الطعن رقم 24395 لسنة 56 القضائية (عليا)
جلسة 12 من ديسمبر سنة 2015
الطعن رقم 24395 لسنة 56 القضائية (عليا)
(الدائرة الرابعة)
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ لبيب حليم لبيب
نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ أحمد إبراهيم زكي الدسوقي، وسعيد عبد الستار محمد سليمان،
وهشام السيد سليمان عزب، ود.رضا محمد دسوقي.
نواب رئيس مجلس الدولة
المبادئ المستخلصة:
- موظف:
تأديب– حدود ممارسة الحق فى الشكوى- يتعين لتحقق وقوع مساس من العامل برئيسه من خلال العبارات التي وردت في تظلم أو شكوى قدمها إليه، أو إلى غيره من الجهات، أن يتحقق في تلك العبارات لفظا ومعنى، وفي إطار الظروف والملابسات التي تحررت فيها، ما يعد خروجا عن حق التظلم والشكوى، بقصد الإيذاء المعنوي للرئيس، سواء بالتشهير به، أو إهانته، أو تحقيره، أو المساس بهيبته أو كرامته بأي وجه من الوجوه- يتعين تحديد مدلول هذه العبارات ومراميها في إطار السياق الكامل لعبارات التظلم أو الشكوى التي حررها الموظف، وفي إطار الظروف والملابسات التي تحررت فيها- لا يعيب الشكوى مجرد اتسام عباراتها بالشدة، مادامت لم تتضمن أية عبارات خارجة تنال من الاحترام الواجب للرؤساء.
- موظف:
تأديب– المخالفات التأديبية- وجوب تسليم الموظف صورة من قرار الجزاء- لهذا الواجب وجهان: (الأول) التزام على الجهة الإدارية مقتضاه ضرورة علم الموظف بهذا القرار حتى تسري في حقه جميع الآثار المترتبة على صدوره، وحتى يتسنى له إما قبوله، أو سلوك طريق التظلم والطعن عليه قضائيا، و(الوجه الثاني) حق الموظف في العلم بهذا القرار حتى يتسنى له مواجهته على النحو المقرر لذلك قانونا- إذا رفض الموظف تسلم صورة من هذا القرار، فإنه يكون قد تنازل عن حقه صراحة، وَسَرَتْ في حقه جميع الآثار التي عناها وقصدها المشرع في هذا الخصوص، ولا يشكل ذلك بذاته مخالفة تأديبية؛ إذ لا تجوز مؤاخذة الموظف عن تنازله عن حقوقه الشخصية أو الوظيفية.
- موظف:
تأديب– المخالفات التأديبية- امتناع الموظف عن حضور التحقيق معه لا يعد بذاته مخالفة تأديبية، بل يعد تفويتا منه لفرصته وحقه في الدفاع عن نفسه- لا يجوز أن يؤاخذ الموظف عن تنازله عن حقوقه الشخصية أو الوظيفية.
- إثبات:
إثبات في الدعوى- قرينة النكول- إذا قدمت الجهة الإدارية الطاعنة المستندات اللازمة للفصل في الطعن، سقطت قرينة النكول التي قام عليها الحكم المطعون فيه.
الإجراءات
في يوم الأربعاء الموافق 25/5/2010 أودع الأستاذ/… المستشار بهيئة قضايا الدولة نائبا عن الطاعنين بصفتيهما، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن، قيد بجدولها برقم 24395 لسنة 56ق.عليا، طعنا في الحكم الصادر عن المحكمة التأديبية بقنا بجلسة 28/3/2010 في الطعن رقم 302 لسنة 17ق، فيما قضي به من قبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار رقم (197) لسنة 2009 المطعون فيه فيما تضمنه من مجازاة المطعون ضده بخصم خمسة أيام من راتبه، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وطلب الطاعنان (بصفتيهما) للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا برفض الطعن رقم 302 لسنة 17ق.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا مسببا بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبوله شكلا، ورفضه موضوعا.
