جلسة 28من يناير سنة2007م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ عبد البارى محمد شكرى نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السيد الأستاذ المستشار / السعيد عبده جاهين نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السيد الأستاذ المستشار / محمد الشيخ على نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السيد الأستاذ المستشار / حسونه توفيق حسونه نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السيد الأستاذ المستشار / أحمد منصور محمد نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السيد الأستاذ المستشار / أسامة راشد مفوض الدولة
الطعن رقم 2841 لسنة50ق .عليا
– شئون أعضاء – تأديب – التنبيه فى حد ذاته لا يعد جزاءاً تأديبياً .
التنبيه فى حد ذاته لا يعد جزاءً من الجزاءات التى نصت عليها المادة 76 من قانون هيئة قضايا الدولة رقم 75لسنة1963 معدلاً بالقانون رقم 10 لسنة1986 ، ولا يعدو أن يكون إجراءً يتخذه الرئيس المنوط به حق توجيهه لإثبات خروج عضو الهيئة على مقتضيات وواجبات وظيفته وأن عليه تلافى ذلك مستقبلاً ، إلا أنه فى الوقت ذاته إنما يعد دليلاً على ثبوت الخطأ الذى ارتكبه عضو الهيئة ويرفق بملف خدمته ويظل منتجاً لأثرة عند تقدير مدى صلاحية العضو وأهليته للترقى من عدمه- مع مراعاة أن التنبيه لا يصلح بذاته سبباً للتخطى فى الترقية طالماً لم يقم على أسباب جدية ولم يستند إلى أخطاء تنم على استهتار ورعونة أو عدم كفاءة – تطبيق.
فى يوم السبت الموافق 27/12/2003 أقام الطاعن هذا الطعن بعريضة موقعة من محام مقبول للمرافعة أمام المحكمة الإدارية العليا وأودعت قلم كتاب المحكمة وقيدت بجدولها بالرقم المشار إليه بعاليه، وطلب فى ختامها الحكم بقبول الطعن شكلا، وفى الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه واعتباره كأن لم يكن، مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المطعون ضده الثالث بالمصروفات.
وذكر الطاعن ، بيانا لدعواه أنه يشغل درجة مستشار مساعد ” أ ” بهيئة قضايا الدولة، وبتاريخ 6/6/2002 تم إخطاره بتوجيه تنبيه إليه فى ملف التحقيق رقم 250/7/75/2000 بشأن الدعوى رقم 1079 لسنة 1996 تجارى كلى جنوب القاهرة والمنسوب إليه نية التقاعس فى الإعلان بأصل صحيفة الدعوى المشار إليها، وقد تظلم من التنبيه موضحا أنه لم يباشر تلك الدعوى إلا فى جلستها الأولى فقط وقضى فيها بإحالة الدعوى إلى دائرة أخرى، وأنه قبل جلسة نظر الدعوى وبعد إحالتها لدائرة أخرى لم يكن منوطا به مباشرة الدعوى أو اتخاذ أى إجراء فيها، وإنما كان يختص بها زميل آخر طبقا للتعليمات وتوزيع العمل، وقد ورد إلى الطاعن ملف الدعوى محل المساءلة قبل الجلسة التى حضرها والإعلان غير منفذ، وهذه مسئولية الموظفين الإداريين، كما أن صحيفة الدعوى تم إعدادها بمعرفة عضو آخر بالهيئة، وأنه بعد نظر الدعوى بالجلسة الأولى التى حضرها وإحالتها إلى دائرة أخرى أحيل ملف الدعوى لعضو آخر بالهيئة وقام هو بالتأشير على ملف الدعوى للزميل المحالة إليه حسب الاختصاص فى توزيع العمل باتخاذ اللازم نحو مراعاة الإعلان خلال المواعيد القانونية وكانت مازالت مفتوحة حتى تاريخ إحالة الدعوى بوقت كاف، وقد وافق السيد الأستاذ المستشار/ نائب رئيس الهيئة المشرف على أعمال الطاعن فى حينه على مذكرة الإحالة وقرن توقيعه بعبارة ( على العضو المختص المحال إليه الملف مراعاة الإعلان بأصل الصحيفة خلال المواعيد القانونية )، ومن كل ما تقدم بين أن التنبيه المشار إليه غير قائم على سند صحيح، إلا أنه فوجىء بتاريخ 11/8/2003 بصدور القرار الجمهورى رقم 208 لسنة 2003 متضمنا تخطيه فى الترقية إلى درجة مستشار، فتظلم من هذا القرار بتاريخ 28/9/2003، وخلال الأسبوع الأول من شهر نوفمبر أخطر بالقرار الصادر فى 30/8/2003 برفض التظلم، ولذا فقد أقام الطعن الماثل للحكم له بالطلبات سالفة الذكر.
