جلسة 1من يناير سنة 2011
الطعون أرقام 5738 و 6302 و 25612 لسنة 51 القضائية عليا
(الدائرة الخامسة)
الجهة المختصة بالتصريح بطبعها ونشرها– مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر هو الموكل إليه وحده دون غيره مهمة مراجعة المصحف الشريف والتصريح بطبعه وتداوله–يجب على كل من يرغب فى طبع مصحف سواء بشكله التقليدي أو بأحد الأشكال التى استحدثها التقدم العلمى إلكترونيا الحصول على موافقته على الطبع والتداول– نطاق المهمة المنوطة بتلك الجهة يقتصر على العمل الفنى فى المراجعة, ولا شأن لها بتطبيق أي قانون آخر– نطاق تطبيق الحماية القانونية المنصوص عليها فى قانون حماية حقوق الملكية الفكرية يقتصر على المصنفات التى هي من نتاج العقل البشري أيا كان نوعها باعتبارها ذات طابع ابتكاري– لا وجه للقول إن المصنفات المشتقة من القرآن الكريم تخضع لأحكام القانون المذكور؛ لأنها ليست مشتقة من مصنف يعد من صنيعة البشر– أسلوب طباعة صفحات المصحف الشريف لا يخضع للحماية المقررة في قانون الملكية الفكرية.
-المواد (1) و (2) و (3) و (20) من القانون 102 لسنة 1985 بشأن تنظيم طبع المصحف الشريف والأحاديث النبوية.
– المواد (138) و (140) و (141) من قانون حماية حقوق الملكية الفكرية، الصادر بالقانون رقم 82 لسنة 2002.
-المادتان رقما (38) و (39) من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 103 لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التى يشملها، الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 350 لسنة 1975.
حق المؤلف– نطاق حمايته يقتصر على المصنفات التي هي من نتاج العقل البشري أيا كان نوعها– المعيار الوحيد الذي اشترطه المشرع لتقرير تلك الحماية هو الابتكار، بأن يكون للمصنف طابع ابتكاري– لحق المؤلف على مصنفه مظهر أدبي وآخر مادي، والمظهر الأدبي يتمثل في الحقوق المعنوية التي تستهدف حماية المصالح الأدبية للمؤلف، والمظهر المادي يتمثل في الحقوق المادية التي تخول المؤلف وحده الحق في استغلال العمل ماديا.
المواد من (138) إلى (188) من قانون حماية حقوق الملكية الفكرية، الصادر بالقانون رقم 82 لسنة 2002.
أولا– إجراءات الطعن رقم 5738 لسنة 51 ق عليا:
في يوم الأربعاء الموافق 9/2/2005 أودع الأستاذ/… المحامي بصفته وكيلا عن الطاعنين عن نفسيهما وبصفتيهما قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرا بالطعن قيد بجدولها العمومي تحت رقم 5738 لسنة 51ق عليا، طعنا على الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (الدائرة الأولى) في الدعوى رقم 23285 لسنة 56 ق بجلسة 21/12/2004 القاضي منطوقه بقبول الدعوى شكلا، وبإلغاء القرار المطعون فيه على الوجه المبين بالأسباب وإلزام المدعى عليهم المصروفات.
وطلب الطاعنان عن نفسيهما وبصفتيهما للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وفي الموضوع بإلغائه والقضاء برفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده الأول المصروفات عن الدرجتين.
وجرى إعلان تقرير الطعن إلى المطعون ضدهم على النحو الثابت بالأوراق.
ثانيا– إجراءات الطعن رقم 6302 لسنة 51 ق عليا:
في يوم الخميس الموافق 7/2/2005 أودع الأستاذ/ … المحامي بالأزهر الشريف بصفته وكيلاً عن الطاعن بصفته (فضيلة شيخ الأزهر) قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 6302 لسنة 51 ق عليا، طعنا على الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري (الدائرة الأولى) في الدعوى رقم 23285 لسنة 56ق بجلسة 21/12/2004 المشار إليه سلفا.
وطلب الطاعن بصفته للأسباب الموضحة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلا وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه والقضاء مجددا برفض الدعوى، وإلزام المطعون ضده المصروفات والأتعاب عن الدرجتين.
وجرى إعلان تقرير الطعن إلى المطعون ضده طبقا لما هو ثابت بالأوراق.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرا مسببا بالرأي القانوني في الطعنين المذكورين سلفا ارتأت فيه الحكم بقبول الطعنين شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا برفض الدعوى، وإلزام المطعون ضده المصروفات.
ثالثا– إجراءات الطعن رقم 25612 لسنة 51 ق عليا:
في يوم الثلاثاء الموافق 6/9/2005 أودع الأستاذ/ … المحامي بصفته وكيلا عن الطاعنين قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرا بالطعن قيد بجدولها برقم 25612 لسنة 51ق. عليا طعنا على الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري (الدائرة الأولى) في الدعوى رقم 21253 لسنة 59 ق بجلسة 19/7/2005، القاضي منطوقه برفض الدفع المبدى من المدعى عليه الرابع بعدم اختصاص المحكمة، وباختصاصها، وبقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع بالاستمرار في تنفيذ الحكم الصادر في الدعوى رقم 23285 لسنة 56ق. وألزمت الإدارة بالمصروفات.
وطلب الطاعنان للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلا، وبرفضه موضوعا، وإلزام الطاعنين بصفاتهم المصروفات.
وحددت لنظر الطعن رقم 5738 لسنة 51 ق عليا أمام الدائرة الأولى عليا فحص جلسة 20/6/2005 وتدوول بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها، حيث قررت خلالها وبجلسة 17/10/2005 ضم الطعن رقم 25612 لسنة 51 ق عليا إلى الطعن رقم 5738 لسنة 51ق. عليا للارتباط وليصدر فيهما حكم واحد، كما قررت بجلسة 1/7/2006 ضم الطعن رقم 6302 لسنة 51 ق عليا إلى الطعنين رقمي 5738 و 25612 لسنة 51 ق عليا للارتباط وليصدر في الطعون الثلاثة حكم واحد، وبجلسة 2/7/2007 قررت تلك الدائرة إحالة الطعون إلى المحكمة الإدارية العليا الدائرة الأولى موضوع، وحددت لنظرها أمامها جلسة 24/11/2001 على النحو المبين بمحاضرها، إلى أن قررت بجلستها المنعقدة في 23/1/2010 إعادة الطعون للمرافعة بجلسة اليوم وإحالتها بحالتها إلى الدائرة الخامسة عليا موضوع للاختصاص.
وعينت لنظر الطعون الثلاثة أمام هذه المحكمة جلسة 20/3/2010 فنظرتها بهذه الجلسة وما تلاها من جلسات على النحو الموضح بمحاضرها، وبجلسة 10/11/2010 قررت إصدار الحكم بجلسة 1/1/2011 وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه ومنطوقه لدى النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانونا.
من حيث إن الطعون الثلاثة أقيمت خلال الميعاد المقرر قانونا، وإذ استوفت جميع أوضاعها الشكلية الأخرى، فمن ثم فإنها تكون مقبولة شكلا.
-ومن حيث إن الواقعات محل الطعنين رقمي 5738 و 6302 لسنة 51 ق. عليا تخلص حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وجميع الأوراق الأخرى في أن المطعون ضده (محمد…) أقام الدعوى رقم 23285 لسنة 56ق بتاريخ 18/9/2002، طالباً في ختامها الحكم بقبولها شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تصريح طبع مصحف دار (أ) لتعديه على حقوقه المحمية قانونا، والتحفظ على نسخ مصحف (أ) المقلدة، وإلغاء القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة المتعدية المصروفات؛ وذلك على سند من القول إن تصريح طبع مصحف (أ) يمثل تعديا على الفكر المبتكر غير المسبوق منذ كتابة مصحف سيدنا عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ ويتمثل في كتابة كل ربعين (نصف الحزب) من القرآن الكريم في صفحتين متقابلتين، وهذا الفكر أضفى عليه القانون الحماية، وأنه قدم تظلما إلى شيخ الأزهر فأحاله إلى لجنة فحص المصاحف، التي بررت –بسبب عاطفة شخصية مع المدعى عليه الثاني– تعديات المدعى عليه الأول بأمور شكلية من حيث عدد صفحات المصحف وعدد سطوره، مخالفةً أحكام القانون 102 لسنة 1985، ومعتدية على سلطة القضاء؛لأن الحكم على كون الفكر مبتكرا من عدمه اختصاص قضائي بحت لا ينازعه فيه سلطة أخرى، وأرسل التظلم إلى إدارة البحوث بالأزهر برقم 124 لسنة 2002 متضمناً رأي لجنة الفحص، وتم حفظ التظلم، كما تقدم بتظلم إلى وكيل الأزهر الشريف فأحاله إلى إدارة الشئون القانونية وقيد برقم 2555 لسنة 2002–إدارة البحوث، وكان مصيره الحفظ كسابقه، وتم توجيه إنذار إلى المدعى عليهم ورفضوا تسلمه، وأنه تنفيذاً لأمر الله سبحانه وتعالى:{ومن الليل فتهجد به} ، ولما تلاحظ ممن يحملون المصحف في صلاة القيام والتهجد ويقلبون صفحاته، الأمر الذي قد تختلط معه الصفحات وتتشابه المواقف مما يذهب بالخشوع في الصلاة؛فقد تفردت دار (ب) بتنفيذ كل ربعين (نصف الحزب) من القرآن الكريم في صفحتين متقابلتين ليتمكن المتهجد من أداء الصلاة؛ ولذا سمى بمصحف التهجد، وهو فكر غير مسبوق،وقامت دار (ب) بتسجيل هذا الابتكار بدار الكتب والوثائق القومية برقم 8034 لسنة 1992، كما تم تسجيله في برن بسويسرا بترقيم دولي 8/32/5147/977 باسم دار (ب) للطباعة والنشر وذلك بعد موافقة مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وإصداره لجميع أحجامه تصاريح الطبع والتداول، ومنها التصريح رقم 649/92 لحجم دوبل الجوامعي مقاس 35×50 طبقاً للقانون 102 لسنة 1985 لمدة خمس سنوات، تم تجديدها برقم 20/2002.
وقد قررت دار (ب) تصفية نفسها واقتضت هذه التصفية بيع كافة أصولها، ومِن أسماها وأرفعها: المقتنيات المادية لمصحف التهجد وما طبع منه، وقد وافقت الجمعية العمومية في 24/10/2001 بالإجماع على بيع حقوق مصحف التهجد للمدعي طبقاً للقانون رقم 354 لسنة 1954، وتم اعتماد البيع من هيئة الاستثمار في 27/11/2001 ومن الشهر العقاري برقم 5369 في 25/5/2002 مكتب توثيق الزيتون، وبناء على طلب المدعى عليه الرابع تم التصديق على إقرار موثق بالشهر العقاري بأن المدعي هو صاحب الحق الوحيد في هذا الفكر المبتكر، وبناء عليه تم تعديل التصريح رقم 20 في 19/8/2002 باسمه بناء على موافقة المدعى عليه الرابع، ورغم ذلك يؤيد الأزهرُ لجنةَ فحص المصاحف فيما ذهبت إليه من مبررات والتي بررت تعديات شركة دار (أ) بمقولة عارية من مسبباتها من حيث عدد صفحات المصحف وعدد سطور الصفحة؛ إذ ذكرت لجنة المصاحف ذلك في المذكرة المقيدة برقم 124/2002ق بإدارة البحوث بالأزهر، وعقدت فيها مقارنة تجاوزت فيها حدود اختصاصها ( اختلاف عدد الصفحات وعدد السطور)، وتجاهلت هذه اللجنة المصنف المحمي قانونا، وهو كتابة كل ربعين من القرآن الكريم في صفحتين متقابلتين، الحاصل على تصاريح الطبع والتداول، هذا فضلا عن أن اللجنة المذكورة قد انحرفت عما سبق لها إصداره من تصاريح طبع وتداول وليس من بين بياناتها عدد الصفحات أو عدد السطور، كما تجاهلت مصحف التهجد بفكرته غير المسبوقة بدار الكتب والوثائق القومية في كتابها إلى أمين عام مجمع البحوث الإسلامية وتجاهلت تسجيله دوليا، كما أن اللجنة قد فرقت في المعاملة بين الحالات المماثلة ومنها مصحف التجويد.