ونظر الطعن أمام الدائرة الرابعة (فحص) بالمحكمة الإدارية العليا على النحو الثابت بمحاضر جلساتها حتى قررت إحالته إلى هذه المحكمة، حيث تدوول أمامها على النحو الثابت بمحاضر الجلسات إلى أن قررت إصدار الحكم في الطعن بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، والمداولة قانونا.
وحيث إن الطاعنين (بصفتيهما) يطلبان الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا برفض الطعن رقم 302 لسنة 17ق.
وحيث إن الطعن الماثل استوفى أوضاعه الشكلية، فمن ثم يكون مقبولا شكلا.
وحيث إنه عن الموضوع فإن عناصر المنازعة -تخلص حسبما يبين من الأوراق- في أن المطعون ضده كان قد أقام أمام المحكمة التأديبية بأسيوط الطعن رقم 302 لسنة 17ق، بغية الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار رقم 197 لسنة 2009 فيما تضمنه من مجازاته بخصم خمسة أيام من راتبه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وشيد طعنه على سند من أنه يعمل بوظيفة (صراف) بمديرية الضرائب العقارية بالأقصر، والتي أصدرت القرار رقم 197 لسنة 2009 متضمنا مجازاته بخصم خمسة أيام من راتبه؛ وذلك لما نسب إليه من عدم أداء العمل المنوط به بدقة، فتظلم من هذا القرار، ثم لجأ إلى لجنة التوفيق في بعض المنازعات، وينعى الطاعن على القرار المطعون فيه صدوره بالمخالفة لأحكام القانون، وكونه خاليا من ركن السبب، ومتسما بإساءة استعمال السلطة والانحراف بها، على نحو يوجب الحكم بإلغائه.
……………………………………………………..
وبجلسة 28/3/2010 قضت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار رقم 197 لسنة 2009 فيما تضمنه من مجازاة الطاعن بخصم خمسة أيام من راتبه، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وشيدت المحكمة قضاءها على سند من أن الطاعن قد ضمَّن طعنه أن القرار المطعون فيه قد خالف الواقع والقانون؛ لانتفاء أية مخالفة في حقه، وقد قررت المحكمة تأجيل نظر الطعن عدة مرات لتقدم الجهة الإدارية المطعون ضدها المستندات الخاصة بالقرار المطعون فيه، خاصة أوراق التحقيق، دون جدوى، ومن ثم تكون هذه الجهة قد نكلت عامدة عن إيداع الأوراق والمستندات المتصلة بالقرار المطعون فيه والموجودة تحت يدها، والمنتجة في إثبات المخالفات المنسوبة إلى الطاعن سلبا أو إيجابا، وتمكين العدالة من أن تأخذ مجراها الطبيعي؛ لذا فإن هذا المسلك السلبي من تلك الجهة ينطوي على قرينة لمصلحة الطاعن بصحة ما يدعيه، بما يوجب إلغاء القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
……………………………………………………..
وحيث إن مبنى الطعن الماثل يقوم على أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله وشابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال؛ وذلك لأن الحكم الطعين استند في قضائه إلى قرينة نكول الجهة الإدارية عن تقديم هذه المستندات إلى محكمة أول درجة، ولما كانت هذه المحكمة لم تمهل هذه الجهة الوقت الكافي لتقديم هذه المستندات، وقضت بإلغاء القرار المطعون فيه، وهو ما حداها على إقامة طعنها الماثل، فمن ثم تلتزم الجهة الإدارية الطاعنة بتقديم جميع المستندات اللازمة للفصل في هذا الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا، مما تنهار معه تلك القرينة السلبية التي قام عليها الحكم الطعين، بما يوجب إلغاءه، والقضاء برفض الطعن التأديبي رقم 302 لسنة 17ق.
……………………………………………………..
وحيث إن الثابت أن الجهة الإدارية الطاعنة قدمت المستندات اللازمة للفصل في الطعن الماثل، فقد سقطت قرينة النكول التي قام عليها الحكم المطعون فيه.