وينص الطاعن على القرار المطعون فيه مخالفة القانون لانعدام السبب الصحيح وهو قرار التنبيه غير القائم على سند صحيح لعدم ارتكابه أية مخالفة ولا ينال من ذلك تحصن قرار التنبيه بعدم الطعن عليه لأنه قرار منعدم لا يتحصن ولا يرتب أية آثار قانونية، فضلا عن أن ما نسب إليه – بافتراض صحته – لا يبلغ من الجسامة الحد الذى يعد معه مانعا من الترقية أى أن التخطى فى الترقية يفتقد المواءمة، إضافة إلى أنه تم ترقية العديد من زملائه سواء بالقرار المطعون فيه أو بقرارات سابقة عليه رغم وجود تنبيهات بملفات خدمتهم بالمخالفة لمبدأ المساواة مما يصم القرار بعيب إساءة استعمال السلطة والانحراف بها، ولذا يطلب الحكم بالطلبات سالفة الذكر.
وقد تم إعلان تقرير الطعن على النحو الوارد بالأوراق.
وأعدت هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونى فى الطعن – بعد تحضيره – وارتأت فيه، لما قام عليه من أسباب، الحكم بقبول الطعن شكلا، وفى الموضوع بإلغاء القرار رقم 208 لسنة 2003 فيما تضمنه من تخطى الطاعن فى الترقية إلى درجة مستشار مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وتم تداول الطعن بجلسات المرافعة على النحو الثابت بمحاضر جلسات المرافعة، وبجلسة 17/12/2006 قررت المحكمة حجز الطعن للحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة
وحيث استوفى الطعن الأوضاع الشكلية المطلوبة
وحيث تنص المادة رقم 14 من قانون هيئة قضايا الدولة رقم 75 لسنة 1963 على أن: ” يكون التعيين فى وظائف هيئة قضايا الدولة عن طريق الترقية من الدرجات التى تسبقها مباشرة “.
كما تنص المادة رقم 18 من هذا القانون على أنه: ” إذا قدر عضو الهيئة بدرجة أقل من المتوسط أو متوسط فلا تجوز ترقيته إلى الدرجة الأعلى إلا بعد حصوله على تقريرين متتالين فى سنتنين بدرجة فوق المتوسط على الأقل “.
وتنص المادة رقم 28 من ذات القانون على أن: ” لرئيس القسم أو الفرع حق تنبيه الأعضاء فى دائرة اختصاصه إلى ما يقع منهم مخالفا لواجباتهم أو مقتضيات وظيفتهم بعد سماع أقوالهم، ويكون التنبيه شفاهة أو كتابة ، وفى الحالة الأخيرة تبلغ صورة لرئيس الهيئة الذى يبلغها لوزير العدل… ولوزير العدل ولرئيس الهيئة حق تنبيه أعضاء الهيئة بعد سماع أقوالهم على أن يكون لهم حق الاعتراض أمام اللجنة المشار إليها…. “.
وتنص المادة رقم 43 من اللائحة الداخلية لهيئة قضايا الدولة الصادرة بقرار وزير العدل رقم 4286 لسنة 1994 على أن: ” عضو الهيئة مسئول عما يختص بمباشرته من الدعاوى والمنازعات القضائية الأخرى ويتولى الإشراف على الأعمال الإدارية الخاصة بها “.
وتنص المادة رقم 52 من ذات اللائحة على أن: ” يتولى العضو بنفسه اتخاذ كل ما يلزم لتنفيذ قرارات المحكمة فور صدورها ويكلف الموظف المختص بتحرير المكاتبات للجهات ذات الشأن لتنفيذ تلك القرارات ويراقب استعجالها كل أسبوعين كلما دعت الحاجة لذلك “.
