جلسة 23 من سبتمبر سنة 2012
الطعن رقم 7903 لسنة 52 القضائية (عليا)
(الدائرة الأولى)
– الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا- حدود رقابة المحكمة الإدارية العليا على الحكم المطعون عليه- الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا يطرح المنازعة من جديد عليها لتنزل صحيح حكم القانون بشأنها في ضوء أحكام الشرعية القانونية، وما أثير من طرفيها، سواء أمام محكمة أول درجة أو إبان نظر الطعن، وما قد يكون قدم من أدلة أو دفوع أو أوجه دفاع أمام محكمة الطعن، أو ما قدم من سبب إضافي للسبب الذي أقيمت به الدعوى، أو سبب مغاير لذلك السبب الذي أقيمت عليه.
– ثبوتها- ثبوت الجنسية المصرية لأحد الوالدين أو كليهما، يتحقق به ثبوتها لمن ولد لهما أو لأحدهما- لا وجه لاشتراط إبداء صاحب الشأن رغبته في التمتع بالجنسية المصرية حال كونه مولودا لأم مصرية وأب غير مصري قبل العمل بالقانون (154) لسنة 2004 إذا لم يكن هذا الإجراء مرجوا منه تحقق الغاية منه، وهي استصدار قرار بتمتعه بالجنسية المصرية، كأن تكون جهة الإدارة قد أفصحت عن عدم تحقيقها هذه الغاية بطريقة لا يأتيها شك أو وهن.
– المادة رقم (2) من القانون رقم (26) لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية، معدلا بموجب القانون رقم (154) لسنة 2004.
– إثباتها- الحالة الظاهرة- أخذ المشرع بمقتضى القانون رقم 22 لسنة 2012 بتعديل قانون الجنسية بمعيار الحالة الظاهرة للشخص في إثبات الجنسية المصرية له، متى قامت الحجة على معاملته على أساس منها، على وفق ما يثبت بشهادة ميلاده أو بشهادة أدائه الخدمة العسكرية أو الإعفاء منها، أو بحمله بطاقة الرقم القومي، أو ما يثبت بغير ذلك من مستندات أو وثائق تصدر عن الدولة، وبما يكون الشخص بها قد ثبت استجماعه للعناصر الأخرى للحالة الظاهرة.
– المادة رقم (24) من القانون رقم (26) لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية، معدلا بموجب القانون رقم (22) لسنة 2012.
– الإجراءات المتطلبة لاستصداره- إذا تطلب المشرع اتخاذ إجراء معين لاستصدار قرار إداري، فإن هذا الإجراء لا يكون واجبا إلا إذا كان مرجوا منه تحقق الغاية منه، وهي استصدار القرار، فإذا كانت جهة الإدارة قد أفصحت عن عدم تحقيقها هذه الغاية بطريقة لا يأتيها شك أو وهن، فإن ذلك الإجراء لا يكون لازما.
بتاريخ 4/1/2006 أودع الأستاذ/… المحامى وكيلا عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها العام برقم 7903 لسنة 52 القضائية (عليا)، وذلك في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بجلسة 23/11/2005 في الدعوى رقم 1848 لسنة 58ق، الذي قضى برفض الدعوى، وإلزام المدعي المصروفات.
وطلب الطاعن –للأسباب المبينة بتقرير الطعن– الحكم بقبوله شكلا، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بإلغاء القرار المطعون فيه، والحكم باستمرار ثبوت الجنسية المصرية للطاعن وذويه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وقد جرى إعلان الطعن إلى الجهة الإدارية وفق الثابت بمحضر الإعلان.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا مسببا بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبوله شكلا، ورفضه موضوعا، وإلزام الطاعن المصروفات.