وحيث إن المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة أنه يتعين لتحقق وقوع مساس من العامل برئيسه من خلال العبارات التي وردت في تظلم أو شكوى قدمها إليه أو إلى غيره من الجهات أن يتحقق في تلك العبارات لفظا ومعنى، وفي إطار الظروف والملابسات التي تحررت فيها، ما يعد خروجا عن حق التظلم والشكوى، بقصد الإيذاء المعنوي للرئيس، سواء بالتشهير به أو إهانته أو تحقيره أو المساس بهيبته أو كرامته بأي وجه من الوجوه، ومن ثم يتعين تحديد مدلول هذه العبارات ومراميها في إطار السياق الكامل لعبارات التظلم أو الشكوى التي حررها العامل، إذ يتعين أن توضع في الاعتبار جميع الظروف والملابسات التي أحاطت بالمتظلم عند تحرير العبارات محل التظلم أو الشكوى .
وحيث إن ما نسب في حق المطعون ضده من مخالفة قوامها امتناعه عن التوقيع على قرار الجزاء الصادر ضده برقم 197 لسنة 2009، وتضمُّن المذكرات المقدمة منه لمدير مديرية الضرائب العقارية بالأقصر عبارات غير لائقة في حقه، فإنها غير ثابتة بحقه؛ لأن رفض العامل التوقيع على قرار مجازاته لا يشكل بذاته مخالفة تأديبية؛ وذلك لأن تسليم الجهة الإدارية للعامل صورة من قرار الجزاء الموقع عليه له وجهان: (الأول) التزام على هذه الجهة مقتضاه ضرورة علم العامل بهذا القرار حتى تسري في حقه جميع الآثار المترتبة على صدور هذا القرار، وحتى يتسنى له إما قبوله أو سلوك طريق التظلم والطعن عليه قضائيا، و(الوجه الثاني) حق العامل في العلم بهذا القرار حتى يتسنى له مواجهته علي النحو المقرر لذلك قانونا، وفي خصوص هذه الحالة فإن الجهة الإدارية قد أوفت بالتزامها القانوني تجاه المطعون ضده بإعلامه بالقرار الصادر بحقه، إلا أنه إذا رفض تسلم صورة منه، فإنه يكون قد تنازل عن حقه صراحة، وَسَرَتْ في حقه جميع الآثار التي عناها وقصدها المشرع في هذا الخصوص، دون توجيه أي اتهام أو مخالفة إليه في هذا الخصوص؛ لتنازله عن حق له، إذ لا تجوز مؤاخذته عن تنازله عن حقوقه الشخصية أو الوظيفية، وما يؤيد هذا النظر ما سبق أن قضت به هذه المحكمة من أن امتناع العامل عن حضور التحقيق الإداري لا يشكل بذاته مخالفة تأديبية، بل يعد تفويتا لفرصته وحقه في الدفاع عن نفسه.
ويضاف إلى ذلك أن العبارات التي أوردها المطعون ضده في المذكرات المقدمة ضد مدير إدارة شئون العاملين بجهة عمله، والتي يدور فحواها ومضمونها حول تعرضه للظلم من عدم توزيع بعض المزايا المالية المقررة لوظيفته فقط، ولما كان ما ورد بالشكوى من عبارات يبين منها أن المطعون ضده قد انتهج أسلوبا قد يراه البعض متسما بالشدة في التعبير عن مكنونات نفسه ورغبته في تصحيح وضع خاطئ أضر به وبزملائه، وبهذا الوصف أتت مفردات التعبير عن مظلمته وشعوره بالظلم على النحو الوارد بتلك الشكوى، والتي لم تتضمن أية عبارات خارجة تنال من الاحترام الواجب لرؤسائه، وبذلك يكون المطعون ضده قد التزم حدود المصلحة العامة في حدود شكواه، وما تفرضه عليه واجبات وظيفته، وإذ صدر القرار المطعون فيه بمجازاته بخصم أجر خمسة أيام من أجره، فإنه يكون مخالفا لصحيح حكم القانون، وواجب الإلغاء.
ولما كان الحكم الطعين قد انتهى إلى النتيجة نفسها التي انتهى إليها الحكم الطعين، ولكن استنادا إلى أسباب أخرى، فإن المحكمة تُحِلُّ الأسباب الواردة في هذا الحكم محل الأسباب التي قام عليها الحكم الطعين، وتقضي برفض الطعن.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعا.