جلسة 11 من مايو سنة 2002م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ د. عبد الرحمن عثمان أحمد عزوز
رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ على فكرى حسن صالح، ويحيى خضرى نوبى محمد، ود. محمد ماجد محمود أحمد، وأحمد حلمى محمد أحمد حلمى
نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ فريد نزيه حكيم تناغو
مفوض الدولة
وحضور السيد/ كمال نجيب مرسيس
سكرتير المحكمة
الطعن رقم 2132 لسنة 45 قضائية عليا
ـ الترخيص بإنشائها أو التوسع فيها ـ التنظيم القانونى لها ـ سلطة الجهة الإدارية فى منح الترخيص.
المواد (1) و(3) و(5) و(6) و(7) من القانون رقم 52 لسنة 1970 فى شأن تنظيم المعاهد العالية الخاصة.
حظر المشرع إنشاء معهد عالٍ خاص أو التوسع فى معهد قائم إلا بعد الحصول على ترخيص بذلك من وزارة التعليم العالى، بعد أخذ رأى مجلس المحافظة التى يقع بدائرتها المعهد بهدف معاونة هذه المنشآت التعليمية فى تحقيق الأهداف التعليمية المقررة لبعض المعاهد العليا الحكومية, وملتزمة أن تسير الدراسة فيها وفقًا لخطط ومناهج الدراسة بالمعاهد الحكومية المماثلة ـ نظَّم المشرع مزاولة هذا النشاط استجابةً لمساهمة نشاط غير حكومي فى التعليم العالى على مستوى المعاهد العليا لسد احتياجات المجتمع لهذه النوعية من التعليم ـ اشترط المشرع أن يكون صاحب المعهد شخصًا من أشخاص القانون العام أو الخاص، وحظر منح هذا الترخيص لشخص طبيعى, فاشترط أن يكون طالب الترخيص من الأشخاص الاعتبارية العامة أو من الوحدات الاقتصادية التابعة للمؤسسات العامة أو نقابة من النقابات أو جمعية من الجمعيات المشكَّلة وفقاً لأحكام القانون وأن تكون متمتعة بالجنسية المصرية أو جنسية إحدى الدول العربية بشرط المعاملة بالمثل ـ حظر المشرع إنشاء شركة أو جمعية بقصد تملك
أو إنشاء معهد عالٍ خاص ـ استلزم المشرع توافر الكفاءة المالية لطالب الترخيص وأن يقدم الطلب إلى وزارة التعليم العالى قبل بدء الدراسة بسنة كاملة مستوفياً البيانات المطلوبة قانوناً ـ تتمتع وزارة التعليم العالى فى شأن بحث طلب الترخيص باختصاص واسع التقدير إلا أن هذا التقدير يجد حده فى عدم مخالفتها القانون أو الانحراف فى استعمال سلطتها، كما أن المشرع ألزمها بإخطار طالب الترخيص بكتاب موصى عليه بعلم الوصول بقرارها الصادر بشأن بحث طلب الترخيص سواء بالقبول أو الرفض فى ميعاد أقصاه تسعين يومًا من تاريخ تقديم طلب الترخيص ـ تطبيق.
فى يوم الخميس الموافق 28/1/1989, أودع الأستاذ/ مدحت عبد المنعم طلبه، المحامى، بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن ـ قيد بجدولها العمومى تحت رقم 2132 لسنة 45ق. عليا ـ فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بأسيوط فى الدعوى رقم 76 لسنة 9ق بجلسة 25/11/1998 والذى قضى منطوقه “بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإدارى, وألزمت المدعى المصروفات”.
وطلب الطاعن ـ للأسباب الواردة بتقرير الطعن ـ الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه بكل آثاره وإجابته إلى طلباته الواردة بصحيفة دعواه أمام القضاء الإدارى, مع إلزام الجهة الإدارية المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتى التقاضى.
وقد أعلن الطعن إلى المطعون ضده على النحو الثابت بالأوراق .
وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريراً مسبباً بالرأى القانونى فى الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً, وفى الموضوع برفضه, وإلزام الطاعن المصروفات.
وقد عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 21/2/2000، وبجلسة 3/7/2000 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى ـ موضوع) وحددت لنظره أمامها جلسة 15/10/2000.
وبعد تداوله بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها قررت المحكمة بجلسة 5/1/2001 إصدار الحكم بجلسة 11/5/2002 مع التصريح بتقديم مذكرات لمن يشاء فى شهر, ومضى الأجل المصرح به دون إيداع ثمة مذكرات، وبجلسة اليوم صدر الحكم، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانوناً.
من حيث إنه عن شكل الطعن فإنه لما كان الثابت أن الحكم المطعون فيه صدر بجلسة 25/11/1998 ومن ثَمَّ ينتهى ميعاد الطعن عليه فى 24/1/1989 إلا أنه لما كان الثابت بالأوراق أن الطاعن يقيم بمدينة المنيا التى تبعد عن مقر المحكمة الإدارية العليا مسافة 243 كيلومترًا ومن ثَمَّ فإنه بإضافة ميعاد المسافة ومقداره أربعة أيام ـ طبقاً للمادة 16 مرافعات ـ إلى ميعاد الطعن, فيمتد ميعاد الطعن حتى 28/1/1989 وإذ أقام الطاعن طعنه الماثل بإيداع تقريره قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا بتاريخ 28/1/1989 ومن ثَمَّ فإنه يكون مقامًا فى الميعاد القانونى, وإذ استوفى الطعن سائر أوضاعه الشكلية الأخرى فإنه يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص ـ حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق ـ فى أن الطاعن أقام الدعوى رقم 76 لسنة 9ق أمام محكمة القضاء الإدارى بأسيوط بموجب عريضة مودعة قلم كتابها بتاريخ 11/10/1997 بطلب الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار السلبى لوزير التعليم العالى بصفته بالامتناع عن منحه ترخيصاً بإنشاء المعهد العالى للمساحة واستصلاح الأراضى بالمنيا تكون مدة الدراسة به أربع سنوات بمصروفات مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات على سند من القول إنه تقدم إلى المدعى عليه (المطعون ضده) بصفته مسئولاً عن المعاهد العالية الخاصة بمصروفات بطلب لإنشاء معهد عال خاص بمصروفات تحت اسم (المعهد العالى للمساحة واستصلاح الأراضى) وذلك على الأرض المملوكة له والموضحة الحدود والمعالم بالعقد المسجل إلا أن الجهة الإدارية لم توافق على ذلك بزعم وجوب تقديم ما يفيد تكوين جمعية تابعة للشئون الاجتماعية بالمنيا طبقًا لنصوص القانون رقم 32 لسنة 1964 الأمر الذى اضطره إلى توجيه إنذارين إلى المسئولين وأرفق بالإنذار الأول المستندات المؤيدة لطلبه وأنه إزاء تعنّت الجهة الإدارية أقام دعواه بغية الحكم بما تقدم.
وبجلسة 25/11/1998 حكمت محكمة القضاء الإدارى بأسيوط “بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإدارى، وألزمت المدعى المصروفات”.
وشيَّدت المحكمة قضاءها ـ بعد استعراض نصى المادتين 4 , 5 من القانون رقم 52
لسنة 1970 فى شأن تنظيم المعاهد العالية الخاصة ـ على أساس أن المشرع قرر عدم جواز إنشاء معهد عالٍ خاص إلا بترخيص من وزير التعليم العالى, وبعد استيفاء الشروط المقررة قانوناً ومنها أن يكون صاحب المعهد العالى الخاص من الأشخاص الاعتبارية العامة أو من الوحدات الاقتصادية التابعة للمؤسسات العامة أو من النقابات أو الجمعيات المشكّلة وفقاً لأحكام القانون, وكان الثابت بالأوراق أن المدعى ليس من الأشخاص الاعتبارية العامة ولا يمثل وحدة اقتصادية تتبع إحدى المؤسسات العامة, كما لا يمثل إحدى النقابات أو الجمعيات المشكلة طبقًا لأحكام القانون ومن ثَمَّ يكون المدعى قد انتفى فى جانبه أحد الشروط المتطلبة قانوناً للموافقة على إنشاء معهد عالٍ خاص ويكون امتناع الجهة الإدارية عن إجابته لطلبه قد وافق صحيح حكم القانون بلا مطعن عليه فى هذا الصدد، الأمر الذى ينتفى معه القرار الإدارى فى الحالة المعروضة بانتفاء حالة التزام الجهة الإدارية بإجابته لطلبه وفقًا لأحكام القانون.
