جلسة 22 من سبتمبر سنة 2012
الطعن رقم 37753 لسنة 56 القضائية (عليا)
(الدائرة الثانية)
– شئون الأعضاء– مقابل رصيد الإجازات الاعتيادية- مناط استحقاقه هو عدم حصول العضو على إجازاته المقررة قانونا لأسباب تتعلق بمصلحة العمل، ومقتضياته، وحسن أدائه- عدم حصول عضو هيئة النيابة الإدارية على إجازاته السنوية، أو حصوله عليها، يرتبط دائما بالتنظيم الذي استنته الجهات القائمة على أداء هذا المرفق الحيوي والمهم، وتنظيم العمل القضائي لما له من طبيعة خاصة- يُستحق صرف مقابل ذلك الرصيد شاملا أشهر الصيف.
في يوم الأحد الموافق 17/8/2008 أودع وكيل الطاعنين قلم كتاب المحكمة تقرير الطعن الماثل طلب في ختامه الحكم بأحقية الطاعنين في صرف المقابل النقدي لرصيد إجازاتهم الاعتيادية التي لم يستنفدوها بسبب العمل عند انتهاء خدمتهم لبلوغهم السن القانوني، أيا كانت مدتها، على أساس الأجر الأساسي مضافا إليه العلاوات الخاصة عند ربط المعاش في يوليه 2008، وذلك على سند من القول بأنهم أحيلوا للمعاش لبلوغهم سن الستين في 19/10/2000 للأول، و18/6/2000 للثاني، و4/12/2005 للثالثة، و7/7/2007 للرابع، ولم يحصلوا على مقابل لإجازاتهم الاعتيادية سوى أربعة أشهر فقط.
وقد أعلن تقرير الطعن وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا مسببًا بالرأي القانوني في موضوع الطعن.
ونظرت المحكمة الطعن على النحو المبين بمحاضر الجلسات، حيث قدمت جهة الإدارة ردها على الطعن، وعقب الطاعنون على ردها، وبجلسة 1/7/2012 قررت المحكمة إصدار حكمها بجلسة اليوم، وفيها صدر وأودعت مسودته مشتملة على أسبابه عند النطق به
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
وحيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية، فمن ثم يكون مقبولا شكلا.
وحيث إن واقعات الطعن تخلص في أن الطاعنين ذكروا في عريضة الطعن أنهم كانوا يعملون في النيابة الإدارية وتدرجوا في الوظائف بها حتى شغلوا وظيفة نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية، وانتهت خدمتهم لبلوغهم السن القانونية، ولم تصرف لهم الجهة الإدارية المقابل النقدي لرصيد إجازاتهم الاعتيادية سوى عن أربعة أشهر.
ولما كانت المحكمة الدستورية العليا قد قضت بجلسة 6/5/2000 في القضية رقم 2 لسنة 21 ق (دستورية) بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة رقم 65 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة (الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978) فيما تضمنه من حرمان العامل من البدل النقدي لرصيد إجازاته الاعتيادية فيما جاوز الحد الأقصى، فإنه بعد صدور هذا الحكم يحق للطاعنين المطالبة بصرف المقابل النقدي لرصيد إجازاتهم محسوبا على أجرهم الأساسي عند انتهاء خدمتهم مضافا إليه العلاوات الخاصة.
…………………………………
وحيث إن الدستور قد خول السلطة التشريعية سلطة تنظيم حق العمل بما لا يمس بحقوق العامل، ويندرج تحته الحق في الإجازة السنوية التي لا يجوز لجهة العمل أن تحجبها عن عامل استحقها، وإلا كان ذلك عدوانا على صحته البدنية والنفسية وإخلالا بالتزاماتها الجوهرية التي لا يجوز للعامل بدوره أن يتسامح فيها، وقد جعل المشرع الحق في الإجازة السنوية حقا مقررا للعامل يظل قائما ما بقيت الرابطة الوظيفية قائمة، وأجاز للعامل الاحتفاظ بما يكون له من رصيد الإجازات الاعتيادية السنوية، مع وضع ضوابط للحصول على إجازة من هذا الرصيد أثناء خدمة العامل، فإذا انتهت مدة خدمة العامل قبل تمكنه قانونا أو فعلا من استنفاد ما تجمع له من رصيد الإجازات الاعتيادية حق له اقتضاء بدل نقدي عن هذا الرصيد كتعويض له عن حرمانه من هذه الإجازات، وقد قيد المشرع اقتضاء هذا البدل بشرط ألا تجاوز مدة الرصيد التي يستحق عنها البدل النقدي أربعة أشهر، إلا أن المحكمة الدستورية العليا انتهت في القضية رقم 2 لسنة 21 ق (دستورية) بجلسة 6/5/2000 إلى الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة رقم 65 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة (الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978) فيما تضمنه من حرمان العامل من البدل النقدي لرصيد إجازاته الاعتيادية فيما جاوز أربعة أشهر، متى كان عدم الحصول على هذا الرصيد راجعا إلى أسباب اقتضتها مصلحة العمل.
وقد أسست حكمها على أنه كلما كان فوات الإجازة راجعا إلى جهة العمل أو لأسباب اقتضتها ظروف أدائه دون أن يكون لإرادة العامل دخل فيها، كانت جهة العمل مسئولة عن تعويضه عنها، فيجوز للعامل عندئذ -كأصل عام- أن يطلبها جملة فيما جاوز ستة أيام كل سنة إذا كان اقتضاء ما تجمع من إجازاته السنوية على هذا النحو ممكنا عينا، وإلا كان التعويض النقدي عنها واجبا، تقديرا بأن المدة التي امتد إليها الحرمان من استعمال تلك الإجازة مردها إلى جهة العمل، فكان لزاما أن تتحمل وحدها تبعة ذلك.
ولما كان الحق في التعويض لا يعدو أن يكون من عناصر الذمة المالية للعامل مما يندرج في إطار الحقوق التي تكفلها المادتان رقما 32 و34 من الدستور اللتان صان بهما الملكية الخاصة، والتي تتسع للأموال بوجه عام، فإن حرمان العامل من التعويض المكافئ للضرر والجابر له يكون مخالفا للحماية الدستورية المقررة للملكية الخاصة.
وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا في الدعاوى الدستورية يكتسب حجية مطلقة في مواجهة الجميع، بما في ذلك أجهزة الدولة بسلطاتها المختلفة باعتباره قولا فصلا لا يقبل تأويلا ولا تعقيبا من أية جهة كانت، ومن ثم فإن المحكمة تتقيد بقضاء المحكمة الدستورية العليا المشار إليه، وتعمل مقتضاه على وقائع الطعن الماثل؛ باعتبار أن هذا القضاء يعد كاشفا عما بالنص التشريعي من عوار دستوري، مما يؤدي إلى زواله وفقده قوة نفاذه منذ بدء العمل به.
وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن التعديل الذي استحدثه المشرع بالقانون رقم 168 لسنة 1998 لم يأت بجديد فيما يتعلق بالنصوص غير الضريبية، فلا يغير هذا التعديل من إعمال الأثر الرجعي للحكم بعدم الدستورية من تاريخ نفاذ النص المقضي بعدم دستوريته؛ إعمالا للأصل العام وهو الأثر الكاشف لأحكام المحكمة الدستورية العليا، ومما يؤكد ذلك ما ورد بالمذكرة الإيضاحية للقانون رقم 168 لسنة 1998 من أن هذا التعديل استهدف أولا: تخويل المحكمة سلطة تقرير أثر رجعي لحكمها على ضوء الظروف الخاصة التي تتصل ببعض الدعاوى الدستورية التي تنظرها بمراعاة العناصر المحيطة بها وقدر الخطورة التي تلازمها، وثانيا: تقرير أثر مباشر للحكم إذا كان متعلقا بنص ضريـبي.
وبناء عليه فإن مفاد النص بعد التعديل أن المشرع غاير في الحكم بين النص الضريـبي المقضي بعدم دستوريته بتقرير أثر مباشر له، وبين الحكم بعدم دستورية نص غير ضريـبي وذلك بتقرير أثر رجعي له كـأصل عام، مع تخويل المحكمة الدستورية سلطة تقرير أثر غير رجعي لحكمها، وهذا ما اعتنقته المحكمة الدستورية العليا في حكمها الصادر بجلسة 16/3/2002 (القضية رقم 154 لسنة 21ق. دستورية) بقولها: “إن مقتضى حكم المادة رقم 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا بعد تعديلها بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 168 لسنة 1998 هو عدم تطبيق النص المقضي بعدم دستوريته على الوقائع اللاحقة لليوم التالي لتاريخ نشر الحكم الصادر بذلك، وكذلك على الوقائع السابقة على هذا النشر إلا إذا حدد الحكم الصادر بعدم الدستورية تاريخا آخر لسريانه”.
وحيث إن نص الفقرة الأخيرة من المادة رقم (65) من القانون رقم 47 لسنة 1978 المعدلة بالقانون رقم 115 لسنة 1983 والمحكوم بعدم دستوريته قد حجب عن المدعين الثلاثة الأُوَل، ومورث المدعين الباقين أصل حقهم في الحصول على المقابل النقدي لرصيد إجازاتهم الاعتيادية فيما جاوز الشهور الأربعة المنصوص عليها في المادة رقم 65 المبينة سالفا، فإن مؤدى ذلك أحقيتهم في هذا المقابل عن كامل رصيد إجازاتهم الاعتيادية التي حرموا منها بسبب مقتضيات العمل، وذلك كتعويض عن حرمانهم من هذه الإجازات.
وحيث إنه لا يغير مما تقدم القول بأن ملف خدمة الطاعنين قد خلا مما يفيد تقدمهم بطلبات للحصول على إجازات لم يبت فيها أو رفضت، أو مما يفيد أن عدم حصولهم على إجازاتهم الاعتيادية راجع إلى أسباب اقتضتها مصلحة العمل أدت إلى عدم حصول المدعين على إجازاتهم الاعتيادية؛ ذلك أنه فضلا عن أن التطبيق السليم لقاعدة الأجر مقابل العمل يؤدي إلى القول بأنه إذا أدى العامل عمله استحق عنه أجره، وبذلك يتحقق التوازن الحقيقي بين العامل وجهة الإدارة التي لا شك أَثْرتْ بمقدار قيمة مدة العمل التي كان يستحق عنها إجازة، خاصة أنه لا يتصور عقلا ومنطقا في ظل أحكام كانت تحدد الحد الأقصى لمقابل الإجازات بأربعة أشهر ألا يطالب العامل بإجازة اعتيادية تمثل له مزية وتحقق له امتيازا إلا إذا كان ذلك راجعا إلى جهة العمل أو لأسباب اقتضتها ظروف أدائه دون أن يكون لإرادة العامل دخل فيها، ومن ثم يتعين على جهة الإدارة تعويضه عنها.
وحيث إن العمل بهيئة النيابة الإدارية هو عمل جماعي بطبيعته ومرتبط ارتباطا وثيقا بنظام العمل في المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، سواء خلال العام القضائي أو خلال العطلة القضائية التي تستمر فيها المحاكم في نظر بعض الدعاوى، مما يجعل رغبة العضو في استئداء إجازاته السنوية أمرا مرهونا دائما بنظام العمل بهيئة النيابة الإدارية، وإلا ترتب على ذلك الإخلال بحسن سير العمل القضائي، وارتباك أدائه في تحقيق العدالة الناجزة، وعلى ذلك فإن عدم حصول عضو هيئة النيابة الإدارية على إجازاته السنوية أو حصوله عليها يرتبط دائما بالتنظيم الذي استنته الجهات القائمة على أداء هذا المرفق الحيوي والمهم وتنظيم العمل القضائي ذاته لما له من طبيعة ذاتيه خاصة، وبما ينبئ دائما بأن عدم حصول العضو على إجازاته المقررة قانونا إنما يرجع حتما إلى أسباب تتعلق بمصلحة العمل ومقتضياته وحسن أدائه.
وحيث إنه على هدي ما تقدم، ولما كان الثابت بالأوراق أن الطاعنين كانوا يشغلون وظيفة (نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية) حتى انتهت خدمتهم بالإحالة إلى المعاش، وكان لهم رصيد من الإجازات الاعتيادية لم يحصلوا عليها، ولم تقم جهة الإدارة بصرف المقابل النقدي عن هذا الرصيد إلا في حدود أربعة أشهر فقط، وإذ خلت الأوراق مما يفيد أن عدم منح الطاعنين الإجازات الاعتيادية التي يستحقونها إبان خدمتهم، والتي جاوزت أربعة أشهر، كان راجعا إلى رغبتهم المنفردة بمعزل عن رغبة وإرادة جهة الإدارة، فمن ثم يتعين الحكم بأحقية الطاعنين في صرف مقابل رصيد إجازاتهم الاعتيادية التي لم يحصلوا عليها، محسوبا على أجرهم الأساسي مضافا إليه العلاوات الخاصة التي كانوا يتقاضونها عند انتهاء خدمتهم، شاملا أشهر الصيف، ومقداره بالنسبة للطاعن الأول المستشار/… (1037 يوما) وبالنسبة للطاعن الثاني المستشار/… (1324 يوما)، والطاعنة الثالثة المستشارة/… (1063) يوما، وورثة الطاعن الرابع المستشار/… (1579) يوما، مع مراعاة خصم ما سبق صرفه لهم في هذا الشأن.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بأحقية الطاعنين في تقاضي المقابل النقدي لرصيد إجازاتهم الاعتيادية، شاملا أشهر الصيف، محسوبا على أجرهم الأساسي عند انتهاء خدمتهم، ومقداره للطاعن الأول (1037 يوما)، وللطاعن الثاني (1324) يوما، وللطاعنة الثالثة (1063) يوما، ولورثة الطاعن الرابع (1579) يوما، مع مراعاة خصم ما سبق صرفه لهم في هذا الشأن.