وتنص المادة رقم 72 من هذه اللائحة على أن: ” يراقب العضو أعمال الموظفين الذين يعاونونه فى عمله للتثبت من تنفيذ تأشيرته فور صدورها والتحقق من حسن قيامهم بواجبات وظيفتهم ويبلغ الرئيس المختص بكل تقصير فى هذا الشأن “.
وحيث أنه وإن استقرت أحكام هذه المحكمة على أنه ولئن كان التنبيه فى حد ذاته لا يعد جزاءًا من الجزاءات التى نصت عليها المادة 76 من قانون هيئة قضايا الدولة رقم 75 لسنة 1963 معدلا بالقانون رقم 10 لسنة 1986، ولا يعدو أن يكون إجراء يتخذه الرئيس المنوط به حق توجيهه لإثبات خروج عضو الهيئة على مقتضيات وواجبات وظيفته وأن عليه تلافى ذلك مستقبلا، إلا أنه فى الوقت ذاته إنما يعد دليلا على ثبوت الخطأ الذى ارتكبه عضو الهيئة ويرفق بملف خدمته ويظل منتجا لأثره عند تقدير مدى صلاحية العضو وأهليته للترقى من عدمه، وأنه من المسلم به أن الترقية إلى الوظيفة الأعلى – لا سيما بالنسبة لأعضاء الهيئات القضائية – لا تقوم على الكفاية الفنية وحدها، وإنما يتعين أن تتوافر فى المرشح بالإضافة إلى ذلك الأهلية والجدارة للترقية، إلا أنه لا مراء فى أن التخطى فى الترقية – مع ما له من أثر بالغ الضرر على مركز العضو ومستقبله الوظيفى، وما له من آثار سيئة على نفس الإنسان وسمعته بين زملائه – يتعين أن يستند إلى أسباب جدية ظاهرة تنبىء عن عدم جدارة العضو وعدم أهليته لشغل الوظيفة، بمعنى أن يكون التنبيه مستندا إلى وقائع ثابتة ومحققة تشهد بعدم جدارة العضو للترقية وعدم صلاحيته لتحمل أعباء الوظيفة الأعلى، أمام أن تتصيد الجهة الإدارية الأخطاء أو تجعل من التنبيه – كقاعدة عامة – سيفا مسلطا على رقاب الأعضاء تستخدمه حين تشاء للقضاء على المستقبل الوظيفى للعضو والتنكيل به لخطأ هين أو سهو غير مقصود فإنه مما تأباه قواعد العدالة خاصة إذا ما ثبت أن الهيئة المختصة تكيل بمكيالين فتستخدم حد السيف لمن ترغب فى تخطيه وتتغاضى عن زميل آخر وجه إليه تنبيه أيضا وتقوم بترقيته مستندة فى ذلك إلى ما لها من سلطة تقديرية اختصها بها القانون، ولذا فإنه يتعين النظر إلى أسباب التنبيه فى كل حالة على حدة ويتم تمحيصها بحيدة مطلقة فإذا ثبت أن هذا التنبيه – وهو فى الأصل ليس من الجزاءات التى يجوز توقيعها قانونا، وليس من موانع الترقية التى حددها القانون – يستند إلى ارتكاب العضو لأخطاء جسيمة فادحة تدل على عدم أهليته للترقى أو تؤكد استهتاره وعدم التزامه فإنه لا جدال فى أن هذه الأسباب تنقص من جدارة العضو وتخدش أهليته وصلاحيته للترقية إلى الوظيفة الأعلى ، أما إذا كان التنبيه يستند إلى ارتكاب العضو لخطأ يسير غير مقصود، أو هنة مما يمكن أن تقع للإنسان العادى ، ناهيك عن أن يكون الخطأ غير مؤكد الوقوع أو نتيجة سهو مشترك بينه وبين غيره فإن تخطى العضو فى الترقية فى هذه الحالة يكون به شىء من الجور وتصيد الأخطاء وهو مما يستنهض عدالة القضاء ليرد الحق إلى نصابه.