وإذ لم يلق هذا الحكم قبولاً لدى الطاعن فقد طعن عليه بالطعن الماثل الذى بُنى على الأسباب الآتية:
أولاً: الخطأ فى تطبيق القانون وفى بيان ذلك ذكر الطاعن أن مصدر هذا الخطأ هو أن الحكم المطعون فيه قد استند فى رفض دعواه إلى أنه شخص طبيعى وليس شخصًا اعتبارياً ولا يمثل جمعية أو شركة أو نقابة طبقاً للمادة الخامسة من القانون رقم 52 لسنة 1970 فى حين أن هذا الخطأ مردود عليه بأنه عضو بنقابة المهن التعليمية، حيث إنه موجه مواد علمية بمديرية التربية والتعليم, وأنه سعى جاهدًا لتطبيق القانون شكلاً وموضوعاً إلا أن بيروقراطية الإدارة وتشعبها وقفت حائلاً دون أن يصل لمبتغاه, حيث إنه تقدم بطلبه طبقاً للقانون لإنشاء المعهد حتى فوجئ بكم من الطلبات تزيد على الوارد بالقانون وهو ما دفعه لأن يوجه الإنذارين المشار إليهما والمرفقين بالأوراق, وهما يؤكدان ما عاناه من ضيق وبيروقراطية؛ إذ طلب منه التوجه إلى الشئون الاجتماعية لتكوين جمعية إلا أن الشئون الاجتماعية رفضت منحه الترخيص بإنشاء جمعية وطلبت منه إنشاء المعهد أولاً, كما طلبت منه وزارة التعليم العالي تكوين شركة أو جمعية أولاً وأمام كل هذا لم يجد مفرًا سوى اللجوء إلى القضاء.
ثانياً: أن الحكم المطعون فيه لم يتعرض لمستنداته المودعة فى الدعوى ودفاعه، حيث قدم المستندات الدالة على المكان والرسومات الهندسية وجداول التدريس وعددها وساعاتها والتمويل اللازم أضعاف ما يتطلب القانون وموافقة محافظة المنيا ومجلس المحافظة على ذلك إلا أن الحكم المطعون فيه مر على هذه المستندات دون توضيح أو رد كافٍ اعتمادًا على النصوص القانونية الجامدة رغم أن تلك المستندات تعطيه الحق فى طلباته وتثبت مدى تعسف الإدارة فى استعمال السلطة معه, مما يشوب الحكم المطعون فيه بعيب إهدار لدفاع الطاعن ومستنداته.
ثالثاً: أن الحكم المطعون فيه قد شَابَه الفساد فى الاستدلال بدعوى أنه قد ارتكن فى رفضه لطلباته على أساس أنه ليس ممثلاً لنقابة أو جمعية وهذا مخالف للمستندات المرفقة بالدعوى إذ الثابت أنه عضو بنقابة المهن التعليمية, وبالتالى فهو يمثل فئة من المعلمين, وتتوافر به شروط التأهيل العلمى لإنشاء المعهد الخاص الذى يطالب بإنشائه خاصة وأنه وفر كل متطلبات وشروط إنشاء هذا المعهد مادياً ومكانياً وعلمياً, وأنه فوق ذلك فإن هذا المشروع يعتبر مشروعاً استثمارياً، وبالتالى لا يخضع للقانون رقم 32 لسنة 1964 وأن مطالبته بضرورة إنشاء جمعية وإشهارها طبقاً لهذا القانون بالشئون الاجتماعية ما هو إلا حلقة مفرغة تعجيزية القصد منها عدم تمكينه من إنشاء المعهد.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن دعوى الإلغاء إنما هى دعوى عينية توجه إلى قرار إدارى, فإذا انتفى وجود القرار تخلَّف مناط قبول الدعوى, والقرار الإدارى كما قد يكون صريحاً بأن تفصح عنه جهة الإدارة بإرادتها الملزمة فى الشكل الذى يحدده القانون بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث مركز قانونى معين, قد يكون سلبياً وذلك عندما تمتنع جهة الإدارة عن اتخاذ إجراء معين كان من الواجب عليها اتخاذه بحكم القانون, بمعنى أنه يتعين لقيام القرار الإدارى السلبى أن يكون ثمة إلزام على الجهة الإدارية باتخاذ قرار معين وأن تقصد إلى تحقيق آثار قانونية, فإذا لم يكن إصدار مثل هذا القرار واجبًا عليها, فإن امتناعها عن إصداره لا يشكل قرارًا سلبياً مما يقبل الطعن عليه بالإلغاء.
