جلسة 20 من يونيه سنة 2009
(الدائرة الثانية)
الطعن رقم 6843 لسنة 47 القضائية عليا.
تكليف الأطباء والصيادلة– إذا تم التكليف أصبح ملزماً للمكلف دون الاعتداد برضائه.
أجاز المشرع لوزير الصحة أن يكلف خريجي كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان للعمل بالحكومة لمدة سنتين قابلة للتجديد لمدة أخرى– يجب على المكلف القيام بأعمال وظيفته ويحظر عليه الامتناع عن القيام بالعمل، وذلك اعتباراً من تاريخ تسلمه العمل المكلف به– انقطاع المكلف عن العمل خلال هذه المدة أو عدم تسلمه العمل يشكل خروجاً منه على مقتضى الواجب الوظيفي، لأن ذلك يعد تحررا بإرادته عن أداء واجب التكليف بالمخالفة للقانون الصادر بناء عليه قرار التكليف، وبالتناقض مع الطبيعة القانونية للتكليف بالوظائف العامة، وعلى خلاف غايات المشرع من تقرير التكليف لبعض الوظائف– مؤدى ذلك: التكليف طريق استثنائي لشغل الوظائف فإذا ما تم شغل المكلف للوظيفة أصبح ملزماً بالقيام بأعبائها دون الاعتداد برضائه- تطبيق.
في يوم السبت الموافق 21/4/2001 أودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبة عن الطاعنين قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرا بالطعن في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية دائرة البحيرة في الدعوى رقم 203 لسنة 55 ق بجلسة 26/2/2001 القاضي بقبول الدعوى شكلا وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الإدارة المصروفات.
وطلب الطاعنون للأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلا وبوقف تنفيذ وإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم قبول دعوى المطعون ضدها لانتفاء المصلحة فيها وإلزامها المصروفات عن درجتي التقاضي.
وقد تم إعلان تقرير الطعن إلى المطعون ضدها على النحو المبين بالأوراق. وقدم مفوض الدولة تقريرا بالرأي القانوني ارتأى فيه الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وقد نظرت المحكمة الطعن بعد إحالته إليها من دائرة فحص الطعون على النحو المبين تفصيلا بمحاضر الجلسات وقررت إصدار الحكم في الطعن بجلسة اليوم وقد صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى سائر أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن واقعات النزاع في الطعن تخلص حسبما يبين من الاطلاع على الأوراق في أن المطعون ضدها أقامت الدعوى رقم 203 لسنة 55 ق أمام محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية دائرة البحيرة بأن أودعت بتاريخ 9/10/2000 قلم كتاب المحكمة المذكورة عريضة دعواها، طالبة الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن إلغاء تكليفها بالقرار رقم (2) لسنة 2000 وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام جهة الإدارة المصروفات. وقالت شرحا لدعواها إنها حاصلة على بكالوريوس طب وجراحة الأسنان من كلية طب الأسنان جامعة الإسكندرية عام 1998، وأمضت فترة الامتياز المطلوبة بنجاح وسافرت مع زوجها إلى دولة الإمارات العربية التي يعمل بها وذلك في 9/11/1999, وبتاريخ 18/1/2000 صدر القرار رقم (2) لسنة 2000 متضمنا تكليف المدعية للعمل بمديرية الشئون الصحية بالبحيرة، وقد نعت المدعية على هذا القرار أنه صدر مخالفا للقانون لصدوره في غير محله لكون المدعية غير موجودة داخل البلاد وقت صدور هذا القرار، كما أنها ليست من عداد الموظفين العموميين المخاطبين بأحكام قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، واختتمت المدعية عريضة دعواها بطلب الحكم لها بطلباتها آنفة البيان.
وقد نظرت محكمة القضاء الإداري الدعوى المشار إليها وبجلسة 26/2/2001 أصدرت حكمها المطعون فيه الذي قضى بقبول الدعوى شكلا وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الإدارة المصروفات.
