جلسة 3 من مارس سنة 2012
الطعن رقم 25268 لسنة 56 القضائية (عليا)
(الدائرة الأولى)
– لا تتعلق قواعد توزيع الاختصاص محليا ونوعيا بين دوائر محكمة القضاء الإداري بالنظام العام- توزيع الاختصاص بين دوائر هذه المحكمة هو نوع من التنظيم الداخلي للعمل، يتعين الالتزام به، دون أن يترتب على مخالفته البطلان([1]).
– هيئة مفوضي الدولة- يكفي أن تبدي الهيئة رأيها القانوني وتثبته بمحضر جلسة المرافعة.
– ما يعد قرارا إداريا- العبرة في تحديد طبيعة العمل وما إذا كان قرارا إداريا أو لا هي بموضوعه– قرار مجلس الشورى (بوصفه كان هو السلطة العامة التي تنوب عن الدولة في ممارسة حق الملكية على المؤسسات الصحفية القومية) بنقل إصدار صحيفة بصحفييها من مؤسسة صحفية قومية إلى مؤسسة أخرى، وكذا قراره بدمج مؤسسة صحفية قومية في أخرى، يخرجان بحسب موضوعهما عن مفهوم الأعمال البرلمانية، ويندرجان في عداد الأعمال الإدارية.
– مؤسسات صحفية- المؤسسات الصحفية القومية مملوكة للدولة ملكية خاصة، ويمارس حقوق الملكية عليها مجلس الشورى نيابة عن الدولة، وينظم العلاقة بين تلك المؤسسات والعاملين بها أحكام عقد العمل الفردي المنصوص عليها في قانون العمل- أجاز المشرع انتقال الصحفي أو العامل من مؤسسة صحفية قومية إلى أخرى بموافقته، وبموافقة المؤسستين معا، دون انتقاص لأي حق مقرر له- النص على جواز انتقال الصحفي بموافقته لا يستتبع حظر النقل دون موافقته- القول بغير ذلك هو استنباط لحكم بالحظر بدلالة المخالفة، وهي من أضعف الدلالات في استنباط الأحكام([2]).
– مؤسسات صحفية- يجوز دمج مؤسسة صحفية قومية في أخرى مادام قد تحققت المصلحة العامة المرجوة من وراء الدمج، وتم الحفاظ على كرامة وحقوق الصحفيين والعاملين- لا تجوز استعارة أحكام الدمج المنصوص عليها في قانون الشركات؛ لاختلاف القياس في هذه الحالة؛ حيث إن الاندماج بقرار الجمعية العمومية للشركة باعتبارها المالكة لرأس مالها، هو أمر غير متحقق بالنسبة للجمعية العامة للمؤسسة الصحفية القومية باعتبارها غير مالكة للمؤسسة الصحفية القومية، وإنما يتحقق هذا الوصف في مجلس الشورى باعتباره نائبا عن الدولة في ممارسة حق الملكية على المؤسسات الصحفية القومية.
– المادة (135) من قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة، الصادر بالقانون رقم 159 لسنة 1981.
– المادتان (55) و(56) من قانون تنظيم الصحافة، الصادر بالقانون رقم 96 لسنة 1996.
– تعريف القياس وقواعده- القياس كما يعرفه الأصوليون هو مساواة أمر لأمر آخر في الحكم الثابت له لاشتراكهما في علة الحكم، أو هو إلحاق أمر لا نص فيه بآخر منصوص على حكمه وتطبيق حكمه عليه لاشتراكهما في علة الحكم- العلة هي أهم أركان القياس، وهي الوصف الظاهر المنضبط الذي بني عليه حكم الأصل، ويعرف به وجود هذا الحكم في الفرع؛ لأن أساس القياس هو تساوى المقيس والمقيس عليه في العلة، وهذا التساوي يستلزم انضباط الوصف وتحديده- تطبيق: لا تصح استعارة أحكام الدمج المنصوص عليها في قانون الشركات وتطبيقها على دمج المؤسسات الصحفية القومية على سبيل القياس؛ لاختلاف علة الحكم بالنسبة لها.
– تفسير القانون- مقتضى النص ومفهومه- استنباط حكم عن طريق مفهوم المخالفة هو من أضعف الدلالات في استنباط الأحكام.