وعينت لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 16/5/2011، وتدوول نظره على النحو الموضح بمحاضر الجلسات، حيث قدم الحاضر عن الطاعن خلالها مذكرتي دفاع وحافظة مستندات، وبجلسة 20/6/2011 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 25/9/2011 مع التصريح بمذكرات خلال شهر، وقد انقضى هذا الأجل دون تقديم أية مذكرات، وبهذه الجلسة قررت المحكمة إحالة الطعن إلى الدائرة الأولى (موضوع) لنظره بجلسة 3/12/2011، وفيها قررت إصدار الحكم بجلسة 21/1/2012 مع التصريح بمذكرات خلال أسبوعين، وفي هذا الأجل أودع الحاضر عن الدولة مذكرة دفاع طلب فيها الحكم برفض الطعن، وبالجلسة المذكورة قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة 17/3/2012 لإتمام المداولة، وبهذه الجلسة قررت إعادة الطعن للمرافعة بجلسة 12/5/2012 للأسباب المبينة بمحضر الجلسة، وتدوول نظره على وفق المثبت بمحاضر الجلسات، حيث قدم الطاعن خلالها حافظة مستندات، وبجلسة 9/6/2012 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 2/7/2012 مع التصريح بمذكرات خلال عشرة أيام، وقد انقضى هذا الأجل دون إيداع أية مذكرات، وبهذه الجلسة قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم لإتمام المداولة، حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانونا.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية، فإنه يكون مقبولا شكلا.
وحيث إن عناصر النزاع تخلص -حسبما يبين من الأوراق- في أن الطاعن كان قد أقام الدعوى رقم 1848 لسنة 58ق بإيداع صحيفتها قلم كتاب محكمة القضاء الإدارى بتاريخ 23/10/2003، طالبا الحكم بقبولها شكلا، وبوقف تنفيذ ثم إلغاء القرار المطعون فيه، وإلغاء كل أثر مترتب عليه، والحكم بثبوت الجنسية المصرية له ولذويه بحكم مشمول بالنفاذ المعجل، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات، وذلك على سند من القول بأنه فوجئ بقرار من المدعى عليه الأول بسحب وإسقاط الجنسية المصرية عنه، وسحب جميع المستندات الدالة على جنسيته، وأخذ رجال الإدارة العامة للهجرة والجوازات والجنسية يطاردون أبناءه وذويه للحصول على جميع ما لديهم من مستندات تثبت حملهم الجنسية المصرية وإصدار وثائق أخرى بدلا منها، ونعى المدعي على هذا القرار الانحراف بالسلطة وإساءة استعمالها والخطأ في تطبيق القانون؛ ذلك أن جميع شرائط اكتسابه الجنسية المصرية الأصلية متوفرة في حقه، حيث إنه وطبقا للمستندات الرسمية مصري استنادا للنسب وإلى حق الإقليم، لأنه ينتمي إلى أبوين مصريين طبقا لما هو ثابت بوثيقة ميلاد والده الذي ولد عام 1918، والثابت بها أنه مصري الجنسية، كما أن المدعي ومنذ مولده في عام 1945 وحتى الآن يقيم بمصر إقامة دائمة ومتصلة هو وذووه، وأنه تحمل الالتزامات التي تترتب على كل من يحمل الجنسية المصرية، وأخصها أداء الخدمة العسكرية، بل إن أولاده فضلا عن حملهم الجنسية المصرية بحكم الميلاد قد أدوا الخدمة العسكرية، فضلا عما يمتلكه من أرض زراعية في نطاق محافظة الشرقية بالميراث عن والده، وكذا ما يمتلكه من منزل به جميع الخدمات والمرافق التي تم توصيلها عن طريق الجهات المعنية بوصفه مواطنا مصريا.
…………………………………
وتدوول نظر الدعوى على النحو الثابت بمحاضر الجلسات.
وبجلسة 13/11/2005 صدر الحكم المطعون فيه برفض الدعوى. وشيد هذا الحكم على أساس أن حقيقة طلبات المدعي هو الحكم بثبوت الجنسية المصرية له، وما يترتب على ذلك من آثار، وأنه في ضوء أحكام قانون الجنسية المصرية رقم 26 لسنة 1975 الذى عول على رابطة الدم كسند لاكتسابها، فضلا عن تعويله على التوطن لمدة طويلة لاكتسابها، وما تؤدى إليه أحكام المادتين الأولى والثانية من أن من اكتسب الجنسية طبقا لأحكام تشريعات الجنسية السابقة تظل هذه الرابطة عالقة به ويتمتع بها أولاده من بعده، ما لم يعرض عارض قانوني يحرمهم من التمتع بها، وأن هذه التشريعات بدءا من الأمر العالي الصادر في 29/6/1900 ثم المرسوم رقم 19 لسنة 1929 وما تلاه من تشريعات انتهت بالتشريع الحالي قد تواترت على التعويل على شرط الإقامة بالبلاد كسبب لا كتساب الجنسية كما هي نصوص المادتين الأولى والسادسة من المرسوم المشار إليه، والمادة الأولى من كل من قانوني الجنسية المصرية رقمي 160 لسنة 1950 و391 لسنة 1956، حيث تقيم النصوص هذه الجنسية على أساس التوطن بالقطر المصري اعتبارا من عام 1848 أو عام 1914 (تاريخ استقلال مصر عن الإمبراطورية العثمانية)، إذ افترض المشرع أن الإقامة بالقطر المصري اعتبارا من أي من هذين التاريخين ينشئ علاقة روحية بين الشخص والإقليم ويخلق ولاء له، باعتبار أن هذا الولاء هو مناط وأساس علاقة الجنسية، ومن هذا المنطلق عول أيضا على الميلاد المضاعف بالبلاد على نحو ما نص عليه القانون رقم 19 لسنة 1929 والآخر رقم 160 لسنة 1950.
