جلسة 3 من يونيه سنة 2008
(الدائرة الثالثة)
الطعن رقم 7248 لسنة 48 القضائية عليا.
– الترخيص بالانتفاع بالمال العام انتفاعاً عادياً- تكييفه.
انتفاع الأفراد بجزء من المال العام انتفاعا عاديا وفقا للغرض الأصلي المخصص له المال كما هو الشأن بالنسبة لأراضي ومحال الأسواق العامة إنما يتم بطريق الترخيص من قبل الجهة الإدارية المنوط بها الإشراف عليه- الترخيص في هذه الحالة يصطبغ بصبغة العقد الإداري، وتحكمه الشروط الواردة به والقواعد التي تنظم هذا النوع من الانتفاع بالمال العام- العقد الإداري شأنه شأن العقود المدنية من حيث العناصر الأساسية لتكوينه وإبرامه، فهو ينعقد بالتقاء إيجاب وقبول متطابقين بغرض إنشاء التزامات متقابلة- تطبيق.
في يوم الاثنين الموافق 22/4/2002 أودع وكيل الطاعنة قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن الماثل قيد بجدولها برقم 7248 لسنة 48 ق. عليا في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري- الدائرة الرابعة في الدعوى رقم 1528 لسنة 40 ق بجلسة 26/2/2002 القاضي برفض الدعوى وإلزام الطاعنة المصروفات.
وطلبت الطاعنة – للأسباب الواردة بتقرير الطعن– الحكم بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء لها بطلباتها الواردة بصحيفة الدعوى وهذه الصحيفة.
وتم إعلان الطعن على النحو الثابت بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعنة المصروفات.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون على الوجه المبين بمحاضر جلساتها، وبجلسة 17/1/2007 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا –الدائرة الثالثة– موضوع لنظره بجلسة 20/3/2007.
ونظرت المحكمة الطعن على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 1/4/2008 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 6/5/2008، وبها قررت مد أجل النطق بالحكم لاستكمال المداولة حتى جلسة اليوم حيث صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات والمداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل – حسبما يبين من الأوراق – في أن الطاعنة أقامت الدعوى رقم 1528 لسنة 50 ق ضد المطعون ضدهم أمام محكمة القضاء الإداري– الدائرة الرابعة، بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة في 16/11/1995 وطلبت في ختامها الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء إجراءات المزايدة المحدد لها جلستا 25 و 26/11/1995 المنشور بيانها بجريدة الأخبار في 9/11/1995 وذلك بالنسبة لأحد محلات الموز الثلاثة السابق تخصيص أحدها لها، وكذا وقف تنفيذ القرار الصادر عن محافظ القاهرة (الجهاز التنفيذي لسوق العبور بالاشتراك مع الإدارة العامة لأملاك المحافظة) بطرح المحلات الثلاثة المذكورة بالمزاد وذلك بالنسبة لواحد منها وفي الموضوع بإلزام محافظة القاهرة بتنفيذ تعاقدها معها وتسليمها أحد هذه المحلات وبعدم الاعتداد بقرار المحافظ بالنسبة لأحد هذه المحلات. وشرحاً للدعوى ذكرت الطاعنة أن هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة كانت قد أعلنت عن بيع بعض المحلات عن طريق التخصيص بسوق العبور، ورخص لها بالانتفاع بمحلين من محال الخضار بالسوق هما المحلان رقما 3/3/37 و 3/3/38، وقامت بسداد 25% من الثمن المقرر للمحلين، ثم أعلنت الهيئة عن إمكانية استبدال الحاجزين للمحلات بنشاط مغاير، فتقدمت لاستبدال المحل رقم 3/3/37 بمحل موز ثلاجة، وسددت إلى جانب مبلغ 7785,65 جنيهاً (قيمة نسبة 25% السابق سدادها للمحل المستبدل) 500000 جنيه كطلب الهيئة المذكورة، ومن ثم أصبح لزاماً على الهيئة تسليم المحل الجديد غير أنها فوجئت بنقل تبعية سوق العبور من هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة إلى محافظة القاهرة التي أعلنت في الصحف عن بيع حق الانتفاع ببعض المحلات بسوق العبور ومنها ثلاث محلات موز بطريق المزايدة العلنية واشترطت لدخول المزايدة عن هذه المحلات سداد تأمين قدره 50000 جنيه وأن يكون المتقدم منتجاً، ونعت الطاعنة على مسلك جهة الإدارة مخالفته للقانون بحسبانها قامت بالتعاقد عن أحد هذه المحلات الثلاثة بموجب عقد كامل بات ومنجز وسددت مبلغ 50000 جنيه تحت حساب جدية الحجز على نحو لا يجوز معه سريان هذه المزايدة في حقها، وخلصت الطاعنة إلى طلباتها سالفة الذكر.
وبعد أن كيفت المحكمة طلبات الطاعنة في الدعوى بأنها وقف تنفيذ وإلغاء قرار المحافظة بطرح أحد تلك المحال في المزاد سالف الذكر وبأحقيتها في الترخيص لها بالانتفاع به، أصدرت حكمها في الشق العاجل من الدعوى بجلسة 24/3/1996 بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام الجهة الإدارية المصروفات، وأمرت بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني في موضوعها، وإذ لم يلق هذا القضاء قبولاً لدى الجهة الإدارية فقد طعنت عليه أمام المحكمة الإدارية العليا وقيد الطعن برقم 3989 لسنة 42 ق. وبجلسة 7/4/1999 قضت دائرة فحص الطعون (الثالثة) بإجماع الآراء برفض الطعن.