واختتمت عريضة الدعوى بطلب الحكم بما تقدم.
……………………………………………………………………….
وبجلسة 21/12/2004 أصدرت محكمة القضاء الإداري(الدائرة الأولى) حكمها المطعون فيه القاضى منطوقه بقبول الدعوى شكلا، وبإلغاء القرار المطعون فيه، على الوجه المبين بالأسباب، وإلزام المدعى عليهم المصروفات.
وشيدت المحكمة قضاءها بالنسبة لموضوع الدعوى –بعد استعراض نص المادة 49 من الدستور والمادة الأولى من القانون رقم 102 لسنة 1985 بشأن تنظيم طبع المصحف الشريف والأحاديث النبوية، والمادة 40 من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 103 لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر–على أن كتابة كل ربعين (نصف الحزب) من القرآن الكريم في صفحتين متقابلتين يعتبر من قبيل الإبداع والابتكار الذي يستدعي الحماية القانونية للمبتكر؛ لما في ذلك من تمكين للمصلين وقراء القرآن الكريم من أداء مناسك الصلاة والقراءة دون تقليب للصفحات على وجه يتحقق معه غاية الابتكار ومقصده، وأن الثابت من أوراق الدعوى أن مجمع البحوث الإسلامية قد وافق لدار (ب) على الفكرة، وأصدر تصاريح الطبع والتداول ومنها التصريح رقم 649 لسنة 1992 لحجم دوبل الجوامعي مقاس 35×50، وتم تجديده يرقم 20/2000، كما قامت شركة دار (ب) بتسجيل هذا الابتكار بدار الكتب والوثائق القومية برقم 8034/1992، وتم ترقيمه في برن بسويسرا، وقد آلت حقوق هذه الدار إلى المدعي بموجب البيع المعتمد من هيئة الاستثمار في 27/11/2001 ومن الشهر العقاري برقم 369هـ في 25/5/2002– مكتب توثيق الزيتون، وقد طبع مصحف التهجد والقيام في 245 صفحة، كل صفحة 22 سطرا، وصرحت الجهة الإدارية بطباعة مصحف دار (أ) الذي قام على ذات الفكرة المبتكرة والمشمولة بالحماية القانونية والخاصة بدار (ب) والمتمثلة في كتابة كل ربعين (نصف حزب) في صفحتين متقابلتين، واستند تقرير مجمع البحوث الإسلامية المنتهي إلى عدم وجود تعدٍ إلى اختلاف في عدد السطور بين المصحفين واختلاف الخط، وهذه الأسباب لا تصلح مبررا للتصريح بطبع وتداول مصحف دار (أ)؛ لاستلاب هذه الدار الفكرة المبتكرة المسجلة باسم دار (ب)، التي حل المدعي محلها في كافة الحقوق الناشئة عن هذا الابتكار، ولما كان الأمر كذلك فإن قرار الجهة المدعى عليها بالتصريح لدار (أ) بطباعة وتداول مصحف دار (ب) وغيره من المصاحف التي تقوم على فكرة كتابة كل ربعين في صفحتين متقابلتين لا يتفق وصحيح حكم القانون والواقع.
……………………………………………………………………….
-ومن حيث إن واقعات الطعن رقم 25612 لسنة 51 ق. عليا توجز حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وجميع الأوراق الأخرى في أن المطعون ضده الأول (محمد …) أقام الدعوى رقم 21253 لسنة 59ق. أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة بموجب عريضة مودعة قلم كتابها بتاريخ 11/4/2005 بطلب الحكم بالاستمرار في تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 23285 لسنة 56 ق. بجلسة 21/12/2004 بدعوى أن محكمة القضاء الإداري أصدرت حكماً في الدعوى المذكورة قضى بقبول الدعوى شكلا وبإلغاء القرار المطعون فيه على الوجه المبين بالأسباب وإلزام المدعى عليهم المصروفات، وأنه قام بتسليم الحكم المشمول بالصيغة التنفيذية إلى الأزهر الذي امتنع عن التنفيذ، وذلك بالمخالفة للقانون، وأنه يهدف من دعواه إلى الاستمرار في تنفيذ حكم المحكمة المشار إليه، واختتم دعواه بطلب الحكم بما تقدم.
……………………………………………………………………….
وبجلسة 19/7/2005 أصدرت محكمة القضاء الإداري (الدائرة الأولى) حكمها المطعون فيه القاضي منطوقه برفض الدفع المبدى من المدعى عليه الرابع بعدم اختصاص المحكمة وباختصاصها، وبقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع بالاستمرار في تنفيذ الحكم الصادر في الدعوى رقم 23285لسنة 56ق، وإلزام الإدارة المصروفات.
وأقامت المحكمة قضاءها برفض الدفع المبدى من المدعى عليه الرابع (سعد …) بعدم اختصاص المحكمة بنظر الإشكال، المستند إلى أن الاختصاص بنظره معقود للمحاكم الإدارية والتأديبية قياسا على ما تقضي به المادة 274 من قانون المرافعات والمنصرف إلى اختصاص أحد قضاة المحكمة الجزئية بالفصل في منازعات التنفيذ، على أن هذا الدفع مردود بأمرين: أولهما– ما استقر عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا وقضاء هذه المحكمة من أن منازعات التنفيذ سواء كانت إشكالات في التنفيذ أو للاستمرار فيه معقودة للمحكمة التي أصدرت الحكم، وثانيهما– أن تطبيق القواعد الواردة في قانون المرافعات في مجال المنازعة الإدارية رهن بأن تكون تلك القواعد تتفق وطبيعة المنازعة الإدارية والتنظيم القضائي لمحاكم مجلس الدولة الذي يستوجب واقعا لا يتعارض مع مقتضى أحكام مجلس الدولة وقانون المرافعات أن يكون قاضي الأصل هو قاضي الفرع، وهو عين ما انصرف إليه قضاء المحكمة الدستورية العليا، ووسد الاختصاص إلى مجلس الدولة بنظر منازعات التنفيذ في الأحكام الصادرة عنه.