في يوم الأربعاء الموافق 2/6/2010 أودع الأستاذ/… المستشار بهيئة قضايا الدولة، (بصفته) نائبا قانونيا عن رئيس مجلس الشورى بصفته قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن، قيد بجدولها برقم 25268 لسنة 56 القضائية عليا، في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري (الدائرة السابعة) بجلسة 15/5/2010 في الدعوى رقم 50071 لسنة 63ق، والدعوى الفرعية، والدعوى رقم 7946 لسنة 64ق، القاضي منطوقه: (أولا) برفض الدفوع بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعويين المنضمتين والدعوى الفرعية وباختصاصها بنظرها. (ثانيا) بقبول تدخل الخصوم المتدخلين في الدعوى رقم 50071 لسنة 63ق انضماميا إلى جانب المدعين فيها. (ثالثا) برفض الدفع بعدم قبول الدعوى رقم 50071 لسنة 63ق بالنسبة إلى رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم؛ لرفعها على غير ذي صفة وبقبولها بالنسبة إليه. (رابعا) برفض الدفوع بعدم قبول الدعويين المنضمتين والدعوى الفرعية لانتفاء الصفة والمصلحة. (خامسا) بقبول الدعويين المنضمتين والدعوى الفرعية شكلا، وفى الموضوع بإلغاء القرارين المطعون عليهما، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام المجلس المدعى عليه المصروفات.
وطلب الطاعن للأسباب الواردة بتقرير الطعن تحديد أقرب جلسة لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون لتأمر بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وإحالة الطعن إلى دائرة الموضوع لتقضي فيه بقبوله شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا: (أصليا) بعدم اختصاص المحكمة وظيفيا، والقضاء عموما، بنظر الدعوى، و(احتياطيا) بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى، و(من باب الاحتياط الأول) بطلان الحكم المطعون فيه لعدم اختصاص الدائرة التي أصدرته نوعيا بنظر النزاع، و(من باب الاحتياط الثاني) بعدم قبول الدعويين لانتفاء القرار الإداري، و(من باب الاحتياط الثالث) بعدم قبول الدعويين والدعوى الفرعية وطلبات التدخل؛ لانتفاء شرط المصلحة، و(من باب الاحتياط الأخير) برفض الدعويين والدعوى الفرعية، مع إلزام المطعون ضدهم المصروفات.
وتدوول الطعن أمام دائرة فحص الطعون –على النحو المبين بمحاضر الجلسات– وبجلسة 4/7/2010 أثبت مفوض الدولة الرأي القانوني لهيئة مفوضي الدولة، وقررت الدائرة إحالة الطعن إلى دائرة الموضوع لنظره بجلسة 25/9/2010، حيث تدوول أمامها على النحو المبين بمحاضر الجلسات، وبجلسة 22/1/2011 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 26/3/2011، وفيها تقرر إعادة الطعن إلى المرافعة وإحالته إلى الدائرة المنصوص عليها في المادة (54 مكررا) من قانون مجلس الدولة للفصل فيما إذا كان توزيع الاختصاص بين دوائر محكمة القضاء الإداري مجرد تنظيم داخلي للعمل بالمحكمة لا يترتب على مخالفته البطلان، أم إنه أمر يتعلق بالنظام العام ويستتبع الخروج عليه بطلان الحكم.
وبجلسة 14/1/2012 حكمت المحكمة بأن توزيع الاختصاص بين دوائر محكمة القضاء الإداري هو نوع من التنظيم الداخلي للعمل بالمحكمة يتعين الالتزام به دون أن يترتب على مخالفته بطلان الحكم، وأمرت بإعادة الطعن إلى الدائرة الأولى (موضوع) بالمحكمة الإدارية العليا للفصل فيه على ضوء ذلك، حيث ورد الطعن ونظر بجلسة 21/1/2012، وفيها طلب الحاضر عن الممثل القانوني لنقابة الصحفيين والحاضر عن رئيس اللجنة النقابية للعاملين بمؤسسة دار الشعب سابقا (الشركة القومية للتوزيع حاليا)، وبعض الصحفيين والعاملين ممن مسهم الحكم المطعون فيه، التدخل انضماميا إلى جانب الطاعن بصفته، وذلك على النحو المبين بمحضر الجلسة، وبجلسة 11/2/2012 تقرر إصدار الحكم بجلسة اليوم، حيث صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانونا.
