوم 6/6/2003 للعملي، والنظري يوم 14/6/2003، وأنه إذا كان المدعي قد حرم من الدراسة في الصف الثالث الثانوي الزراعي اعتبارا من تاريخ اعتقاله في 23/12/1992 حتى أدائه امتحانات الدبلوم في 6و14/6/2003 تنفيذا للحكم الصادر في الشق العاجل من الدعوى، فالثابت من الأوراق أن مديرية التربية والتعليم بقنا لم يكن لها يد في حرمانه من مواصلة الدراسة بعد اعتقاله في 23/12/1992، بل إن هذا الأمر يرجع إلى وزارة الداخلية، كما أن خير تعويض له هو أداؤه امتحانات الدبلوم في المواعيد المقررة لها، وهذا الأمر لا يحجب حق المدعي في المطالبة بالتعويض عن قرار اعتقاله إن كان هناك مقتضٍ لذلك، وانتهت المحكمة إلى رفض طلب التعويض.
………………………………
ولم يلق هذا القضاء قبولا من الطاعن فأقام الطعن الماثل ناعيا عليه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال؛ وذلك لتوفر أركان المسئولية التقصيرية في حق جهة الإدارة من خطأ وضرر وعلاقة سببية، وأن الطاعن وجه طلب التعويض لوزير الداخلية فقط، سواء بعريضة افتتاح الدعوى أو بعريضة تعديل الطلبات المقدمة بجلسة 13/10/2005، وليس لمديرية التربية والتعليم بقنا، كما أن هناك فارقا بين طلب التعويض المطروح على المحكمة في شأن أضرار الحرمان من مواصلة الدراسة طيلة اثني عشر عاما، ومسألة التعويض عن قرار الاعتقال، وهو غير مطروح في هذه الدعوى، وأن المحكمة قعدت عن ضم الدعوى رقم 288 لسنة 2ق المطلوب ضمها والمكملة للدعوى وذلك لامتناع جهة الإدارة عن تنفيذ الحكم الصادر بجلسة 30/11/1994 بوقف التنفيذ والحكم الصادر في الدعوى نفسها في الشق الموضوعي بجلسة 26/6/1997 بإلغاء القرار المطعون فيه، كما امتنعت عن تنفيذ الحكم الصادر بجلسة 29/5/2003 في الشق العاجل من الدعوى المطعون على حكمها، وحرمت الطاعن من أداء امتحانات الدور الأول من العام الدراسي 2002/2003 برغم أن الامتحانات عقدت في 7/6/2003 وجرى تسليم الحكم إليها عقب صدوره مباشرة في 30/5/2003، فكيف يتسق ذلك مع ما ذكره الحكم المطعون فيه من أن خير تعويض للطاعن هو أداؤه امتحانات الدبلوم في المواعيد المقررة.
………………………………
وحيث إن مناط مسئولية الإدارة عن القرارات الصادرة عنها هو وجود خطأ في جانبها، بأن يكون القرار غير مشروع لعيب أو أكثر من العيوب المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة، وأن يلحق بصاحب الشأن ضرر، وأن تقوم علاقة السببية بين الخطأ والضرر.
وحيث إنه عن ركن الخطأ فإنه من المقرر أن الاعتقال على وفق ما نصت عليه المادة (الثالثة) من القانون رقم 162 لسنة 1958 في شأن حالة الطوارئ مقصور على المشتبه فيهم والخطرين على الأمن والنظام العام، ومن ثم لا تنصرف سلطة الحاكم في اعتقال المواطنين إلا لمن أجاز قانون الطوارئ اعتقالهم، وهم المشتبه فيهم والخطرون على الأمن والنظام العام، وهم من ينسب إليهم نشاط معين يثبت أن المعتقل قد ارتكبه بالفعل ويمثل خطورة على الأمن والنظام العام، وهو ما يشكل ركن السبب في قرار الاعتقال، وإذا جاء قرار الاعتقال خاليا من نسبة نشاط محدد ووقائع بذاتها للمعتقل فإن قرار الاعتقال يغدو فاقدا لسببه المبرر له قانونا، ومن ثم يتوفر في شأنه ركن الخطأ.
(حكم المحكمة الإدارية العليا بجلسة 9/2/2002 في الطعن رقم 2894 لسنة 45ق عليا مجموعة السنة 47 ص426)
ولما كانت الأوراق قد جاءت خالية مما يبرر اعتقال المدعي في شهر ديسمبر 1992 إلا ما جاء برد الجهة الإدارية من أنه تم الاعتقال لدواعٍ أمنية، وهو ما لا يصلح سببا لحمل قرار الاعتقال، ومن ثم يغدو فاقدا لسببه، فضلا عن أن الجهة الإدارية بعد أن اعتقلت الطاعن وقيدته مكانيا وحرمته من الحقوق المقررة قانونا للمسجونين في المادة 31 من القانون رقم 396 لسنة 1956 بشأن السجون، المعدل بالقانون رقم 87 لسنة 1973، من السماح لهم بتأدية الامتحانات، بل إنها تمادت في إهدار حق الطاعن بامتناعها عن تنفيذ الحكم الصادر لمصلحته في هذا الشأن عن محكمة القضاء الإداري بقنا بجلسة 30/11/1994 في الشق العاجل من الدعوى رقم 288 لسنة 2ق، ثم في الشق الموضوعي منها بجلسة 26/6/1997 حسب ما أورده الطاعن بتقرير الطعن ولم تنكره الجهة الإدارية، واستمرار هذا الامتناع حتى الدور الثاني من العام الدراسي 2003 تنفيذا للحكم الصادر في الشق العاجل من الدعوى المطعون على حكمها في الطعن الماثل، ومن ثم فإن قرار الاعتقال غير المشروع والحرمان غير المبرر من أداء الامتحان ومواصلة الدراسة يشكل ركن الخطأ في جانب الجهة الإدارية.
