جلسـة 6 من مارس سنة 2012
الطعـن رقـم 27085 لسنـة 56 القضائية (عليـا)
(الدائرة الثالثة)
– الحكم في الدعوى- حجية الأحكام- وجوب تنفيذها- يجب تنفيذ الحكم القضائي فيما اشتمل عليه منطوقه وأسبابه المرتبطة به ارتباطا وثيقا لا يمكن فصله عنه- يُحمل الحكم على منطوقه (وهو المعبر عن الحكم بألفاظه الصريحة الواضحة)، وأسبابه (وهي التي تبين بناء الحجج القانونية والأدلة الواقعية التي بُني عليها الحكم).
– ما يعد قرارا إداريا سلبيا- الامتناع عن تنفيذ حكم الإلغاء على الوجه المقضي به يعد قرارا إداريا سلبيا، لذوي الشأن الطعن عليه بالإلغاء، والمطالبة بالتعويض عنه إن كان لذلك محل- يترتب على صدور الحكم بالإلغاء أن يصبح القرار الملغى معدوم الوجود من الناحية القانونية، إلا أن الأمر قد يتطلب في بعض الحالات تدخلا من جانب الإدارة باتخاذ إجراءات معينة، أو بإصدار قرارات تنفيذية لتنفيذ الحكم تنفيذا صحيحا، حسب ظروف كل حالة وملابستها- امتناع جهة الإدارة في هذه الحالة عن اتخاذ مثل هذه الإجراءات أو إصدار تلك القرارات يكون بمثابة قرار سلبي يجوز لكل ذي مصلحة أن يستعدي عليه قضاء الإلغاء أو قضاء التعويض على حسب الأحوال.
– التصرف فيها لواضع اليد- إذا استصدر واضعو اليد على أراضٍ مملوكة للدولة حكما بإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن استكمال إجراءات بيع الأرض لهم (أرض زراعية وأرض مبانٍ)، فإن امتناع جهة الإدارة عن استكمال إجراءات بيعها لهم بحجة استحالة تنفيذ الحكم لأن الأرض الزراعية قد انتفى عنها هذا الوصف؛ لدخولها في الحيز العمراني، ولعدم وجود مبان مهيئة للسكنى بالنسبة لأرض المباني؛ هو مسلك يشكل إهدارا لحجية الحكم، ويفرغه من مضمونه، مما يشكل قرارا إداريا سلبيا بالامتناع عن تنفيذ الحكم، واجب الإلغاء.
إنه في يوم الاثنين الموافق 14/6/2010 أودع الأستاذ/… المحامي بالنقض والإدارية العليا نيابة عن الطاعنين قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرا بالطعن على الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالإسماعيلية (الدائرة الأولى– محافظات) في الدعوى رقم 4347 لسنة 15 ق بجلسة 25/5/2010، القاضي منطوقه بعدم قبول الطلب الأول من الدعوى لانتفاء القرار الإداري، وإلزام المدعين مصروفاته ومئة جنيه مقابل أتعاب المحاماة، وإحالة طلب التعويض إلى هيئة مفوضي الدولة لتحضيره وإعداد تقرير بالرأي القانوني في موضوعه.
وطلب الطاعنون للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه في شقه العاجل، والقضاء بوقف تنفيذ القرار الإداري السلبي للجهة الإدارية بالامتناع عن تنفيذ الحكم الصادر في الدعوى رقم 110 لسنة 13 ق الإسماعيلية، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أهمها الاستمرار في تنفيذه بإلزام هذه الجهة بيع مساحات الأرض الزراعية والمساكن للطاعنين بالثمن القانوني أو بثمن المثل، وفي شقه الموضوعي بإلغاء هذا القرار، مع إلزامها المصروفات عن الدرجتين.
وقد أعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضدهم بصفاتهم وذلك على النحو المبين بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا مسببا بالرأي القانوني ارتأت فيه -بعد مراعاة إعلان المطعون ضدهم بصفاتهم- الحكم بعدم قبول الطعن بالنسبة للطاعن (العاشر) شكلا؛ لعدم تقديم سند الوكالة وإلزام المحامي رافع الطعن مصروفات طعنه، وقبول الطعن شكلا بالنسبة لباقي الطاعنين، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا بقبول الدعوى شكلا، وبوقف تنفيذ قرار جهة الإدارة السلبي بالامتناع عن تنفيذ الحكم الصادر في الدعوى رقم 110 لسنة 13 ق عن محكمة القضاء الإداري بالإسماعيلية، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أهمها التزام جهة الإدارة باستكمال جميع إجراءات تقنين وضع الطاعنين وصولا إلى إتمام التصرف لهم أو رفضه، مع إحالة طلب الإلغاء إلى محكمة القضاء الإداري بالإسماعيلية للفصل فيه مع طلب التعويض، وإلزام جهة الإدارة المطعون ضدها المصروفات.