ومن حيث إن القانون رقم 52 لسنة 1970 فى شأن تنظيم المعاهد العالية الخاصة قد انطوى على تنظيم لشروط وإجراءات الترخيص بفتح معاهد عالية خاصة بالمصروفات ناصا فى مادته الأولى على أنه “يعتبر معهدًا عاليًا خاصًا فى تطبيق أحكام هذا القانون كل منشأة تعليمية غير حكومية أيًا كانت تسميتها أو جنسيتها, يلتحق بها الطلبة من الحاصلين على شهادة إتمام الدراسة الثانوية العامة أو دبلوم المدارس الثانوية الفنية أو ما يعادلها, وتقوم أصلاً أو بصفة فرعية بالتعليم وإعداد الفنيين لمدة لا تقل عن عامين دراسيين … “.
وتنص المادة الثالثة من ذات القانون على أنه ” تخضع المعاهد العالية الخاصة لإشراف وزارة التعليم العالى, ولها حق التفتيش على هذه المعاهد فى الحدود وبالقيود الواردة فى هذا القانون والقرارات الصادرة تنفيذًا له”.
كما أفرد المشرع الباب الثاني من القانون المذكور “فى الترخيص بإنشاء المعاهد العالية الخاصة”، حيث نصت المادة الرابعة منه على أنه “لا يجوز إنشاء معهد عالٍ خاص أو التوسع فيه إلا بترخيص سابق من وزير التعليم العالى بعد أخذ رأى مجلس المحافظة التى يقع بدائرتها مقر المعهد ووفقاً للإجراءات والشروط المنصوص عليها فى هذا القانون.
ويجب أن يكون موقع المعهد ومبناه ومرافقه وتجهيزاته مناسبة لمقتضيات رسالته ومطابقة للمواصفات التى يصدر بها قرار من وزير التعليم.
ويجوز للمعهد العالى الخاص أن يستخدم مبانى ومرافق وتجهيزات هيئة تعليمية أخرى بصفة مؤقتة بشرط موافقة هذه الهيئة على ذلك كتابة”.
وتنص المادة 5 من القانون سالف الذكر على أنه “يشترط فى صاحب المعهد العالي الخاص: 1 ـ أن يكون من الأشخاص الاعتبارية العامة أو من الوحدات الاقتصادية التابعة للمؤسسات العامة أو من النقابات أو من الجمعيات المشكَّلة وفقاً لأحكام القانون, المتمتعة بجنسية الجمهورية العربية المتحدة أو جنسية إحدى الدول العربية بشرط المعاملة بالمثل.
ولا يجوز إنشاء شركة أو جمعية بقصد تملك أو إنشاء معهد عالٍ خاص .
2 ـ أن يكون قادرًا على الوفاء بالالتزامات المالية للمعهد. وتحدد بقرار من وزير التعليم مدى هذه الالتزامات وشروط الكفاية المالية والضمانات الواجب تقديمها” .
كما تنص المادة 6 من القانون المذكور على أنه ” يقدم طلب الترخيص بإنشاء المعهد العالي الخاص إلى وزارة التعليم العالى قبل بدء الدراسة بسنة كاملة على الأقل ويجب أن يبين فى الطلب البيانات الآتية:
( أ ) اسم صاحب المعهد وممثله .
(ب) اسم المعهد والمكان الذي يوجد فيه .
(ج) الهدف من الدراسة ومدتها ونوع الطلاب (بنين ـ بنات ـ مشترك) .
( د) المؤهل الدراسى المطلوب للالتحاق بالمعهد.
ويرفق بهذا الطلب مشروع ميزانية تقريبى للمعهد تحدد على أساسه قيمة المصروفات التى سيدفعها كل طالب.
وترفق أيضًا خطط ومناهج الدراسة المقترحة”.
وأخيرًا تنص المادة 7 من ذات القانون على أنه ” تقوم وزارة التعليم العالي ببحث طلب الترخيص للتحقق من الآتى:
( أ ) مدى ملاءمة أهداف التعليم بالمعهد للأهداف العامة للدولة.
(ب) مدى ملاءمة إنشاء المعهد المطلوب الترخيص به لسد احتياجات معينة من المستوى المحدد لخريجيه.
(ج) مدى ملاءمة خطة ومناهج الدراسة لتحقيق أهداف التعليم بالمعهد، وعلى الوزارة أن تبلغ طالب الترخيص ـ وذلك بكتاب موصى عليه بعلم الوصول ـ قرارها بقبول الطلب أو رفضه خلال تسعين يومًا على الأكثر من تاريخ تقديمه.
ومن حيث إن مفاد النصوص المتقدمة أن المشرع حظر إنشاء معهد عالٍ خاص أو التوسع فى معهد قائم إلا بعد الحصول على ترخيص بذلك من وزارة التعليم العالى بعد أخذ رأى مجلس المحافظة التى يقع بدائرتها المعهد بهدف معاونة هذه المنشآت التعليمية فى تحقيق الأهداف التعليمية المقررة لبعض المعاهد العالية الحكومية, وملتزمة أن تسير الدراسة فيها وفقاً لخطط ومناهج الدراسة بالمعاهد الحكومية المماثلة, حيث نظم المشرع مزاولة هذا النشاط استجابةً لمساهمة نشاط غير حكومى فى التعليم العالى على مستوى المعاهد العليا لسد احتياجات المجتمع لهذه النوعية من التعليم.
وقد تنوعت الشروط والإجراءات التى تطلبها المشرع بمقتضى نصوص القانون رقم 52 لسنة 1970 سالف الذكر للحصول على ترخيص بفتح معهد عالٍ خاص وفى مقدمتها أن يكون صاحب المعهد من أشخاص القانون العام أو الخاص، حيث حظر المشرع منح هذا الترخيص لشخص طبيعى, فاشترط أن يكون طالب الترخيص من الأشخاص الاعتبارية العامة أو من الوحدات الاقتصادية التابعة للمؤسسات العامة أو نقابة من النقابات أو جمعية من الجمعيات المشكلة وفقاً لأحكام القانون على أن تكون هذه الجهات متمتعة بالجنسية المصرية أو جنسية إحدى الدول العربية بشرط المعاملة بالمثل.. كما حظر المشرع إنشاء شركة أو جمعية بقصد تملك أو إنشاء معهد عالٍ خاص، والشرط الثانى يتعلق بتوافر الكفاءة المالية لطالب الترخيص للوفاء بالالتزامات المالية للمعهد, والشرط الأخير أن يقدم طلب الترخيص إلى وزارة التعليم العالى قبل بدء الدراسة بسنة كاملة مستوفياً البيانات المطلوبة قانوناً.
وتتمتع وزارة التعليم العالي فى شأن بحث طلب الترخيص باختصاص واسع فى التقدير, إلا أن هذا التقدير يجد حده فى عدم مخالفة القانون وليس لها أن تنحرف فى استعمال سلطتها، حيث لا يقتصر بحثها على الوقوف على مدى استيفاء طلب الترخيص للمستندات والأوراق المطلوبة قانوناً وإنما تتمتع بسلطة تقديرية فى بحث طلب الترخيص للتحقق من مدى ملاءمة المعهد المطلوب الترخيص به لتحقيق الأهداف المرجوة منه، وذلك على النحو المنصوص عليه فى المادة 7 من القانون رقم 52 لسنة 1970 سالف الذكر وهذا النوع من التراخيص الإدارية يقصد بها تمكين الجهة الإدارية متمثلة فى وزارة التعليم العالى من الإشراف على هذه المعاهد العالية الخاصة ولها حق التفتيش عليها فى الحدود والقيود الواردة فى القانون رقم 52 لسنة 1970 والقرارات الصادرة تنفيذًا له.
ومن حيث إن المشرع اختص هذا الترخيص بأحكام خاصة به فى القانون رقم 52
لسنة 1970 المشار إليه واشترط صراحة صدور ترخيص من وزارة التعليم العالى قبل إنشاء المعهد العالى الخاص إلا أن المشرع لم يكتفِ بتقديم طلب الترخيص إلى الجهة المذكورة مستوفياً الشروط المطلوبة قانوناً تاركًا لوزارة التعليم العالى بحث طلب الترخيص بدون قيد وإنما ألزمها بإخطار طالب الترخيص بكتاب موصى عليه بعلم الوصول بقرارها الصادر بشأن بحث طلب الترخيص سواء بالقبول أو الرفض فى ميعاد أقصاه تسعين يوماً من تاريخ تقديم طلب الترخيص.
ومن حيث إنه من المقرر قانوناً أن الخصومة فى دعوى الإلغاء هى خصومة عينية مناطها اختصام القرار الإدارى فى ذاته استهدافًا لمراقبة مشروعيته, وإذ كان القرار الإدارى على هذا النحو هو موضوع الخصومة ومحلها فى دعوى الإلغاء, فإنه يتعين لقبول الدعوى أن يكون القرار قائماً ومنتجاً لآثاره عند إقامة الدعوى لكونه هو مناط قبول دعوى الإلغاء, وعلى ذلك فإذا زال القرار الإدارى بعد رفع الدعوى أو كان القرار الإدارى النهائى الذى يجوز الطعن فيه بالإلغاء لم يصدر بعد, فإن الدعوى تكون غير مقبولة.
ومن حيث إن الثابت من الاطلاع على الأوراق وأخصها حافظة مستندات هيئة قضايا الدولة المودعة أمام هيئة مفوضى الدولة لدى محكمة أول درجة بجلسة 14/3/1998 تحضير, وكذا حوافظ مستندات الطاعن المودعة أمام محكمة أول درجة أن الطاعن قدم طلبًا مؤرخًا فى 25/7/1996 إلى وزير التربية والتعليم بشأن إبداء رغبته فى إنشاء معهد عالٍ خاص بمصروفات تحت اسم (المعهد العالى للمساحة واستصلاح الأراضى بالمنيا) ـ ومدة الدراسة به أربع سنوات, يمنح بعدها الخريج درجة البكالوريوس بعد اعتماده من وزارة التعليم العالى, ويقبل هذا المعهد الطلبة الحاصلين على الثانوية العامة والدبلومات الفنية, والدراسة فى المعهد تتم فى شعبتين: شعبة المساحة, وشعبة استصلاح الأراضى، وإنه سيبدأ الدراسة بأى مبنى تابع لمديرية التربية والتعليم بالمنيا حتى الانتهاء من إنشاء هذا المعهد. وقيد هذا الطلب بمكتب الوزير برقم 22133 فى 5/8/1996, فأحيل هذا الطلب إلى الإدارة العامة لخدمة المواطنين بوزارة التعليم العالى فأحالته بكتابها المؤرخ 12/8/1996 إلى مدير عام مكتب رئيس قطاع التعليم الفنى بوزارة التعليم العالى فتأشر لوكيل وزارة التعليم العالى للخدمات الطلابية للتوجيه واتخاذ اللازم والإفادة. كما تأشر لمدير عام الإدارة العامة للمعاهد الخاصة بوزارة التعليم العالى للدراسة والعرض، فقامت الإدارة العامة للمعاهد الخاصة بإعداد مذكرة للعرض على رئيس الإدارة المركزية للخدمات الطلابية بكتابها رقم 2054 فى 25/8/1996 بشأن رغبة المذكور بإنشاء المعهد سالف الذكر. وقد تضمنت هذه المذكرة أنه على الرغم من أن المذكور قد تسلم القرار الوزارى رقم 107 الصادر فى 2/2/1995، فيما يتعلق بالضوابط بإنشاء معهد عال خاص ومذكرته التوضيحية، وكذا طلب موافاة الإدارة بالمستندات المتطلبة للترخيص وفقاً لأحكام القانون رقم 52 لسنة 1970 فى شأن تنظيم المعاهد العليا الخاصة ولائحته التنفيذية وتعديلاته ، إلا أنه لم يتقدم بأى مستندات فى هذا الشأن واختتمت هذه المذكرة بطلب أن تتم المكاتبة من جانب الإدارة للمذكور لموافاتها بجميع المستندات المتطلبة للترخيص للمعهد المزمع إنشاؤه.
ونفاذًا لذلك قامت الإدارة العامة للمعاهد العالية الخاصة بوزارة التعليم العالى بمخاطبة المذكور بكتابها رقم 1143 المؤرخ فى 29/8/1996 رداً على طلبه الموجه لوزير التربية والتعليم بمطالبته بموافاتها بالمستندات المتطلبة للترخيص طبقاً لأحكام القانون رقم 52
لسنة 1970 ولائحته التنفيذية والقرار الوزارى رقم 107 الصادر فى 2/2/1995 ومذكرته التوضيحية. كما تقدم المذكور بطلب مؤرخ فى 21/7/1997 إلى مدير عام الإدارة العامة للمعاهد الخاصة بوزارة التعليم العالى بطلب موافاته بما هو مطلوب بالنسبة للمستندات التفصيلية اللازمة للترخيص بإنشاء معهد عالٍ خاص وقد تم تسليمه الشروط المطلوبة ووقَّع على ذلك بتاريخ 21/7/1997 وإذ ثبت أن الطاعن لم يتقدم بطلب ترخيص لوزارة التعليم العالى مرفقاً به محضر المستندات التى طلبتها، إلا أنه قام بتوجيه إنذارين على يد محضر ، أعلنا قانوناً لكل من: (1) وزير التعليم العالى ” بصفته ” . (2) مدير عام الإدارة العامة للمعاهد العالية الخاصة بوزارة التعليم العالى “بصفته” الأول بتاريخ 24/8/1997 والآخر بتاريخ 23/9/1997 طالبهما بالموافقة على إعفائه من بعض الشروط المطلوبة للترخيص لإنشاء المعهد المطلوب الترخيص به، وهى: 1ـ الالتزام بإنشاء مبانى المعهد وتجهيزاته والاستعاضة عن ذلك باستخدام مقر مؤقت للمعهد بمدينة المنيا لمدة لا تزيد عن ثلاث سنوات بالإيجار ـ وهو مبنى مدرسة المنيا الصناعية المتقدمة (نظام خمس سنوات). 2 ـ عدم الالتزام بشرط تقديم طلب الترخيص قبل بدء الدراسة بسنة على الأقل, على أن تبدأ الدراسة بالمعهد بالمقر المؤقت سالف الذكر بمجرد استيفاء الأوراق المطلوبة للترخيص بإنشاء المعهد. 3ـ إعفاؤه من تقديم لائحة النظام الأساسى للجمعية المشكَّلة طبقاً للقانون رقم 32 لسنة 1964.
ومختتماً صحيفة إنذاره بأنه يحدد مدة أقصاها أسبوعين للرد بالموافقة على ما جاء بطلباته فى هذا الإنذار, وفى حالة عدم الرد فإنه يعتبر عدم الرد هو موافقة على الطلبات وفى حالة الرفض فإنه سيضطر لرفع دعوى أمام محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة.
وردًا على هذين الإنذارين قامت الإدارة العامة للشئون القانونية بوزارة التعليم العالى بمخاطبة الطاعن بكتابها رقم 5302 فى 9/9/1997 بما يفيد حفظ الإنذار, وأنه يمكنه التقدم بكافة المتطلبات والشروط اللازمة لإنشاء معهد عالٍ خاص والواردة بالقانون رقم 52
لسنة 1970 ولائحته التنفيذية والقرار الوزارى رقم 107 الصادر فى 2/2/1995 فيما يتعلق بالضوابط اللازمة لإنشاء معهد عال خاص. وقد تضمن هذا الكتاب أنه بمخاطبة الإدارة العامة للتعليم الخاص بوزارة التعليم العالى أفادت بأنها لم ترفض طلب إنشاء المعهد العالى للمساحة واستصلاح الأراضى بالمنيا، وأنه على الرغم من تسليم المذكور الشروط المطلوبة للترخيص إلا أنه لم يتقدم لتلك الإدارة بالمستندات المطلوبة لإنشاء المعهد المطلوب الترخيص به.
وبتاريخ 11/10/1997 أقام الطاعن دعواه موضوع الطعن الماثل.
ومن حيث إنه من جهة أخرى, فإنه لا خلاف بين أطراف الخصومة أن طلب الترخيص بإنشاء المعهد المبين سلفًا لم يقدم من شخص اعتبارى عام أو خاص ، وإنما تقدم به الطاعن ـ وبإقراره ـ كشخص طبيعى، وبذلك يكون طلب الترخيص سالف الذكر قد افتقد أحد الشروط الجوهرية المتطلبة فى صاحب المعهد العالى الخاص المطلوب الترخيص به وهو أن يكون من الأشخاص الاعتبارية العامة أو من الوحدات الاقتصادية التابعة للمؤسسات العامة أو من النقابات أو من الجمعيات المشكلة وفقًا لأحكام القانون.