وأضافت المحكمة أنه متى كان ذلك وكانت الإقامة بالقطر المصري باعتبارها شرطا لثبوت الجنسية من الوقائع المادية التي يمكن إثباتها بجميع طرق الإثبات، وتخضع أدلة ثبوتها أو نفيها لتقدير المحكمة، ويقع عبء إثباتها أو نفيها على عاتق من يتمسك بها أو يدفع بعدم الدخول فيها، ولا يكفي في إثباتها مجرد ظهور الشخص في المجتمع بمظهر المتمتع بالجنسية المصرية، وإنما يجب أن يؤيد ذلك أدلة قاطعة على صحة المظهر الذي يعامل به، ولا يكفى في إثبات ذلك مجرد حيازة الشخص مستندات -حتى ولو كانت رسمية- لا تتعلق بالجنسية وثبوتها أو نفيها، ومن ذلك المستندات المتعلقة بالحالة المدنية للشخص وذويه، وإن كانت تعد قرينة على الإقامة بالبلاد؛ إذ إنها بما حوته من بيانات ووقائع تتعلق بسنوات الميلاد والوفاة وغيرها تعد قرينة على صحة ما ورد بها من وقائع وتواريخ، ومن ثم ثبوت أو نفي الإقامة بالبلاد.
وإنه بالبناء على ما تقدم ولما كان والد المدعي قد ولد بفلسطين عام 1914 حسب الإقرار المقدم منه والمدرج باستمارة الحصول على الإقامة والتي تكررت أكثر من مرة، وكان المدعي قد ولد بالبلاد لأب أجنبي غير مولود في مصر، ولم يقدم المدعي ما يفيد إقامة أصوله بالبلاد خلال الفترة من 1914 حتى 1929 لاعتبار والده من المصريين، مما تكون معه دعواه على غير سند من القانون، ولا يغير من ذلك ما قدمه من صور ضوئية لشهادات ميلاد يناقضها إقرار والده نفسه في طلبه إلى جهة الإدارة، لاسيما وأن هذه المستندات لم يؤيدها أي دليل يعزز إقامة العائلة بالبلاد خلال الفترة المعتبرة قانونا، مما تقضي معه المحكمة برفض الدعوى.
…………………………………
وإذ لم يرتض الطاعن هذا الحكم أقام طعنه الماثل لأسباب محصلها الخطأ في تطبيق القانون والقصور في البيان والفساد في الاستدلال؛ ذلك أن الجنسية هي رابطة انتماء وولاء تربط ما بين الفرد والدولة التي يتبعها، ومن أهم عناصر هذا الولاء والانتماء تأدية الفرد للخدمة العسكرية، وأنه إذا كانت شهادة تأدية الخدمة العسكرية لم تُعَد لإثبات الجنسية المصرية، إلا أنها دليل وقرينة غير قابلة لإثبات العكس على توفر الجنسية وثبوتها للفرد باعتبار أنها شرط أولي لمن يلتحق بالخدمة العسكرية، إذ يشترط أن يكون مصري الجنسية على وفق قوانين الخدمة العسكرية المتعاقبة، والثابت من المستندات الرسمية أن الطاعن التحق بالخدمة العسكرية بتاريخ 18/3/1968 وانتهت خدمته بتاريخ 1/9/1974 وشارك خلال هذه المدة في حرب أكتوبر عام 1973، ومن المستحيل أن يكون الطاعن أجنبيا عن البلاد ويقوم بتأدية الخدمة العسكرية، وهذه الحالة القانونية الظاهرة تؤكد ثبوت الجنسية المصرية له، يضاف إلى ذلك أن ما اعتنقه الحكم المطعون فيه واتخذه قواما له من أن والد الطاعن ولد بفلسطين عام 1914 حسب الإقرار المقدم منه، والمدرج باستمارة الحصول على الإقامة بالبلاد والتي تكررت أكثر من مرة، جاء على خلاف الثابت بالأوراق، حيث إن المستند الذي اعتمد عليه الحكم كدليل وحيد على أن جنسية والده هي الجنسية الفلسطينية لا يحمل توقيع والد المدعي/…، بل يحمل توقيع المدعو/… الذي قام بإملاء هذا الطلب والتوقيع عليه باسمه وتقديمه إلى الجهات الرسمية، وذلك للهروب من الخدمة العسكرية، ومن ثم فلا تكون لهذا المستند حجية قبل والد الطاعن؛ لأنه لم يصدر عنه ولم يوقع عليه.