وقد شيدت المحكمة قضاءها المتقدم على أساس أنه قد توافر في طلب المدعية وقف تنفيذ القرار السلبي بالامتناع عن إلغاء تكليفها بالقرار رقم (2) لسنة 2000 ركنا الجدية والاستعجال اللازمان لوقف التنفيذ؛ فقد ثبت من الأوراق أن المدعية سافرت بتاريخ 19/11/1999 مع زوجها إلى دولة الإمارات حيث يعمل هناك، وبتاريخ 18/1/2000 صدر القرار رقم (2) لسنة 2000 متضمنا تكليف المدعية لمدة عامين بمديرية الشئون الصحية بمحافظة البحيرة حال كونها وقت صدور هذا القرار خارج البلاد، ومن ثم يكون القرار المطعون فيه معيبا في محله؛ لأن الأثر القانوني المترتب على قرار التكليف يكون غير ممكن تحقيقه فعلا ولا وجود له من الناحية الفعلية، وهذه الاستحالة تؤثر في نفاذ القرار المطعون فيه، الأمر الذي يجعله مخالفا للقانون مما يتوافر معه ركن الجدية في طلب وقف التنفيذ ،كما أن ركن الاستعجال متوافر؛ بحسبان أن القرار المطعون فيه يؤدي إلى إصابة المدعية بأضرار تتمثل في النيل من استقرار الروابط الأسرية وهي عماد الأسرة وركنها الركين، ولا شك أن هذه الأضرار يتعذر تداركها فيما لو قضي بإلغائه، ومن ثم يكون من المتعين الحكم بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه.
ولا ينال من ذلك ما ذكرته جهة الإدارة من أنها أصدرت القرار رقم 81 لسنة 2000 في 25/7 /2000 بتأجيل تكليف المدعية اعتبارا من 13/7 /2000 تاريخ الموافقة لمرافقة الزوج بالخارج لمدة عام بناء على طلبها؛ ذلك لأنه يمثل قيدا على إرادتها في التنقل والسفر وهو من أخص حقوقها الدستورية.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل أن الحكم المطعون فيه قد صدر على خلاف أركان القانون، حيث كان يتعين على المحكمة أن تقضي بعدم قبول دعوى المطعون ضدها لانتفاء مصلحتها من الدعوى لثبوت أن جهة الإدارة أصدرت في 25/7 /2000 -بعد أن أقامت المطعون ضدها لدعواها في 9/5/2000- القرار رقم 81 لسنة 2000 بتأجيل تكليف المطعون ضدها اعتبارا من 13/7 /2000 لمدة عام لوجودها في الخارج مرافقة لزوجها، وهذا التأجيل قابل للتجديد، ومن ثم يكون قرار تكليفها قد توقف إنتاجه لآثاره، مما يجعل طلب إلغائه غير مجدٍ مما يوجب الحكم بعدم قبول دعواها لانتفاء المصلحة.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن تكييف الدعوى من سلطة المحكمة بما لها من هيمنة على تكييف الخصوم لطلباتهم، فللمحكمة أن تتقصى هذه الطلبات وأن تستظهر مراميها وما قصده الخصوم، وأن تعطي الدعوى وصفها الحق وتكييفها القانوني الصحيح على هدي ما تستنبطه من واقع الحال فيها وملابساتها، وذلك دون التقيد في هذا الصدد بتكييف الخصوم لها وإنما بحكم القانون فحسب.
ومن حيث إن المطعون ضدها قد طلبت في دعواها الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار السلبي بامتناع الجهة الإدارية عن إلغاء تكليفها رقم (2) لسنة 2000.