وشيدت المحكمة قضاءها بالنسبة للموضوع –بعد استعراض نصوص المواد 64و 72 من الدستور و50 و 52 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 –على أنه لا ينال من حجية الأحكام القضائية ووجوب تنفيذها إشكالات أقيمت أمام محكمة غير مختصة، فضلا عن أن أوراق الدعوى لم تكشف عن صدور حكم عن المحكمة الإدارية العليا بوقف تنفيذ الحكم المطلوب الاستمرار في تنفيذه، ولما كان الثابت من أوراق الدعوى أن محكمة القضاء الإداري قد أصدرت حكماً في الدعوى رقم 23285 لسنة 56 ق قضى بإلغاء القرار المطعون فيه، ولم يتم تنفيذ الحكم، فإن طلب المدعي الاستمرار في تنفيذ الحكم يكون متفقا وصحيح حكم القانون والواقع، كما تقضي المحكمة بالاستمرار في تنفيذه.
……………………………………………………………………….
-وإذ لم يلق الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري (الدائرة الأولى) في الدعوى رقم 23285 لسنة 59 ق المشار إليه قبولا لدى الطاعنين في الطعن رقم 5738 لسنة 51ق. عليا فقد أقاموا هذا الطعن ناعين على الحكم المطعون فيه أنه قد أخطأ فى تطبيق القانون؛ إذ صدر مستندا إلى أسباب تخالف الواقع ولا أصل لها فيه، مبناها إفك أقام عليه المطعون ضده الأول دعواه، مما أودى بالحكم إلى نتيجة فاسدة لا يساندها الواقع ولا يؤيدها القانون، للأسباب الموضحة تفصيلا بتقرير الطعن، وتخلص فى أن ادعاء المطعون ضده الأول أنه صاحب فكرة كتابة كل ربعين (نصف الحزب) من القرآن الكريم فى صفحتين متقابلتين هو ادعاء غير صحيح؛ لما هو ثابت من أنها فكرة قديمة للسلف الصالح شائعة ومستقرة من عدة قرون، نقلها المطعون ضده الأول عنهم ونسبها لنفسه بغير حق، وإثباتا لهذه الحقيقة يقدم الطاعنان صورا لعدد من المصاحف المخطوطة التي يرجع عمرها إلى عدة قرون خلت، مودعة بمكتبة الأزهر الشريف والهيئة العامة للكتب والوثائق، يحتوي بعضها على ربعين (نصف الحزب) من القرآن الكريم في صفحتين متقابلتين، وأخرى على عدد أكبر يتزايد حتى يصل إلى سبعة أرباع حزب في كل صفحة، ومن قبيل ذلك على سبيل التمثيل لا الحصر: مصحف تحتوي كل صفحة منه على حزب كامل تم كتابته عام 1200 هجرية أي مما يزيد على مئتي عام قبل طباعة المطعون ضده الأول للمصحف المشتملة كل صفحة منه على نصف حزب، ومنها مصاحف تحتوي الصفحة فيها على جزء (حزبين) ومنها أيضا مصحف كتب في عام 1313 هجرية في تسع عشرة ورقة، أي تحتوي كل صفحة منه على سبعة أرباع (حافظتا مستندات الطاعنين)، ومن ثم فإن هذه الفكرة ليست من ابتكار ولا ابتداع المطعون ضده الأول ولا دار (ب) من قَبله، وإنما هي فكرة السلف الصالح ومن قديم، نقلها عنهم المطعون ضده الأول وادعاها لنفسه بغير حق بقصد التربح من جهد غيره، مما يهدم الأساس الذي أقام عليه الحكم المطعون فيه قضاءه محل هذا الطعن.
……………………………………………………………………….
–ومن حيث إن مبنى الطعن رقم 6302 لسنة 51 ق. عليا على ذلك الحكم أن الحكم المطعون فيه قد صدر مخالفاً للقانون وأخطأ في تطبيقه وتفسيره وتأويله طبقاً لما ورد من أسباب مفصلة بتقرير الطعن، وتوجز في أن إدارة البحوث والنشر بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف يقتصر دورها على التحقق من صحة المادة الدينية الواردة في المصاحف التي توافق على تصاريح طبعها، أي سلامة الكلمات والحروف والتشكيل والتجويد، فلا تختص ولا تملك قانوناً تقرير حماية لأي حقوق ملكية فكرية؛ إذ إن ذلك من اختصاص الجهات القضائية أو الإدارية المحددة قانوناً على سبيل الحصر،وإذ خلت الأوراق من تقديم المطعون ضده ما يفيد تقرير أي من الجهات المختصة بوجود حق ملكية فكرية له في هذا المجال، وأنه صاحب الحق في استغلاله، فمن ثم فإن ما قام به الأزهر الشريف بإصدار الترخيص المطعون عليه فى ضوء عدم وجود ما يفيد وجود حقوق للمطعون ضده في هذا المجال يجعل قرار مجمع البحوث الإسلامية بالتصريح لدار (أ) لطباعة مصحف التهجد لا مطعن عليه.
……………………………………………………………………….
ومن حيث إن الطعن رقم 25612 لسنة 51 ق.عليا في الحكم الصادر في الدعوى رقم 21253 لسنة 59 ق بجلسة 19/7/2005 يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون، كما اعتل بالفساد في الاستدلال وشابه القصور في التسبيب، فضلا عن إهدار حق الدفاع للأسباب المحددة تفصيلا بتقرير الطعن، وتخلص في تجهيل الحكم الطعين بالتكييف الصحيح للدعوى مما أوقعه في التناقض والتهاتر في الأسباب واستتبع فساد النتيجة التي انتهى إليها، بدعوى أن الثابت من مطالعة مدونات الحكم المطعون فيه أنه لم يحسم ماهية تكييف طلبات المدعي (المطعون ضده الأول) فيها، فهل هي دعوى بطلب إلغاء القرار الإداري السلبي بالامتناع عن تنفيذ الحكم القضائي فتخضع لأحكام دعوى الإلغاء، أم هي إشكال في تنفيذ الحكم؟ وقد ترتب على غيبة التكييف الصحيح لطلبات المدعي في تلك الدعوى خطأ الحكم في تطبيق القانون، فإذا صح أن طلب المدعي فيها هو إلغاء القرار الإداري السلبي بالامتناع عن تنفيذ الحكم فإن الدعوى تكون غير مقبولة لانتفاء القرار الإداري من ناحية ولعدم إقران المدعي طلبه وقف تنفيذ القرار المطعون فيه بطلب إلغاء ذلك القرار طبقاً لصريح حكم المادة 49 من قانون تنظيم مجلس الدولة، وإذا كانت الدعوى هي إشكال إيجابي في تنفيذ الحكم المشار إليه فإن ذلك يثير تحديد المحكمة المختصة بنظر هذا الإشكال، وهي محكمة أول درجة في درجات سلم محاكم مجلس الدولة وليس محكمة القضاء الإداري التي أصدرت الحكم؛ نزولا على صريح حكم المادة 274 من قانون المرافعات، فضلاً عن مخالفة الحكم المطعون فيه بتصديه للقضاء في إشكال خارج عن اختصاص المحكمة، كما أخطأ الحكم المطعون فيه في تطبيق القانون بعدم اعتباره الإشكال الأول في تنفيذ ذلك الحكم الذي أقامه الطاعنان برقم 837 لسنة 52ق أمام المحكمة الإدارية لوزارة الصحة أو ملحقاتها على أساس أنه مقام أمام محكمة غير مختصة.