ونظرت دائرة فحص الطعون بالمحكمة الطعن بجلسة 5/1/2010، حيث قررت بجلسة 2/12/2011 إحالة الطعن إلى دائرة الموضوع (الدائرة الثالثة) بالمحكمة الإدارية العليا بجلسة 22/3/2011، وبالجلسة المشار إليها نظرت المحكمة الطعن وبما تلاها من الجلسات على النحو المبين بمحاضر الجلسات، حيث أودع الحاضر عن الطاعنين حافظة مستندات طويت على صور ضوئية من أحكام قضائية للاستشهاد بها، وصورة ضوئية من مذكرة المستشار القانوني لمحافظة الإسماعيلية بشأن موضوع النزاع، ومذكرة بدفاعهم طلبوا في ختامها الحكم بالطلبات نفسها الواردة بصحيفة الطعن، كما قدموا مذكرة ثانية بدفاعهم بجلسة 5/4/2011 صمموا فيها على الطلبات نفسها، وقدم الحاضر عن الدولة بالجلسة نفسها مذكرة بدفاعه، طلب في ختامها: (أصليا) الحكم بعدم قبول الطعن شكلا؛ لرفعه من غير ذي صفة، و(احتياطيا) برفض الطعن وتأييد الحكم المطعون فيه مع إلزام الطاعنين المصروفات.
وبالجلسة المشار إليها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 28/6/2011 ثم مد أجل النطق بالحكم في الطعن لجلسة 24/9/2011 لاستمرار المداولة، ثم قررت المحكمة بجلسة 24/9/2011 إعادة الطعن للمرافعة لجلسة 27/12/2011 لتغيير تشكيل هيئة المحكمة، وبجلسة 27/12/2011 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 24/1/2012 ثم مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم لإتمام المداولة، حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، والمداولة قانونا.
وحيث إن الطعن استوفى جميع أوضاعه الشكلية والإجرائية، ومن ثم فهو مقبول شكلا.
وحيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص -حسبما يبين من الأوراق- في أن الطاعنين كانوا قد أقاموا الدعوى رقم 4347 لسنة 15 ق أمام محكمة القضاء الإداري بالإسماعيلية (الدائرة الأولى) بطلب الحكم بوقف تنفيذ قرار جهة الإدارة السلبي بالامتناع عن تنفيذ الحكم الصادر لمصلحتهم عن ذات المحكمة بجلسة 26/2/2008 في الدعوى رقم 110 لسنة 13ق، القاضي منطوقه بـ: “قبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار السلبي للجهة الإدارية بالامتناع عن بيع قطع الأراضي محل الدعوى إلى المدعين على النحو المبين بالأسباب، وإلزام جهة الإدارة المصروفات”، وما يترتب على ذلك من آثار أهمها الاستمرار في التنفيذ، مع الأمر بتنفيذ الحكم بمسودته الأصلية دون إعلان، وفي الموضوع بإلغاء ذلك القرار مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الإدارة أن تؤدي لكل واحد منهم مبلغ أربعين ألف جنيه تعويضا عما أصابه من أضرار مادية وأدبية وإلزامها المصروفات، وذلك على سند من أنه سبق للمحكمة بجلسة 26/2/2008 أن أصدرت حكمها في الدعوى رقم 110 لسنة 13 ق بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع بإلغاء قرار جهة الإدارة السلبي بالامتناع عن بيع قطع الأراضي محل الدعوى إلى المدعين وإلزامها المصروفات، وتضمنت الأسباب أن امتناع الجهة الإدارية عن التعاقد مع المدعين يعد قرارا سلبيا أهدرت به هذه الجهة أهداف وغايات التشريع، ومن ثم يتعين القضاء بإلغائه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أهمها وجوب قيام الجهة الإدارية باستكمال إجراءات البيع للأراضي محل الدعوى إلى المدعين طبقا لسند الحيازة أو وضع اليد بالأمر المباشر وطبقا للسعر الذي تحدده في ضوء الضوابط المعمول بها لبيع أملاك الدولة أو بسعر المثل، وأضاف المدعون أن المحكمة أصدرت حكمها المشار إليه بعد أن استعرضت المستندات والمذكرات، إلا أن الجهة الإدارية عرقلت تنفيذ الحكم وامتنعت عن ذلك تحت تصوير وتفسير غير صحيح، مهدرة بذلك حجية الأحكام وحقوق المدعين وما أنفقوه من أموال مما يشكل قرارا سلبيا مخالفا للقانون.
……………………………………
وبجلسة 25/5/2010 قضت المحكمة بحكمها المطعون عليه بعدم قبول الطلب الأول من الدعوى لانتفاء القرار الإداري، وألزمت المدعين مصروفاته ومئة جنيه مقابل أتعاب المحاماة، وإحالة طلب التعويض إلى هيئة مفوضي الدولة لتحضيره وإعداد تقرير بالرأي القانوني في موضوعه، وشيدت المحكمة قضاءها على أنه بخصوص طلب وقف تنفيذ القرار السلبي بامتناع جهة الإدارة المدعى عليها عن تنفيذ الحكم الصادر في الدعوى رقم 110 لسنة 13ق فإن قضاء المحكمة الإدارية العليا قد جرى على أنه يعد في حكم القرار الإداري امتناع جهة الإدارة عن اتخاذ إجراء يوجب القانون عليها اتخاذه، وهو ما يُعَبَّرُ عنه في فقه القانون بالقرار الإداري السلبي، ولما كان الحكم المشار إليه (في الدعوى رقم 110 لسنة 13ق) قد قام على سند من أن المدعين يضعون أيديهم على الأراضي محل الدعوى بموجب سند قانوني، إذ كانوا يستأجرونها من هيئة سكك حديد مصر قبل نقل ملكيتها إلى محافظة الإسماعيلية، وأنهم قاموا بالبناء عليها وزراعة بعضها، وقد تقدموا بعدة طلبات لشراء تلك الأراضي، إلا أن الجهة الإدارية رفضت ذلك دون سند من القانون، وأن ذلك الامتناع قد شكل قرارا سلبيا أهدرت به تلك الجهة أهداف التشريع وغاياته، وهو ما يتعين معه القضاء بإلغاء ذلك القرار، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أهمها قيام جهة الإدارة باستكمال إجراءات البيع للأراضي محل الدعوى إلى كل مدعٍ من المدعين طبقا لسند حيازته أو وضع يده بالأمر المباشر طبقا للسعر الذي تحدده تلك الجهة، وفي ضوء الضوابط المعمول بها لبيع أملاك الدولة وسعر المثل.
واستطردت المحكمة أنه وإذ تضمن الحكم المشار إليه أن يكون بيع الأراضي وضع اليد للمدعين في ضوء الضوابط المعمول بها لبيع أملاك الدولة، فإن الثابت من الأوراق أن الجهة الإدارية المدعى عليها قامت وعلى إثر صدور ذلك الحكم وإعلانها به بإخطار التخطيط العمراني وحي ثالث الإسماعيلية بتنفيذ الحكم، وذلك بتلقي الطلبات من ذوي الشأن واستيفاء المستندات لعرضها على اللجنة الفنية المختصة والمشكلة بقرار محافظ الإسماعيلية رقم 1266 لسنة 2006، وبعرض الطلبات على اللجنة المذكورة طلبت من المدعين -توطئةً لتقنين وضع أيديهم- استيفاءَ بعض المستندات من تحصيل مقابل الفحص وإرفاق ما يدل على سداد الرسم بكل ملف، وتقديم التوكيل في حالة تقديم الطلب عن طريق وكيل، وإرفاق صورة البطاقة لمقدم الطلب للتأكد من صحة البيانات المرافقة له، وقد كلفت اللجنة جهة الإدارة بتوضيح موقف التخطيط والتنظيم وإعداد الكروكيات اللازمة وفصل طلبات الأراضي الزراعية عن طلبات المباني، وقامت رئاسة حي ثالث الإسماعيلية بالرد على طلبات اللجنة بالكتاب رقم 1092 المؤرخ في 17/7/2008 بأنه تم إرفاق نماذج رفع مساحي لكل من الزراعة والمباني والرسم الكروكي المجمع، وتم سداد الرسوم بخزينة المحكمة الابتدائية وأرفقت صور التوكيلات، وقد رفض أصحاب الشأن إرفاق صور البطاقات بمقولة إن قرار رئيس مجلس الوزراء لم ينص على ذلك، وقد أجريت المعاينات اللازمة من اللجنة الفنية.
ومن جماع ما تقدم تبين أن جهة الإدارة المدعى عليها قد شرعت حقا وصدقا في تنفيذ حكم المحكمة الصادر في الدعوى رقم 110 لسنة 13ق وإعمال مقتضاه، إذ اتخذت في سبيل ذلك جميع ما سلف بيانه من إجراءات توطئةً لتنفيذه على نحو مطابق لما نص عليه القانون في شأن التصرف بالبيع للأراضي المملوكة للدولة ملكية خاصة، بل إن الثابت من الأوراق أن بعض من صدر الحكم لمصلحته قد اتخذ مواقف هي التي تعرقل عمل الإدارة في سعيها نحو تنفيذ الحكم، مثل رفض تقديم صور البطاقات الشخصية، والاعتراض على عمل اللجان الفنية بدعوى وجود معاينات سابقة، وتوجيه إنذارات على يد محضر إلى العضو القانوني باللجنة على نحو يكشف عن رغبة واضعي اليد في أن يتم تقنين أوضاعهم على وفق هواهم ورغباتهم لا على وفق إجراءات قانونية صحيحة شرعت في اتخاذها، وعلى ذلك فلا يكون هناك امتناع من جانب جهة الإدارة المدعى عليها عن تنفيذ الحكم الصادر في الدعوى رقم 110 لسنة 13 ق بما يمكن أن يشكل قرارا إداريا يصلح أن يكون محلا لتلك الدعوى.
……………………………………
وإذ لم يرتض الطاعنون بهذا الحكم فيما قضى فيه في شقه العاجل، فقد أقاموا هذا الطعن بالنعي على الحكم صدوره مخالفا للقانون وللخطأ في تطبيقه وتفسيره؛ ذلك أن القانون فرض على المطعون ضدهم اتخاذ قرار بلا أدنى تقدير لهم بالنسبة لتنفيذ الحكم الصادر في الدعوى رقم 110 لسنة 13ق وذلك بتنفيذه تنفيذا كاملا، دون الشروع في التنفيذ، إلا أنهم صموا آذانهم عن نداء القانون متمسكين بهذا الشروع الذي اتخذوه حيال مسكن الطاعنين الأول والثاني، حيث وقف عند حد إحالة ملفيهما للجنة التقييم التي غضت الطرف عنهما ولم تقم بالتقييم (التثمين)، ثم أحالتهما بعد ذلك إلى لجنة البت التي أحالتهما بعد ذلك إلى المطعون ضده الأول لاعتمادهما والتوقيع على عقود البيع طبقا لقرار محافظ الإسماعيلية رقم 1266 لسنة 2006 وقرار رئيس الوزراء رقم 2041 لسنة 2006، فإذا انتهى الحكم المطعون فيه إلى انتفاء القرار الإداري للشروع حقا وصدقا في التنفيذ، دون التحقق من اكتمال هذا التنفيذ بالنسبة لمسكني الطاعنين الأول والثاني، وباستحالته بالنسبة للباقين، فإنه يكون قد خالف القانون.
كما أن الحكم المطعون فيه قد ذكر في أسبابه خلو الأوراق من دليل على أن رأي المستشار القانوني هو باستحالة التنفيذ للحكم المشار إليه، وأشار الحكم إلى أنه على العكس من ذلك فإن محافظ الإسماعيلية وافق على رأي المستشار القانوني بالتنفيذ في 14/5/2008، وأن الطاعنين يسايرون رأي المستشار القانوني في 14/5/2008، إلا أن رأي سيادته (الثاني) في 1/4/2009 انتهى إلى الاستحالة القانونية في التنفيذ، وهو ما لم تلتفت إليه المحكمة في حكمها المطعون عليه.