وحيث أنه بإنزال ما تقدم على واقعات النزاع الماثل فإن الثابت من الأوراق أن الطاعن حاصل على تقارير كفاءة تؤهله للترقية، ولا يوجد لديه حائل يحول بينه وبين الترقى مع زملائه، إلا أن جهة الإدارة استندت فى تخطيه فى الترقية إلى سبب وحيد وهو أنه وجه إليه تنبيه برقم 419 فى 27/5/2002 – ملف التحقيق رقم 205/7/75/2000 حيث ثبت تقاعسه فى الإعلان بأصل الدعوى الابتدائية رقم 1079/96 تجارى كلى جنوب القاهرة خلال الميعاد مما ترتب عليه صدور الحكم باعتبار الدعوى كأن لم تكن، فقد ثبت من أوراق التحقيق المشار إليه أن الطاعن لم يقم بتحرير صحيفة تلك الدعوى التى قيدت فى 18/12/1996 ، بل قام بتحريرها زميل آخر له وهو المسئول قانونا عن إعلان الشركة المدعى عليها، وحينما وردت إجابة المحضرين عن الإعلان بأصل الصحيفة لجلسة 17/2/1997 لم يكن أمام الطاعن الذى أحيلت إليه الدعوى وقت لطلب التحريات الإدارية التى تستغرق دائما وقتا طويلا وتتم عادة بعد استئذان المحكمة المختصة فحضر الطاعن هذه الجلسة ، وفيها قررت المحكمة إحالة الدعوى إلى الدائرة 13 تجارى لنظرها بجلسة 23/3/1997 وللإعلان بأصل الصحيفة، فقام الطاعن بإحالة الملف إلى زميله المختص بمباشرة الدعاوى أمام تلك الدائرة وأشر على الملف بمراعاة اللازم ومراعاة مواعيد الإعلان خلال المواعيد المقررة والتى كانت لازالت مفتوحة وبقى به مدة الثلاثة شهور المقررة للإعلان شهر أو أكثر إلا أن الزميل لم يقم بالإعلان مما أدى إلى صدور الحكم باعتبار الدعوى كأن لم تكن.
وحيث أن المستفاد مما تقدم أن الفترة من قيد الدعوى فى 18/12/1996 حتى تاريخ أول جلسة فى 17/2/1997 لم يكن ملف الدعوى بيد الطاعن إلا بعد إحالته إليه قبل تاريخ الجلسة المذكورة، وقد تم إرسال الإعلان بالفعل للجلسة المذكورة إلا أن إجابة المحضرين وردت بعدم وجود الشركة بمقرها وانتقالها منه فحضر الطاعن هذه الجلسة الوحيدة ، وفيها قررت المحكمة إحالة الدعوى إلى دائرة أخرى تدخل فى اختصاص زميل آخر فأحال إليه الملف مؤشرا عليه بمراعاة مواعيد الإعلان وقد بقى منها أكثر من شهر، وأشر بنفس التأشيرة المستشار المشرف على أعماله، فمن ثم يكون إلزام الطاعن بمتابعة الإعلان بعد إحالة الدعوى إلى زميل آخر مما يتنافى وطبائع الأمور، ولذا فإن هذا الأمر لا يعد خطأ يدلل على استهتار الطاعن أو عدم جديته فى عمله، ولا يوصم كفاءته وقدرته على القيام بأعباء وظيفته ولا يوهن فى جدارته للترقية، ومن ثم يكون الاستناد إلى هذا السبب وحده لتخطيه فى الترقية غير متفق وأحكام القانون ، ويتسم بإساءة استعمال السلطة.
وحيث أنه لا يغير من ذلك ما تستند إليه الهيئة المطعون ضدها من التنبيه الموجه للطاعن قد أصبح نهائيا بعدم الطعن عليه خلال المواعيد، إذ سبق القول بأن التنبيه ليس من الجزاءات المحددة قانونا، ولا يصلح بذاته سببا للتخطى فى الترقية طالما لم يقم على أسباب جدية ولم يستند إلى أخطاء تنم عن استهتار ورعونة أو عدم كفاءة ، فضلا عن أن الهيئة ذاتها قد غضت الطرف عن زملاء آخرين للطاعن تم ترقيتهم بالقرار المطعون فيه وما سبقه من قرارات بمقولة أنها قدرت أن ما استندت إليه هذه التنبيهات من أسباب لا تنال من جدارتهم وأهليتهم.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفى الموضوع بإلغاء القرار رقم 208 لسنة 2003 المطعون فيما تضمنه من تخطى الطاعن فى الترقية إلى درجة مستشار، وما يترتب على ذلك من آثار.