ولما كان قضاء هذه المحكمة قد استقر على أنه يتعين لقيام القرار السلبي أن يكون ثمة إلزام على الجهة الإدارية باتخاذ قرار معين فإذا لم يكن إصدار مثل هذا القرار واجبا عليها فإن امتناعها عن إصداره لا يشكل قرارا سلبيا، وعلى هذا ولما كان لا يوجد ثمة التزام قانوني يوجب على جهة الإدارة إلغاء قرار تكليف المطعون ضدها رقم (2) لسنة 2000 الصادر بتكليفها بوظيفة (أخصائي ثالث أسنان) بالمجموعة النوعية لوظائف طب الأسنان بمديرية الشئون الصحية بمحافظة البحيرة، ومن ثم فإن امتناعها عن إلغاء تكليف المطعون ضدها لا يشكل قرارا سلبيا بالامتناع، ومن ثم فإن حقيقة طلبات المطعون ضدها في الدعوى تتمثل في طلب وقف تنفيذ وإلغاء القرار رقم (2) لسنة 2000 الصادر بتكليفها المشار إليه.
ومن حيث إن بالنسبة لما أثارته الجهة الإدارية الطاعنة في طعنها من عدم قبول دعوى المطعون ضدها لانتفاء المصلحة لصدور قرار الجهة الإدارية رقم 81 لسنة 2000 بتأجيل تكليف المطعون ضدها لمدة عام اعتبارا من 13/7 /2000 بناء على طلبها، ولما كان هذا العام قد انتهى في 12/7 /2001 فإن قرار تكليفها المطعون فيه يظل قائما ومنتجا لآثاره بعد هذا التاريخ، مما يجعل مصلحتها في طلب إلغائه قائمة ولم تنتهِ، الأمر الذي تكون معه دعواها مقبولة لوجود مصلحة لها فيها، ومن ثم يكون دفع الجهة الإدارية بعدم قبول الدعوى لانتفاء مصلحة المطعون ضدها غير قائم على سند من الواقع والقانون واجب الالتفات عنه.
ومن حيث إنه عن شكل الدعوى من ناحية المواعيد فإن الثابت من الأوراق أن القرار المطعون فيه قد صدر في 18/1/2000 ولم يقم في الأوراق دليل علم المطعون ضدها بهذا القرار في تاريخ معين قبل تاريخ إقامتها لدعواها في 9/10/2000 فإنه لا مناص من اعتبار تاريخ إقامتها لدعواها هو تاريخ علمها بالقرار المطعون فيه، وبذلك تكون الدعوى مقامة في المواعيد المقررة قانونا وإذ استوفت سائر أوضاعها الشكلية فتكون واجبة القبول شكلا.
ومن حيث إنه عن طلب المطعون ضدها وقف تنفيذ القرار المطعون فيه رقم (2) لسنة 2000 وهو الطلب محل الحكم المطعون فيه فإن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أنه ليقضى بوقف تنفيذ القرار الإداري على ضوء أحكام المادة 49 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 يجب توافر ركنين: الأول هو ركن الجدية وهو يتصل بمبدأ المشروعية وهو أن يكون ادعاء الطالب في هذا الشأن قائما بحسب الظاهر من الأوراق ودون المساس بأصل الحق على أسباب جدية يترجح معها إلغاء القرار، والثاني وهو ركن الاستعجال بأن يترتب على تنفيذ القرار الإداري المطعون فيه نتائج يتعذر تداركها فيما لو قضى بإلغائه.
ومن حيث إنه عن ركن الجدية في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه فإن الثابت من الأوراق أن الجهة الإدارية أصدرت القرار رقم (2) لسنة 2000 المطعون فيه بتكليف المطعون ضدها للعمل بمديرية الشئون الصحية بالبحيرة لمدة عامين اعتبارا من 1/11/2000 وقد أصدرت قرارها هذا استنادا إلى أحكام القانون رقم 29 لسنة 1974 بشأن تكليف الأطباء والصيادلة وغيرهم من ذوي المهن الطبية والفنيين الصحيين.
