جلسة 11 من مايو سنة 2002م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ د. عبد الرحمن عثمان أحمد عزوز
رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ على فكرى حسن صالح، ود . محمد ماجد محمود أحمد، وأحمد حلمى محمد أحمد حلمى، ومحمد أحمد محمود محمد
نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ فريد نزيه حكيم تناغو
مفوض الدولة
وحضور السيد/ كمال نجيب مرسيس
سكرتير المحكمة
الطعن رقم 2363 لسنة 40 قضائية عليا
ـ ما يُعَدُّ قرارًا إداريًا ـ القرار الصادر بالحرمان من مباشرة الحقوق السياسية.
المادتان (1)، (2) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 34 لسنة 1962 بوقف مباشرة الحقوق السياسية لبعض الأشخاص.
اتجه المشرع ـ لاعتبارات قدَّرها ـ إلى تقرير حكم وقتى مؤداه حرمان بعض الأشخاص الذين اتخذت ضدهم تدابير أمنية وفقاً لأحكام القانون رقم 533 لسنة 1954 فى شأن الأحكام العرفية أو القانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ, من مباشرة حقوقهم السياسية بصفة مؤقتة لمدة عشر سنوات, وخَوَّل رئيس الجمهورية أن يستثنى بعض الأشخاص من هذا الحكم ـ مقتضى ذلك: أن القرار الصادر من جهة الإدارة بحرمان أحد الأشخاص من مباشرة حقوقه السياسية تطبيقاً لأحكام هذا القانون, هو فى حقيقته وجوهره قرار إدارى له خصائص ومقومات القرارات الإدارية وليس مجرد قرار تنفيذى تنعدم فيه إرادة وسلطة مصدر القرار ـ أساس ذلك ـ أن مصدر القرار يتمتع بسلطة تقديرية واسعة فى تطبيق حكم الحرمان على الشخص الذى توافرت فيه شروطه أو استثنائه من هذا الحكم رغم تحقق موجب إعماله, وتلك السلطة هى مناط قيام القرار الإدارى ـ يترتب على ذلك ـ القرار الصادر بالحرمان من مباشرة الحقوق السياسية, يخضع ـ بوصفه قراراً إدارياً ـ للنظام القانونى للقرارات الإدارية بوجه عام, ومن ذلك خضوعه لرقابة القضاء الإدارى ـ تطبيق.
في يوم الإثنين الموافق 9 مايو سنة 1994 أودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبة عن رئيس الجمهورية ووزير الداخلية, قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن ـ قيد برقم 2363 لسنة 40ق. عليا ـ فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى/ دائرة العقود والتعويضات بالقاهرة ـ بجلسة 27/3/1994 فى الدعوى رقم 839 لسنة 45ق, والقاضى فى منطوقه “حكمت المحكمة:
أولاً: برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وباختصاصها.
ثانياً: برفض الدفع بسقوط حق المدعى فى المطالبة بالتعويض بالتقادم.
ثالثاً: بقبول الدعوى شكلاً وفى الموضوع بإلزام المدعى عليهما بصفتيهما متضامنين بأن يؤديا للمدعى مبلغاً مقداره ألف جنيه والمصروفات”.
وطلب الطاعنان ـ للأسباب الواردة بتقرير الطعن ـ تحديد أقرب جلسة أمام دائرة فحص الطعون لتأمر بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وبإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا, لتقضي بقبوله شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والحكم أصلياً: بعدم اختصاص محكمة القضاء الإدارى بنظر الدعوى واحتياطياً: برفض الدعوى، وإلزام المطعون ضده المصروفات عن درجتى التقاضى.
وجرى إعلان الطعن إلى المطعون ضده على النحو المبين بالأوراق.
