جلسة 2 من مارس سنة 2002م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ عبدالرحمن عثمان أحمد عزوز
رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ على فكرى حسن صالح، ود. محمد ماجد محمود أحمد، ويحيى خضرى نوبى محمد، وأحمد عبدالحميد حسن عبود
نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ فريد نزيه حكيم تناغو
مفوض الدولة
وحضور السيد/ كمال نجيب مرسيس
سكرتير المحكمة
الطعن رقم 7516 لسنة 45 قضائية عليا
ـ الطبيعة القانونية للترخيص ـ الفرق بين الترخيص والقرار الإدارى.
الترخيص تصرف إدارى يتم بالقرار الصادر بمنحه، وهو تصرف مؤقت بطبيعته بحكم كونه لا يرتب حقاً ثابتاً نهائياً كحق الملكية، بل يخوِّل للمرخص له مركزًا قانونيًا مؤقتًا يرتبط حقه فى التمتع به وجوداً وعدماً بأوضاع وظروف وشروط وقيود يترتب على تغييرها أو انقضائها
أو الإخلال بها أو مخالفتها جواز تعديل أوصاف هذا الترخيص أو سقوط الحق فيه بتخلف شرط الصلاحية للاستمرار فى الانتفاع به أو زوال سبب منحه أو انقضاء الأجل المحدد له
أو تطلب المصلحة العامة إنهاءه ـ يفترق الترخيص عن القرار الإدارى الذى يكتسب حصانة عامة ـ ولو كان خاطئاً ـ حصانة معصومة من السحب أو الإلغاء متى صار نهائيًا بمضى وقت معلوم واستقر به مركز قانونى أصبح غير جائز الرجوع فيه أو المساس به ـ تطبيق.
ـ الترخيص بالانتفاع به ـ التفرقة بين الانتفاع العادى وغير العادى ـ سلطة الجهة الإدارية بشأن الترخيص بالانتفاع غير العادى.
الترخيص للأفراد بالانتفاع بجزء من المال العام يختلف فى مداه وفيما يخوِّله للأفراد من حقوق على المال العام بحسب ما إذا كان هذا الانتفاع عادياً أو غير عادى، ويكون الانتفاع عادياً إذا كان متفقاً مع الغرض الأصلى الذى خُصّص المال من أجله، كما هو الشأن بالنسبة إلى أراضى الجبانات وأراضى الأسواق العامة وما يخصص من شاطئ البحر لإقامة الكبائن والشاليهات، ويكون الانتفاع غير عادى إذا لم يكن متفقاً مع الغرض الأصلى الذى خصص له المال العام كالترخيص بشغل الطريق العام بالأدوات والمهمات والأكشاك ـ فى الانتفاع غير العادى يكون الترخيص للأفراد باستعمال جزء من المال العام من قبيل الأعمال الإدارية المبنية على مجرد التسامح، وتتمتع الجهة الإدارية بالنسبة لهذا النوع من الانتفاع بسلطة تقديرية واسعة فيكون لها إلغاء الترخيص فى أى وقت بحسب ما تراه متفقاً مع المصلحة العامة باعتبار أن المال لم يخصص فى الأصل لمثل هذا النوع من الانتفاع، وأن الترخيص باستعماله على خلاف هذا الأصل عارض ومؤقت بطبيعته، ومن ثَمَّ يكون قابلاً للإلغاء أو التعديل فى أى وقت لدواعى المصلحة العامة ـ تطبيق.
فى يوم الخميس الموافق 5/8/1999 أودع الأستاذ/ أحمد محمود، المحامى بصفته وكيلاً عن رئيس الشركة الطاعنة بموجب توكيل رسمى عام برقم 141 بتاريخ 11/1/1998 ـ مكتب توثيق مصر الجديدة النوذجى قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا ـ تقريرًا بالطعن قيد بجدولها تحت رقم 7516 لسنة 45ق. عليا فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى “الدائرة الثامنة” فى الدعوى رقم 8454 ق لسنة 48 بجلسة 8/6/1999 والذى قضى منطوقه “بقبول الدعوى شكلاً، ورفضها موضوعاً، وألزمت الشركة المدعية المصروفات”.
وطلبت الشركة الطاعنة ـ للأسباب الواردة بتقرير الطعن ـ الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلزام الجهة الإدارية برد المبالغ التى تقاضتها بالزيادة شهرياً والبالغ قدرها 1161.84 جنيه اعتباراً من 1/7/1992 وحتى الآن وما يستجد، مع إلزام المطعون ضدهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وشمول الحكم بالنفاذ المعجل طليقاً من قيد الكفالة.
وقد أعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضدهما على النحو الثابت بالأوراق.
وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريراً مسبباً بالرأى القانونى فى الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع برفضه، وإلزام الطاعن بصفته المصروفات.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة بجلسة 6/11/2000 وتداولت نظره بالجلسات على النحو المبين بمحاضرها، بجلسة 7/5/2001 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى ـ موضوع)، وحددت لنظره أمامها جلسة 23/6/2001، وبعد تداوله بالجلسات على النحو الثابت بالمحاضر قررت المحكمة بجلسة 8/12/2001 إصدار الحكم بجلسة 2/3/2002 مع التصريح بتقديم مذكرات لمن يشاء خلال شهر، وبتاريخ 3/1/2002 أودعت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاع الجهة الإدارية المطعون ضدها اختتمت بطلب الحكم برفض الطعن، وإلزام الشركة الطاعنة بالمصاريف.
وبجلسة اليوم صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانونًا.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعة الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص ـ حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق ـ فى أن الشركة الطاعنة أقامت الدعوى رقم 8454 لسنة 48ق أمام محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة ـ الدائرة الثامنة ـ بموجب عريضة أودعتها قلم كتابها بتاريخ 13/9/1994 طالبة الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار رئيس حى وسط القاهرة الصادر بتحديد القيمة الإيجارية للمحل الذى تشغله الشركة الطاعنة برقم 7 ميدان قشتمر بحى وسط القاهرة بمبلغ 1180 جنيهاً شهرياً، ووقف كافة آثاره وجعل القيمة الإيجارية الشهرية للمحل بواقع 18.160 جنيهاً وفقًا لسجلات مأمورية إيرادات محافظة القاهرة وكتاب الحى رقم 662 فى 11/7/1990، ورد كافة المبالغ التى قام الحى بتحصيلها اعتباراً من 1/7/1992 حتى تاريخ صدور الحكم وبعد عمل المقاصة بين الأجرة الباطلة والأجرة القانونية، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
على سند من القول إنه إعمالاً لقرار مجلس محافظة القاهرة الصادر بتاريخ 16/11/1970 لتخصيص بعض الأماكن للشركة لبيع وتسويق الأسماك، فقد تسلمت الشركة الموقع الكائن بحديقة ميدان قشتمر بالظاهر وتم تجهيزه للغرض المخصص من أجله، كما أبرم بشأنه عقد إيجار بينها وبين الحى المدعى عليه الثانى فى 22/5/1971 تضمَّن فى البند الأول منه استمرار العقد لمدة عشر سنوات قابلة للتجديد لمدد أخرى مماثلة، وقد تحددت القيمة الإيجارية الاسمية للموقع بواقع 18.160 شهرياً وقد تجدد العقد لمدد أخرى آخرها المدة من عام 1991 حتى عام 2001، وأنه تنفيذاً لتعليمات وزير التموين بتطوير وتجميل منافذ التوزيع فقد قامت بإجراء تطوير للمحل على ذات المساحة التى تشغلها منذ عام 1970 ومقدارها 132.25 م2 إلا أن حى وسط القاهرة اعترض على ذلك وأصدر قرارًا بإزالة عمودين كانا قد أقيما بغرض بناء غرفة مساحتها 17م2 تلحق بالمحل ثم أعقب ذلك مطالبته الشركة بمقابل انتفاع عن المساحة الفعلية التى شغلها والمقدرة بمساحة 118م2 اعتباراً من 1/7/1992 حتى 31/1/1994 بواقع عشرة جنيهات شهرياً للمتر المربع بوصف الموقع من المواقع المتميزة وتهديده بقطع المرافق من كهرباء ومياه عن الموقع، وإنه إزاء ذلك لجأت الشركة إلى محافظ القاهرة ونائبه للفصل فى الخلاف القائم بين الشركة والحى، حيث تم عرض الأمر على المستشار القانونى لمحافظة القاهرة الذى خلص إلى التزام الشركة بحدود القطعة المستغلة منذ عام 1970 وما زاد على ذلك فللجهة الإدارية إما إزالته أو تقرير مقابل انتفاع له، ووافق المحافظ على هذا الرأى إلا أن الحى المذكور لم يمتثل لهذا القرار ونفذ تهديده بالفعل بقطع المرافق عن الموقع، مما اضطر الشركة إلى سداد المقابل المقرر، ناعيةً على القرار المطعون فيه بالبطلان ومخالفته للعقد المبرم بين الطرفين والذى لا يجوز تعديله أو فسخه بالإرادة المنفردة للجهة الإدارية، كما أن الموقع المشار إليه لا تسرى عليه لائحة الأسواق لعدم انطباق أحكامها، فضلاً عن حقيقة المساحة التى تشغلها بالفعل 132.25م2، مختتمة عريضة دعواها بطلب الحكم بما تقدم.
وبجلسة 8/6/1999 حكمت محكمة القضاء الإدارى “الدائرة الثامنة” بقبول الدعوى شكلاً، ورفضها موضوعًا وألزمت الشركة المدعية المصروفات.
وشيدت المحكمة قضاءها على أساس أن الثابت من الأوراق أنه سبق أن صدر قرار محافظة القاهرة رقم 429 لسنة 1970 بالموافقة على تخصيص أماكن من أملاك المحافظة لإنشاء محال لبيع الأسماك، وقد خصص للشركة المدعية 17م2 من حديقة قشتمر كمنفذ لبيع وتسويق الأسماك وفقاً لمحضر التسليم وحرر بتاريخ 22/5/1971 ترخيصًا بالانتفاع بين الطرفين وإن كان قد أطلق عليه “عقد إيجار” ودوَّن فيه بأن محضر التسليم يعد جزءًا من العقد، واستمرت الشركة المدعية شاغلة للمساحة المرخص لها بها، وإن كانت قد أشارت إلى أن المساحة التى شغلتها 132م2 حتى عام 1990، حيث شرعت فى إجراء أعمال بناء وتعدى على باقى مساحة الحديقة بدعوى تحديث الفرع وتطويره رغم عدم موافقة الجهة الإدارية واتخاذها إجراءات إزالة التعديات وإخطارها الشركة المدعية فى 11/7/1990 بالكتاب رقم 5692 بعدم تجاوز المساحة المحددة بمحضر التسليم وإلا سيتم إلغاء الترخيص، ثم أجرت بتاريخ 23/1/1993 معاينة للموقع فتبين قيام الشركة المدعية بإعادة بناء المبنى ليصبح على شكل مثمن الأضلاع وعلى مسطح كلى حوالى 118م2 مسطح، فارتأت الجهة الإدارية أن الموقع السابق قد هدم وأعيد بناؤه وتحديثه وتوسيعه على نحو لا يتفق مع الترخيص السابق، وبالتالى أخطرت الشركة المدعية بتقرير مقابل انتفاع جديد للمساحة التى تشغلها بواقع عشرة جنيهات للمتر شهرياً اعتباراً من تاريخ افتتاح الموقع بعد تحديثه فى 1/7/1992، الأمر الذى يكون معه مسلكها قائماً على سببه الصحيح ومتفقاً مع واقع الحال وما آل إليه الموقع بعد تحديثه وبمراعاة الظروف الاقتصادية والمساحة الحالية التى تشغلها الشركة.
ومن حيث إن مبنى الطعن المقدم من الشركة الطاعنة أن الحكم المطعون فيه قد صدر مخالفاً لأحكام القانون والثابت بالمستندات ومجحفاً بحقوقها للأسباب الآتية:
1 ــ إن الشركة الطاعنة تشغل العين محل التداعى بموجب عقد إيجار مؤرخ فى 22/5/1971 مبرم بينها وبين المطعون ضده الثانى، وقد انصرفت إرادتهما على تطبيق أحكام هذا العقد ومن ثَمَّ لا يجوز للمطعون ضده المذكور تعديل العقد بدون موافقة الطرف الثانى قانوناً، وحيث تضمَّن العقد المذكور تحديد القيمة الإيجارية للعين بمبلغ 18.16 فقط فى حين قام المطعون ضده الثانى وبإرادته المنفردة بإصدار قرار جديد بتعديل الأجرة بواقع (1180 جنيهاً شهرياً) على زعم أن مقابل الانتفاع هو (10) جنيهات للمتر بالمخالفة لأحكام العقد المذكور.
2 ـــ إن الشركة بعد أن قامت بالصرف على الفرع وتطويره من أموال المعونة الإيطالية لتطوير منافذ التوزيع وبعد موافقة حى وسط القاهرة وتكبدت فى سبيل ذلك مصروفات مقدارها (عشرون ألف جنيه)، فقد قام الحى المذكور فى تاريخ لاحق ومعاصر فى الوقت نفسه لهذا التطوير بمطالبتها بمبلغ ضخم قدره 1180 جنيهاً بواقع 10 جنيهات للمتر على سند أن لائحة الأسواق تحدد هذا المبلغ وقامت الشركة بسداد هذا المبلغ إذعانًا نتيجة تهديد الحى بقطع المياه والكهرباء عن العين المؤجرة وحرصاً منها على الصالح العام والمصروفات التى كانت معرضة للضياع.
3ــ إن قرار رئيس الحى بتحديد مبلغ 10 جنيهات مقابل انتفاع للمتر الواحد بدعوى أن العين تقع فى منطقة متميزة، وهو قول مرسل وغير صحيح وأن الشركة على استعداد تقديم ما يثبت أنه لا يوجد مواطن قد استأجر من الحى بمثل هذه الأجرة فى ذات المنطقة أو حتى من القطاع الخاص مما يدل على التعسف فى استعمال السلطة، كما أن الباعث على إصدار هذا القرار هو إفساح المجال لمحلات القطاع الخاص المجاورة لفرض أسعارها بالمنطقة.
4ــ إن الشركة قامت بسداد مبلغ 1161.84 بالزيادة شهرياً عن الأجرة المتفق عليها ومقدارها 18.16 جنيه شهرياً مما يحق لها استرداد المبالغ المسددة بدون وجه حق طبقاً لحكم المادة 181 مدنى.
5 ــ إن ما ورد بالحكم المطعون فيه من أن الشركة الطاعنة قامت بتوسيع المحل بالمخالفة للترخيص السابق وهدم المحل مخالفاً للواقع والاتفاق، حيث لم تقدم الجهة الإدارية دليلاً على صحة زعمها، كما أن الشركة لجأت إلى المطعون ضده الأول الذى أحال الموضوع للمستشار القانونى للمحافظة الذى أيَّد طلب الشركة من حيث استمرارها فى المساحة التى تشغلها بنفس الإيجار، وحيث إن المساحة التى كانت تشغلها الشركة هى 118 متراً مربعاً طبقاً للترخيص والاتفاق (العقد) فإن ما تدعيه الجهة الإدارية من أن حقها تعديل مقابل الانتفاع هو قول غير صحيح ولا يتفق مع الواقع.
ومن حيث إن الثابت من مطالعة الأوراق أنه بتاريخ 16/11/1970 صدر قرار مجلس محافظة القاهرة رقم 429 لسنة 1970 بشأن تخصيص أماكن لبيع وشراء الأسماك متضمناً الموافقة على تخصيص الأماكن ملك المحافظة الموضحة فى المذكرة المقدمة للمجلس لإنشاء محال لبيع الأسماك بمعرفة شركتى الأهرام والنيل للمجمعات الاستهلاكية …. وقد تضمنت تلك المذكرة موقع حديقة ميدان قشتمر بالظاهر ونفاذًا لهذا القرار أبرم بتاريخ 22/5/1971 عقد إيجار، بين كل من رئيس مجلس حى وسط القاهرة بصفته ـ مؤجر طرف أول ـ ورئيس مجلس إدارة الشركة المصرية لتسويق الأسماك ـ مستأجر طرف ثان ـ قطعة الأرض الكائنة بميدان قشتمر قسم الظاهر المخصصة بقرار مجلس القاهرة رقم 429 لسنة 1970 سالف الذكر لإعداد محال لعرض بيع الأسماك الطازجة والمشوية.
ونص هذا العقد فى بنده الأول على أنه : “انعقد هذا الإيجار لمدة عشر سنوات تبدأ من ………. وتنتهى فى ………. وتجدد لمدة أخرى مماثلة ما لم يخطر أحد الطرفين الآخر بكتاب مسجل بعلم وصول قبل انتهاء مدة الإيجار بستة شهور على الأقل برغبته فى إنهاء العقد”.
كما نص البند العاشر منه على أنه “صرح الطرف الأول للمستأجر باستلام العين بعد أن مكنه من الانتفاع بها فى الغرض المتقدم بيانه، ويعتبر التوقيع على هذا العقد بمثابة محضر تسليم وتسلم بين الطرفين لقطعة الأرض المؤجرة”.
ونص البند الحادى عشر من العقد المذكور على أنه:”قبل المستأجر الانتفاع بالعين بالقيمة الإيجارية الاسمية التى يصدر بها قرار من المجلس أو من الجهة المختصة بتقديرها، ويلتزم بسدادها فى المواعيد التى ستحدد للوفاء بها إلى مأمورية الإيرادات المختصة بمحافظة القاهرة”.
ومن حيث إنه وإن كان الثابت من مطالعة العقد المذكور فى أن بنوده لم تتضمن تاريخ بداية سريانه، وجملة المسطح محل التعاقد والقيمة الإيجارية الاسمية المتفق عليها إلا أن جهة الإدارة قد أفصحت أن هذه المساحة قدرها 17 مترًا مربعًا وتسلمتها الشركة الطاعنة بموجب محضر تسليم مؤرخ 22/5/1971 ـ ومؤشر بذلك بهامش العقد ـ وذلك مقابل إيجار شهرى مقداره 18.160 جنيه (مستند رقم 2 بحافظة مستندات هيئة قضايا الدولة المودعة أمام محكمة أول درجة، بجلسة 24/1/1996).
ومن حيث إنه لا خلاف بين أطراف الخصومة فى أن الأرض محل المنازعة جزء من حديقة ميدان قشتمر بالظاهر أى كانت مخصصة قبل تسليمها للشركة الطاعنة حديقة عامة، وهو أحد أغراض المنفعة العامة وبذلك تدخل فى نطاق الدومين العام ومن ثَمَّ فإن العلاقة بين حى وسط القاهرة المنوط به الإشراف على هذه الأرض والشركة الطاعنة ليست علاقة إيجارية تخضع لأحكام وقواعد تأجير الأماكن الواردة فى التشريعات الخاصة بذلك، وإنما ترخيص بالانتفاع بجزء من المال العام، وهو ترخيص إدارى فى صورة عقد تحكمه القواعد الواردة به ومما يؤكد ذلك أن العقد المشار إليه قد نصَّ صراحة على أن قطعة الأرض (المستأجرة) كائنة بميدان قشتمر/قسم الظاهر. كما نص على أن لكل من الطرفين الحق فى إنهاء العقد أثناء مدة الترخيص وذلك بشرط إخطار الطرف الآخر بكتاب مسجل بعلم الوصول برغبته فى إنهاء العقد قبل انتهاء مدة الإيجار بستة شهور على الأقل.
ومن حيث إنه ثبت مما تقدم أن الموقع المرخص به جزء من حديقة عامة لا يعد قانوناً مؤجراً للشركة المرخص لها، وإنما يخضع للتنظيم القانونى الخاص للترخيص الإدارى ومن ثَمَّ يتعين الالتفات عما أثارته الشركة الطاعنة فى تقرير طعنها من أوجه نعى على الحكم المطعون فيه تنصب على أن العقد المبرم بين الحى والشركة هو عقد إيجار.
ومن حيث إنه من المبادئ المسلم بها أن الترخيص هو تصرف إدارى يتم بالقرار الصادر بمنحه، وهو تصرف مؤقت بطبيعته بحكم كونه لا يرتب حقاً ثابتاً نهائياً كحق الملكية، بل يخول للمرخص له مركزًا قانونيًا مؤقتًا يرتبط حقه فى التمتع به وجوداً وعدمًا بأوضاع وظروف وشروط وقيود يترتب على تغييرها أو انقضائها أو الإخلال بها أو مخالفتها جواز تعديل أوصاف هذا الترخيص أو سقوط الحق به بتخلف شرط الصلاحية للاستمرار فى الانتفاع به أو زوال سبب منحه أو انقضاء الأجل المحدد له أو تطلب المصلحة العامة إنهاءه، أى يكون قابلاً للسحب أو التعديل فى أى وقت متى اقتضت المصلحة العامة ذلك، وبهذا يفترق الترخيص عن القرار الإدارى الذى يكتسب حصانة عامة، ولو كان خاطئًا حصانة معصومة من السحب أو الإلغاء متى صار نهائياً بمضى وقت معلوم واستقر به مركز قانونى أصبح غير جائز الرجوع فيه أو المساس به.
ومن حيث أن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن الترخيص للأفراد بالانتفاع بجزء من المال العام يختلف فى مداه وفيما يخوله للأفراد من حقوق على المال العام بحسب ما إذا كان هذا الانتفاع عادياً أو غير عادى، ويكون الانتفاع عادياً إذا كان متفقاً مع الغرض الأصلى الذى خصص المال من أجله، كما هو الشأن بالنسبة إلى أراضى الجبانات وأراضى الأسواق العامة وما يخصص من شاطئ البحر لإقامة الكبائن والشاليهات، ويكون الانتفاع غير عادى إذا لم يكن متفقاً مع الغرض الأصلى الذى خصص له المال العام كالترخيص بشغل الطريق العام بالأدوات والمهمات والأكشاك، ففى الانتفاع غير العادى يكون الترخيص للأفراد باستعمال جزء من المال العام من قبيل الأعمال الإدارية المبنية على مجرد التسامح، وتتمتع الجهة الإدارية بالنسبة إلى هذا النوع من الانتفاع بسلطة تقديرية واسعة فيكون لها إلغاء الترخيص فى أى وقت بحسب ما تراه متفقاً مع المصلحة العامة باعتبار أن المال لم يخصص فى الأصل لمثل هذا النوع من الانتفاع، وأن الترخيص باستعماله على خلاف هذا الأصل عارض وموقوت بطبيعته ومن ثَمَّ يكون قابلاً للإلغاء أو التعديل فى أى وقت لدواعى المصلحة العامة.
ومن حيث إنه متى كان الأمر كذلك، وكان الثابت من الأوراق أن المكان المرخص به للشركة الطاعنة لاستغلاله فى مزاولة نشاط تجارى (لإعداد محل لبيع الأسماك الطازجة والمشوية) وهو انتفاع غير عادى بالمال العام وظلت الشركة شاغلة لهذا المكان منذ استلامها لهذا الموقع فى 22/5/1971 حتى تقدمت بتاريخ 3/1/1990 بطلب ترخيص مرفقاً به رسم هندسى لإقامة مبانٍ وضم جزء من مسطح الحديقة إلى المبنى القديم التى ستقوم بتجديده وتوسيعه وتطويره بالحديقة، متجاوزةً بذلك المساحة محل العقد سالف الذكر، فأخطرها الحى المطعون ضده الثانى بتاريخ 6/1/1990 بعدم القيام بأى عمل من أعمال البناء قبل الحصول على الرخصة ومن جهة الاختصاص بالمحافظة، إلا أنه تبين للحى أن الشركة المذكورة قامت بالفعل بالشروع فى البناء فى الجزء المطلوب إضافته بعمل أساسات وأعمال خرسانية مسلحة مع تحديث الكشك القديم على شكل مثمن أضلاع، فأصدر الحى القرار رقم 33 لسنة 1990 فى 17/4/1990 بإيقاف أعمال البناء المخالفة فوراً، ثم أصدر قرار إزالة المبانى
رقم 21 لسنة 1990 للتعديات الواقعة فى الحديقة من أعمدة خرسانية وترك الكشك القديم الجارى به التحديث، ومع ذلك تبين للحى بتاريخ19/4/1990 أن المقاول مستمر فى الأعمال المخالفة فتمت مصادرة المعدات إلا أن الشركة تقدمت بمذكرة مؤرخة 16/5/1990 للعرض على محافظ القاهرة بشأن تطوير الفرع فأشَّر فى 19/5/1990 بأن يستمر الوضع مؤقتًا على ما هو عليه.
وبتاريخ 17/7/1990 أنذر الحى الشركة الطاعنة بالكتاب رقم 5692 بعدم تجاوز المساحة محل التعاقد السابق ومحضر التسليم وإلا سيعتبر العقد مفسوخاً، ثم أنذرها بكتابه
رقم 6462 فى 8/8/1990 بسرعة إزالة الأعمال المخالفة وإلا سيضطر إلى استعمال الشرط الفاسخ الصريح تجاه التعدى على المساحة وبالمبانى المخالفة وتنفيذ قرار الإزالة رقم 21 فى 17/4/1990.
وبتاريخ 23/1/1993 قام الحى بمعاينة الموقع على الطبيعة، فأسفرت عن وجود مبنى على شكل مثمن الأضلاع مقام على مساحة حوالى 118 مترًا مسطحًا وإزاء ما تكشَّف لجهة الإدارة من أن الموقع قد هُدم وأُعيد بناؤه وتحديثه وتوسيعه على نحو لا يتفق مع العقد السابق وأنه من المواقع المتميزة، فقررت تعديل مقابل الانتفاع ليصير مبلغ عشرة جنيهات شهرية لكل متر مسطح للموقع وجملة مسطحه 118 مترًا مسطحًا من تاريخ افتتاح الفرع رسميًا بعد تحديثه فى 1/7/1992، وأخطرت الشركة بالعديد من المكاتبات لمطالبتها بسداد المبالغ المستحقة عليها (حافظة مستندات الشركة الطاعنة المودعة أمام هيئة مفوضى الدولة لدى محكمة القضاء الإدارى بجلسة التحضير المنعقدة فى 20/9/1995، حافظة مستندات هيئة قضايا الدولة أمام محكمة أول درجة بجلسة 24/1/1996).
ومن حيث إن مقطع النزاع الماثل ينحصر فى بيان ما إذا كانت جهة الإدارة تملك تعديل مقابل الانتفاع المقرر عن استغلال المكان المرخص به من عدمه.
ومن حيث إنه لا وجه لما أثارته الشركة الطاعنة فى تقرير طعنها من أن المساحة التى كانت تشغلها هى 118 متراً مربعاً طبقاً للترخيص (العقد) ولم تتجاوز هذه المساحة متمسكة بمقابل الانتفاع المقرر عنها بمبلغ 18.160 جنيهاً شهرياً وأنه لا وجه لتعديل مقابل الانتفاع فى حين أن الحى ذكر أن هذه المساحة كانت 17م2 فقط عند التعاقد بين الطرفين، ذلك أن المعول عليه فى تحديد مساحة الأرض المرخص بالانتفاع بها ابتداء هو محضر تسليم هذه الأرض، والذى يعتبر جزءًا لا يتجزأ من العقد المبرم بين الطرفين المنوه عنه سالفاً، وأنه وإن خلت الأوراق من محضر التسليم المذكور المحرر بين الطرفين إلا أنه قد أشير إليه بهامش العقد وتضمنت المستندات المرفقة بالدعوى موضوع الطعن الماثل أن المساحة المخصصة للشركة 17م2، منها كتاب حى وسط القاهرة الموجه إلى رئيس مجلس إدارة الشركة الطاعنة سالفة الذكر، ولم تدحض الشركة الطاعنة حقيقة ما تضمنته تلك المستندات أو تنكرها ولا يسعفها تقديمها الأوراق غير معتمدة من جهة الإدارة فى إثبات هذه الواقعة لأن العبرة بالمساحة المسلمة للشركة وليس بما شغلته بالفعل من أرض الحديقة المذكورة، فضلاً عن أن المستندات المرفقة آنفة الذكر تقطع بأن الشركة الطاعنة تجاوزت المساحة المرخص بها واستغلت مساحة أكبر من الحديقة، فضلاً عن أن محضر التسليم المذكور لا يكون فى حوزة جهة الإدارة وحدها وإنما يتم تسليم صورته للشركة الطاعنة، فكان يتعين عليها أن تقدمه لإثبات ما تدعيه، ومن ثَمَّ فإن ادعاءها فى هذا الصدد لا يكون قائماً على سند من الواقع، فضلاً عن إقرارها بقيامها بتطوير وتحديث الموقع دون أن تقدم ثمة دليل يفيد حصولها على موافقة مسبقة من جهة الإدارة على ذلك.
ومن حيث إنه ـ بالبناء على ما تقدم جميعه ـ فإنه لما كان الثابت من مطالعة الأوراق أن العقد المبرم بين جهة الإدارة والشركة الطاعنة سالف الذكر ما زال قائماً ومنتجاً لآثاره القانونية وأنه لا يتضمن تأجيراً لأرض النزاع ولكن بحسب التكييف الذى انتهت إليه المحكمة يعتبر ترخيصاً بالانتفاع بجزء من المال العام فى غير الغرض الأصلى الذى يخصص من أجله المال العام، ومن ثَمَّ فإن الجهة الإدارية المنوط بها الإشراف على المال العام تتمتع بسلطة تقديرية فى إنهاء هذا الترخيص أو تعديله من حيث مدته أو مساحة الأرض المرخص بها أو مقابل الانتفاع المقرر عنها دون معقب عليها فى هذا الشأن طالما خلا تصرفها من عيب إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها، وكان متفقًا مع وجه المصلحة العامة، وإذ ثبت أن الشركة الطاعنة قامت بإعادة بناء وتطوير وتحديث وتوسيع الأرض المرخص لها بها متجاوزة نطاق المساحة التى سلمت إليها وبدون الحصول على موافقة الجهة الإدارية ومن ثَمَّ أضحى مقابل الانتفاع المقرر لا يحقق المصلحة العامة المقصودة فى ظل من تغير ظروف الحال عنها عن وقت الترخيص، وصار لا يتفق مع واقع الحال وما آل إليه الموقع بعد تطويره وزيادة مساحته وتغير الظروف الاقتصادية السائدة، ومن ثَمَّ يحق للجهة الإدارية تعديل شروط الترخيص المشار إليه وتقدير مقابل انتفاع جديد على المساحة التى تستغلها بالفعل الشركة الطاعنة بواقع عشرة جنيهات شهرياً والمنوه عنه سلفاً، الأمر الذى يكون معه قرارها الصادر فى هذا الشأن قائماً على سببه الصحيح المبرر له قانوناً فلا مطعن عليه إذ استحدثت ظروفٌ تستدعى ذلك وبما يتواءم مع هذه الظروف المتغيرة.
وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى هذه النتيجة، فمن ثَمَّ يكون قد صادف صحيح حكم القانون ويكون النعى عليه غير سديد متعينًا رفضه.
ومن حيث إن من يخسر الطعن يلزم بمصروفاته طبقاً لحكم المادة (184) مرافعات.
حكمت المحكمة
بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً، وألزمت الشركة الطاعنة المصروفات.