جلسة 23 من ديسمبر سنة 2008
(الدائرة الثالثة)
الطعن رقم 12757 لسنة 48 القضائية عليا.
انقضاؤها بالصلح- أحكامه وآثاره.
المواد 549 و 552 و 553 من القانون المدنى.
الصلح عقد يحسم به الطرفان نزاعا قائما أو يتوقيان به نزاعا محتملا، وذلك بأن ينزل كل منهما على وجه التقابل عن جزء من ادعائه– إذا تحققت هذه المقومات وقام العقد على أركانه القانونية وهى التراضى والمحل والسبب، انعقد الصلح باعتباره من عقود التراضى– إذا كان القانون المدنى قد قضى بأن الصلح لا يثبت إلا بالكتابة أو بمحضر رسمى، فإن هذه الكتابة لازمة للإثبات لا للانعقاد، ومن ثم لا يجوز إثباته بالبينة أو بالقرائن– حسم النزاع صلحا يترتب عليه انقضاء الحقوق والادعاءات التى نزل عنها أي من المتعاقدين نزولا نهائيا، ومن ثم لا يجوز لأي من طرفى الصلح المضى في دعواه أو إثارة النزاع بمحاولة نقض الصلح أو الرجوع فيه– تطبيق.
في يوم الاثنين الموافق 19/8/2002 أودع وكيل الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 12757 لسنة 48 ق. عليا في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية – الدائرة الثالثة – بجلسة 22/6/2002 في الدعوى رقم 2453 لسنة 53 ق القاضي بعدم قبول الدعوى وإلزام المدعي المصروفات.
وطلب الطاعن -للأسباب الواردة بتقرير الطعن– الحكم بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم له بالطلبات الواردة بصحيفة الدعوى.
وتم إعلان الطعن على النحو المبين بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن المصروفات.
وعينت لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 2/9/2007 وتدوول أمامها على النحو الثابت بمحاضر الجلسات وبجلسة 19/3/2008 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا – الدائرة الثالثة موضوع – لنظره بجلسة 3/6/2008 حيث نظر بهذه الجلسة والجلسات التالية لها، وبجلسة 11/11/2008 قرر الحاضر عن الطاعن أنه يطعن على محضر الصلح لأنه وليد إكراه. وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، والمداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص في أنه بتاريخ 14/3/1999 أقام المدعي (الطاعن) الدعوى رقم 2453 لسنة 53 ق أمام محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية بطلب الحكم بإلزام وزير الصناعة والثروة المعدنية ورئيس مصلحة الكفاية الإنتاجية بأن يؤديا له مبلغا مقداره عشرون مليون جنيه تعويضا عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقت به من جراء إنهاء بروتوكول التعاون المبرم بينهما بتاريخ 21/5/1997 وما يترتب على ذلك من آثار وإلزامهما المصروفات.
وقال المدعي شرحا للدعوى إنه بتاريخ 21/5/1997 تم الاتفاق بينه وبين المدعى عليه الثاني (رئيس مصلحة الكفاية الإنتاجية) بعد موافقة المدعى عليه الأول (وزير الصناعة) على إبرام بروتوكول للتعاون يتضمن تأجير واستغلال مركز التكنولوجيا المتطورة التابع لمصلحة الكفاية الإنتاجية والتدريب المهني بوزارة الصناعة بالإسكندرية وذلك بقبول عدد من حملة الثانوية العامة ويتم التدريب على مهن الحاسب الآلى والإلكترونيات والراديو والتليفزيون لمدة سنتين يُمنح بعدها دبلوم فني فوق المتوسط معتمد من المصلحة، وقد اتفق الطرفان على التزامات متبادلة فور إبرام العقود، وقد شرع المدعي في تنفيذ التزاماته وقام بتجهيز وإعداد المبنى من أجهزة حاسبات آلية ومحطات راديو وتليفزيون وغير ذلك، فضلا عن إنفاق مبالغ كبيرة في الدعاية والإعلان، وتقدم للمعهد عدد كبير من الطلاب وقاموا بسداد الرسوم وتم توريد مبالغ منها للجهة الإدارية وفقا للاتفاق المبرم بينهما، وبعد كل ذلك أصدر المدعى عليه الأول القرار رقم 189 لسنة 1997 بغلق مركز التدريب المهني موضوع الاتفاق. وقد ترتب على هذا القرار إلحاق خسائر مادية وأدبية بالمدعي، وتم اعتقاله هو وزوجته، وقد أقام المدعي الدعوى رقم 6993 لسنة 51 ق أمام محكمة القضاء الإداري طعنا على هذا القرار، وقضت المحكمة بوقف تنفيذ هذا القرار، ثم أقامت الجهة الإدارية إشكالا في تنفيذ هذا الحكم قضى برفضه. وقد رفض المدعى عليه الأول تنفيذ هذا الحكم مما ترتب عليه ضياع عامين دراسيين على المدعي، الأمر الذي ألحق الضرر به، وخلص إلى طلب الحكم له بالطلبات سالفة البيان.
وبجلسة 22/6/2002 أصدرت المحكمة الحكم المطعون فيه وأقامته على أن الثابت من الأوراق أن المدعي أقام الدعوى رقم 6993 لسنة 51 ق أمام محكمة القضاء الإداري طالبا إلغاء القرار رقم 189 لسنة 1997 الصادر عن وزير الصناعة فيما تضمنه من غلق مراكز التدريب المهني التابعة المشار إليها في الأوراق، وبجلسة 23/10/1997 قضت هذه المحكمة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وبتاريخ 24/12/1997 عقد اتفاق صلح بين الجهة الإدارية ممثلة في مصلحة الكفاية الإنتاجية والتدريب المهني وبين المدعي بصفته صاحب ومدير معهد … للدراسات بموجبه تنازل المدعي عن الحكم الصادر في الدعوى رقم 6993 لسنة 51 ق المشار إليه وكافة الحقوق المترتبة عليه، وكذا تنازله عن طلب أي تعويض مستقبلا، كما تضمن الاتفاق تنازله بصورة تامة ونهائية عن جميع الدعاوى والأحكام المبينة في الاتفاق بما تتضمنها من حقوق لأي من الطرفين وهذا التنازل لا رجعة فيه، كما تعهد كل طرف بالإقرار بهذا التنازل أمام كافة الجهات الرسمية والجلسات المحددة لنظر الدعاوى أو النطق بالحكم على النحو الموضح تفصيلا ببنود الاتفاق. وإذ كان الثابت على النحو المتقدم أن المدعي قد تنازل عن الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري في الشق المستعجل في الدعوى رقم 6993 لسنة 51 ق، وأنه يطلب إلزام الإدارة بالتعويض عن الأضرار التي لحقته من جراء صدور القرار محل الدعوى المشار إليها والتي تنازل عن الحكم الصادر فيها، ولما كان الصلح أو التنازل عن الحكم يجعل موضوع الدعوى الماثلة غير ذي موضوع من البداية باعتبارها أصبحت مفتقرة لركن الخصومة من الأصل، مما يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى.
ومن حيث إن مبنى الطعن مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع ذلك أن الحكم المطعون فيه قد بني على أساس عقد الصلح المبرم بين الطاعن والمطعون ضدهما والمؤرخ في 24/12/1997 رغم أن الحاضر عن الطاعن جحد عقد الصلح المشار إليه بمحضر الجلسة المؤرخ في 4/5/2002. هذا فضلا عن أن الحاضر عن الطاعن قرر أثناء نظر الدعوى أن محضر الصلح المؤرخ 24/12/1997 المقدم من المطعون ضده وُقِّع تحت إكراه مادي ومعنوي، ومع ذلك لم يرد الحكم المطعون فيه على هذا الدفع ولم يأخذ به.