وأضاف الطاعن أن الحكم المطعون فيه لم يفطن إلى ثبوت الجنسية المصرية له أخذا من الحالة الظاهرة، والتي توفرت له بعناصرها الثلاثة: الاسم والشهرة والمعاملة، حيث يحمل اسما وطنيا مصريا، ويشتهر بالصفة الوطنية بين الناس، ويتم التعامل معه من قبل الجميع على أنه مصري الجنسية، ويتعامل مع كافة الجهات الرسمية على أنه مصري، والدليل على ذلك شهادة ميلاده الصادرة عن مكتب صحة أكياد القبلية سجل مدني فاقوس الثابت بها أن جنسيته هي الجنسية المصرية، وأن محل ميلاده هو مركز فاقوس محافظة الشرقية، والمدون بها بيانات الأب والأم، وأن جنسيتهما هي الجنسية المصرية، وكذا بطاقة الرقم القومي الخاصة به الصادرة عن سجل مدني أبو حماد، وشهادة تأدية الخدمة العسكرية، وجواز السفر الخاص به الصادر عن قسم جوازات الزقازيق وهو جواز سفر وطني مصري، وشهادة ميلاد والده والثابت فيها أن جنسيته هي الجنسية المصرية، وأن محل الميلاد أكياد القبلية مركز فاقوس، وأنه مقيد بدفتر واقعات الميلاد بمكتب صحة أكياد القبلية محافظة الشرقية بتاريخ 10/9/1960، وأن محل الميلاد هو أكياد القبلية عام 1918، وشهادات ميلاد أنجال الطاعن والثابت بها أن جنسيتهم وجنسية والدهم هي الجنسية المصرية، وتأدية نجليه… و… الخدمة العسكرية، وطلب نجليه… و… لأداء الخدمة العسكرية وإعفاؤهما منها بموجب شهادات إعفاء صادرة عن إدارة تجنيد منطقة الزقازيق، والتحاق أنجاله بالمدارس المصرية ومعاملتهم بها على أنهم مصريون، واستخراجهم بطاقات تحقيق الشخصية ثابت بها أنهم مصريون، ووثيقة زواجه الثابت بها أن جنسيته الجنسية المصرية، وامتلاكه لعقارات بالبلاد، وانضمامه كعضو بالنقابة العامة للزراعة والري والثروة المائية، وبذلك يثبت بما لا يدع مجالا للشك من خلال المستندات الرسمية ومن الوضع الظاهر الذى يعامل به أنه مصري، خاصة أن المطعون ضدهم عجزوا عن إثبات انتسابه لجنسية أخرى، كما أن المستندات المشار إليها تثبت أن جنسيته هي الجنسية المصرية وأن جنسية والده هي الجنسية المصرية، وأن إقامة والده كانت منذ الميلاد وحتى الوفاة بالأراضي المصرية، وأن ما ادعته الجهة الإدارية من أن قيد ميلاد والده كان ضمن سواقط القيد، وأن ذلك يستند إلى تقرير الطبيب لتحديد سن المولود وإلى التحريات لإثبات محل الميلاد، وأن كلا هذين الأمرين يحتمل الخطأ وعدم مصادفة الحقيقة، مردود بأن شهادة ميلاد والده ليست (ساقط قيد)، بل مستخرجة من دار المحفوظات المصرية، وثابت بها أنه مواليد 8/3/1918 وتم قيده بدفتر واقعات الميلاد بمكتب صحة أكياد القبلية مركز فاقوس محافظة الشرقية بتاريخ 10/9/1960 وهى مستخرجه من السجلات الرسمية المعدة لذلك وأنها لم تستند إلى تقرير الطبيب، ومن ثم فإن شهادة الميلاد المشار إليها هي صورة رسمية من أصل شهادة ميلاد والد الطاعن، وبناء عليه تثبت الجنسية المصرية له بناء على حق الدم الأصلي. وقد أضاف الطاعن بمذكرة دفاعه المقدمة بجلسة 16/5/2011 أمام دائرة فحص الطعون أنه مولود لأب مصري وأم مصرية طبقا لنص المادة الثانية من القانون رقم 154 لسنة 2004 بتعديل أحكام القانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية، وهو الثابت بشهادة ميلاد وزواج الأم.
…………………………………
وحيث إن الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا يطرح المنازعة من جديد عليها لتنزل صحيح حكم القانون بشأنها في ضوء أحكام الشرعية القانونية، وما أثير من طرفيها، سواء أمام محكمة أول درجة أو إبان نظر الطعن، وما قد يكون قدم من أدلة أو دفوع أو أوجه دفاع أمام محكمة الطعن، أو ما قدم من سبب إضافي للسبب الذي أقيمت به الدعوى أو سبب مغاير لذاك السبب الذي أقيمت عليه.
وحيث إن المادة (2) من القانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية، المعدل بالقانون رقم 154 لسنة 2004 تنص على أن: “يكون مصريا: (1) من ولد لأب مصري أو لأم مصرية. (2)…”
وتنص المادة (24) منه المعدلة بالقانون رقم 22 لسنة 2012 على أنه: “يقع عبء إثبات الجنسية على من يتمسك بالجنسية المصرية أو يدفع بعدم الدخول فيها. ومع عدم الإخلال بالقواعد العامة للإثبات الواردة في القانون رقم 25 لسنة 1968 بشأن الإثبات في المواد المدنية والتجارية أو أي قوانين أخرى، تعتبر شهادة الميلاد أو المستخرج الرسمي منها حجة في إثبات الجنسية المصرية لمن يحملها من المواطنين، وكذلك أي وثائق أو مستندات أخرى تمنحها الدولة للمواطن مثل بطاقة الرقم القومي أو شهادة المعاملة العسكرية أو الإعفاء منها طبقا للقانون”.
ومؤدى ذلك أن المشرع قرر تمتع الشخص بالجنسية المصرية متى ولد لأب مصري أو لأم مصرية دون أن تكون هناك سلطة تقديرية في تمتعه بها، إذ تثبت له منذ لحظة ولادته، فإذا ما ثار حول جنسية الشخص جدل كان عبء إثبات تمتعه بها -على وفق أحكام قانون الجنسية المشار إليه- واقعا على عاتقه، ويكون له إثبات ذلك بجميع طرق الإثبات.
وتيسيرا على من يتمسك بأنه مصري الجنسية اعتبر المشرع منذ تاريخ العمل بالقانون رقم 22 لسنة 2012 شهادة الميلاد والمستخرج الرسمي منها حجة في إثباتها، وكذا أية وثائق أو مستندات أخرى تصدر عن الدولة، منها على وجه الخصوص بطاقة الرقم القومي وشهادة المعاملة العسكرية أو الإعفاء منها، كما أن المشرع اعتبارا من تاريخ العمل بالقانون رقم 154 لسنة 2004 المنوه عنه ساوى بين من ولد لأب مصري ومن ولد لأم مصرية في تمتعه بالجنسية المصرية دون مباينة بينهما كما كان الحال قبل العمل بهذا القانون، ومن ثم فليس لزاما للتمتع بها أن تثبت الجنسية المصرية لوالد الشخص متى كانت ثابتة لأمه، بما يعني أن ثبوتها لأحدهما أو كليهما يتحقق به ثبوتها لمن ولد لهما أو لأحدهما.