كما أصابَ الحكمَ المطعونَ فيه فسادٌ في الاستدلال وقصورٌ في التسبيب، ذلك أن أسباب الحكم جاء بها أن الطاعنين هم المتسببون في عدم التنفيذ وعرقلته لرغبتهم في التنفيذ على وفق أهوائهم لا على وفق إجراءات قانونية صحيحة، وذلك برفضهم طلب الجهة الإدارية إرفاق صور تحقيق شخصياتهم، وإلى غير ذلك من الأسباب الواردة بالحكم، وذلك مردود بأن عدم إرفاق مثل هذه الصور لا يتعارض مع أحكام القانون واللائحة التنفيذية للقانون رقم 100 لسنة 1964، اللذين لم ينصا على إرفاق هذه الصورة بل إثبات رقمها فقط، كما أنهم أرفقوا صور التوكيلات، أمّا بشأن اعتراضهم على المعاينة فذلك غير سليم؛ لاستعدادهم لإجراء هذه المعاينات رغم أن المعاينة جوازية وليست وجوبية، أما تعويل الحكم على أسباب الحكم الصادر ببراءة المطعون ضدهم في الجنحة المباشرة التي أقيمت بهذا الشأن فإن القضاء الإداري لا يتقيد بأسباب القضاء الجنائي لاختلاف الموضوع.
وخلص الطاعنون إلى طلب الحكم بالطلبات الواردة بتقرير الطعن.
……………………………………
وحيث إن قضاء هذه المحكمة جرى في مجال امتناع الجهة الإدارية عن تنفيذ الأحكام القضائية أن امتناعها عن تنفيذ الحكم الصادر عن القضاء هو بمثابة قرار سلبي خاطئ، لذوي الشأن الطعن عليه بالإلغاء، ومن ثم المطالبة بالتعويض عنه إن كان لذلك محل؛ ذلك أن الأصل أنه يترتب على صدور حكم المحكمة بالإلغاء العودة بالحال وكأن القرار الملغى لم يصدر قط ولم يكن له وجود قانوني، ويصاحب ذلك كأثر حتمي للحكم إعادة بناء مركز المحكوم له وكأن القرار الملغى لم يصدر بحال من الأحوال، وإذا كان القرار الملغى يصبح بمجرد الحكم معدوم الوجود من الناحية القانونية، إلا أن الأمر قد يتطلب في بعض الحالات تدخلا من جانب الإدارة باتخاذ إجراءات معينة، أو بإصدار قرارات تنفيذية لمقتضى الحكم، وقد لا يتطلب الأمر صدور مثل هذه القرارات، والأمر مرده في النهاية إلى ظروف كل حالة وملابساتها، وعلى ذلك فحيث يتطلب الأمر من الإدارة اتخاذ مثل هذه الإجراءات أو إصدار تلك القرارات ولا تفعل، فإن امتناعها هذا يكون بمثابة قرار سلبي يجوز لكل ذي مصلحة أن يستعدي عليه قضاء الإلغاء أو قضاء التعويض على حسب الأحوال.
ومن ناحية أخرى فإن قضاء هذه المحكمة مستقر على أن طلب وقف تنفيذ القرار الإداري -ويندرج في ذلك القرار السلبي بالامتناع- يتعين أن يقوم على ركنين: (أولهما) ركن الجدية بأن يكون الطلب قائما بحسب الظاهر من الأوراق دون التغلغل في الموضوع على أسباب يرجح معها الحكم بإلغاء القرار، و(ثانيهما) ركن الاستعجال بأن يترتب على الاستمرار في تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها فيما لو قضي بإلغائه، وليس من ريب في أن يتصور في تلك الأحوال أن يَرِد وقف التنفيذ على آثار قرارات نافذة ليوقفها ويحول دون استمرار نفاذها.
وحيث إنه من المستقر عليه أيضا في قضاء هذه المحكمة أن الحكم القضائي متى صدر حاز قوة الأمر المقضي به، ويجب على الجهة الإدارية وجوب تنفيذه فيما اشتمل عليه من منطوقه وأسبابه المرتبطة به ارتباطا وثيقا لا يمكن فصله عنه، ويُحمل الحكم على منطوقه، وهو المعبر عن الحكم بألفاظه الصريحة الواضحة، وأسبابه، وهي التي تبين بناء الحجج القانونية والأدلة الواقعية التي بني عليها الحكم، والتي قصدت بها المحكمة بيان وجهة الحق والعدل فيما سطرته في حكمها).
وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكان الثابت من الأوراق أن الطاعنين صدر لمصلحتهم حكم عن محكمة القضاء الإداري بالإسماعيلية في الدعوى التي أقاموها بتاريخ 4/10/2007 برقم 110 لسنة 13ق بطلب الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار السلبي للجهة الإدارية بالامتناع عن بيع العقارات (المباني والزراعة) الموضحة بصحيفة الدعوى وصور نماذج الشراء المقدمة منهم لتلك الجهة، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وفي الموضوع بإلغاء القرار الطعين، وبجلسة 26/2/2008 قضت المحكمة في موضوع الدعوى بإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن بيع قطع الأراضي محل الدعوى إلى المدعين وذلك على النحو المبين بالأسباب التي بينتها المحكمة، ومن بينها وجوب قيام الجهة الإدارية باستكمال إجراءات بيع الأرض محل الدعوى إلى كل مدع من المدعين طبقا لسند حيازته أو وضع يده بالأمر المباشر وطبقا للسعر الذي تحدده كل جهة في ضوء الضوابط المعمول بها لبيع أملاك الدولة أو أسعار المثل.
وحيث إن الطاعنين أقاموا بتاريخ 4/1/2010 الدعوى رقم 4347 لسنة 15ق أمام محكمة القضاء الإداري بالإسماعيلية (الدائرة الأولى) وهي المحكمة نفسها التي أصدرت حكمها في الدعوى رقم 110 لسنة 13ق بجلسة 26/2/2008، وذلك بطلب الحكم بإلغاء قرار الجهة الإدارية السلبي بالامتناع عن تنفيذ الحكم الصادر في الدعوى رقم 110 لسنة 13ق، وبطلب التعويض عن ذلك، وذلك للأسباب التي ساقوها للتدليل على إثبات امتناع الجهة الإدارية عن تنفيذ الحكم المشار إليه والسابق بيانها تفصيلا آنفا.
وحيث إنه وفي مجال تحديد ما إذا كانت الجهة الإدارية التي صدر الحكم المشار إليه ضدها بإلغاء القرار السلبي بامتناعها عن بيع قطع الأراضي محل الدعوى إلى المدعين، سواء كانت الأراضي أراضيَ مبانٍ أو أراضيَ زراعيةً وذلك على النحو المبين بأسباب الحكم، هو مما يشكل قرارا سلبيا من جانبها بعدم تنفيذ هذا الحكم من عدمه، فإنه لما كانت المحكمة قد بينت في أسباب حكمها (الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بمنطوقه) وجوب قيام الجهة الإدارية باستكمال إجراءات بيع الأرض محل الدعوى إلى كل مدع من المدعين طبقا لسند حيازته أو وضع يده بالأمر المباشر، وطبقا للسعر الذي تحدده تلك الجهة في ضوء الضوابط المعمول بها لبيع أملاك الدولة أو أسعار الممثل، فإن الثابت من الأوراق أن الجهة الإدارية فور إعلانها بالحكم المشار إليه بادرت باتخاذ الإجراءات القانونية لتنفيذه، حيث قامت الشئون القانونية بالمحافظة بعرض مذكرة على السيد محافظ الإسماعيلية في 6/4/2008 انتهت فيها إلى ضرورة تنفيذ الحكم، فأحالها إلى المستشار القانوني للمحافظة حيث انتهى في مذكرته المؤرخة في 14/5/2008 إلى ضرورة تنفيذ الحكم، وتأشر عليها من المحافظ بتنفيذ الحكم، ثم قامت الشئون القانونية بالمحافظة بإخطار الجهات الإدارية المعنية والواقع في نطاقها الأرض موضوع الحكم، وهي حي ثالث الإسماعيلية ولجنة التخطيط العمراني، لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ الحكم، وقامت الجهة الإدارية (حي ثالث الإسماعيلية) بقبول طلبات المواطنين لتقنين وضع يدهم على الأرض وعددها (12) طلب زراعة و(7) طلبات مبانٍ، وبعد استيفاء بعض المستندات التي طلبتها اللجنة الفنية المشكلة بقرار المحافظ رقم 1266 لسنة 2006 للمعاينة على الطبيعة بتاريخ 14/10/2008 للوقوف على مدى توفر الشروط والأسس التي حددها قرار رئيس الوزراء، سواء بالنسبة لطلبات الزراعة أو طلبات المباني، وذلك لإتمام إجراءات البيع، قامت اللجنة بإجراء معاينة أخرى في 26/1/2009، كما طلب أصحاب الشأن إعادة المعاينة، فتم إجراء معاينة أخرى في 25/3/2009 على سند من أن هناك مصدر ري (بئر ارتوازي) في الأرض الزراعية لم تتم معاينته.