وحيث إنه عن طلبات التدخل انضماميا إلى جانب الجهة الإدارية الطاعنة، فالثابت أن طالبي التدخل انضماميا هم من العاملين والصحفيين ممن مسهم الحكم المطعون فيه أو ممثليهم النقابيين، ومن ثم تكون لهم مصلحة في التدخل، ويتعين قبول تدخلهم إعمالا لحكم المادة (126) من قانون المرافعات، مع الاكتفاء بذكر ذلك في الأسباب دون المنطوق.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية المقررة قانونا، ومن ثم يتعين قبوله شكلا.
وحيث إن وقائع النزاع الماثل تخلص –حسبما يبين من الأوراق– في أن المطعون ضدهم من الأول إلى العاشر كانوا قد أقاموا الدعوى رقم 50071 لسنة 63ق أمام محكمة القضاء الإداري (الدائرة السابعة) طالبين الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار مكتب مجلس الشورى رقم (7) لسنة 2009 بنقل إصدار جريدة (المسائية اليومية) التي تصدر عن دار التعاون بصحفييها إلى مؤسسة أخبار اليوم، على سند من مخالفة القرار المطعون فيه لأحكام الدستور والقانون، وإهداره لحقوق الصحفيين بمؤسسة أخبار اليوم، وإسقاطه لحق المؤسسة في إقرار ما تصدره أو ما تمتنع عن إصداره من مطبوعات، ومناقضته لسياسة الدولة في تصفية وبيع المنشآت الخاسرة.
وأن المطعون ضدهما السادس عشر والسابع عشر كانا قد أقاما الدعوى رقم 7946 لسنة 64ق طعنا على القرار نفسه أمام محكمة القضاء الإداري (الدائرة الأولى)، والتي قررت إحالتها إلى الدائرة السابعة لنظرها مع الدعوى رقم 50071 لسنة 63ق المشار إليها.
كما أن المطعون ضدهم من الحادي عشر إلى الخامس عشر كانوا قد تدخلوا انضماميا إلى جانب المدعين في الدعوى رقم 50071 لسنة 63ق، كما أقام المطعون ضدهم من الثاني عشر إلى الخامس عشر دعوى فرعية بطلب وقف تنفيذ وإلغاء قرار مكتب مجلس الشورى رقم (6) لسنة 2009 بدمج مؤسستي دار الشعب للصحافة والطباعة والنشر ودار التعاون للطباعة والنشر في الشركة القومية للتوزيع.
…………………………………….
وبجلسة 15/5/2010 قررت المحكمة ضم الدعوى رقم 7946 لسنة 64ق إلى الدعوى رقم 50071 لسنة 63ق والدعوى الفرعية للارتباط، وبالجلسة نفسها قضت المحكمة: (أولا) برفض الدفوع بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعويين المنضمتين والدعوى الفرعية، وباختصاصها بنظرها. (ثانيا) بقبول تدخل الخصوم المتدخلين في الدعوى رقم 50071 لسنة 63ق انضماميا إلى جانب المدعين فيها. (ثالثا) برفض الدفع بعدم قبول الدعوى رقم 50071 لسنة 63ق بالنسبة إلى رئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم؛ لرفعها على غير ذي صفة، وبقبولها بالنسبة إليه. (رابعا) برفض الدفوع بعدم قبول الدعويين المنضمتين والدعوى الفرعية؛ لانتفاء الصفة والمصلحة. (خامسا) بقبول الدعويين المنضمتين والدعوى الفرعية شكلا، وفى الموضوع بإلغاء القرارين المطعون عليهما، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت المجلس المدعى عليه المصروفات.
وشيدت المحكمة قضاءها فيما يتعلق برفض الدفوع بعدم اختصاص القضاء عموما بنظر الدعويين لتعلقهما بأعمال برلمانية، وبعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة ولائيا بنظرهما، على أساس أن العبرة في تمييز الأعمال البرلمانية إنما تكون بحسب طبيعة هذه الأعمال وفحواها، وأن القرارين المطعون عليهما يعدان من أعمال الإدارة التي يقوم بها مجلس الشورى بوصفه سلطة عامة استنادا إلى حق الملكية الذي يمارسه على الصحف القومية، مما ينعقد معه الاختصاص بنظر الطعن عليهما لمحاكم مجلس الدولة.
وبالنسبة لرفض الدفوع المبداة بعدم القبول لانتفاء شرط المصلحة، ارتأت المحكمة أن للمدعين والمتدخلين (وهم من الصحفيين العاملين بالمؤسسات الصحفية التي تناولها القراران المطعون عليهما) مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن عليهما انطلاقا من حقهم في المشاركة في إدارة شئون هذه المؤسسات وألا يتم إدخال تعديلات جوهرية على هياكلها دون مشاركة فعالة من جانبهم.
وفيما يتعلق بإلغاء القرارين المطعون فيهما، فقد شيدت المحكمة قضاءها على أساس أن المشرع حرص في قانون تنظيم الصحافة (الصادر بالقانون رقم 96 لسنة 1996) ولائحته التنفيذية على وضع تنظيم خاص للمؤسسات الصحفية القومية يكفل الحصانة والاستقلال للصحفيين العاملين بها ويضمن مشاركتهم في إدارة شئونها، كما نظم المشرع طريقا لنقل الصحفيين والعاملين بها من مؤسسة إلى أخرى، فاشترط أن يكون هذا النقل بموافقة الصحفي أو العامل وبعد موافقة المؤسسة المنقول منها والمؤسسة المنقول إليها، وهو ما يتعين مراعاته والقياس عليه عند نقل إصدارٍ صحفي بكامل صحفيِّيه من مؤسسة إلى أخرى، وهو ما كان يتعين أن يلتزم به مجلس الشورى عند ممارسته حقوق الملكية عليها، وأنه إزاء خلو قانون تنظيم الصحافة من بيان كيفية دمج المؤسسات الصحفية فلا مناص من استعارة أحكام الدمج الواردة بقانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة (الصادر بالقانون رقم 159 لسنة 1981) والقياس عليها بما يتلاءم وطبيعة المؤسسات الصحفية القومية واختصاصات الأجهزة القائمة على إدارتها، ليكون دمج المؤسسات الصحفية القومية بعد موافقة الجمعية العمومية للمؤسستين المندمجة والمندمج فيها، وإذ أصدر مجلس الشورى القرارين المطعون عليهما متجاهلا الاختصاصات المقررة لمجالس إدارة المؤسسات الصحفية القومية وجمعياتها العمومية، ومهدرا الضمانات التي قررها القانون لنقل الصحفيين والعاملين بها، ومن ثم فقد لحق بالقرارين المطعون عليهما عيب عدم الاختصاص الجسيم ومخالفة الإجراءات الجوهرية التي نص عليها القانون.
…………………………………….
وينعى الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله؛ لمخالفته القواعد المنظمة للاختصاص لتعلق الدعوى بعمل من الأعمال البرلمانية وبمسألة من مسائل القانون الخاص، فضلا عن عدم الاختصاص النوعي للدائرة المحدد بموجب قرار الجمعية العمومية لمحكمة القضاء الإداري بتوزيع الاختصاص بين دوائرها، وإهدار الضوابط الواجب توفرها لتحقق شرط المصلحة في الدعوى، ووضع قيد لم يأت به القانون على مجلس الشورى في ممارسته حق الملكية على المؤسسات الصحفية القومية، وذلك على النحو الوارد تفصيلاً بتقرير الطعن.
…………………………………….
– وحيث إنه عن الدفوع المبداة بعدم اختصاص القضاء عموما، وبعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر الدعوى لتعلقها بعمل من الأعمال البرلمانية وبمسألة من مسائل القانون الخاص، وبعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة أو مصلحة، فإن من المستقر عليه أن العبرة في تحديد طبيعة العمل وما إذا كان قرارا إداريا هي بموضوعه، ولما كان القراران المطعون عليهما يخرجان بحسب موضوعهما عن مفهوم الأعمال البرلمانية، ويندرجان في عداد الأعمال الإدارية التي يقوم بها مجلس الشورى بوصفه سلطة عامة تنوب عن الدولة في ممارسة حق الملكية على المؤسسات الصحفية القومية، فإن الاختصاص بنظر الطعن عليهما ينعقد لمحاكم مجلس الدولة، كما أن المدعين والمتدخلين إلى جانبهم من الصحفيين والعاملين بالمؤسسات الصحفية القومية محل القرارين المطعون عليهما، وهم ذوو صفة ومصلحة في كل ما يتعلق بالمؤسسات التي ينتمون إليها ويعملون بها، ومن ثم يكون ما قضى به الحكم المطعون فيه من رفض الدفوع المشار إليها متفقا وصحيح حكم القانون.
