جلسة 19 من فبراير سنة 2002م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/محمد يحيى حسن صبرى
نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ كمال زكى عبدالرحمن اللمعى، ومحمود إبراهيم عطاالله، ومنير صدقى يوسف خليل، وعبدالكريم محمود صالح الزيات
نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ خالد محمد طلعت
مفوض الدولة
وسكرتارية السيد/ جمال طه المهدى
سكرتير المحكمة
الطعن رقم 3466 لسنة 36 قضائية عليا
ـ تنفيذ العقد ـ التزام الجهة الإدارية بتمكين المتعاقد معها من البدء فى التنفيذ ـ أثره.
الخطأ العقدى هو عدم قيام المدين بتنفيذ التزاماته الناشئة عن العقد أيًا كان السبب فى ذلك ـ يستوى فى هذا أن يكون عدم التنفيذ ناشئاً عن عمده أو إهماله أو فعله دون عمد أو إهمال ـ جهة الإدارة عليها التزامات عقدية أخصها أن تمكن المتعاقد معها من البدء فى تنفيذ العمل ومن المضى فى تنفيذه حتى يتم إنجازه ـ إذا لم تقم بهذا الالتزام فإن هذا يكون خطأ عقدياً فى جانبها يحق معه للمتعاقد معها طلب فسخ العقد، فضلاً عن استحقاقه للتعويض الجابر لما أصابه من أضرار ـ ترتيباً على ذلك ـ عدم قيام جهة الإدارة بتنفيذ التزامها بتسليم المتعاقد معها موقع العمل مما ترتب عليه وقف العملية مدة طويلة تجاوز المعقول يعد إخلالاً جسيماً من جانب الإدارة بواجباتها مما يقوم سبباً مبرراً لفسخ العقد المبرم بينهما وتعويض المتعاقد معها عما أصابه من أضرار بسبب ذلك ـ تطبيق.
فى يوم الخميس الموافق 23 من أغسطس سنة 1990 أودعت هيئة قضايا الدولة نيابة عن الطاعنين “بصفاتهم” قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية فى الدعوى رقم 1022 لسنة 38 القضائية بجلسة 28/6/1990، والذى قضى بفسخ العقد المبرم مع المدعى بشأن عملية إنشاء مكتب بريد المندرة وبرد التأمين المدفوع منه وإلزام الإدارة بأن تؤدى له تعويضاً مقداره خمسة عشر ألف جنيه وإلزامها المصروفات.
وطلب الطاعنون للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداً :
أولاً: بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها على غير ذى صفة بالنسبة للطاعنين الأول والثالث والرابع.
ثانياً: برفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده المصروفات.
وتم إعلان تقرير الطعن للمطعون ضده على النحو المبين بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريراً مسبباً بالرأى القانونى فى الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به ضمنيًا من قبول الدعوى شكلاً بالنسبة للطاعنين الأول والثالث والرابع، والقضاء مجدداً بعدم قبول الدعوى بالنسبة لهم لرفعها على غير ذى صفة، وإخراجهم من الدعوى بلا مصروفات ورفض ماعدا ذلك من طلبات مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 3/11/1999 وفيها أودع الحاضر عن الدولة مذكرة دفاع صمم فيها على طلباته الواردة بتقرير الطعن، وبجلسة 1/3/2000 أودع الحاضر عن الدولة حافظة مستندات طويت على ما هو مدون بخلافها من مستندات، كما قدم ما يفيد تمام إعلان المطعون ضده، وبجلسة 6/9/2000 قدم الحاضر عن الدولة حافظة مستندات طويت على ما هو مدون بغلافها من مستندات. وبجلسة 4/4/2001 قررت الدائرة إصدار الحكم بجلسة 6/6/2001 وفيها قرِرت الدائرة إحالة الطعن إلى الدائرة الثالثة ـ عليا موضوع ـ لنظره بجلسة 7/8/2001، ونظر الطعن بالجلسة المشار إليها وقررت التأجيل لجلسة 23/10/2001 لإخطار المطعون ضده، وفيها قررت إصدار الحكم بجلسة 19/2/2002، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، والمداولة.
من حيث إن الطعن استوفى سائر أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص ـ حسبما يبين من الأوراق ـ أنه بتاريخ 7/4/1982 أقام المدعى ـ المطعون ضده ـ الدعوى رقم 1022 لسنة 38 القضائية بصحيفة أودعها قلم كتاب محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية، طلب فى ختامها الحكم بوقف تنفيذ قرار رئيس حى المنتزه الصادر فى 25/1/1984 بإعادة طرح عملية إنشاء مكتب بريد المندره على حسابه، وفى الموضوع إلغاء هذا القرار وبفسخ عقد المقاولة المحرر بينه وبين رئيس حى المنتزه وإلزام المدعى عليهم متضامنين بأن يدفعوا له مبلغ ثلاثين ألف جنيه كتعويض عما فاته من كسب وما لحقه من خسارة.
وقال ـ شرحاً لدعواه ـ إنه بجلسة 15/6/1981 رست عليه مناقصة عملية إنشاء مكتب بريد المندره، وشملت العملية فى الأصل إقامة خمسة أدوار، ثم خُفضت إلى دور أرضى ودور مسروق، ووافقت لجنة البت على ذلك بجلسة 16/2/1982 على أن يتم التعاقد فى حدود مبلغ 75 ألف جنيه ومدة التنفيذ خمسة عشر شهراً. وتم اعتماد توصية لجنة البت من رئيس حى المنتزه فى 3/3/1982، وبتاريخ 20/3/1982 تم التعاقد، وبتاريخ 22/3/1982 صدر له أمر التشغيل وبتاريخ 5/4/1982 تم تشكيل لجنة لتسليمه موقع الأعمال للتنفيذ، فتبين لها وجود معوقات عديدة تحول دون التنفيذ تمثلت فى ثلاثة خنادق صرف صحى بالموقع تشكل 12 مترًا مربعًا وتملأ الموقع بمياه الصرف الصحى نتيجة كسر المواسير الخاصة بغرف التفتيش، وكذا وجود غرفة بالناحية الغربية مقامة بالطوب الأحمر تشغل مساحة 10.5 م2 يشغلها شخص يدفع عنها عوائد للحى، فضلاً عن وجود غرفة أخرى خلف الغرفة السابقة تشغل مساحة 14م2. ونظراً لوجود هذه المعوقات فقد طلب سرعة إزالتها حتى يتمكن من البدء فى التنفيذ. وبعد حصوله على وعود متكررة بذلك قام بتشوين مواد البناء الخاصة بالعملية وعمل الجسات وتقديم تقرير فنى استشارى خاص، وقد أرسل إلى الحى العديد من المكاتبات يطلب فيها سرعة تسليمه الموقع وآخرها كتابه المؤرخ فى 7/11/1982 والذى طلب فيه إلغاء التعاقد أو تكوين لجنة لدراسة أسعار العملية التى مضى على فتح مظاريفها أكثر من ستة عشر شهراً زادت خلالها أسعار المواد والعمالة، وعاود الكتابة إلى الحى بذات الطلبات فى 1/2/1983. وبتاريخ 12/4/1983 تلقَّى كتاباً من الحى يخطره بأنه تم إخلاء الموقع من المعوقات وطلب حضوره فى موعد أقصاه 14/4/1983 لاستلام الموقع، وقد رد المدعى بطلب رفع الأسعار بما يتناسب والأسعار السائدة إلا أن الحى لم يستجب لذلك، وتوجه لاستلام الموقع فى 29/10/1983 وجد الاشغالات مازالت قائمة وحرر عنها المحضر رقم 34ج نقطة المندره، وبتاريخ 6/2/1984 تلقى كتاباً من الحى يفيد سحب الأعمال والتنفيذ على حسابه.
وبجلسة 21/5/1987 حكمت المحكمة ـ تمهيدياً ـ وقبل الفصل فى الموضوع بإحالة الدعوى إلى مكتب خبراء وزارة العدل ليندب من بين أعضائه خبيراً مختصاً لمباشرة المهمة المحددة بأسباب هذا الحكم. وبتاريخ 10/4/1989 أودع الخبير المنتدب تقريره فى الدعوى.
وبجلسة 28/6/1960 حكمت المحكمة بفسخ العقد المبرم مع المدعى بشأن إنشاء مكتب بريد المندره وبرد التأمين المدفوع منه وألزمت الإدارة بأن تؤدى له تعويضًا مقداره خمسة عشر ألف جنيه والمصروفات. وشيَّدت المحكمة قضاءها على أن الجهة الإدارية تراخت فى إزالة المعوقات الموجودة بالموقع وحالت بخطئها دون استلام الموقع والبدء فى تنفيذ الأعمال، واستطال ذلك التراخى فى تسليم الموقع الأمد المعقول حيث استمر ذلك لمدة تناهز العامين حال أن العملية محدد لتنفيذها خمسة عشر شهراً، وأن ذلك يقوم سبباً مبرراً لفسخ العقد المبرم بينها وبين المدعى ورد التأمين المودع منه وتعويضه عن الأضرار التى أصابته من جراء ذلك.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه وتأويله وشابه القصور فى التسبيب للأسباب الآتية:
(1) أن العقد محل النزاع أبرم بين المطعون ضده والطاعن الثانى (رئيس حى المنتزه بصفته) والذى له صفة المثول أمام القضاء عملاً بحكم المادة (4) من قانون الإدارة المحلية الصادر بالقانون 43 لسنة 1979 وعليه فإن كلاً من الطاعنين الأول والثالث والرابع لا صفة لهم فى الدعوى، وكان يتعين الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة لهم لرفعها على غير ذى صفة، وإذ لم يقتصر الحكم المطعون فيه بذلك يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون.
(2) أن الثابت من الأوراق أن جهة الإدارة قد أزالت جزءاً كبيراً من الموانع وأخطرت المطعون ضده بذلك فى 21/6/1982، كما أنها قد أزالت جميع الموانع وأخطرت المطعون ضده بذلك فى 12/4/1983 أى بعد سنة من صدور أمر الشغل الصادر فى 22/3/1982، وهو أمد معقول لا يصلح سندًا لفسخ العقد مما يكون معه الحكم بفسخ العقد غير قائم على سند صحيح من القانون.
(3) أن الحكم المطعون ضده قدر التعويض المستحق للمطعون ضده دون تبيان لعناصر الضرر، فضلاً عن أن المبلغ المقضى به على سبيل التعويض مبالغ فيه لأنه يعادل 20% من قيمة العملية جميعها والبالغ قدرها 75000 جنيه.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن العقد محل النزاع أبرم ما بين المطعون ضده ورئيس حى المنتزه “بصفته” وطبقاً لأحكام المادة الرابعة من قانون الإدارة المحلية الصادرة بالقانون
رقم 43 لسنة 79 رؤساء الوحدات المحلية يمثلونها أمام القضاء وفى مواجهة الغير، فمن ثَمَّ يتعين الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة لكل من المدعى عليهم الأول والثالث والرابع لرفعها على غير ذى صفة وإذ لم يقض الحكم المطعون فيه بذلك يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون.
ومن حيث إنه من المستقر عليه فى قضاء هذه المحكمة أن الخطأ العقدى هو عدم قيام المدين بتنفيذ التزاماته الناشئة عن العقد أيًا كان السبب فى ذلك يستوى فى هذا أن يكون عدم التنفيذ ناشئًا عن عمده أو إهماله أو فعله دون عمد أو إهمال.
كما أنه من المقرر أن العقد الإدارى يولد فى مواجهة جهة الإدارة التزامات عقدية أخصها أن تمكن المتعاقد معها من البدء فى تنفيذ العمل ومن المضى فى تنفيذه حتى يتم إنجازه فإذا لم تقم بهذا الالتزام فإن هذا يكون خطأً عقدياً فى جانبها يخول المتعاقد معها الحق فى طلب فسخ العقد، فضلاً عن استحقاقه للتعويض الجابر لما أصابه من أضرار بسبب ذلك.
كما جرى قضاء هذه المحكمة على أن عدم قيام جهة الإدارة بتنفيذ التزامها بتسليم المتعاقد معها موقع العمل مما يترتب عليه وقف العملية مدة طويلة تجاوز المعقول يعد إخلالاً جسيماً من جانب الإدارة بواجباتها مما يقوم سبباً مبرراً لفسخ العقد المبرم بينهما وتعويض الطاعن
عما أصابه من أضرار بسبب ذلك.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الجهة الإدارية حالت بين المطعون ضده والبدء فى تنفيذ العملية الراسية عليه بسبب عدم قيام الجهة الإدارية بتنفيذ التزاماتها بتسليم موقع العملية فى مدة معقولة تمكن المطعون ضده من التنفيذ، إذ إن الثابت أن العملية رست بتاريخ 15/6/1981 دون دراسة كافية للمواقع والموانع التى تحول دون التنفيذ، وصدر للمطعون ضده أمر الشغل فى 22/3/1982 رغم وجود عوائق وموانع بالموقع تحول دون الاستلام والبدء فى التنفيذ، وقد أثبت ذلك محضر تسليم الموقع المؤرخ فى 5/4/1982 أكد الخبير المنتدب فى الدعوى فى تقريره أن هذه العوائق كانت تحول دون البدء فى العمل لأنها تشمل معظم الأرض المزمع إقامة المشروع عليها، ورغم قيام المطعون ضده بإخطار الجهة الإدارية بإزالة العوائق بالعديد من المكاتبات إلا أن الجهة الإدارية تقاعست واستمر وجود تلك العوائق بالموقع ولم يتم إزالتها إلاَّ بتاريخ 13/4/1983 أى بعد ما يقرب من عامين من رسو العملية على المطعون ضده وبعد أكثر من عام على صدور أمر الشغل إليه، حال أن العملية محدد لنهوها خمسة عشر شهراً، وعليه يكون الثابت أن الجهة الإدارية لم تنشط فى تسليم الموقع خاليًا من الموانع لمدة جاوزت المعقول، مما يشكل خطأ عقدياً فى جانبها يقوم سبباً مبرراً لفسخ العقد.
ومن حيث إنه قد ثبت الخطأ العقدى فى جانب الجهة الإدارية وقد ترتب على هذا الخطأ إصابة المطعون عليه بأضرار مادية تمثلت فيما لحق به من خسارة لما هو ثابت من الأوراق ومن تقرير الخبير المنتدب أن المطعون ضده أجرى أعمال جسات للتربة بمعرفة مهندس استشارى كما نقل بعض التشوينات إلى الموقع وأعد الدراسات والتصميمات اللازمة لتنفيذ المشروع، وتمثلت كذلك فيما فاته من كسب فى حالة قيامه بتنفيذ العملية وقد توافرت رابطة السببية بين الخطأ والضرر.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد خلص إلى خطأ الجهة الإدارية وقضى بفسخ العقد ورد التأمين المدفوع لذات الأسباب سالفة البيان، كما قضى بأحقية المطعون ضده فى التعويض لتوافر أركانه وقدر التعويض الواجب أداؤه للمطعون ضده بمبلغ خمسة عشر ألف جنيه، وقد قام هذا التقدير على العناصر والأسس سالفة البيان، ويعد مناسباً وجابراً للأضرار التى لحقت المطعون عليه، ومن ثَمَّ يكون الحكم المطعون عليه قد صادف صحيح حكم القانون ويكون الطعن عليه غير قائم على سند من الواقع والقانون خليقاً بالرفض.
ومن حيث إن من خسر الدعوى يلزم مصروفاتها عملاً بحكم المادة (184) مرافعات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة
بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه بعدم قبول الدعوى بالنسبة للمدعى عليهم الأول والثالث والرابع لرفعها على غير ذى صفة، وتأييده فيما عدا ذلك، وبرفض الطعن، وألزمت الطاعن الثانى بصفته المصروفات.