وبجلسة 26/6/2002 حكمت المحكمة برفض الدعوى وإلزام المدعية (الطاعنة) المصروفات. وشيدت المحكمة قضاءها على أن تقدم المدعية لاستبدال محل الموز بمحل الخضار وموافقة جهة الإدارة على سداد مبلغ 50000 جنيه ضمانا لجدية الحجز لا يعد إيجاباً وقبولاً في عقد إداري إذ إن الثمن باعتباره أحد العناصر الأساسية للعقد غير معروف ولم يجر الاتفاق عليه بين الطرفين وإنما جرى الاتفاق على مبلغ ضماناً للحجز مستقبلاً حال تقرير البيع مع التنازل عن المحل المستبدل به، وبالتالي لا يعتبر مسلك الجهة الإدارية بقبول هذا المبلغ إيجاباً بل دعوة إلى التعاقد، وتختلف الدعوة إلى التعاقد عن الوعد بالعقد لتخلف شرط تحديد المدة التي يجب فيها إبرام العقد، فضلا عن تحديد الثمن باعتباره من المسائل الجوهرية للعقد المراد إبرامه، وعلى ذلك يكون القرار المطعون فيه فيما تضمنه من طرح محلات الموز لبيع حق الانتفاع بها بطريق المزايدة قائما على سببه في الواقع والقانون، ويتعين القضاء برفض الدعوى لخلوها من السند القانوني.
ولم ترتض الطاعنة هذا الحكم فأقامت طعنها الماثل على أسباب تخلص في مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله على سند من أن الثابت أن الإدارة قد وضعت شروطاً لمن يقبل أو يتقدم للحصول على حق الانتفاع بالمحل من حيث الثمن والمدة وهي خمسة وعشرون عاماً، ومعني ذلك أن كل من يتقدم بطلب للحصول على هذا الحق فإنه يكون عالماً بكافة التفاصيل التي حددتها الجهة الإدارية ووافق عليها المتقدم وهي شروط مكملة للعقد، كما وافق المتقدم على سداد الدفعة المقدمة التي طلبتها الإدارة وقبلها، وبالتالي يكون التعاقد قد تم بين الطاعنة وهيئة المجتمعات العمرانية التي أخطرت محافظة القاهرة بهذا التعاقد، وأصبح لا مجال لعدم تسليمها المحل بالشروط التي حددتها الجهة الإدارية، فضلاً عن أنها تنازلت عن محل الخضار مقابل أن يخصص لها محل الموز ووافقت جهة الإدارة على ذلك مقابل سداد مبلغ 50000 جنيه قامت بسدادها بناء على اطلاعها على كراسة الشروط المثبت بها الأسعار وجداول الفئات وكيفية تحديد هذه الأسعار وتسليم المحلات، وهذه كلها شروط تعلمها الطاعنة ووافقت عليها ودفعت على أساسها المبلغ سالف الذكر.
ومن حيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن انتفاع الأفراد بجزء من المال العام انتفاعاً عادياً وفقا للغرض الأصلي المخصص له المال كما هو الشأن بالنسبة لأراضي ومحال الأسواق العامة إنما يتم بطريق الترخيص من قبل الجهة الإدارية المنوط بها الإشراف عليه وأن الترخيص في هذه الحالة يصطبغ بصبغة العقد الإداري وتحكمه الشروط الواردة به والقواعد التي تنظم هذا النوع من الانتفاع بالمال العام، وأن العقد الإداري شأنه شأن العقود المدنية من حيث العناصر الأساسية لتكوينه وإبرامه فهو ينعقد بالتقاء إيجاب وقبول متطابقين بغرض إنشاء التزامات متبادلة.
ومن حيث إنه متى كان ذلك وكان الثابت من الأوراق أن الطاعنة تقدمت بطلب إلى الجهة المشرفة على إدارة سوق الجملة بمدينة العبور لاستبدال أحد محلي الخضار سالفي الذكر والسابق تخصيصه لها بآخر من محال الموز المشار إليها، وأن هذه الجهة وافقت على ذلك الطلب نظير قيام الطاعنة بأداء المبلغ المقرر لجدية الحجز، وإذ قامت الطاعنة بأداء المبلغ المطلوب ومقداره خمسون ألف جنيه وقبلت الجهة الإدارية هذا المبلغ كما قامت بإلغاء التخصيص لمحل الخضار المتنازل عنه فإن ذلك يقطع بتوافق إرادتي الطرفين على إجراء ذلك الاستبدال والترخيص للطاعنة بالانتفاع بمحل الموز المشار إليه حيث إن موافقة جهة الإدارة على طلب الطاعنة بعد استيفاء ما طلب منها هو ترخيص لها بالانتفاع بذلك المحل توطئة لإتمام البيع، وكل إجراء يتم بالمخالفة لأحكام هذا الترخيص يعتبر باطلا ولا يعتد به في مواجهة الطاعنة، ومن ثم يكون قرار الجهة الإدارية بطرح المحل المرخص به للطاعنة ضمن محلات الموز الثلاثة سالفة الذكر في المزاد مخالفا لالتزاماتها العقدية، ويضحى هذا القرار مخالفاً للقانون حقيقاً بالإلغاء فيما تضمنه من طرح المحل المشار إليه في المزاد.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه لم يأخذ بهذا النظر وقضى برفض الدعوى، فإنه يكون قد جانبه الصواب وأخطأ في تطبيق القانون، ومن ثم يتعين الحكم بإلغائه والقضاء بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من طرح محل الموز المرخص به للطاعنة في المزاد، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
ومن حيث إن من يخسر الدعوى يلزم بمصروفاتها عملاً بحكم المادة 184 مرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من طرح محل الموز المرخص به للطاعنة في المزاد على النحو المبين بالأسباب، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت جهة الإدارة المطعون ضدها المصروفات عن درجتي التقاضي.