– وحيث إن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه بإلغاء القرارين المطعون فيهما على أساس مخالفتهما لما تضمنته المادة (56) من قانون تنظيم الصحافة (الصادر بالقانون رقم 96 لسنة 1996) من حظر نقل الصحفيين والعاملين بالمؤسسات الصحفية القومية من مؤسسة إلى أخرى إلا بموافقتهم وبموافقة المؤسستين المنقول منها والمنقول إليها، وعدم استعارة أحكام الدمج الواردة في قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة (الصادر بالقانون رقم 159 لسنة 1981)، وتطبيقها على دمج المؤسسات الصحيفة القومية على سبيل القياس.
وحيث إن قانون تنظيم الصحافة ينص في المادة (55) على أنه: “يقصد بالصحف القومية في تطبيق أحكام هذا القانون الصحف التي تصدر حاليا أو مستقبلا عن المؤسسات الصحفية ووكالات الأنباء وشركات التوزيع التي تملكها الدولة ملكية خاصة، ويمارس حقوق الملكية عليها مجلس الشورى…”، وفي المادة (56) على أن: “ينظم العلاقة بين المؤسسات القومية الصحفية وجميع العاملين بها من صحفيين وإداريين وعمال أحكام عقد العمل الفردي المنصوص عليها في قانون العمل، ويجوز انتقال الصحفي من مؤسسة صحفية قومية إلى أخرى بموافقته وموافقة المؤسستين معا دون انتقاص أي حق مادي أو أدبي مقرر له… ويسرى ذلك على سائر العاملين في المؤسسات الصحفية القومية”.
وحيث إن مفاد ذلك أن المؤسسات الصحفية القومية مملوكة للدولة ملكية خاصة، ويمارس حقوق الملكية عليها مجلس الشورى نيابة عن الدولة، وينظم العلاقة بين تلك المؤسسات والعاملين بها أحكام عقد العمل الفردي المنصوص عليها في قانون العمل، وأن المشرع أجاز انتقال الصحفي أو العامل من مؤسسة صحفية قومية إلى أخرى بموافقته، وموافقة المؤسستين معا دون انتقاص لأي حق مقرر له.
وحيث إن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن النص على جواز انتقال الصحفي بموافقته يستتبع حظر النقل دون موافقته مهما كانت الأسباب هو استنباط لحكم بالحظر بدلالة المخالفة، وهي من أضعف الدلالات في استنباط الأحكام، ولو كان المشرع قد أراد حظر نقل الصحفي بغير موافقته في جميع الحالات لما أعوزه أن يؤكد ذلك بعبارة تحمل على اليقين إدراك هذا المفاد، فضلا عن أن الأمر في المنازعة الماثلة لا يتعلق بانتقال صحفي أو عامل من مؤسسة إلى أخرى، وإنما بمؤسستين صحفيتين أوشكتا على الإفلاس لكثرة ديونهما وتدهور ما يصدر عنهما من إصدارات صحفية، ولاعتبارات أملتها ضرورة الحفاظ على الصحفيين والعاملين بهما دون انتقاص لأي حق مقرر لهم؛ تم دمج هاتين المؤسستين ونقل إصداراتهما الصحفية بصحفييها إلى مؤسستين صحفيتين أخريين، مع الاحتفاظ لهؤلاء الصحفيين والعاملين بأوضاعهم القانونية وجميع حقوقهم.
وحيث إنه فيما يتعلق بما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من استعارة أحكام الدمج المنصوص عليها في قانون الشركات وتطبيقها على دمج المؤسسات الصحفية القومية على سبيل القياس، توصلا إلى القول بمخالفة القرارين المطعون عليهما لتلك الأحكام، فإن القياس كما يعرفه الأصوليون هو مساواة أمر لأمر آخر في الحكم الثابت له لاشتراكهما في علة الحكم، أو هو إلحاق أمر لا نص فيه بآخر منصوص على حكمه وتطبيق حكمه عليه لاشتراكهما في علة الحكم، والعلة هي أهم أركان القياس، وهي الوصف الظاهر المنضبط الذي بني عليه حكم الأصل، ويعرف به وجود هذا الحكم في الفرع، لأن أساس القياس هو تساوي المقيس والمقيس عليه في العلة، وهذا التساوي يستلزم انضباط الوصف وتحديده.
وحيث إن مؤدى المادة (135) من قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة أن يتم الاندماج بقرار يصدر عن الجمعية العامة غير العادية لكل من الشركتين المندمجة والمندمج فيها، أو من جماعة الشركاء الذين يملكون أغلبية رأس المال بحسب الأحوال، ويجوز للمساهمين الذين اعترضوا على قرار الاندماج طلب التخارج من الشركة واسترداد قيمة أسهمهم.
وبالبحث عن علة حكم وجوب أن يتم الاندماج بقرار من الجمعية العامة للشركة يتضح بجلاء أنها تتمثل في كون الجمعية العامة للشركة هي المالكة لرأس مالها، وهو الأمر غير المتحقق بالنسبة للجمعية العامة للمؤسسة الصحفية القومية؛ باعتبارها غير مالكة للمؤسسة الصحفية القومية، وإنما يتحقق هذا الوصف في مجلس الشورى باعتباره نائبا عن الدولة في ممارسة حقوق الملكية على المؤسسة الصحفية القومية، ومن ثم لا يجوز تعدية الحكم المقرر للجمعية العامة للشركة إلى الجمعية العامــة للمؤسسة الصحفية القومية؛ لانتفاء علة الحكم بالنسبة لها، ومن ثم يكون ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه غير قائم على سند صحيح من القانون.
وحيث إن القرارين المطعون عليهما صدرا عمن يملك إصدارهما قانونا، وهو مجلس الشورى بوصفه نائبا عن الدولة في ممارسة حقوق الملكية على المؤسسات الصحفية القومية، وصدرا بناء على دراسة شاملة لأوضاع المؤسسات الصحفية القومية المتعثرة ووسائل التنسيق بين قطاعات الطباعة فيها، وتطوير إصداراتها الصحفية، واستهدفا تحقيق مصلحة عامة بمعالجة الأوضاع المتردية للمؤسستين المشار إليهما، والحفاظ على كرامة وحقوق الصحفيين والعاملين بهما، ولم يلحق بالقرارين المطعون عليهما أي عيب من العيوب التي تؤدى إلى الحكم بإلغاء القرارات الإدارية، فمن ثم يتعين رفض طلب إلغائهما، وما يستتبعه ذلك من الحكم برفض الدعويين المنضمتين والدعوى الفرعية.
وحيث إن الحكم المطعون فيه ذهب غير هذا المذهب فإنه يكون قد صدر مخالفا لصحيح حكم القانون، مما يستوجب الحكم بإلغائه.
وحيث إن من خسر الطعن يلزم مصروفاته إعمالا لحكم المادة (184) من قانون المرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعويين المنضمتين والدعوى الفرعية، وإلزام المطعون ضدهم من الأول إلى السابع عشر المصروفات.
(1) صدر حكم دائرة توحيد المبادئ في هذا الطعن بجلسة 14/1/2012 (منشور في هذه المجموعة برقم 2)، وانتهت فيه إلى أن توزيع الاختصاص بين دوائر محكمة القضاء الإداري هو نوع من التنظيم الداخلي للعمل بالمحكمة، يتعين الالتزام به دون أن يترتب على مخالفته بطلان الحكم، وأمرت بإعادة الطعن إلى الدائرة الأولى (موضوع) بالمحكمة الإدارية العليا للفصل فيه على ضوء ذلك.
(1) تنص المادة (55) من قانون تنظيم الصحافة (الصادر بالقانون رقم 96 لسنة 1996) على أنه: “يقصد بالصحف القومية في تطبيق أحكام هذا القانون، الصحف التي تصدر حالياً أو مستقبلاً عن المؤسسات الصحفية ووكالات الأنباء وشركات التوزيع التي تملكها الدولة ملكية خاصة، ويمارس حقوق الملكية عليها مجلس الشورى، وتكون الصحف القومية مستقلة عن السلطة التنفيذية وعن جميع الأحزاب، وتعتبر منبراً للحوار الوطني الحر بين كل الآراء والاتجاهات السياسية والقوى الفاعلة في المجتمع”.
ثم صدر دستور 2012 ونصت المادة (216) منه على أن: “تقوم الهيئة الوطنية للصحافة والإعلام على إدارة المؤسسات الصحفية والإعلامية المملوكة للدولة، وتطويرها، وتنمية أصولها، وضمان التزامها بأداء مهني وإداري واقتصادي رشيد”.
ثم صدر دستور 2014 -الذي ألغى مجلس الشورى-، ونصت المادة (212) منه على أن: “الهيئة الوطنية للصحافة هيئة مستقلة تقوم على إدارة المؤسسات الصحفية المملوكة للدولة وتطويرها، وتنمية أصولها، وضمان استقلالها وحيادها، والتزامها بأداء مهني، وإداري، واقتصادي رشيد”.