وقد تبين للجنة الفنية أنه بالنسبة لطلبات الزراعة تبين عدم توفر مقومات الزراعة؛ لعدم وجود مصدر ري دائم وصرف، وأن الأشجار الموجودة تروى بالمياه العكرة والمخصصة لري المسطحات الخضراء، وتبين أن البئر المشار إليه أنشئ حديثا ولم يكن موجودا أثناء المعاينة التي تمت من قبل 25/3/2009 (المعاينة الثالثة)، ولم يحصل على موافقة وزارة الري طبقا للقانون، وبالنسبة للأرض المباني فإنه بالنسبة لطلب تقنين أوضاع كل من/أحمد… (الطاعن الثاني) وآمال… (الطاعنة الأولى) فإن المباني خاصتهما نظرا إلى تزويدها بالمرافق وتهيئتها للسكن، فقد تمت إحالة الطلبين إلى لجنة تقدير واستكمال إجراءات التقنين الخاصة بها، وأن المحافظة على وفق الثابت من كتاب السكرتير العام المساعد لمحافظ الإسماعيلية المؤرخ في 5/4/2009 (المرفق بأوراق الدعوى) ذكر أن المحافظة ليس لديها مانع من استكمال الإجراءات وإتمام البيع للطالبين عن الأراضي والسابق الإشارة إليه.
وحيث إنه بالبناء على ما تقدم فإن الثابت بيقين من تتبع الإجراءات التي قامت بها الجهات المعنية بالمحافظة -السابق بيانها تفصيلا- لتنفيذ الحكم الصادر لمصلحة الطاعنين في الدعوى رقم 110 لسنة 13ق، القاضي منطوقه بإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن بيع قطع الأراضي محل الدعوى، والذي كان من بين أسبابه أنهم يضعون أيديهم على هذه الأراضي بموجب سند قانوني لأنهم كانوا يستأجرون تلك الأراضي وتقدموا بالعديد من طلبات الشراء، وأن امتناع الجهة الإدارية عن بيع تلك الأراضي لهم -استخداما لسلطتها التقديرية التي رأت المحكمة أنه سبب غير صالح لامتناعها عن التعاقد معهم وتعسفٌ من جانبها- يهدر أهداف التشريع وغاياته، وأن الجهة الإدارية بذلك لم تقم بتنفيذ هذا الحكم تنفيذا صحيحا على وفق أسبابه ومنطوقه، ويؤكد ذلك ويعززه ما أفتى به المستشار القانوني للمحافظة -عند عرض الموضوع عليه- باستحالة تنفيذ طلبات تقنين الأراضي الزراعية لانتفاء وصف الأرض الزراعية عنها، وذلك لدخولها في الحيز العمراني من عام 1993 وإدراجها ضمن الأراضي المعدة للبناء، وكذلك استحالة تنفيذ الحكم بالنسبة لطلبات المباني لعدم وجود مبانٍ مهيأة للسكن، وذلك كله يؤدي إلى إفراغ الحكم المطلوب تنفيذه من مضمونه ويهدر حجيته، وهو ما يقطع بتوفر القرار السلبي بامتناع الجهة الإدارية عن تنفيذ الحكم الصادر لمصلحة الطاعنين (الحكم الصادر في الدعوى رقم 110 لسنة 13ق)، مما يتعين معه القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه الصادر في الدعوى رقم 4347 لسنة 15ق؛ لعدم قيامه على أسبابه الصحيحة لتوفر مقومات وعناصر القرار السلبي بالامتناع عن تنفيذ الحكم المطعون فيه، ومن ثم تقضي المحكمة بإلغاء هذا الحكم فيما تضمنه من عدم قبول الطلب الأول، والقضاء مجددا بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن تنفيذ الحكم، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أهمها الاستمرار في تنفيذ الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالإسماعيلية في الدعوى رقم 110 لسنة 13ق بجلسة 26/2/2008.
وحيث إن من يخسر الدعوى يلزم المصروفات عملا بحكم المادة (184) مرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه الصادر في الدعوى رقم 4347 لسنة 15ق بجلسة 25/5/2010 فيما تضمنه من عدم قبول الطلب الأول من الدعوى، والقضاء مجددا بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار السلبي بامتناع الجهة الإدارية عن تنفيذ الحكم الصادر في الدعوى رقم 110 لسنة 13ق، وذلك على النحو المبين بالأسباب، وألزمت الجهة الإدارية المطعون ضدها المصروفات.