……………………………………………………………………….
-ومن حيث إن مقطع النزاع في الطعنين رقمي 5738 و 6302 لسنة 51ق. عليا الماثلين يدور حول بيان ما إذا كان اختصاص إدارة البحوث والنشر بالأزهر الشريف يقتصر على مراجعة المصحف الشريف والتصريح بطبعه وتداوله فقط، أم تلتزم بمراعاة حقوق الأفراد المتعلقة بالابتكار والاختراع حول القرآن الكريم المشمولة بالحماية القانونية طبقاً لأحكام القانون رقم 82 لسنة 2002 بإصدار قانون حماية حقوق الملكية الفكرية.
ومن حيث إن المشرع أصدر القانون رقم 102 لسنة 1985 بشأن تنظيم طبع المصحف الشريف والأحاديث النبوية ناصاً في مادته الأولى على أن: “يختص مجمع البحوث الإسلامية دون غيره بالإشراف على طبع ونشر وتوزيع وعرض وتداول المصحف الشريف وتسجيله للتداول والأحاديث النبوية وفقاً لما تقرره اللائحة التنفيذية للقانون رقم 103 لسنة 1961بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها.
ويختص الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية أو من ينوب عنه بالترخيص لدور الطبع والنشر وللأفراد والشركات والمؤسسات وغيرها بطبع ونشر وتوزيع وعرض وتداول والتسجيل للتداول لكل ما تقدم أو بعضه وفقاً للقواعد والشروط التي يصدر بها قرار من شيخ الأزهر، ويستثنى من شرط الحصول على الترخيص المشار إليه ما تقوم به وزارة الأوقاف من طبع ونشر وتسجيل وتوزيع وتداول المصحف الشريف والأحاديث النبوية، ويتولى وزير الأوقاف أو من ينيبه إصدار الترخيص”.
وتنص المادة الثانية من ذات القانون على أن: “يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه كل من قام بطبع أو نشر أو توزيع أو عرض أو تداول المطبوعات أو تداول التسجيلات المشار إليها في المادة السابقة بدون ترخيص أو بالمخالفة لشروطه، ولو تم الطبع والتسجيل في الخارج…. ويكون للعاملين المتخصصين بإدارات مجمع البحوث الإسلامية الذين يصدر بتحديدهم قرار من وزير العدل بالاتفاق مع شيخ الأزهر صفة مأمورى الضبط القضائي فيما يتعلق بتطبيق أحكام هذا القانون”.
كما تنص المادة الثالثة من القانون سالف الذكر على أن: “يلغى كل حكم يخالف أحكام هذا القانون”.
ومن حيث إنه بالرجوع لأحكام اللائحة التنفيذية للقانون رقم 103 لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها الصادرة بالقرار الجمهورى رقم 250 لسنة 1975 يبين أن المادة (38) من هذه اللائحة تنص على أن: “إدارة الثقافة والبعوث الإسلامية هي الجهاز الفني لمجمع البحوث الإسلامية ومديرها هو أمين عام المجمع….”.
وتنص المادة (39) من ذات اللائحة على أن: “تباشر إدارة الثقافة والبعوث الإسلامية اختصاصاتها عن طريق الإدارات الآتية:
(1) إدارة البحوث والنشر.
(2) إدارة البعوث الإسلامية.
(3) إدارة الدعوة والإرشاد”.
وتنص المادة (40) من اللائحة المشار إليها على أن: “تتولى إدارة البحوث والنشر على وجه خاص ما يأتي:
(1) مراجعة المصحف الشريف والتصريح بطبعه وتداوله.
(2)….”.
ومن حيث إن المشرع أصدر القانون رقم 82 لسنة 2002 بإصدار قانون حماية حقوق الملكية الفكرية، الذي تخاطب أحكامه فقط الحقوق التي ترد على أشياء غير مادية، ونطاق هذه الحقوق يشمل طائفتين أو نوعين: الأولى حقوق ناشئة عن الملكية الصناعية، والأخرى ناشئة عن الملكية الأدبية والفنية، وكفل المشرع حماية مدنية وجنائية لهذه الحقوق جميعا، وأفرد المشرع الكتاب الثالث من القانون المشار إليه لبيان الأحكام المتعلقة بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة وذلك في المواد من 138 حتى 188، وقد نصت المادة 138 منه على أنه: “في تطبيق أحكام هذا القانون يكون للمصطلحات التالية المعنى الوارد قرين كل منها:
1ـ المصنف: كل عمل مبتكر أدبي أو فني أو علمي أيا كان نوعه أو طريقة التعبير عنه أو أهميته أو الغرض من تصنيفه.
2ـ الابتكار: الطابع الإبداعي الذي يسبغ الأصالة على المصنف.
3ـ المؤلف: الشخص الذي يبتكر المصنف، ويعد مؤلفا للمصنف من يذكر اسمه عليه أو ينسب إليه عند نشره باعتباره مؤلفا له ما لم يقم الدليل على غير ذلك. ……
6ـ المصنف المشتق: المصنف الذي يستمد أصله من مصنف سابق الوجود كالترجمات والتوزيعات الموسيقية وتجميعات المصنفات، بما في ذلك قواعد البيانات المقروءة سواء من الحاسب أو من غيره ومجموعات التعبير الفلكوري ما دامت مبتكرة من حيث ترتيب أو اختيار محتوياتها. …..
10ـ النشر: أي عمل من شأنه إتاحة المصنف أو …. للجمهور أو بأي طريقة من الطرق. وتكون إتاحة المصنف للجمهور بموافقة المؤلف أو مالك حقوقه…”.
وتنص المادة (140) منه على أن: “تتمتع بحماية هذا القانون حقوق المؤلفين على مصنفاتهم الأدبية والفنية وبوجه خاص المصنفات الآتية:
(1) الكتب والكتيبات والمقالات والنشرات وغيرها من المصنفات المكتوبة. ….
(13) المصنفات المشتقة، وذلك دون الإخلال بالحماية المقررة للمصنفات التي اشتقت منها. وتشمل الحماية عنوان المصنف إذا كان مبتكرا”.
وأخيرا تنص المادة 141 منه على أنه: “لا تشمل الحماية مجرد الأفكار والإجراءات وأساليب العمل وطرق التشغيل والمفاهيم والمبادئ والاكتشافات والبيانات، ولو كان معبرا عنها أو موصوفة أو موضحة أو مدرجة في مصنف.
وكذلك لا تشمل ما يلي:
أولا– الوثائق الرسمية أيا كانت لغتها الأصلية أو اللغة المنقولة منها مثل نصوص القوانين…
ثانيا– أخبار الحوادث والوقائع الجارية التي تكون مجرد أخبار صحفية. ومع ذلك تتمتع مجموعات ما تقدم بالحماية إذا تميز جمعها بالابتكار في الترتيب والعرض أو بأي مجهود شخصي جدير بالحماية”.
-ومن حيث إن مقطع النزاع في الطعنين رقمي 5738 و 6302 لسنة 51ق. عليا الماثلين ينحصر في بيان ما إذا كان دور إدارة البحوث والنشر بالأزهر الشريف يقتصر على مراجعة المصحف الشريف والتصريح بطبعه وتداوله، أم يمتد إلى مراعاة أحكام القانون رقم 82 لسنة 2002 بإصدار قانون حماية حقوق الملكية الفكرية بشأن حماية حق الابتكار أو الإبداع حول كتاب الله عند إصدار التصريح بطبعه وتداوله، وكذا بيان ما إذا كانت حقوق الأفراد المتعلقة بأفكارهم المبتكرة وإبداعاتهم حول القرآن الكريم من الحقوق التي يتمتع بها صاحب حق المؤلف طبقاً لأحكام القانون رقم 82 لسنة 2002 سالف الذكر أم لا.
-وحيث إن القرآن الكريم هو كلام الله جل شأنه المعجز المنزل على قلب رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة رسول الوحي جبريل عليه السلام بلغة العرب في المصاحف، المنقول بالتواتر، المتعبد بتلاوته.
ومن المقرر أن من ثوابت التاريخ الإسلامي أن رحلة نزول القرآن الكريم من السماء إلى الأرض استغرقت 23 سنة، نزل فيها القرآن مُنجَّما، أي مفرقاً حسب الوقائع ومستجدات أحوال الناس، ولقد حفظ الله كتابه العزيز، إذ يقول: “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون” (سورة الحِجر: آية 9)، ومن أسرار هذا الحفظ أن القرآن الكريم حظى بعناية المسلمين خلفا عن سلف، ليظل وديعة الله الخالدة لهداية البشرية ورشدها، وقد حفظته صدور السلف منذ نزول آياته قبل تدوينه كتابة بالسطور، وما زالت تحفظه صدور الخلف، وذلك سواء كانوا من العرب أو العجم، ومن مختلف الأعمار حيث برز أطفال من العرب والعجم يحفظون القرآن الكريم كاملا عن ظهر قلب وبلسان عربي مبين كما أنزله الله سبحانه وتعالى على رسوله، وقد عجز العرب أرباب البلاغة والفصاحة عن محاكاة القرآن الكريم رغم أنه نزل بلغتهم، وظل المسلمون منذ بزوغ نور النبوة يحملون للقرآن الكريم كل إجلال وتقديس ومهابة، ويحفظون للسنة النبوية المطهرة مكانة عظمى؛ باعتبارهما المصدرين الأساسين للشريعة الإسلامية، وهذه العناية كانت تلازم دائما التطور العلمي للبشرية، وثمراته تطبق في حفظ الكتاب والسنة، ومن ثم فإن العناية بهما والحفاظ عليهما أمر لازم؛ لكونهما سياجا للدين الإسلامي وحفظا له، ولكونهما المصدرين الأساسين لهداية أتباعه، ونصوصهما تشكل الدستور الدائم لأحكام هذا الدين الحنيف، لذا تعتبر في الذروة من المصالح العليا للبلاد، وتسمو على قواعد النظام العام، وتتبوأ مكان الصدارة منها؛ بحسبان أن الدين الإسلامي هو الدين الرسمي للدولة، ونزولا على مقتضى ذلك نص المشرع الدستوري في المادة الثانية من دستور جمهورية مصر العربية الدائم على أن: “الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع”.
وفي هذا الإطار أصدر المشرع القانون رقم 103 لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها ناصا في مادته الثانية على أن: “الأزهر هو الهيئة العلمية الإسلامية الكبرى التي تقوم على حفظ التراث الإسلامي ودراسته وتجليته ونشره، وتحمل أمانة الرسالة الإسلامية إلى كل الشعوب، وتعمل على إظهار حقيقة الإسلام وأثره في تقدم البشر ورقي الحضارة…”.
ومفاد هذا النص أن المشرع أسند للأزهر الشريف في كل تنظيم له ولاية حفظ الشريعة الغراء وفهم علومها ونشرها، ومهمة حفظ التراث ونشره، وحمل أمانة الرسالة الإسلامية إلى الشعوب كلها، مع إظهار حقيقة الإسلام وأثره.
ومن حيث إنه يبين من مطالعة اللائحة التنفيذية للقانون رقم 103 لسنة 1961 سالفة الذكر أنها تضمنت واجبات هيئات الأزهر، ومن بينها مجمع البحوث الإسلامية ولجانه، وإدارة الثقافة والبعوث الإسلامية والإدارات الفرعية التي تتكون منها، ومن بينها إدارة البحوث والنشر والتي أوكل إليها مهمة مراجعة المصحف الشريف والتصريح بطبعه وتداوله طبقاً لنص المادة 40 منها.
ثم أصدر المشرع القانون رقم 102 لسنة 1985 بشأن تنظيم طبع المصحف الشريف والأحاديث النبوية، وخص في المادة الأولى منه مجمع البحوث الإسلامية ممثلا في إدارة البحوث والنشر دون غيره بالإشراف على طبع المصحف الشريف ونشره وتوزيعه وعرضه وتداوله وتسجيله للتداول وكذا الأحاديث النبوية، وخص الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية أو من ينوب عنه بأي من ذلك كله أو بعضه على وَفق القواعد والشروط التي يصدر بها قرار عن شيخ الأزهر، وأتاح منح صفة الضبطية القضائية للعاملين المختصين بتطبيق أحكام هذا القانون، وفرض عقوبات جنائية على المخالفين لأحكامه، وكل ذلك يوكل للأزهر الشريف بهيئة إدارة البحوث والنشر والأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية ولاية إصدار القرار بالترخيص في خصوص أحكام هذا القانون، وبالنظر للقرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة كلها أو بعضها.
ومن حيث إنه يخلص من كل ما تقدم أن المشرع أناط بإدارة البحوث والنشر وحدها دون غيرها من هيئات الأزهر الشريف مهمة مراجعة المصحف الشريف والتصريح بطبعه وتداوله، فصارت هي الجهة الوحيدة المسئولة عن سلامة طباعة المصحف الشريف ـ كله أو بعضه ـ من الأخطاء حتى يظل القرآن الكريم مصوناً كما وصل إلينا بالتواتر كما أنزله الله سبحانه وتعالى، دون أن يصيبه تحريف أو تبديل أو تعديل بالزيادة أو النقصان، ومن ثم فإن هذه الأمانة جليلة ودقيقة، وتباشَر بشروط خاصة وصارمة، وتتطلب الدقة الشديدة والتيقظ التام في مباشرتها، ليس فقط لكل كلمة بل لكل حرف وكل علامة أو نقطة، وعلى ذلك تقوم لجنة مراجعة المصحف الشريف بالتأكد من مطابقته للرسم العثماني وسلامة ترتيب سوره وأجزائه الثلاثين وأحزابه الستين وأرباعها، وبصفة عامة تتم مراجعتها على وَفق أصول علم الضبط والرسم والقراءات والتفسير، على أن تكون هذه المراجعة قبل الطبع وبعد الطبع بالتزام الضوابط الواجبة حتى تصل مراجعة المصحف إلى سلامته من الأخطاء لحد اليقين.
ومن حيث إنه ترتيبا على ما تقدم فإنه يجب على كل من يرغب في طبع مصحف ـ سواء بشكله التقليدي أو بأحد الأشكال التي استحدثها التقدم العلمي إلكترونيا ـ سواء كان مصحفا محمولا إلكترونيا، أو في صورة مصحف برايل المكتوب بطريقة برايل للمكفوفين، وكذلك مصحف الإشارة المكتوب بلغة الإشارة والمترجم عبر الإنترنت بلغة الإشارة للصم والبكم–الحصول على موافقة الجهة المذكورة بالطبع والتداول تنفيذا لأحكام القانون رقم 102 لسنة 1985 المشار إليه؛ لضمان خلوه من الأخطاء، وحتى لا تكون هناك فوضى في نشر المصحف الشريف.
ومن حيث إنه يبين بجلاء مما تقدم أن نطاق المهمة المنوطة بإدارة البحوث والنشر يقتصر على العمل الفني في المراجعة فقط طبقا لما سلف بيانه، ولا شأن لها بتطبيق أي قانون آخر، حيث لم يلزمها المشرع بمراعاة حكم أي قانون آخر، حيث خلت ديباجة القانون رقم 102 لسنة 1985 من الإشارة إلى أي قانون، كما نصت المادة الثالثة من القانون المذكور على إلغاء كل حكم يخالف أحكامه، وقد أحال ذلك القانون في تطبيق أحكامه إلى أحكام اللائحة التنفيذية للقانون رقم 103 لسنة 1961 فصارت جزءاً من أحكامه وحازت قوة نفاذ تصل إلى ذات مرتبة القانون بموجب الإحالة الصريحة الحاصلة في هذا الشأن، ومن ثم يكون قرار الإدارة المذكورة بشأن طلب إصدار ترخيص بطبع مصحف وتداوله، الذي تصدره بمقتضى ولايتها المستمدة من أحكام القانون رقم 102 لسنة 1985 ملزما؛ لكونها الجهة صاحبة الرأي الملزم الذي يصدر القرار بناء على تقديرها.
-ومن حيث إنه يبين من مطالعة نصوص القانون رقم 82 لسنة 2002 سالف الذكر أنها قد تضمنت الحماية التشريعية لحقوق المؤلف على المصنفات المحمية والحقوق المحمية والجزاءات، وأن نطاق تطبيق الحماية القانونية قاصر على المصنفات التي هي من نتاج العقل البشري، حيث يحمي القانون المشار إليه جميع إنتاجات العقل البشري أيا كان نوعها، سواء كانت كتابية أو تصويرية أو نحتية أو خطية أو شفهية، أيا ما كانت أهميتها أو شكلها أو الغرض منها، والمعيار الوحيد الذي اشترطه المشرع لتقرير تلك الحماية هو الابتكار، بأن يكون للمصنف طابع ابتكاري حتى يحميه القانون، ومن ثم تقتصر تلك الحماية على حماية مؤلفي المصنفات المبتكرة التي تعد ثمرات للإبداع الذهني، سواء كانت تتعلق بالمصنفات مطلقة الابتكار بأن تكون نتاجا فكريا بشريا من نوع جديد ومبتكر، أو من قبيل المصنفات نسبية الابتكار وهي المصنفات المشتقة من مصنفات سابقة، فهي تتمتع أيضا بالحماية بحق المؤلف.
ولحق المؤلف على مصنفه مظهران: مظهر أدبي وآخر مادي، والمظهر الأدبي يتمثل في الحقوق المعنوية التي تستهدف حماية المصالح الأدبية للمؤلف، والمظهر المادي يتمثل في الحقوق المادية التي تخول المؤلف وحده الحق في استغلال العمل ماديا، والمظهر القانوني لذلك يتمثل في الاحتكار، حيث يسمح هذا المظهر للمؤلف بالتمتع باحتكار استغلال مصنفه، وله في سبيل ذلك الحق الحصري في إجازة أو منع نقل مصنفه للجمهور بالنسخ أو بأية وسيلة أخرى.
ومن حيث إنه على هدي ما تقدم فإنه لا وجه لما ذهب إليه المطعون ضده من أن إدارة البحوث والمراجعة بالأزهر أصدرت تصريحا بطبع وتداول مصحف دار (أ) رغم أن هذا المصحف قام على ذات الفكرة التي قام عليها مصحف دار (ب) الذي انفرد بكتابة كل ربعين (نصف الحزب) من القرآن الكريم في صفحتين متقابلتين، والذي يعتبر من قبيل الإبداع والابتكار الذي يحميه القانون رقم 82 لسنة 2002 سالف الذكر، وسايرها في ذلك الحكم المطعون فيه؛ لأن القرآن الكريم هو نور الله وكلامه المبين، فهو يعلو على نطاق القانون رقم 82 لسنة 2002 المذكور سلفا، ولا وجه للتقول بأن المصنفات المشتقة من القرآن الكريم تخضع لأحكام القانون المذكور؛ لأنها ليست مشتقة من مصنف يعد من صنيعة البشر، فضلا عن أن المقاصد التي أنزل من أجلها القرآن الكريم أن يكون هداية عامة، وقد شملت الإنس والجن في كل زمان ومكان إلى يوم القيامة، فهذا الكتاب المقدس هداية للإنسانية جميعها، وتدل على ذلك العديد من آيات القرآن الكريم ومنها قوله تعالى: {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا} سورة الأعراف ـ الآية 158، كما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بنشر هذا القرآن وتبليغ دعوته إلى العرب والعجم، ففي الحديث الشريف: “بلغوا عن الله، فمن بلغته آية من كتاب الله، فقد بلغه أمر الله”.
ومن حيث إنه ترتيبا على ما تقدم فإن حماية أية فكرة مبتكرة مشتقة من القرآن الكريم ذاته وتقرير حق المؤلف تحول دون نشر المصحف؛ لاحتكار المؤلف حق تقرير النشر.
ومن حيث إن حفظ القرآن الكريم واجب على عموم الأمة، ومن دلائل حفظ القرآن أن الله عز وجل فرض على جميع المسلمين حفظه، كما فرض عليها من يعلم القرآن ويتعلمه، فإن لم تفعل الأمة ذلك أثمت جميعا، فإذا حفظ البعض القرآن الكريم سقط الإثم عن البعض الآخر، فقد أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: {تعلموا كتاب الله واقتنوه وتعاهدوه وتغنوا به..}.
فضلا عن أنه باستقراء ثوابت تاريخ المصحف الشريف منذ عصر النبوة وعبر العصور المتتالية يبين أن المسلمين قد بذلوا الجهد الفائق والغالي والنفيس في العناية بالقرآن الكريم في ذاته، كما ألفوا مؤلفات شتى لخدمة القرآن الكريم عُرفت بعلوم القرآن، وليس هنا مجال سرد إبداعاتهم وابتكاراتهم في هذا الشأن، وكانوا يعتبرون ما يقومون به من الأعمال الواجبة عليهم التي يغلب عليها الطابع التعبدي من باب (مَن سَنَّ سنة حسنة) استنادا إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:”من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شئ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غيرأن ينقص من أوزارهم شئ” (رواه مسلم).
ومن حيث إنه بالبناء على ما تقدم فإن قرار الجهة الإدارية الطاعنة مثار النزاع الماثل بالتصريح لدار (أ) بطباعة وتداول المصحف الذي يقوم على فكرة كتابة كل ربعين في صفحتين متقابلتين صادف الصواب من الناحية الفنية الدينية، فضلاً عن أنه لا يشكل أية مخالفة قانونية حيث لا يوجد نص قانوني يحول دون إصدار تصريح بطبع وتداول مصحف أثبتت مراجعته من قبل الجهة الإدارية المختصة سلامته من الأخطاء والتحريف طبقا لما سلف بيانه نزولاً على مقتضى المقاصد التي أنزل من أجلها المصحف الشريف.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد قضى بغير هذا النظر فإنه يكون متعين الإلغاء والقضاء مجدداً برفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده المصروفات باعتباره قد خسر الطعن عملاً بحكم المادة 184 مرافعات.
-ومن حيث إنه بالنسبة للطعن رقم 25612 لسنة 51ق. عليا فإنه لما كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه طبقا لحكم المادة 12 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 التي تنص على أنه: “لا تقبل الطلبات المقدمة من أشخاص ليست لهم فيها مصلحة شخصية” فإن شرط المصلحة يتعين توافره ابتداء من تاريخ رفع الدعوى، كما يتعين استمراره حتى يقضى فيها نهائيا، ولما كان الطعن هو استمرار لإجراءات الخصومة في الدعوى فإنه يتعين استمرار هذه المصلحة حتى يتم الحكم في الطعن.
ومن حيث إنه متى ثبت أن هذه المحكمة قضت بمقتضى هذا الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه الصادر في الدعوى رقم 23285 لسنة 56ق. بجلسة 21/12/2004 موضوع الطعن الماثل، ومن ثم تضحى مصلحة الطاعنين في الطعن على الحكم المطعون فيه منتفية، بما يتعين معه الحكم بعدم قبول هذا الطعن لانتفاء شرط المصلحة مع إلزام الطاعنين المصروفات طبقاً لحكم المادة 184 مرافعات.
حكمت المحكمة:
(أولا) بقبول الطعنين رقمي 5738و 6302 لسنة 51 ق عليا شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا برفض الدعوى، وألزمت المطعون ضده الأول المصروفات عن درجتي التقاضي.
(ثانيا) بعدم قبول الطعن رقم 25612 لسنة 51 ق. عليا لزوال شرط المصلحة، وألزمت الطاعنين المصروفات.