جلسة 24 من مايو سنة 2009
(الدائرة السابعة)
الطعن رقم 14017 لسنة 49 القضائية عليا.
شئون الضباط– أحكام الترقية إلى رتبة لواء- السلطة التقديرية لجهة الإدارة وحدود الرقابة القضائية عليها.
تتمتع جهة الإدارة (وزارة الداخلية) بقدر واسع من الحرية فى اختيار من ترى فيهم الصلاحية لشغل الوظائف القيادية- مفهوم الصلاحية فى مقام اختيار القيادات العليا لا يقتصر على كفاية الضابط وقدراته الفنية وحسن أدائه لعمله، وإنما يتسع ليشمل مسلكه وانضباطه داخل العمل وخارجه، فما يأتيه من سلوك لابد وأن ينال من جدارته وأهليته وصلاحيته للوظائف العليا- السلطة التقديرية لجهة الإدارة مهما اتسع مدى التقدير فيها لا تستعصي على رقابة القضاء، خاصة إذا التحفت بغير رداء المصلحة العامة– تطبيق.
تخلص في أن تقرير الطعن الماثل قد أودع قلم كتاب المحكمة في يوم الأحد الموافق 17/8/2003 موقعاً من المستشار/… المستشار بهيئة قضايا الدولة، وطلب في ختامه الحكم بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا للقضاء بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداً برفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده المصروفات.
وقد أعلن تقرير الطعن على الوجه المبين بالأوراق.
وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات.
وقد نظر الطعن بجلسات المحكمة على الوجه المبين بمحاضرها، وبجلسة 15/2/2009 قررت المحكمة حجز الطعن للحكم بجلسة 17/5/2009 ومذكرات في أسبوعين، وفيها قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم، وقد صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد إتمام المداولة قانوناً.
ومن حيث إنه عن وقائع النزاع الماثل فإنها تخلص في أن الجهة الإدارية قد أصدرت القرار رقم 812 لسنة 2000 متضمنا إحالة المطعون ضده إلى المعاش برتبه لواء اعتباراً من 1/8/2000، وأقام المطعون ضده الدعوى رقم 17164 لسنة 54 ق للقضاء له بإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار، ونظرت الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري، وبجلسة 22/6/2003 قضت المحكمة المذكورة بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من إنهاء خدمة المدعي بالإحالة إلى المعاش اعتباراً من 1/8/2000 مع ما يترتب على ذلك من آثار، وشيدت المحكمة قضاءها على أن البين من مقارنة حالة المدعي والمستشهد بهم من زملائه حصوله على مؤهل علمي أعلى عام 1994 وفرق تدريبية، وجاءت تقاريره السرية في أغلبها بمرتبة ممتاز وحصل على ثلاث علاوات تشجيعية ولم يُحل إلى الاحتياط أو المحاكمة ويفضل بعض زملائه المشار إليهم بالحكم المطعون فيه.
وإذ لم يلق الحكم قبولا لدى الجهة الإدارية فقد أقامت الطعن الماثل طالبة الحكم بإلغاء الحكم والقضاء برفض الدعوى، مستندة إلى أن الحكم قد حل محل الجهة الإدارية فيما هو متروك لها من سلطة تقديرية في اختيار من تحملهم مسئولية الأمن، ويضحى من ثم مخالفا للقانون وهذا فضلاً عن أن المقارنة على فرض صحتها لا تكفي لحمل الجهة الإدارية على مد خدمة المطعون ضده.
ومن حيث إنه عن موضوع الطعن فإن المادة (19) من قانون هيئة الشرطة تنص على أن: “تكون الخدمة في رتبة عقيد لمدة سنتين يجوز مدها لمدة مماثلة مرة واحدة أو أكثر حتى حلول الدور في الترقية إلى رتبة عميد، وتكون الترقية إلى رتبة عميد بالاختيار، ومن لا يشمله الاختيار يحال إلى المعاش مع ترقيته إلى رتبة عميد، إلا إذا رأى المجلس الأعلى للشرطة لأسباب يقدرها عدم ترقيته وإحالته إلى المعاش… وتكون الترقية إلى رتبة لواء بالاختيار، ومن لم يشمله الاختيار يحال إلى المعاش مع ترقيته إلى رتبة لواء…”.