ومقتضى ذلك أن المشرع بالتعديلين القانونيين السالف الإشارة إليهما لقانون الجنسية المصرية قضى (أولا) على الممايزة بين من ولد لأب مصري ومن ولد لأم مصرية، حيث تثبت لكل منهما الجنسية المصرية بصفة أصلية منذ الولادة، بغض الطرف عن جنسية الأم في الحالة الأولى إن كانت غير مصرية، وعن جنسية الأب في الحالة الثانية إن كان غير مصري، وقنن (ثانيا) الأخذ بالحالة الظاهرة للشخص وثبوت الجنسية المصرية له متى قامت الحجة على معاملته على أساس منها على وفق ما يثبت بشهادة ميلاده أو بشهادة أدائه الخدمة العسكرية أو الإعفاء منها أو بحمله بطاقة الرقم القومي أو ما يثبت بغير ذلك من مستندات أو وثائق تصدر عن الدولة، وبما يكون الشخص بها قد ثبت استجماعه للعناصر الأخرى للحالة الظاهرة.
وحيث إنه بتطبيق الأحكام والمبادئ الآنف ذكرها يتبين أن الطاعن قد احتج في شأن إثبات تمتعه أصالة بالجنسية المصرية بحمله العديد من المستندات والوثائق المثبت بها أنه مصري الجنسية حيث إنه يحمل بطاقة الرقم القومي رقم 24809151301333، وشهادة تأدية الخدمة العسكرية رقم 5363639 الصادرة بتاريخ 1/3/1973، فضلا عن وثيقة زواجه الذي تم بتاريخ 8/11/1964 والمثبت بها أن جنسيته مصري، مما تكون معه هذه الشهادات والوثائق حجة في إثبات جنسيته المصرية.
يضاف إلى ذلك أن الطاعن أضاف سببا جديدا لدعواه إبان نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون متمثلا في ولادته لأم مصرية استنادا إلى القانون رقم 154 لسنة 2004، وقدم دليلا على ذلك شهادة ميلاد والدته المرحومة/… وكذا شهادة وفاتها، والمثبت في كل منهما أن جنسيتها هي الجنسية المصرية، كما قدم شهادة ميلاده المثبت فيها ضمن بيانات الأم أنها مصرية، بما يتبين منه أنه يتمتع بالجنسية المصرية لولادته لأم مصرية، لاسيما أن المحكمة كلفت الجهة الإدارية على وفق الثابت بمحضر جلسة 17/3/2012 تقديم مستندات الجنسية الخاصة بوالدة الطاعن، إلا أنها لم تقدم أي مستندات تتعلق بذلك، وبناء عليه يكون الطاعن متمتعا بالجنسية المصرية لتضافر ما قدمه من مستندات اعتد بها المشرع واعتبرها حجة في إثبات الجنسية المصرية، ولتوفر سبب تمتعه بها وفق حكم المادة رقم (2) من قانون الجنسية المصرية من ناحية الأم، أيا ما كانت جنسية الأب، دون محاجة بما تضمنته المادة الثالثة من القانون رقم 154 لسنة 2004 من وجوب إعلان من ولد لأم مصرية وأب غير مصري قبل تاريخ العمل بهذا القانون وزير الداخلية برغبته في التمتع بالجنسية المصرية، بحيث يعتبر الشخص حالتئذ مصريا بصدور قرار بذلك عن الوزير أو بانقضاء مدة سنة من تاريخ الإعلان بالرغبة دون صدور قرار مسبب بالرفض؛ ذلك أن هذه الرغبة يجب إبداؤها على هذا النحو عندما يكون الشخص مولودا لأب غير مصري، وحالة الطاعن بناء على ما سلف ذكره خلاف ذلك، كما أن هذا الإجراء يكون واجبا إذا كان مرجوا منه تحقق الغاية منه، فإذا كانت جهة الإدارة مفصحة عن عدم تحقيقها هذه الغاية بطريقة لا يأتيها شك أو وهن كما هو الحال بالنسبة للطاعن إذْ إنه رغم إفصاحه عن تمتعه بالجنسية المصرية استنادا إلى القانون المشار إليه إلا أنها أصرت على موقفها منه بعدم إجابته لذلك رغم توفر موجب إجابته، فإن ذلك الإجراء لا يكون لازما.
وحيث إن الحكم المطعون فيه ذهب خلاف هذا المذهب، فإنه يكون واجبا إلغاؤه، والقضاء مجددا بثبوت الجنسية المصرية للطاعن، وما يترتب على ذلك من آثار.
وحيث إن من خسر الطعن يلزم مصروفاته على وفق المادة رقم (184) مرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبثبوت الجنسية المصرية للطاعن، وما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الجهة الإدارية المصروفات عن درجتي التقاضي.