جلسة 23 من سبتمبر سنة 2008
(الدائرة السادسة)
الطعن رقم 14494 لسنة 49 القضائية عليا.
– تنفيذه– العقد شريعة المتعاقدين– عدم جواز التعسف في استعمال الحقوق الواردة بالعقد.
تخضع العقود لأصل عام من أصول القانون ينطبق على العقود الإدارية والمدنية على السواء، وهو وجوب تنفيذها بطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية- يجب تنفيذ العقد وفقا لما اشتملت عليه شروطه، والتي تحدد حقوق والتزامات طرفيه طبقا للبنود التي تم الاتفاق عليها- مؤدى ذلك: ما ورد ببنود العقد يقيد كأصل عام طرفيه، فلا يجوز تعديلها إلا باتفاقهما الكامل، ولا يجوز لجهة الإدارة أن تتعسف في استعمال حقوقها الواردة بالعقد، أو أن تنحرف بسلطتها لغير المصلحة العامة– تطبيق.
في يوم السبت الموافق 23/8/2003 أودع الأستاذ/ … المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة تقريراً بالطعن على الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري (دائرة بني سويف والفيوم) في الدعوى رقم 617 لسنة 2ق بجلسة 24/6/2003، الذي قضى في منطوقه بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع بفسخ عقد الإيجار المؤرخ 21/4/1962 بين مورث المدعين والجهة الإدارية المدعى عليها اعتبارا من 12/4/1994، وما يترتب على ذلك من آثار على النحو المبين بالأسباب، وألزمت الجهة الإدارية المصروفات ومئة جنيه أتعاب المحاماة.
وطلب الطاعن للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وبقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلزام المطعون ضده المصروفات.
وقد أعلن تقرير الطعن وفقا للثابت بالأوراق، وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني في الطعن انتهت فيه للأسباب الواردة به إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعا، وإلزام الطاعن بصفته المصروفات.
ونظرت الدائرة السادسة فحص طعون بالمحكمة الإدارية العليا الطعن بعدة جلسات وقررت إحالته إلى الدائرة السادسة موضوع لنظره بجلسة 9/11/2005، ونفاذا لذلك ورد الطعن إلى هذه المحكمة ونظرته بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها، وقررت إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانونا.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية فهو مقبول شكلا.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص في أنه بتاريخ 2/11/1993 أودع المطعون ضدهم الأول والثاني ابتداء قلم كتاب محكمة إهناسيا الجزئية صحيفة الدعوى رقم 617 لسنة 2 ق طالبين في ختامها الحكم بفسخ عقد الإيجار المؤرخ 21/4/1962 وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المدعى عليهم المصروفات والأتعاب.
وقالوا شرحا للدعوى: إنه بموجب عقد إيجار مؤرخ 21/4/1962 استأجر المدعى عليه الثاني بصفته نائباً عن المدعى عليهما من مورثهم ما هو مبنى عبارة عن مدرسة بني هلال (1) وذلك نظير إيجار شهري قدره أحد عشر جنيها، وإن قرية بني هلال لا تخضع لقانون إيجار الأماكن رقم 49/1977 المعدل بالقانون رقم 136/1981، وإنه وفقاً للبند الخامس من عقد الإيجار الذي ينص على أنه في حالة رغبة المؤجر في إخلاء العين المؤجرة عند انتهاء مدة الإيجار فعليه أن يعلن الوزارة بذلك قبل نهاية العقد بثلاثة أشهر على الأقل، ولا تلتزم الوزارة مع ذلك بالإخلاء إلا إذا وجدت عينا أخرى ترى لياقتها للغرض موضوع هذا الإيجار، وإنه لذلك أنذروا المدعى عليهم على يد محضر بتاريخ 12/10/1993 برغبتهم في إخلاء العين؛ لأن المبنى موضوع العقد قد أصبح لا يصلح لمزاولة مهنة التدريس، حيث إنه قديم وانتهى عمره الافتراضي وأصبح يشكل خطرا على الأرواح، فضلاً عن أنه قد تم بناء مدرسة بذات القرية تصلح لأداء الغرض المؤجرة من أجله عين النزاع. واختتم المدعون صحيفة افتتاح دعواهم بطلباتهم سالفة البيان.
وبجلسة 27/5/1994 وقبل الفصل في الموضوع انتدبت المحكمة خبيراً في الدعوى الذي باشر المأمورية المكلف بها وأودع تقريره. وبجلسة 27/2/1996 حكمت محكمة إهناسيا الجزئية بعدم اختصاصها قيميا بنظر الدعوى وإحالتها بحالتها لمحكمة بني سويف الابتدائية للاختصاص وأبقت الفصل في المصروفات. ونفاذا لهذا الحكم أحيلت الدعوى إلى محكمة بني سويف الابتدائية حيث قيدت بجدولها برقم 286/1996. وبعد أن نظرت المحكمة الدعوى بجلسات المرافعة على النحو المبين بمحاضرها قضت بجلسة 26/5/1999 بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الدعوى وإحالتها بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري بالقاهرة للاختصاص وأبقت الفصل في المصروفات.