وتنص المادة (71) من القانون سالف الذكر على أن: “تنتهي خدمة الضابط لأحد الأسباب الآتية:
ومن حيث إن المستفاد مما تقدم أن المشرع تحقيقاً للتوازن بين حق جهة الإدارة (وزارة الداخلية) في اختيار كبار العاملين والمحافظة على حقوق الضباط الوظيفية نظم إحالة الضباط إلى المعاش تنظيماً مقتضاه إنهاء خدمة الضابط إذا أمضى في رتبة عقيد سنتين من تاريخ الترقية إليها أو أمضى سنة واحدة في أي من رتبتي عميد أو لواء من تاريخ الترقية إليها، وذلك ما لم تمد خدمته أو يُحَل إلى المعاش طبقاً لأحكام المادة (19) من قانون الشرطة، ولا خلاف على أن جهة الإدارة تتمتع بقدر واسع من الحرية في اختيار من ترى فيهم الصلاحية لشغل هذه الوظائف القيادية، وقد قضت المحكمة الإدارية العليا بأن مفهوم الصلاحية في مقام اختيارات القيادات العليا لا يقتصر على كفاية الضابط وقدراته الفنية وحسن أدائه لعمله وحدها، وإنما يتسع ليشمل مسلكه وانضباطه داخل العمل وخارجه، وأن ما يأتيه من سلوك لابد وأن ينال من جدارته وأهليته وصلاحيته للوظائف العليا، فمثل هذه المآخذ لابد وأن تؤخذ في الاعتبار عند الترقية بالاختيار (المحكمة الإدارية العليا الطعن رقم 348لسنة40ق بجلسة 29/10/1996).
ومن حيث إن الثابت من أوراق الطعن الماثل أن المطعون ضده قد تخرج في كلية الشرطة في 1/8/1973 وتدرج في الترقيات حتى درجة عميد، ثم صدر القرار رقم 812 لسنة2000 بترقيته إلى رتبة لواء مع الإحالة إلى المعاش اعتباراً من 1/8/2000، وقد حصل أثناء الخدمة على ليسانس آداب قسم اللغة الإنجليزية، كما حصل على دورات تدريبية ولم تسبق محاكمته أو إحالته للاحتياط، كما حصل على علاوات تشجيعية وحصل على واحد وعشرين تقرير كفاية بمرتبة ممتاز، وأنه يفضل زملاء له ومنهم اللواء … الذي لم يحصل على المؤهلات والفرق التدريبية التي حصل عليها المطعون ضده ـ كما أن اللواء/ … حاصل على جزاءات تدور بين الخصم والوقف، ومع ذلك لم يشملهما قرار الإحالة إلى المعاش، مما ينبئ عن وجود انحراف بالسلطة.
ولا يحاج على ذلك ما ورد بصحيفة الطعن خاصة من أن صدور القرار المطعون فيه تقدره الجهة الإدارية؛ وذلك بحسبان أن هناك فارقا بين سلطة الإدارة التقديرية وهي سلطة تقوم عليها باعتبارها القوامة على حسن سير المرفق، وبين فهم هذه السلطة على أنها سلطة مطلقة لا يحدها قيد أو اعتبار، أو أن رقابة القضاء تعد بمثابة تدخل في عمل جهة الإدارة أو حلول محلها في مباشرة نشاطها، فالسلطة التقديرية مهما اتسع مدى التقدير فيها لا تستعصي على رقابة القضاء، خاصة إذا التحفت بغير رداء المصلحة العامة الذي يسبر غوره والمحافظة على قيامه رقابة القضاء الإداري للمشروعية ابتداء وللمشروعية والملاءمة انتهاء.
ومن حيث إنه ولما كان الثابت من أوراق الطعن أن الجهة الإدارية لم تتغيا وجه المصلحة العامة حال صدور القرار المطعون فيه بمد خدمة بعض زملاء المطعون ضده رغم أن خبرتهم لا تنبئ بأفضليتهم عن الطاعن وهو ما يصم قرارها بعيب الانحراف بالسلطة، ويضحى طلب الجهة الطاعنة إلغاء الحكم المطعون فيه غير قائم على سند يبرره، ولا ينال من ذلك ما استندت إليه من سلطتها في الإحالة إلى المعاش بحسبان أن هذه السلطة لا تخرج عن رقابة القضاء ويجب دوماً في حال اتساعها أن تستهدف المصلحة العامة دون سواها.
ومن حيث إن من خسر الطعن يلزم بمصروفاته.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعاً وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.