ومن حيث إنه متى كان الأمر كذلك, وقد كشفت ملابسات الدعوى وأوراقها ومستنداتها أن مسلك جهة الإدارة حيال طلب الطاعن الترخيص بإنشاء المعهد المذكور ـ قبل رفع الدعوى ـ فى حقيقة الأمر قاطع الدلالة على أنها لم تفصح عن إرادتها الملزمة بشأن هذا الطلب بموجب سلطتها المخولة لها بمقتضى القوانين واللوائح لإحداث أثر قانونى معين, وقررت صراحة أنها لم ترفض هذا الطلب وعلى ذلك فلم يصدر من جهة الإدارة قرار صريح بالموافقة على الترخيص للطاعن بإنشاء المعهد المذكور أو بالرفض، وحيث إنه من المقرر قانونًا أن طلب الترخيص لا يكتمل كيانه القانونى إلا إذا كان موافقًا لصحيح حكم القانون ومستوفياً لكل ما تطلبه القانون من شرائط, وإذ نكل الطاعن عن استكمال مقومات طلبه بعدم استيفاء المرفقات اللازمة قانوناً ـ كما سلف البيان ـ ورغم ذلك فإن جهة الإدارة لم تمتنع عن بحث طلبه المشار إليه سلفاً، فإنه ـ كما يبين من الأوراق ـ أنها دأبت على مطالبته بتقديم المستندات المطلوبة قانوناً لبحث منحه الترخيص المذكور. كما أنها قامت بالرد على الإنذارين المشار إليهما سلفاً بهذا المعنى دون أن يستجيب الطاعن لطلب جهة الإدارة ولم يتقدم إليها بالمستندات التى طالبته بتقديمها طبقاً لما سلف بيانه واستمر فى مسلكه السلبى إلى حين رفع الدعوى الماثلة, وإثر رفعها قررت جهة الإدارة أنه إذا تقدم الطاعن بالمستندات المتطلبة للترخيص طبقاً لأحكام القانون رقم 52 لسنة 1970 ولائحته التنفيذية فإنها سوف تقوم بالسير فى إجراءات استصدار الترخيص.
ومن حيث إنه وإن كان قد ثبت ذلك, إلا أنه لما كان الثابت من الأوراق مرور مدة تسعين يوماً على تقديم الطاعن لطلب الترخيص فى 25/7/1996 دون البت فيه طبقاً لنص المادة 7 من القانون رقم 52 لسنة 1970 سالف الذكر, الأمر الذى يعتبر بمثابة قرار إدارى ضمنى برفضه بسبب عدم توافر الشروط اللازمة لصرف هذا الترخيص وأهمها أن يكون صاحب المعهد شخصية اعتبارية وهو ما يعنى تخلف شرط من الشروط اللازمة لمنح هذا الترخيص, وهو سبب الرفض الضمنى ومن ثَمَّ فإن قرار الإدارة الضمنى برفض منح الترخيص المطالب به يكون قد قام على سببه المبرر له قانوناً الأمر الذى يتعين معه رفض طلب إلغائه.
ومن حيث إنه بالإضافة لما تقدم, فإنه قد ثبت أن جهة الإدارة لم تخطر الطاعن بكتاب موصى عليه بعلم الوصول بقرارها بقبول الترخيص أو رفضه خلال تسعين يوماً من تاريخ تقديمه طبقًا لنص المادة 7 سالفة الذكر ومن ثَمَّ يكون استمرارها فى عدم البت فى طلب الترخيص سالف الذكر يعتبر بمثابة قرار ضمنى برفضه, وهذا القرار يجوز الطعن عليه دون التقيد بميعاد طالما أن المشرع لم يحدد للطعن عليه ميعادًا معينًا وبسبب ذلك تكون الدعوى مقبولة شكلاً، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب وانتهى فى نتيجته إلى عدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإدارى, فإنه يكون قد خالف صحيح حكم القانون مما يتعين معه القضاء بإلغائه والقضاء مجدداً بقبول الدعوى شكلاً وبرفضها موضوعاً.
ومن حيث إن من يخسر الطعن يلزم بالمصروفات عملاً بحكم المادة (184) مرافعات.
حكمت المحكمة
بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بقبول الدعوى شكلاً، ورفضها موضوعاً على النحو المبين بالأسباب، وألزمت الطاعن المصروفات.