وحيث إنه عن ركن الضرر فإن قرار الاعتقال الصادر بشأن الطاعن يمثل مساسا بحريتين وانتقاصا من حقين دستوريين يتساويان قدرا باعتبارهما من الحريات والحقوق الدستورية العامة، وإن تمايزا واستقل كل منهما أحكاما وتنظيما، بيان ذلك أن قرار الاعتقال يرتب واقعا ماديا يتحصل في تقييد حرية المواطن فإذا ثبتت عدم مشروعية القرار أصبح القرار متصادما مع المبدأ المقرر بالمادتين 41و50 من الدستور الذي يفيد بأن الحرية الشخصية حق طبيعي، فلا يجوز تقييد حرية المواطن أو منعه من التنقل أو إلزامه بالإقامة في مكان معين إلا بالشروط والأوضاع والضوابط المقررة بهاتين المادتين، كما أن قرار الاعتقال سواء باعتباره واقعة مادية أو بحسبانه يحدد مركزا قانونيا للشخص المعني قد يرتب بالإضافة إلى ما سبق مساسا وافتئاتا على حق دستوري آخر يتمثل في الحق في التعليم ومواصلة دراسته التعليمية وتنمية مواهبه وملكاته العقلية، وتدرجه بعد ذلك في مدارج الدراسات التعليمية المتخصصة بغية إعداد نفسه إلى كسب عيشه وخدمة وطنه على النحو الذي نصت عليه المادة (18) من الدستور، وكل من الحقين الدستوريين اللذين تطاول عليهما القرار غير المشروع بالاعتقال يقتضي تعويضا منفردا؛ لاختلاف طبيعة الأضرار المترتبة على التعدي على كل منهما.
(في هذا المعنى حكم المحكمة الإدارية العليا بجلسة 24/3/2001 في الطعن رقم 2894 لسنة 43ق عليا ، منشور مجموعة الأحكام الصادرة عن الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا من أول أكتوبر سنة 2000 حتى آخر مارس 2001 جـ1 ص619)
وحيث إنه ترتيبا على ما تقدم، ولما كان الثابت من الأوراق أن الطاعن كان مقيدا بالصف الثالث الثانوي الزراعي بمدرسة قنا الثانوية الزراعية في العام الدراسي 1992/1993، وجرى اعتقاله في شهر ديسمبر عام 1992، وحرم من مواصلة تعليمه في بيئة دراسية طبيعية وأداء الامتحانات المقررة حتى عام 2003، حيث حرم من امتحانات الدور الثانى بالصف الثالث الثانوى الزراعى رغم الحكم الصادر بجلسة 29/5/2003 عن محكمة القضاء الإداري بقنا في الشق العاجل من الدعوى المطعون على حكمها بالطعن الماثل، ومن ثم فإن حرمانه من حقه الدستوري في مواصلة تعليمه كان بسبب اعتقاله غير المشروع الذي استمر طيلة أحد عشر عاما تقريبا، وإن الضرر الناتج عن حرمانه من حقه الدستوري في مواصلة تعليمه وأدائه الامتحانات المقررة يقتضي تعويضا منفردا عن الأضرار الناتجة من قرار الاعتقال، خاصة أن الأوراق خلت أصلا مما يفيد صرف الجهة الإدارية أي تعويضات للمدعي عن قرار اعتقاله، مما تقضي معه المحكمة بإلزام الجهة الإدارية المطعون ضدها (وزارة الداخلية) أن تؤدي للطاعن مبلغ عشرة آلاف جنيه تعويضا جابرا للأضرار المادية والأدبية التي حاقت به من جراء حرمانه من مواصلة تعليمه وأداء الامتحانات المقررة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه لم يأخذ بوجهة النظر هذه فإنه يتعين القضاء بإلغائه فيما تضمنه من رفض طلب التعويض.
وحيث إن من خسر الطعن يلزم مصروفاته عملا بحكم المادة 184 من قانون المرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من رفض طلب التعويض، وبإلزام الجهة الإدارية المطعون ضدها (وزارة الداخلية) أن تؤدي مبلغ عشرة آلاف جنيه للطاعن تعويضا عن الأضرار التي حاقت به من جراء حرمانه من مواصلة تعليمه، وألزمتها المصروفات.
(1) راجع كذلك في هذا المعنى حكم الدائرة الأولى (موضوع) بالمحكمة الإدارية العليا بجلسة 24/3/2001 في الطعن رقم 2894 لسنة 43 القضائية عليا (منشور بمجموعة الأحكام الصادرة عن الدائرة الأولى في الفترة من 1/10/2000 حتى 30/9/2001 جـ1 مبدأ رقم 88 ص619).