ومن حيث إن الطاعن قد أقام الدعوى رقم 2453 لسنة 53 ق بهدف الحكم له بالتعويض عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقت به من جراء إنهاء بروتوكول التعاون المبرم بينه وبين الجهة الإدارية بتاريخ 21/5/1997، وكذا التعويض عن الأضرار التي لحقت به من عدم تنفيذ الحكم الصادر في الدعوى رقم 4993 لسنة 51 ق بوقف تنفيذ هذا القرار بجلسة 23/10/1997 منذ صدوره وحتى تاريخ إقامة هذه الدعوى.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة جرى على أن المنازعة خصومة قضائية مناطها قيام النزاع الذي هو جوهرها واستمراره بين طرفيها، فإن هي رفعت مفتقرة إلى هذا الركن كانت من الأصل غير مقبولة، وإن هي رفعت متوافرة عليه ثم افتقرته خلال نظرها أصبحت غير ذات موضوع ووجب القضاء باعتبارها منتهية، ولا شك أن المنازعة قائمة في الدعوى الماثلة، فيما لو أخذ بوجهة النظر التي أبداها المدعي في دفاعه بجلسة 4/5/1997 والذي جحد فيها الاتفاق الذي تم بين الطرفين بتاريخ 24/12/1997 وأنه وقع هذا الاتفاق تحت إكراه، ومتى كان مقتضى دفاع الطاعن سالف البيان أنه يجادل في صحة الاتفاق المؤرخ 24/12/1997، ومن ثم تكون المنازعة المعروضة على المحكمة والمتعلقة بطلب التعويض عن القرار المقضي بوقف تنفيذه ما زالت قائمة، وبالتالي تكون الدعوى قائمة لم تنتهِ ويتعين قبولها، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه إلى القضاء بعدم قبول الدعوى لانتهاء الخصومة صلحا قبل رفعها فإنه يكون قد صدر مخالفا للقانون، مما يتعين معه القضاء بإلغائه وبقبول الدعوى.
ومن حيث إن الدعوى مهيأة للفصل فيها فإن المحكمة تتصدى للفصل في موضوعها.
ومن حيث إن محصل ما ينعاه الطاعن من إكراه شاب رضاه عند توقيع الاتفاق المؤرخ 24/12/1979 والذي بموجبه تنازل عن الدعوى رقم 6993 لسنة 51 ق والحكم الصادر في الشق العاجل منها، ما قرره بعض معارف الطاعن من وجود الطاعن يوم 24/12/1997 بقسم شرطة المنتزه بمباحث أمن الدولة، ولما كانت أوراق الطعن ومستنداته قد خلت مما يفيد صحة ما ورد بهذا الإقرار، هذا فضلا عن أنه على فرض صحته، فإن الطاعن لم يقدم ما يفيد أنه تعرض لوسائل غير مشروعة بعثت في نفسه الرهبة الجدية التي ضغطت على إرادته فأفسدت رضاه، ومن ثم يكون ما يدعيه الطاعن من تعرضه لإكراه شاب رضاه جاء قولا مرسلا يعوزه الدليل، وبالتالي يكون الاتفاق الذي وقعه الطاعن بتاريخ 24/12/1997 مع الجهة الإدارية المطعون ضدها قد صدر عن إرادة صحيحة قدرت فاختارت التنازل عن الدعوى المشار إليها والحكم الصادر في الشق العاجل منها، وهو ما رأى فيه أنه يحقق له مزايا أفضل من الاستمرار في النزاع.
ومن حيث إن جوهر المنازعة ينحصر في بيان ما إذا كان تنازل الطاعن عن الدعوى رقم 6993 لسنة 51 ق أمام محكمة القضاء الإداري بموجب الاتفاق المؤرخ 24/12/1997 ينطوي على عقد صلح بين طرفي الدعوى لحسم النزاع يمتنع معه إثارة هذا النزاع من جديد أمام القضاء.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الصلح -وفقا لحكم المادة 549من القانون المدني- هو عقد يحسم به الطرفان نزاعا قائما أو يتوقيان به نزاعا محتملا، وذلك بأن ينزل كل منهما على وجه التقابل عن جزء من ادعائه، ومفهوم ذلك أن عقد الصلح تتوفر فيه مقوماته عندما تتجه إرادة طرفي النزاع إلى حسم النزاع بينهما إما بإنهائه إذا كان قائما، وإما بتوقيه إذا كان محتملا، وذلك بنزول كل من المتصالحين على وجه التقابل عن جزء من ادعائه، فإذا ما تحققت هذه المقومات وقام العقد على أركانه القانونية وهي التراضي والمحل والسبب انعقد الصلح باعتباره من عقود التراضي، وإذا كان القانون المدني قد نص في المادة 552 منه على أنه: “لا يثبت الصلح إلا بالكتابة أو بمحضر رسمي”، فهذه الكتابة لازمة للإثبات لا للانعقاد، وتبعا لذلك لا يجوز الإثبات بالبينة أو القرائن.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الطاعن أقام الدعوى رقم 6993 لسنة 1997 لسنة 51 ق أمام محكمة القضاء الإداري طلب فيها الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار رقم 189 لسنة 1997 الصادر عن وزير الصناعة بغلق مراكز التدريب المهني المشار إليها بصحيفة الدعوى، وبجلسة 23/10/1997 قضت هذه المحكمة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وبتاريخ 24/12/1997 تم توقيع اتفاق بين الجهة الإدارية ممثلة في مصلحة الكفاية الإنتاجية وبين الطاعن بصفته صاحب ومدير معهد … للدراسات، وقد نص هذا الاتفاق على إلغاء البروتوكول الموقع بين الطاعن والجهة الإدارية الصادر بشأنه القرار رقم 189 لسنة 1997 محل الدعوى المشار إليها، وتنازل الطرفان عن جميع الدعاوى المبينة بالتمهيد وكافة الدعاوى بين الطرفين والحقوق المدعى بها من قبل كل طرف مقابل الآخر، ولا يحق لأي منهما مطالبة الآخر بأي حقوق أو تعويضات تحت أي مسمى حاليا أو مستقبلا، وذلك نظير موافقة الجهة الإدارية على قيام الطاعن بممارسة نشاطه في ظل القوانين واللوائح والنظم المعمول بها في مصلحة الكفاية الإنتاجية والتدريب طبقا لأحكام هذا الاتفاق. ومؤدى ذلك انعقاد الصلح فعلا بين طرفي النزاع بعد تلاقي إرادتيهما على حسم النزاع وذلك بنزول كل من طرفي النزاع على وجه التقابل عن جزء من ادعائه، فتنازلت الجهة الإدارية عن تمسكها بقرار غلق مراكز التدريب الخاصة بالطاعن وسمحت له بممارسة نشاطه وفقا للقوانين واللوائح والنظم المعمول بها وأحكام الاتفاق المشار إليه، وتنازل الطاعن عن الدعوى رقم 6993 لسنة 51 ق وكافة الحقوق والتعويضات تحت أي مسمي حاليا ومستقبلا، ومن ثم يكون الاتفاق المؤرخ 24/12/1997 قد انطوي على عقد صلح بين الطاعن والجهة الإدارية وقد ثبت هذا الصلح كتابة طبقا لحكم القانون، وبذلك يكون عقد الصلح قد تحقق وجوده وتوفرت خصائصه وأركانه.
ومن حيث إن النزاع قد حسم صلحا على ما سلف بيانه فإنه يترتب عليه وفقا لحكم المادة 553 من القانون المدني انقضاء الحقوق والادعاءات التي نزل عنها أي من المتعاقدين نزولا نهائيا، ومن ثم لا يجوز لأي من طرفي الصلح أن يمضى في دعواه أو يثير النزاع بمحاولة نقض الصلح أو الرجوع فيه، وبناء عليه فإن الدعوى مثار الطعن الماثل وقد رفعت متجاهلة الصلح الذي سبق أن حسم موضوع الخصومة تكون جديرة بالرفض.
ومن حيث إن من خسر الطعن يلزم المصروفات عملا بحكم المادة 184 من قانون المرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبقبول الدعوى شكلا ورفضها موضوعاً، وألزمت الطاعن المصروفات.