ومن حيث إن المادة الأولى من القانون رقم 29 لسنة 1974 المشار إليه تنص على أنه: “لوزير الصحة تكليف خريجي كليات الطب والصيدلة وأطباء الأسنان المتمتعين بجنسية جمهورية مصر العربية للعمل بالحكومة أو في وحدات الإدارة المحلية أو الهيئات العامة والوحدات التابعة لها أو المؤسسات العامة والوحدات التابعة لها أو القطاع الخاص لمدة سنتين ويجوز تجديد التكليف لمدة أخرى مماثلة…”.
وتنص المادة السادسة من ذات القانون على أنه: “على المكلف أن يقوم بأعمال وظيفته ما بقي التكليف، وفي جميع الأحوال يصدر قرار إلغاء التكليف أو إنهاء الخدمة أثناءه من وزير الصحة…”.
ومن حيث إنه يستفاد مما تقدم أن المشرع أجاز لوزير الصحة أن يكلف خريجي كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان للعمل بالحكومة لمدة سنتين قابلة للتجديد لمدة أخرى، وأنه يجب على المكلف القيام بأعمال وظيفته، ويحظر عليه الامتناع عن القيام بالعمل وذلك اعتبارا من تاريخ تسلمه العمل، وأن انقطاع المكلف عن العمل خلال هذه المدة أو عدم تسلمه العمل يشكل خروجا منه على مقتضى الواجب الوظيفي؛ لأن ذلك يعد تحررا بإرادته عن أداء واجب التكليف على عكس ما يقضي به القانون الصادر بناء عليه قرار التكليف، وبالتناقض مع الطبيعة القانونية للتكليف بالوظائف العامة على خلاف غايات المشرع من تقرير التكليف لبعض الطوائف، والتي من بينها إسهامهم خلال مدة محددة بأداء الأعمال والوظائف التي يكلفون بها، مشاركة منهم في خدمة المواطنين، وأن التكليف هو طريق استثنائي لشغل الوظائف فإذا ما تم شغل المكلف للوظيفة أصبح ملزما بالقيام بأعبائها دون اعتداد برضائه أو عدم رضائه.
ومن حيث إنه وعلى هدي ما تقدم ولما كان الثابت من الأوراق أن المطعون ضدها حاصلة على بكالوريوس طب وجراحة الأسنان دور مايو سنة 1998 وقد صدر القرار رقم 2 لسنة 2000 المطعون فيه بتكليفها للعمل بمديرية الشئون الصحية بمحافظة البحيرة لمدة عامين اعتبارا من 1/11/2000، فإن هذا القرار يكون قد صدر بحسب الظاهر من الأوراق ممن يملك إصداره وموافقا لأحكام القانون رقم 29 لسنة 1974 المشار إليه، ولا ينال من سلامته القول إنه صدر وقت أن كانت المطعون ضدها في الخارج مرافقة لزوجها الذي يعمل بالخارج، مما يجعله غير قابل للتنفيذ؛ فهذا القول مردود بأن جهة الإدارة قد راعت ذلك وأصدرت القرار رقم 81 لسنة 2000 بتأجيل تكليف المطعون ضدها لمدة عام اعتبارا من 12/7 /2000 ويمكن لجهة الإدارة إصدار قرارات أخرى بتأجيل تكليف المذكورة لمدة قابلة للتجديد بناء على طلبها دون إنهاء التزامها بتنفيذ التكليف الملزمة به قانونا.
ومن حيث إنه ومتى كان ما تقدم وكان قرار تكليف المطعون ضدها المطعون فيه قد صدر موافقا لأحكام القانون ومن ثم ينتفي ركن الجدية في طلبها وقف تنفيذ القرار الطعين، وبذلك يتخلف أحد الركنين الواجب توافرهما لتقضي المحكمة بوقف تنفيذ القرار الإداري، الأمر الذي يوجب الحكم برفض طلب المطعون ضدها وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير المذهب المتقدم فإنه يكون قد صدر على خلاف أحكام القانون واجب الإلغاء وإلزام المطعون ضدها المصروفات عن درجتي التقاضي عملا بأحكام المادة 184 من قانون المرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبقبول الدعوى شكلا وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمت المطعون ضدها المصروفات عن درجتي التقاضي.