وفى يوم الأربعاء الموافق 25 مايو سنة 1994 أودع الأستاذ/ضياء الدين غنيم، المحامى بالنقض، بصفته وكيلاً عن/ ………………..، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن ـ قيد برقم 2613 لسنة 40ق. عليا ـ فى ذات الحكم محل الطعن الأول, وطلب فى ختام التقرير الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء ما أورده الحكم المطعون فيه من عدم وجود ضرر مادى وإغفاله الأضرار الأدبية الأساسية, وتقرير التعويض الجابر لهذه الأضرار مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات.
وجرى إعلان الطعن إلى المطعون ضدهما على النحو المبين بالأوراق.
وأعدت هيئة مفوضى الدولة تقريراً بالرأى القانونى فى الطعنين ارتأت فيه الحكم أصلياً: بوقف الفصل فى الطعنين وإحالتهما إلى المحكمة الدستورية العليا لتفصل فى مدى دستورية المادة الأولى من القانون رقم 34 لسنة 1962بوقف مباشرة الحقوق السياسية لبعض الأشخاص. واحتياطياً: بقبول الطعن رقم 2363 لسنة 40 القضائية عليا شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداً برفض الدعوى وبقبول الطعن رقم 2613
لسنة 40ق. عليا شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن بالمصروفات.
وعُيّن لنظر الطعنين أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة جلسة 21/5/2001 وتدوولا بجلسات المرافعات على النحو المبين بمحاضر الجلسات, حيث قدم الحاضر عن/ ………………. (طاعن ومطعون ضده) مذكرة دفاع تضمنت الرد على طعن الحكومة والتأكيد على الطلبات الواردة بطعنه, وبجلسة 7/1/2002 قررت الدائرة إحالة الطعنين إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى ـ موضوع) لنظرهما بجلسة 9/2/2002 ونظرت المحكمة الطعنين على الوجه الثابت بمحاضر الجلسات, وبجلسة 3/3/2002 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 11/5/2002 مع التصريح بتقديم مذكرات فى أسبوعين, وخلال هذا الأجل قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة دفاع.
وبجلسة اليوم صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعنين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية .
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل ـ حسبما يبين من الأوراق ـ فى أنه بتاريخ 10/11/1990 أقام/ …………………. الدعوى رقم 839 لسنة 45ق أمام محكمة القضاء الإدارى/ دائرة العقود الإدارية والتعويضات بالقاهرة ضد كل من رئيس الجمهورية ووزير الداخلية بصفتهما, طالبًا الحكم بإلزام المدعى عليهما بصفتهما متضامنين بتعويضه تعويضًا مناسبًا عن الأضرار المادية والأدبية التى أصابته من جراء حرمانه من مباشرة حقوقه السياسية منذ صدور القانون رقم 34 لسنة 1962 وحتى تاريخ صدور قرار رئيس الجمهورية رقم 2210 فى 23/11/1967 باستثنائه من هذا القانون مع إلزامهما بالمصروفات والأتعاب.
وقال بياناً لدعواه: إنه بعد صدور القانون رقم 34 لسنة 1962 بوقف مباشرة الحقوق السياسية لبعض الأشخاص, قام المدعى عليهما بعزله سياسيًا وحرمانه من كافة حقوق المواطن بسبب انتمائه السياسي لليسار, وذلك بعد أن تم اعتقاله عدة مرات وتعذيبه, وظل هذا الحرمان قائماً حتى بعد صدور قرار رئيس الجمهورية رقم 2210 لسنة 1967 فى 23/11/1967 باستثنائه من القانون 34 لسنة 1962 وقد جاء القرار بحرمانه من مباشرة حقوقه السياسية مخالفاً للدستور والقانون وكذلك الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، فضلاً عن الانحراف فى استعمال السلطة, وهو ما أضر به مادياً وأدبيًا ضرراً جسيمًا؛ حيث حرمه من حقوقه كإنسان وكمواطن مصري مما يحق له طلب تعويضه تعويضاً عادلاً عن هذا الحرمان, وخلص المدعى فى ختام صحيفة دعواه إلى طلباته سالفة البيان.
ونظرت محكمة القضاء الإدارى على النحو المبين بمحاضر جلساتها, وإبان فترة حجز الدعوى للحكم أودعت هيئة قضايا الدولة مذكرة دفاع طلبت فيها الحكم، أصلياً: بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، واحتياطياً : بسقوط حق المدعى فى طلب التعويض بالتقادم, وعلى سبيل الاحتياط الكلى برفض الدعوى وإلزام المدعى بالمصروفات فى أىٍّ من هذه الحالات.
وبجلسة 27/3/1994 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه, وشيدت قضاءها فى شأن رفض الدفع بعدم الاختصاص ـ والذى أقيم على أساس أن التعويض عن القوانين يخرج عن اختصاص محاكم مجلس الدولة ـ على أن المدعى وإن كان يطلب تعويضه عن الأضرار المادية والأدبية التى أصابته من جراء حرمانه من مباشرة حقوقه السياسية طبقاً للقانون رقم 34
لسنة 1962 إلا أن إعمال أحكام هذا القانون فى حق المدعى ـ باعتباره يتضمن قواعد عامة مجردة ـ لا يتأتى إلا بصدور قرار من الجهة الإدارية بنفاذ أثر هذا القانون فى شأنه وإعمال أحكامه على المدعى باعتباره مخاطباً بها, ومن ثَمَّ تنصب المنازعة على قرار إدارى هو القرار الذى أصدرته الجهة الإدارية فى نطاق القانون المشار إليه متخذة من السلطة العامة وسيلة لإجراء تصرفها, الأمر الذى تكون معه المحكمة مختصة بنظر التعويض عنه. كما شيدت المحكمة قضاءها برفض الدفع بسقوط حق المدعى فى التعويض بالتقادم, على أن المادة 57 من دستور سنة 1971 قضت بعدم سقوط الحقوق المتعلقة بالاعتداء على الحريات العامة بالتقادم, وأن مناط الإفادة من هذا الحكم ـ وهو ألا تكون تلك الحقوق قد سقطت قبل العمل بهذا الدستور ـ متوافر فى شأن المدعى, مما يجعل الدفع غير قائم على سند من القانون خليقًا بالرفض. أما فى خصوص الموضوع فقد أقامت المحكمة قضاءها بتعويض المدعى بمبلغ ألف جنيه على أساس أن قرار حرمانه من مباشرة حقوقه السياسية, قد استند إلى سابقة اعتقاله بدعوى اعتناق الفكر الشيوعى, وقد قضى له فى الدعوى رقم 3723 لسنة 43 ق بجلسة 5/5/1991 بتعويض مقدراه ثمانية آلاف جنيه عن الأضرار التى أصابته من جراء الاعتقال على أساس أن الاتهام الموجه إليه لا سند له, ومن ثَمَّ يغدو قرار حرمان المدعى من مباشرة حقوقه السياسية فاقداً لركن السبب على نحو يتحقق به ركن الخطأ فى جانب الجهة الإدارية, وقدرت المحكمة تعويضاً للمدعى مبلغ ألف جنيه عما أصابه من أضرار أدبية بسبب شعوره بالظلم وأنه أدنى من سائر المواطنين, والنيل من سمعته وافتقاده الوضع الاجتماعى والأدبى الذى يحظى به عضو المجلس النيابى أو المحلى, وذلك بعد أن استبعدت المحكمة الضرر المادى من نطاق التعويض على أساس أن حرمان المدعى من مباشرة الحقوق السياسية لا يرتب بذاته ضرراً مادياً يصلح سنداً للتعويض عنه, وأن الأوراق قد خلت من بيان الجهات والمناسبات التى لم يتمكن فيها المدعى من مباشرة حقوقه السياسية خلال فترة عزله سياسياً, فضلاً عن أن المسلم به أن سعى المدعى للفوز بعضوية المجالس النيابية أو المحلية ليس مجالاً للكسب المادى وإنما هو أمر مقصود لذاته للتمتع بشرف النيابة عن الشعب والإسهام فى سلطة التشريع وممارسة دور الرقابة البرلمانية على أعمال السلطة التنفيذية والتعبير عن آرائه ومعتقداته السياسية والاجتماعية وآراء وأمانى ناخبيه وهى أمور لا تقدر بمال ولا يجوز أن تكون مصدرًا للكسب المادى, مما يجعل ادعاء المدعى إصابته بأضرار مادية لا سند له.
بيد أن الحكم المذكور لم يلق قبولاً لدى الطرفين, فأقامت الجهة الإدارية المدعى عليها الطعن رقم 2363 لسنة 40ق. عليا, تنعى فيه على الحكم أنه صدر مخالفاً للقانون ومشوبًا بالخطأ فى تطبيقه وتأويله, وذلك على سند من القول بأن وقف المطعون ضده عن مباشرة حقوقه السياسية تم تطبيقًا لأحكام المادة الأولى من القانون رقم 34 لسنة 1962 وأن هذه المادة وإن كانت تماثل المادة الرابعة من القانون رقم 33 لسنة 1978 بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعى التى قضت المحكمة الدستورية بعدم دستوريتها فى الدعوى رقم 56
لسنة 6 دستورية, مما يثير الشك فى عدم دستورية تلك المادة, إلا أن الفصل فى مدى دستوريتها يخرج عن الاختصاص الوظيفي لمحكمة القضاء الإدارى, حيث إن المركز القانونى للمطعون ضده فى مباشرة حقوقه السياسية يستمد من القانون مباشرة, ومن ثَمَّ تكون المحكمة قد أخطأت فى تطبيق القانون عندما رفضت الدفع بعدم الاختصاص, كما أخطأت أيضًا عندما قضت للمدعى بالتعويض لأن المستقر عليه ـ قضاءً ـ أن الدولة لا تسأل عن الأعمال التشريعية, ولما كان الثابت أن المطعون ضده قد تم وقف مباشرته للحقوق السياسية تطبيقاً لأحكام المادة الأولى من القانون رقم 34 لسنة 1962 فإنه لا مسئولية على الجهة الإدارية لعدم ثبوت خطأ فى حقها, ومن جهة أخرى فإن المطعون ضده قد سبق تعويضه عن اعتقاله فى الدعوى رقم 3723 لسنة 34ق بجلسة 5/5/1991 بمبلغ ثمانية آلاف جنيه, وشمل هذا التعويض الضرر الأدبى الذى تمثل فى حرمانه من حريته التى تتضمن مباشرة الحقوق السياسية, وبذلك يكون التعويض المحكوم به إثراء على حساب الغير بلا سبب.
كما أقام المدعى الطعن رقم 2613 لسنة 40ق. عليا ينعى فيه على الحكم سالف الذكر أنه أخطأ فى تطبيق القانون وشَابَه قصور فى التسبيب وفساد فى الاستدلال, وذلك على أساس أن الحكم استند فى قضائه برفض التعويض عن الأضرار المادية إلى أن عضوية المجالس النيابية تمثل خدمة عامة لا يمكن أن تستغل ماديًا, وتجاهل الحكم ما أورده الطاعن تفصيلاً فى مذكرته المقدمة بناءً على طلب المحكمة بشأن الأضرار المادية التى لحقته والمتمثلة فى حرمانه من تمثيل العاملين فى مجلس إدارة الشركة التى كان يعمل بها وهى شركة الجمهورية للأدوية وحرمانه من الترقيات المتاحة وإحالته إلى المعاش وهو فى درجة أدنى مما أدى إلى حصوله على معاش صغير, وذلك كله بسبب عزله السياسى وأنه مكروه من السلطة, كما أن رفض الحكم الاعتراف بأى ضرر مادى وجعله يبدو وكأنه يرغب فى الوصول للمجالس النيابية ليستفيد منها مادًيا رغم أنها تكليف شعبى ورغم أن تاريخه السياسى يمنعه من مجرد الاقتراب من هذه الأعمال الحقيرة, إلى جانب أن الحكم أورد الأضرار الأدبية فى ثلاثة أسطر ولم يذكر منها ضررًا أدبياً أساسيًا وهو حرمانه من اختيار ممثليه وجعله بذلك مواطناً من الدرجة العاشرة يشبه الجوارى والعبيد.
ومن حيث إن المادة (1) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 34 لسنة 1962 بوقف مباشرة الحقوق السياسية بالنسبة لبعض الأشخاص, قد نصت على أن “تقف مباشرة الحقوق السياسية وكافة الحقوق الانتخابية سواء كانت بالنسبة إلى النقابات أو الجمعيات على اختلاف أنواعها أو المجالس أو الهيئات مدة عشر سنوات بالنسبة إلى الأشخاص الآتى ذكرهم:
1ـ ………………………… 2 ـ الذين اتخذ ضدهم أحد التدابير المشار إليها فى البندين 6 و7 من المادة 3 من القانون رقم 533 لسنة 1954 في شأن الأحكام العرفية أو في البندين 1، 4 من المادة 3 من القانون رقم 162 لسنة 1958 المشار إليه خلال الفترة ما بين 23 يونيه سنة 1956 وتاريخ العمل بهذا القانون. 3ـ ……………………….”.
كما نصت المادة (2) من القانون المذكور على أنه “يجوز لرئيس الجمهورية أن يستثنى بعض الأشخاص من حكم المادة السابقة”.
ومفاد ذلك أن المشرع ـ لاعتبارات قدَّرها ـ اتجه بمقتضى القانون رقم 34 لسنة 1962 سالف الذكر, إلى تقرير حكم وقتى مؤداه حرمان بعض الأشخاص الذين اتخذت ضدهم تدابير أمنية وفقًا لأحكام القانون رقم 533 لسنة 1954 فى شأن الأحكام العرفية أو القانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ, من مباشرة حقوقهم السياسية بصفة مؤقتة لمدة عشر سنوات, وخوَّل رئيس الجمهورية أن يستثنى بعض الأشخاص من هذا الحكم, ومقتضى ذلك ولازمه أن القرار الصادر من جهة الإدارة بحرمان أحد الأشخاص من مباشرة حقوقه السياسية تطبيقاً لأحكام هذا القانون, هو فى حقيقته وجوهره قرار إدارى له خصائص ومقومات القرارات الإدارية وليس مجرد قرار تنفيذى تنعدم فيه إرادة وسلطة مُصدر القرار, ذلك أن مُصدر القرار يتمتع بسلطة تقديرية واسعة فى تطبيق حكم الحرمان على الشخص الذي توافرت فيه شروطه أو استثنائه من هذا الحكم رغم تحقق موجب إعماله, وتلك السلطة هى مناط قيام القرار الإدارى, وعلى ذلك فإن القرار الصادر فى نطاق أحكام القانون رقم 34 لسنة 1962 بالحرمان من مباشرة الحقوق السياسية, يخضع ـ بوصفه قرارًا إدارياً ـ للنظام القانونى للقرارات الإدارية بوجه عام, ومن ذلك خضوعه لرقابة القضاء الإدارى إلغاءً وتعويضاً.
ومن حيث إن الطعن رقم 2363 لسنة 40ق عليا المقام من الحكومة على الحكم المطعون فيه, قد بُنى على حجة أساسية مفادها أن الضرر الذى أصاب المطعون ضده من جراء حرمانه من مباشرة حقوقه السياسية, مصدره القانون رقم 34 لسنة 1962 سالف الذكر مباشرة وليس القرار الصادر من جهة الإدارة فى هذا الشأن, وأن التعويض عن هذا الضرر يخرج عن الاختصاص الوظيفي لمحكمة القضاء الإداري، لأنها لا تملك الفصل فى دستورية هذا القانون, وأن الدولة لا تُسأل عن الأعمال التشريعية, كما بُنى أيضًا على أن التعويض الذى حصل عليه المطعون ضده فى الدعوى رقم 3723 لسنة 43ق بمبلغ ثمانية آلاف جنيه قد شمل الفترة التى حرم فيها المذكور من مباشرة حقوقه السياسية, مما يجعل التعويض المحكوم به فى الدعوى رقم 839 لسنة 45ق المطعون فى حكمها إثراءً بلا سبب على حساب الغير, وكان ذلك يخالف صحيح حكم القانون على أساس أن الثابت من صحيفة الدعوى رقم 839 لسنة 45ق أن طلب التعويض قد انصب على قرار جهة الإدارة بحرمانه من مباشرة حقوقه السياسية وليس على القانون رقم 34 لسنة 1962 الذى صدر القرار تنفيذاً له, وهذا القرار بحسب التكييف القانوني الصحيح له هو قرار إدارى يخضع للرقابة القضائية لمحاكم مجلس الدولة سواء من حيث إلغائه أو التعويض عنه على ما سبق بيانه, كما أن ثمة اختلافًا فى محل التعويض بين الدعوى رقم 3723 لسنة 43 ق والدعوى رقم 839 لسنة 45ق, فالتعويض فى الدعوى الأولى محله القرار الصادر باعتقال المطعون ضده خلال الفترة ما بين 14/3/1950 حتى 18/6/1956, بينما التعويض فى الدعوى الثانية محله القرار الصادر بحرمان المذكور من مباشرة حقوقه السياسية, وهما قراران مختلفان ولا يسوغ أن يكون التعويض عن أحدهما جابرًا للتعويض عن الآخر سيما وأن حرمان المطعون ضده من مباشرة حقوقه السياسية قد جاء لاحقًا على فترات اعتقاله المنوه عنها.
ومن حيث إنه متى كان ما تقدم, وكان الثابت من الأوراق أن سبب حرمان المطعون ضده من مباشرة حقوقه السياسية, هو ما نُسب إليه من اتهام باعتناق الفكر الشيوعى, وأن هذا الاتهام قد قوضه الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى فى الدعوى رقم 3723
لسنة 43ق المشار إليها والذى لم يثبت أنه قد تم الطعن عليه, الأمر الذى يعنى توافر ركن الخطأ فى جانب الجهة الإدارية مصدرة القرار المطعون فيه, يؤكد ذلك صدور قرار رئيس الجمهورية رقم 2210 لسنة 1967 باستثناء بعض الأشخاص من أحكام المادة الأولى من القانون رقم 34 لسنة 1962 وورد اسم المطعون ضده تحت رقم 985 بالكشف المرفق بهذا القرار, وكان هذا الخطأ من شأنه أن يلحق بالمطعون ضده بعض الأضرار على نحو يستنهض مسئولية الجهة الإدارية عن تعويضه عنها, ومن ثَمَّ فإن الطعن رقم 2363 لسنة 40ق عليا يضحى غير قائم على أساس من القانون خليقًا بالرفض.
ومن حيث إنه عن الطعن رقم 2613 لسنة 40ق عليا ـ والمقام من المطعون ضده فى الطعن السابق ـ فإنه لما كان هذا الطعن يقوم على أساس مانعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه, من أنه أغفل تعويضه عن الأضرار المادية التي أوضحها بمذكرته المقدمة إلى المحكمة بناءً على طلبه, ولم يقدر الأضرار الأدبية تقديراً سليماً، حيث أغفل تعويضه عن ضرر أدبى أساسى هو حرمانه من إبداء رأيه فى اختيار ممثليه, وكان الثابت من عريضة الطعن أن الأضرار المادية التى طلب الطاعن تعويضه عنها, تتجلى فى حرمانه من تمثيل العاملين فى عضوية مجلس إدارة الشركة التى كان يعمل بها وهى شركة الجمهورية للأدوية, وعدم ترقيته إلى الوظائف العليا مما ترتب عليه حصوله على معاش صغير بعد إحالته إلى المعاش, وذلك بسبب السمعة التى حامت حوله نتيجةً للعزل السياسى, وهذه الأضرار ـ على فرض صحتها ـ غير مقطوع بأنها ناجمة مباشرة عن عزله السياسى, وذلك لتعلقها بأمور إدارية ووظيفية تخضع لاعتبارات مغايرة وتحكمها قواعد ونظم قانونية خاصة قد لا يكون الطاعن مستوفياً لها, وقد يحرم منها حتى مع اختفاء ظرف عزله سياسياً. كما أن الثابت من الحكم المطعون فيه أنه قد أورد من بين الأضرار الأدبية التى عوض عنها الطاعن “شعوره بالظلم وبأنه أدنى من سائر المواطنين” وهذا الوصف يشمل ـ دون شك ـ الضرر الذى ذكره الطاعن وهو”حرمانه من إبداء رأيه فى اختيار ممثليه” لكونه أعم من هذا الأخير, بل إن الطاعن قد تناقض مع نفسه إذ استخدم ذات التعبير الذى ذكرته المحكمة فى أكثر من موضع بعريضة الطعن, فى الوقت الذى نعى فيه على المحكمة أنها أغفلت تعويضه عن هذا الضرر.
ومن حيث إنه من المقرر ـ طبقاً لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة ـ أن تقدير التعويض عن الضرر متى قامت أسبابه ولم يكن فى القانون نص يتعين على مقتضاه التزام معايير معينة فى خصوصه, هو مما يستقل به قاضى الموضوع وأنه لا تثريب على محكمة الموضوع إن هى قدرت قيمة التعويض وفقاً لما رأته مناسبًا لجبر الضرر ما دامت لم تخالف شيئاً من أحكام المسئولية وليس ثمة وجه للتعقيب على ما قضت به فى هذا الشأن, كما لا تثريب عليها أن تقضى بتعويض إجمالي عن الأضرار التى حاقت بالمضرور متى تبينت عناصر الضرر ووجه أحقية طالب التعويض فيه أو عدم أحقيته وقام التقدير على أساس سائغ مرده عناصر ثابتة فى الأوراق.
ومن حيث إن الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه, أنه قد تناول بحث الأضرار المادية والأدبية محل طلب التعويض على نحو يتفق وصحيح حكم القانون كما قدر التعويض المناسب لجبر الأضرار التى يستحق عنها التعويض بمبلغ ألف جنيه, كتعويض شامل عن الأضرار الأدبية التى لحقت المدعى من جراء قرار حرمانه من مباشرة حقوقه السياسية، وذلك بعد تمحيص لنوعى الضرر واستبعاد الضرر المادى كليةً, وقد خلت الأوراق مما يفيد عدم صحة أو سلامة هذا التقدير, كما أن إغفال الحكم المذكور لبعض الأضرار المادية والأدبية على النحو الذى ذهب إليه الطاعن فى طعنه الماثل لا يغير من الأمر شيئًا, وذلك لثبوت عدم صحة ما أخذه الطاعن على الحكم فى هذا الصدد حسبما سلف بيانه.
ومن حيث إنه متى كان ما تقدم جميعه فإن النتيجة التى انتهى إليها الحكم المطعون فيه تكون قد جاءت سائغة ولا مطعن عليها, الأمر الذى يضحى معه كل من الطعنين الماثلين غير قائم على أساس سليم من القانون, مما يتعين معه القضاء برفضهما.
ومن حيث إنه غنى عن البيان أنه لا جدوى ـ والحالة هذه ـ من إحالة الطعن إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية القانون رقم 34 لسنة 1962 حسبما طلب الطاعنون، إذ إن القضاء بعدم الدستورية لن يغير وجه الرأى فى النزاع والذى قام على أساس عدم مشروعية قرار حرمان صاحب الشأن من مباشرة حقوقه السياسية بافتراض دستورية القانون.
ومن حيث إن من خسر الطعن يلزم بمصروفاته عملاً بحكم المادة (184) من قانون المرافعات.
حكمت المحكمة
بقبول الطعنين رقمى 2363 , 2613 لسنة 40 القضائية عليا شكلاً، ورفضهما موضوعًا، وألزمت الطاعنين المصروفات.