ونفاذا لهذا الحكم وردت الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري (دائرة العقود والتعويضات) وقيدت بجدولها برقم 8932 لسنة 50ق. وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني في الدعوى ارتأت فيه الحكم بقبول الدعوى شكلا ورفضها موضوعا مع إلزام المدعين المصروفات. وبجلسة 4/11/2001 قررت المحكمة إحالة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري (دائرة بني سويف والفيوم) حيث قيدت بجدولها برقم 617 لسنة 2 ق.
وبجلسة 24/6/2003 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه بفسخ عقد الإيجار المشار إليه؛ استنادا إلى البند الخامس منه وما جاء بتقرير الخبير المنتدب من أن عقار التداعي يقع في بني هلال، وقد أقامت الجهة الإدارية مدرسة أخرى جديدة بذات القرية تفي بالغرض الذي من أجله تم استئجار عين التداعي، وأن قرية بني هلال لا تخضع لقانون إيجار الأماكن رقم 49 لسنة 1977.
لم يلق هذا القضاء قبولا لدى الطاعن بصفته فأقام طعنه ناعيا عليه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله والفساد في الاستدلال، دافعا بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة لعدم تقديم المطعون ضدهم مستندات ملكيتهم. وأن الحكم المطعون فيه والخبير المنتدب لم يتعرضا لملكية المطعون ضدهم للعقار محل التداعي، ويمكن ظهور ملاك آخرين له. كما أخل الحكم المطعون فيه بحق الدفاع لعدم إخطار الهيئة الطاعنة برقم الدعوى الجديدة وتاريخ الجلسة المحددة لنظرها بعد إحالتها إلى محكمة القضاء الإداري (دائرة بني سويف والفيوم)، وقد تقدمت الهيئة الطاعنة بتاريخ 6/4/2003 بطلب لإعادة فتح باب المرافعة ليتسنى تقديم مستنداتها إبان فترة حجز الدعوى للحكم، ولم تستجب المحكمة لهذا الطلب .كما أن استناد الحكم إلى تقرير الخبير الذي قرر أن هذه القرية لا تخضع لقانون إيجار الأماكن وأنه توجد مدرسة جديدة بديلة بنفس البلدة تؤدي نفس الغرض يعد مخالفا للواقع والقانون. واختتم الطاعن بصفته تقرير الطعن بطلب الحكم بطلباته.
ومن حيث إن المادة 147 من القانون المدني تنص على أن “العقد شريعة المتعاقدين فلا يجوز نقضه أو تعديله إلا باتفاق الطرفين…”.
وتنص المادة 148 من ذات القانون على أنه “يجب تنفيذ العقد طبقا لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية…”.
ومن حيث إن مفاد هذين النصين أن العقود تخضع لأصل عام من أصول القانون وهو وجوب تنفيذها بطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية، وهذا المبدأ معمول به في مجال العقود الإدارية شأنها في ذلك شأن العقود المدنية، وأنه يجب تنفيذ العقد وفقاً لما اشتملت عليه شروطه التي تحدد حقوق والتزامات طرفيه طبقاً للبنود التي تم الاتفاق عليها، وأن ما ورد بهذه البنود يقيد كأصل عام طرفي الاتفاق، فلا يجوز تعديلها إلا باتفاقهما الكامل وتراضيهما على هذا التعديل.
ومن حيث إنه تطبيقاً لما تقدم وكان الثابت من الأوراق وخاصة عقد الإيجار وتقرير الخبير المودع الذي تطمئن المحكمة لما ورد به أنه بموجب عقد الإيجار المؤرخ 21/4/1962 استأجر الطاعن بصفته نائباً عن المطعون ضده الثالث من مورث المدعين مبنى مدرسة بني هاني 1 نظير إيجار شهري مقداره أحد عشر جنيهاً تدفع أول كل شهر، وقد تضمن هذا العقد أنه مشاهرة، وتضمن البند الخامس من العقد أنه “إذا رغب المؤجر في إخلاء العين المؤجرة عند انتهاء مدة الإيجار فعليه أن يعلن الوزارة بذلك قبل نهاية العقد بثلاثة أشهر على الأقل، ولا تلتزم الوزارة مع ذلك بالإخلاء إلا إذا وجدت عينا أخرى ترى لياقتها للغرض موضوع هذا الإيجار، بشرط أن مدة الإمهال لا تتجاوز ستة شهور من تاريخ نهاية الإيجار، وعلى أن تسري عليها كافة شروط هذا العقد”.
ومن حيث إنه لما كان الثابت أن المؤجرين استناداً إلى البند الخامس من العقد آنف الذكر قد أنذروا وزير التربية والتعليم بإنذار على يد محضر بتاريخ 12/10/1993 برغبتهم في إنهاء عقد الإيجار وإخلاء العين المؤجرة، إلا أن الجهة الإدارية لم توافق على إنهاء عقد الإيجار وامتنعت عن إخلاء العين المؤجرة وتسليمها للمؤجرين استناداً إلى أنها لم تجد عينا بديلة تليق بالغرض الذي تستخدم فيه عين النزاع.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه ذهب وبحق إلى أن الثابت من الأوراق وخاصة ما تضمنه تقرير الخبير المودع الدعوى أن قرية بني هلال ليست من القرى التي تخضع لقانون إيجار الأماكن رقم 49/1977 وتعديلاته، وأن العين المؤجرة موضوع التداعي كانت تستخدم لمدرسة بني هاني رقم 1، وأن الجهة الإدارية المدعى عليها قد أقامت مدرستين جديدتين بذات القرية، وقد انتقلت لإحديهما مدرسة بني هاني (1) التي كانت تشغل العين المؤجرة، وهي في نفس الوقت تؤدي الغرض الذي تشغل من أجله العين المؤجرة. وإنه لما كان ما تقدم وكان من المقرر طبقاً للفقرة الأخيرة من البند الخامس من العقد موضوع التداعي أن الحد الأقصى لمدة إمهال المؤجر للجهة الإدارية المستأجرة هي ستة أشهر يتعين عليها إخلاء العين المؤجرة خلالها، ولا ينال ذلك ما تتعلل به جهة الإدارة من أنها لم تجد عينا بديلة تليق بذات الغرض، إذ إن هذه الحجة لا يجوز أن تؤخذ على علاتها، ولا يجوز أن يترك الأمر لمطلقات جهة الإدارة في تقديرها، وإلا انقلب عقد الإيجار إلى عقد احتكار، كما يترتب على التسليم بمزاعم الجهة الإدارية إهدار إرادة المالك “المؤجر” وحقه في استغلال والانتفاع والتصرف في ملكه أو الحقوق المتفرعة عنه، وهي حقوق مقررة جميعها بالدستور والقانون، هذا فضلاً عن أن أوراق الدعوى قد خلت مما يفيد أن جهة الإدارة قد سلكت مسلكاً إيجابياً نحو تدبير مكان آخر بديل لعين النزاع، لاسيما وأن الدولة قد اتجهت في الآونة الأخيرة إلى تشييد الكثير من المدارس الجديدة وإحلال وتجديد المباني التي بها لتتلاءم مع النظريات الحديثة فيما يجب أن تكون عليه الأبنية التعليمية، وإنه لما كان ذلك كذلك وكان الثابت أن المدعين قد أنذروا الجهة الإدارية المدعى عليها بتاريخ 12/10/1993 برغبتهم في إنهاء عقد الإيجار المؤرخ 21/4/1962، وإذ انقضى على هذا الإنذار مدة تزيد بكثير عن مدة الستة الأشهر المتفق عليها بالبند الخامس من العقد محل الدعوى باعتبارها الحد الأقصى لمدة إمهال الجهة الإدارية، فإن هذا العقد -والحال كذلك- يعتبر مفسوخاً اعتباراً من نهاية هذه المدة، وهو ما تقضي به المحكمة، وما يترتب على ذلك من آثار، أخصها إخلاء العين المؤجرة وتسليمها للمدعين.
ومن حيث إن ما ذهبت إليه المحكمة المطعون في حكمها يتفق وصحيح الواقع والقانون فإن هذا الطعن يكون في غير محله جديراً بالرفض وإلزام الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات باعتبارها قد خسرت الطعن عملاً بالمادة (184) من قانون المرافعات.
ولا ينال من ذلك ما ساقته الجهة الإدارية الطاعنة من عدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة لعدم تقديم المطعون ضدهم مستندات ملكيتهم؛ حيث إن هذا المستند ليس حاسماً في هذا النزاع الذي يدور حول العلاقة الإيجارية القائمة بالفعل بين ورثة المؤجر وبين الجهة الإدارية ولا شأن لمستند الملكية بذلك.
ولا ينال من ذلك القول بخضوع تلك القرية لقانون إيجار الأماكن أو عدم خضوعها له؛ حيث إن الذي يحكم النزاع هو العقد المبرم بين الطرفين باعتباره شريعتهما وهو قانونهما الواجب التطبيق على النزاع، وليس للجهة الإدارية أن تتنصل من التزاماتها التعاقدية أو أن تتمسك باستمراره إلى الأبد بالمخالفة لصراحة نصوصه، وإلا كان في ذلك افتئات على حق الملكية الخاصة المصونة التي لا تمس بنص الدستور إلا استثناء في إطار أحكام قانون نزع الملكية للمنفعة العامة.
ولا محاجة هنا بأن جهة الإدارة لم تجد مكانا بديلا للعقار المؤجر حيث إن ذلك فضلا عن أنه يصطدم مع صراحة نصوص العقد التي حددت المهلة التي يجب على الجهة الإدارية تدبير بديل لها وهي لا تجاوز ستة أشهر، فإن يخالف الواقع الذي أورده الخبير في تقريره من أن الجهة الإدارية شيدت مدرستين في ذات القرية – وليست مدرسة واحدة بديلة – بهما أكثر من عشرين فصلا، فيكون رفضها إخلاء عين النزاع رغم صدور قرار بترميمها هو من قبيل التعسف في استعمال الحق في الخصومة مما يشكل انحرافا بسلطتها لعدم استهداف تحقيق المصلحة العامة.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعا، وألزمت الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات.