جلسة 18من مايو سنة 2002م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ د. فاروق عبدالبر السيد
نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ يحيى عبدالرحمن يوسف، ومحمود محمد صبحى العطار، وبلال أحمد محمد نصار، ومحمد عبدالحميد أبوالفتوح.
نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار المساعد/ محمد محمود حسن خالد.
مفوض الدولة
وسكرتارية السيد/ سيد رمضان عشماوى.
سكرتير المحكمة
الطعن رقم 6469 لسنة 44 قضائية عليا
ـ عاملون مدنيون بالقوات المسلحة ـ المعاملة المالية فى الظروف العادية وغير العادية ـ المركز القانونى للمريض بمرض مزمن.
المواد (1)، (30)، (31)، (73) من قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة الصادر بالقانون رقم 90 لسنة 1975 وتعديلاته.
المادة (66) مكرراً من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 معدلاً بالقانون رقم 115 لسنة 1983.
قرار وزير الصحة رقم 695 لسنة 1984 فى شأن تحديد الأمراض المزمنة التى يُمنح عنها المريض إجازة استثنائية.
قرر المشرع سريان أحكام قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة الصادرة بالقانون رقم90 لسنة 1975 (المعدل) على العاملين المدنيين بالقوات المسلحة فى حدود الأحكام التى قررها القانون المشار إليه ـ المشرع بيَّن كيفية معاملة هؤلاء العاملين من حيث المعاش والمكافآت والمستحقات المالية الأخرى فى الظروف العادية ـ فى هذه الحالة يخضعون لأحكام قانون التأمين الاجتماعى أو قوانين المعاشات بحسب الأحوال ـ فى حالة الاستشهاد أو الفقد أو الوفاة أو إنهاء الخدمة لعدم اللياقة الطبية أو الإصابة التى تمنع من البقاء فى الخدمة وكانت هذه الحالات بسبب العمليات الحربية أو إحدى الحالات المنصوص عليها فى المادة (31) من القانون المشار إليه فتسوى استحقاقاتهم من حيث المعاش والمنحة العاجلة والتأمين الإضافى وتعويض الإصابة طبقاً للأحكام المنصوص عليها فى القانون رقم 90 لسنة 1975 مثل أقرانهم العسكريين ـ لوزير الدفاع إضافة حالات أخرى غير الواردة فى القانون ـ شرط ذلك ـ أن تكون قد تُصُدِّق مسبقاً للفرد بأى عمل من الأعمال المشار إليها ـ العامل المريض بأحد الأمراض المزمنة ومنها الأورام الخبيثة ومضاعفاتها متى شُخِّصت بصفة قاطعة يظل فى إجازة استثنائية بمرتب كامل إلى أن يُشفى أو تستقر حالته استقراراً يمكنه من العودة إلى مباشرة أعمال وظيفته ـ متى ثبت عجزه عجزاً كاملاً فإنه يظل فى إجازة مرضية بأجر كامل حتى بلوغه سن الإحالة إلى المعاش ـ مؤدى ذلك ـ لا تملك جهة الإدارة أى سلطة تقديرية فى إنهاء خدمته لعدم اللياقة الطبية مادام مريضاً بأحد الأمراض المزمنة الواردة تفصيلاً فى قرار وزير الصحة رقم 695 لسنة 1984 سالف الذكر ـ تطبيق.
في يوم الأربعاء الموافق 24/6/1998 أودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبة عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير الطعن رقم 6469 لسنة 44 ق . عليا فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى ـ دائرة العقود والتعويضات ـ فى الدعوى رقم 5137 لسنة 50 ق الذى قضى منطوقه بجلسة 17/5/1998 بقبول الدعوى شكلاً بالنسبة للمدعى عليه الأول بصفته وفى الموضوع بإلزامه بأن يؤدى للمدعى مبلغاً مقداره ثلاثون ألف جنيه من المصروفات ورفض ماعدا ذلك من الطلبات.
وطلب الطاعن ـ للأسباب الواردة بتقرير الطعن ـ وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه مع إلزام المطعون ضده مصروفات الطلب والحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بتخفيض مقدار التعويض إلى القدر الذى يتناسب والأضرار المترتبة على القرار الصادر بإنهاء خدمة المطعون ضده مع إلزامه المصروفات عن درجتى التقاضى.
وفى يوم الخميس الموافق 9/7/1998 أودع الأستاذ/ سعيد محمد حسن، المحامى، نائباً عن الأستاذ/ محمود صدقى أحمد، المحامى بالنقض والإدارية العليا، بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير الطعن رقم 6793 لسنة 44ق. عليا على ذات الحكم المشار إليه.
وطلب الطاعن ـ للأسباب الواردة بتقرير الطعن ـ الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإحالته بطلباته الواردة بالصحيفة المقدمة لمحكمة أول درجة بإلزام المطعون ضدهما بأن يؤديا له تعويضاً قدره 200.000 مائتى ألف جنيه والمصروفات.
وقد أعلن الطعنان قانوناً، وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريراً بالرأى القانونى انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعنين شكلاً وفى الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه برفع مبلغ التعويض المقضى به إلى القدر الذى تراه المحكمة كافيًا لجبر الأضرار المادية والأدبية التى ألـمَّت بالمدعى وإلزام الجهة الإدارية مصروفات الطعنين.
وتدوول الطعنان أمام دائرة فحص الطعون على النحو المبين بمحاضر الجلسات، وبجلسة 27/3/2000 قررت الدائرة ضم الطعن الثانى رقم 6793 لسنة 44ق.عليا إلى الطعن الأول رقم 6469 لسنة 44 ق. عليا للارتباط وليصدر فيهما حكم واحد.
وبجلسة 12/6/2000 قررت الدائرة إحالة الطعنين إلى المحكمة الإدارية العليا الدائرة الثانية ـ موضوع وحددت لنظرهما جلسة 22/7/2000.
وبجلسة 26/8/2000 قدم الحاضر عن المدعى مذكرة قرر فيها أنه يصمم على طلباته وذلك برفع قيمة التعويض والقضاء له بمبلغ 200.000 جنيه (مائتى ألف جنيه).
وبجلسة 16/1/2001 قدم الحاضر عن المدعى مذكرة أخرى بذات الطلبات، ثُمَّ بتاريخ 1/2/2001 أودع الحاضر عن المدعى بعض المستندات ومذكرة أخرى صمم فيها على طلباته السابقة. وبتاريخ 3/7/2001 أودع الحاضر عن المدعى مذكرة أخرى صمم فيها على طلباته. وبجلسة 29/12/2001 قدم الحاضر عن المدعى مذكرة صمم فيها على الطلبات.
وبهذه الجلسة قررت إصدار الحكم فى الطعنين بجلسة 2/2/2002 مع التصريح بتقديم مذكرات خلال أسبوع وخلال المهلة قدم الحاضر عن الدولة مذكرة بالدفاع خلص فيها إلى طلب الحكم أولاً: بالنسبة للطعن رقم 6469 لسنة 44ق.عليا قبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده المصروفات عن درجتى التقاضى. ثانياً: برفض الطعن رقم 6793 لسنة 44ق.عليا مع إلزام الطاعن المصروفات.
وبهذه الجلسة تقرر إرجاء النطق بالحكم لجلستى 16/3/2002 و 18/5/2002، لإتمام المداولة، حيث صدر الحكم، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانوناً.
ومن حيث إن الطعنين استوفيا سائر أوضاعهما الشكلية المقررة.
ومن حيث إنه عن الموضوع فإن وقائع الطعنين تتحصل ـ حسبما يبين من الاطلاع على أوراقهما ـ فى أن المدعى ـ المطعون ضده بالطعن الأول والطاعن فى الطعن الثانى ـ أقام الدعوى رقم 5137 لسنة 50ق بموجب عريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإدارى ـ دائرة العقود والتعويضات ـ بتاريخ 30/3/1996 طالباً فى ختامها الحكم بإلزام المدعى عليهما بصفتهما بأن يؤديا له تعويضًا قدره مائتا ألف جنيه والمصروفات.
وذكر المدعى شرحاً للدعوى أنه التحق بمعهد الطيران التابع للقوات الجوية وتخرج فيه عام 1994 وفور تخرجه التحق بخدمة القوات الجوية بوظيفة فنى بورش الطائرات المقاتلة للعمل فى صيانة وإصلاح واختبار تلك الطائرات، ونظرًا لحسن قيامه بالعمل تم اختياره فى العديد من المأموريات ضمن أفراد القوات الجوية، كان من أبرزها مساهمته فى حرب أكتوبر 1973 وكان طوال مدة خدمته يستنشق عوادم الطائرات وما تحويه من الزئبق والرصاص وثانى أكسيد الكربون أثناء اختبار الطائرات وإصلاحها طوال ثلاثين عاماً قضاها فى هذا العمل؛ الأمر الذى أدى إلى إصابته بورم سرطانى فى الغدة الدرقية وتم إجراء جراحة له لاستئصال هذا الورم لكنه لم يبرأ منه وعاوده مرة أخرى وعند عرضه على المجلس الطبى العسكرى فى 5/12/1988 شخص حالته على أنها ورم سرطانى مرتجع وقرر تطبيق القرار رقم 112 لسنة 1993 ومنحه إجازة مفتوحة، على أن يُصرف أجره كاملاً مع استمرار علاجه، ثُمَّ عرضه مرة أخرى على معهد السرطان الذى أكد ذات التشخيص وخضوعه وحالته لأحكام القرار رقم 695 لسنة 1984 مع منحه إجازة مفتوحة واستمرار علاجه بالأشعة العميقة والكوبلت.
وأضاف المدعى قائلاً بأنه منذ إصابته بهذا المرض بدأت الجهة الإدارية التفريق فى معاملته بمقولة إنه ليس من أفراد القوات المسلحة التى قضى فى خدمتها ثلاثين عاماً يعمل جنباً إلى جنب مع أفرادها وكان يتعرض لما يتعرضون له من مخاطر، واشترك معهم فى العديد من الحروب وبدلاً من الوقوف إلى جانبه تم نقله إلى إدارة شئون العاملين المدنيين بوزارة الدفاع مما كان له بالغ الأثر فى الإضرار به معنوياً ونظرًا لعدم استقرار حالته فقد أصدر المجلس الطبى العسكرى قراراً بأن حالته عجز جزئى مستديم وبدلاً من أن يطبق عليه أمر القيادة العامة للقوات المسلحة الصادر فى 6/6/1977 شأنه فى ذلك شأن غيره ممن خدموا بالقوات المسلحة على مستحقاته المالية إذ بالمجلس المشار إليه يقرر إحالته إلى التأمين الصحى مجحفًا بذلك بحقوقه بعد ثمانى سنوات من إصابته وعلاجه من خلال المجلس الطبى العسكرى.
واستطرد المدعى قائلاً إن التأمين الصحى قرر بجلسة 31/5/1994 إصابته بعجز كامل وأن حالته ينطبق عليها حكم المادة 66 مكرراً من القانون رقم 47 لسنة 1978 مما ترتب عليه تخفيض راتبه الشهرى من 450 جنيهاً إلى 110 جنيهات، فتظلم من هذا القرار بتاريخ 27/10/1995 إلى مكتب خدمة المواطنين والشكاوى بوزارة الدفاع، وطلب تطبيق أمر القيادة العامة للقوات المسلحة رقم 43 الصادر فى 6/6/1977 باعتبار حالته إصابة عمل والمطالبة بتطبيق قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة رقم 90 لسنة 1975 على حالته. وبتاريخ 7/2/1996 أخطر بأن أمر القيادة سالف الإشارة يطبق فقط على العسكريين وليس له أى حق فى تطبيق المادة (31) من القانون رقم 90 لسنة 1975 المشار إليه، الأمر الذى حدا به إلى إقامة دعواه طالباً طلباته سالفة البيان.
وبجلسة 17/5/1998 حكمت المحكمة بقبول الدعوى شكلاً بالنسبة للمدعى الأول بصفته وفى الموضوع بإلزام بأن يؤدى للمدعى مبلغاً مقداره ثلاثون ألف جنيه والمصروفات ورفض ماعدا ذلك من طلبات.
وشيَّدت المحكمة حكمها بالنسبة لطلب المدعى اعتبار إصابته بمرض السرطان وما يترتب على ذلك من آثار فى مفهوم أحكام قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة الصادر بالقانون رقم 90 لسنة 1975 وتعديلاته بعد أن استعرضت أحكام المواد أرقام 1،30، 31، 73 فى القانون المشار إليه على أن الثابت بالأوراق أن حالة المدعى المرضية لا تندرج تحت أى بند من بنود المادة (31) المشار إليها فى قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة ولا وجه لما يتمسك به المدعى فى تطبيق أمر القيادة رقم 43 الصادر فى 6/6/1977 والذى جاء به أن جميع الأمراض التى تحصل لأفراد القوات المسلحة خلال خدمتهم تعتبر بسبب الخدمة متى ترتب عليها عدم لياقة المريض للخدمة وكان قد أمضى عشر سنوات فى الخدمة، فهذا الأمر قاصر على العسكريين وحدهم ومن ثَمَّ يكون طلب المدعى باعتبار مرضه إصابة عمل فى مفهوم قانون التأمين والمعاشات العسكرية غير قائم على أساس من القانون حرياً بالرفض.
وبخصوص طلب المدعى التعويض عن الأضرار المادية والأدبية التى أصابته من جراء إنهاء خدمته، استعرضت المحكمة نص المادة (66 مكرراً) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 المعدل بالقانون رقم 115 لسنة 1983 وشيَّدت حكمها على أن الثابت بالأوراق أن حالة المدعى المرضية شُخّصت على أنها ورم سرطانى مرتجع بالغدة الدرقية وقررت الجهة الطبية المختصة بأنها عجز كامل مرضى مستديم وأنه يعامل بحكم المادة 66 مكرراً السالف الإشارة إليها، ومع ذلك أصدرت الجهة الإدارية المدعى عليها القرار رقم 271 لسنة 1994 بإنهاء خدمته لعدم اللياقة الطبية اعتبارًا من 1/8/1994، فمن ثَمَّ فإن قرار إنهاء خدمته على هذا النحو يكون معيباً إلى درجة تصل به إلى حد الانعدام مما يتحقق معه ركن الخطأ فى المسئولية الإدارية.
وعن ركن الضرر ذهبت المحكمة إلى أن إنهاء خدمة المدعى فى الوقت الذى كان يتعين معه أن يظل فى إجازة استثنائية بمرتب كامل حتى بلوغه سن الإحالة إلى المعاش فى 30/8/2003 ترتبت عليه أضرار مادية تمثلت فى حرمانه من مرتبه وتدرج هذا المرتب بالعلاوات وكافة المزايا الأخرى المقررة له بقانون العاملين المدنيين بالدولة وقانون التأمين الاجتماعى، فضلاً عن الأضرار الأدبية التى لحقت به لشعوره بالحزن والأسى من جراء قرار إنهاء خدمته وهو فى ظروف مرضية على النحو السالف بيانه.
ولما كانت هذه الأضرار بسبب خطأ جهة الإدارة لذلك انتهت المحكمة إلى تعويض المدعى بمبلغ ثلاثين ألف جنيه والمصروفات.
وإذ لم يصادف هذا الحكم قبولاً لدى الطاعن بالطعن الأول، أقام طعنه الماثل ناعيًا على مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه وتأويله، لأنه قدر مبلغ التعويض على نحو مبالغ فيه ولا يناسب الأضرار المادية والأدبية المترتبة على قرار إنهاء خدمته، كما أن تقديره لهذا التعويض لم يكن على أساس سائغ خاصة وأن المطعون ضده انتهت خدمته بتاريخ 1/8/1994 قبل بلوغه سن الإحالة إلى المعاش المقرر له فى 30/8/2003 وعليه فإن تقدير المحكمة التعويض بمبلغ وقدره ثلاثون ألف جنيه على الأضرار المترتبة عن هذه المدة يكون مبالغاً فيه، مخالفاً بذلك القانون.
وخلص الطاعن فى ختام تقرير الطعن إلى طلب الحكم له بطلباته المنوه عنها بصدر هذا الحكم.
وإذ لم يلق ذات الحكم قبولاً لدى الطاعن بالطعن الثانى فأقام طعنه على السببين الآتيين:
أولاً: الخطأ فى تطبيق القانون، لأن الطاعن أقام دعواه باعتبار إصابته بمرض السرطان إصابة عمل وما يترتب على ذلك من آثار بمفهوم قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة الصادر بالقانون رقم 90 لسنة 1975.
والمحكمة أخطأت فى تطبيق القانون بعدم اعتبار إصابة الطاعن إصابة عمل بالرغم من أنه اشترك فى العديد من الحروب وتعَّرض لما كان يتعرض له أفراد القوات المسلحة فى حالات الحروب، وتسرى عليه أحكام المادة (30) وحكم الفقرة (أ) من المادة (31) وهى الحالات التى يصدر بها قرار وزير الدفاع واشتراك الطاعن فى الحروب والعمليات العسكرية يعد من قبيل التصديق المسبق له للقيام بالعمل فى ظروف قد تعرضه إلى فقد حياته فى وقت الحرب وأنه قضى قرابة ثلاثين عاماً من حياته تصدر له أوامر عسكرية مثل أقرانه من أفراد القوات المسلحة.
ثانياً: الخطأ فى تحديد مقدار التعويض، لأنه بتطبيق المادة 66 مكرراً من القانون رقم 47 لسنة 1978 يلحق بالطاعن بالغ الضرر والذى يؤدى إلى تخفيض ما يحصل عليه من راتبه من 450 جنيهًا إلى 110 جنيهات فإذا ما حصل ذلك الفرق عن تطبيق هذه المادة فى تاريخ 31/5/1994 حتى تاريخ إنهاء خدمة الطاعن عام 2003 فإنه يفوق المبلغ المقضى به بكثير، فضلاً عن المكافآت والحوافز والبدلات وتدرج هذا الراتب. كما أن المرض الذى لحق بالطاعن يحتاج إلى نفقات كثيرة تتمثل فى مصاريف أدوية وجلسات بأشعة الكوبلت بصفة منتظمة ودائمة. كما أن الطاعن لحقته أضرار أدبية من جراء إنهاء خدمته، تمثلت فيما أحس به من مرارة فى نفسه لما وقع عليه من غبن وهو الإصابة بمرض يطول لسنوات عديدة، فضلاً عن أنه العائل الوحيد لأسرته وليس قادراً على العمل ولحقته خسارة مادية كبيرة بسبب ما استقطع من دخله، وخلص الطاعن فى ختام تقرير الطعن إلى طلب الحكم بطلباته سالفة البيان.
ومن حيث إنه عن الطلب الأول للطاعن بالطعن الثانى وهو اعتبار إصابته بمرض السرطان إصابة عمل فى مفهوم أحكام قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة الصادر بالقانون رقم 90 لسنة 1975 فإنه يبين من الأوراق أن المطعون ضده بالطعن الأول (المدعى) والطاعن بالطعن الثانى من مواليد 30/8/1943 والتحق بمركز تدريب مهنى الطائرات وحصل على شهادة إتمام الدراسة بالمركز المشار إليه فى دور مايو 1964 وفى ذات العام عين بمهنة ميكانيكى إصلاح محركات نفاثة بورش الطائرات الرئيسية بالقوات الجوية وساهم فى العديد من العمليات العسكرية حتى عام 1973، وتم نقله للعمل بقسم التوجيه المعنوى حتى عام 1976 ثم أسند إليه القيام بأعمال إدارية (قسم المحركات) حتى 4/3/1982، حيث تم انتدابه للهيئة العربية للتصنيع كمندوب لإنهاء أعمال خاصة بالورش الرئيسية بتاريخ 8/3/1984 ثُمَّ ألحق بإدارة شئون العاملين ثُمَّ بإدارة شئون العاملين المدنيين اعتباراً من 22/2/1989، وبتاريخ 5/12/1988 عُرض على المجلس الطبى العسكرى فوجدوه مصاباً بورم سرطانى متكرر بالغدة الدرقية وقرر أن حالته يطبق عليها القانون رقم 112 لسنة 1963 فتم منحه إجازات مرضية وأجريت له عدة عمليات جراحية بمعهد الأورام القومى، ثُمَّ عرض على الهيئة العامة للتأمين الصحى بتاريخ 3/4/1989 فقررت أنه مريض بورم سرطانى مرتجع بالغدة الدرقية، ويعامل بالقرار رقم 695 لسنة 1984، وبجلسة 31/5/1994 قررت الجهة المذكورة أن حالة المريض عجز كامل مرضى مستديم وعلى جهة العمل تنفيذ ما جاء بالمادة 66 مكرراً فى قانون العاملين المدنيين رقم 115 لسنة 1983، إلا أنه بتاريخ 26/8/1994 قررت جهة الإدارة إنهاء خدمته بالإحالة إلى المعاش لعدم اللياقة الطبية اعتباراً من 1/8/1994 بالقرار رقم 271 لسنة 1994.
ومن حيث إن المادة الأولى من قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة الصادر بالقانون رقم 90 لسنة 1975 وتعديلاته تنص على “أن تسرى أحكام هذا القانون على المنتفعين الآتى بيانهم:
(أ)…………(ب) ………… (جـ) ………… (د) ………… (هـ) ………… (و) العاملون المدنيون بالقوات المسلحة. ويكون سريان أحكام هذا القانون بالنسبة للفئات الواردة فى البنود جـ، د، هـ، و, فى حدود الأحكام الخاصة بهذه الفئات المنصوص عليها فى هذا القانون…………..”.
وتنص المادة (30) من ذات القانون على أن “يمنح من تنتهى خدمته لإصابته بعجز كلى بسبب العمليات الحربية معاشًا شهريًا يعادل معاش المستشهد فى نفس رتبته أو درجته الأصلية طبقاً للفئات الموضحة بالجدول رقم (2) المرفق أو يعادل صافى إجمالي ما كان يستحقه المنتفع من راتب أصلى وراتب إضافى وتعويضاً وبدلات ……….”.
وتنص المادة (31) من ذات القانون على أن “تسرى أحكام المادة 30 على من يصاب بعجز كلى أو عجز جزئى فى الحالات الآتية:
(أ) أثناء أسره إذا ثبت براءته طبقاً للقواعد والأوامر المتبعة بالقوات المسلحة.
(ب)………………… (جـ)………………….. (هـ)……………………
(و) فى الحالات الماثلة التى يصدر بها قرار من وزير الدفاع.
ويُشترط فى جميع الحالات أن يكون قد تصدق للفرد مسبقاً بالقيام بأى عمل من الأعمال المشار إليها وألا تكون الإصابة قد حدثت بإهماله”.
وتنص المادة (73) من ذات القانون على أن “يعامل العاملون المدنيون الذين يعملون بالقوات المسلحة فى الظروف العادية من حيث المعاش أو المكافأة أو أى استحقاقات أخرى طبقاً لقانون التأمين الاجتماعى أو لقوانين المعاشات للعاملين بها بحسب الأحوال أما حالات الاستشهاد أو الفقد أو الوفاة أو إنهاء الخدمة لعدم اللياقة الصحية أو الإصابة التى تمنع من البقاء فى الخدمة وكانت هذه الحالات بسبب العمليات الحربية أو بسبب إحدى الحالات المنصوص عليها فى المادة (31) فتسوى استحقاقاتهم من حيث المنحة العاجلة والمعاش والتأمين والتأمين الإضافى ومكافأة الاستشهاد وتعويض الإصابة طبقاً للأحكام المنصوص عليها فى هذا القانون كأقرانهم العسكريين ………..”.
ومن حيث إنه يستفاد من النصوص المتقدمة أن المشرع قرر سريان أحكام قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة الصادرة بالقانون رقم 90 لسنة 1975 (المعدل) على العاملين المدنيين بالقوات المسلحة فى حدود الأحكام التى قررها القانون المشار إليه، وبيَّن المشرع كيفية معاملة هؤلاء العاملين من حيث المعاش والمكافآت والمستحقات المالية الأخرى فى الظروف العادية، فقضت المادة (73) من القانون المشار إليه بخضوعهم فى هذه الحالة لأحكام قانون التأمين الاجتماعى أو قوانين المعاشات للعاملين بها بحسب الأحوال أما فى حالة الاستشهاد أو الفقد أو الوفاة أو إنهاء الخدمة لعدم اللياقة الطبية أو الإصابة التى تمنع من البقاء فى الخدمة وكانت هذه الحالات بسبب العمليات الحربية أو إحدى الحالات المنصوص عليها فى المادة (31) من القانون المشار إليه فتسوى استحقاقاتهم من حيث المعاش والمنحة العاجلة والتأمين الإضافى وتعويض الإصابة طبقاً للأحكام المنصوص عليها فى القانون رقم 90 لسنة 1975 مثل أقرانهم العسكريين. وقد جاء بالمادة (31) الحالات التى يسرى عليها حكم المادة (30) فى ذلك القانون فى حالة الإصابة بعجز جزئى أو كلى وأجاز المشرع فى الفقرة (و) من تلك المادة لوزير الدفاع إضافة حالات أخرى غير الواردة فى البنود أ، ب، جـ، د، هـ، شريطة أن يكون قد تصدق مسبقاً للفرد بالقيام بأى عمل من الأعمال المشار إليها بتلك المادة وألا يكون قد تصدق مسبقاً للفرد بالقيام بأى عمل من الأعمال.
ومن حيث إنه يبين من أوراق الطعن أن حالة المدعى ـ المطعون ضده بالطعن الأول والطاعن بالطعن الثانى ـ لا تندرج تحت أى بند من بنود المادة (31) سالف الإشارة، وبالتالى لا يسوى عليه حكم المادة (30) من قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة رقم 43 الصادر بتاريخ 6/6/1977 الذى يقتصر سريانه على العسكريين فقط وليس العاملين المدنيين بالقوات المسلحة والذى جاء به أن جميع الأمراض التى تحدث لأفراد القوات المسلحة خلال خدمتهم تعتبر بسبب الخدمة متى ترتب عليها عدم لياقة المريض للخدمة وكان قد قضى عشر سنوات فى الخدمة.
وبناًء عليه لا يعتبر مرض المدعى إصابة عمل فى مفهوم قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة ويضحى هذا الطلب خليقًا بالرفض.
ومن حيث إنه عن طلب المطعون ضده فى الطعن الأول ـ الطاعن فى الطعن الثانى التعويض عن الأضرار المادية والأدبية التى أصابته من جراء إنهاء خدمته له فإن المادة (66 مكرراً) من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 معدلاً بالقانون رقم 115 لسنة 1983 تنص على أنه “استثناء من أحكام الإجازات المرضية يمنح العامل بأحد الأمراض المزمنة التى يصدر بتحديدها قرار وزير الصحة بناءً على موافقة الإدارة العامة للمجالس الطبية إجازة استثنائية بأجر كامل إلى أن يُشفى أو تستقر حالته استقرارًا يمكنه من العودة إلى العمل أو يتبين عجزه عجزًا كاملاً، وفى هذه الحالة الأخيرة يظل العامل فى إجازة مرضية بأجر كامل حتى بلوغه سن الإحالة للمعاش”.
وتنفيذاً لهذا النص أصدر وزير الصحة القرار رقم 695 لسنة 1984 فى شأن تحديد الأمراض المزمنة التى يمنح عنها المريض إجازة استثنائية … وتضمَّن الجدول المرافق لهذا القرار فى البند (1) الأورام الخبيثة ومضاعفاتها بأى جزء من أجزاء الجسم إذا أثبت تشخيصها بصفة قاطعة.
ومن حيث إن مؤدى ما تقدم أن العامل المريض بأحد الأمراض المزمنة ومنها الأورام الخبيثة ومضاعفاتها تم تشخيصها بصفة قاطعة يظل فى إجازة استثنائية بمرتب كامل إلى أن يشفى أو تستقر حالته استقراراً يمكنه من العودة إلى مباشرة أعمال وظيفته وعلى أنه متى ثبت عجزه عجزاً كاملاً فإنه يظل فى إجازة مرضية بأجر كامل حتى بلوغه سن الإحالة إلى المعاش. ويستمد العامل مركزه القانونى فى البقاء فى الخدمة من القانون ذاته مباشرة على نحو لا تملك معه الجهة الإدارية أى سلطة تقديرية فى إنهاء خدمته لعدم اللياقة الطبية طالما كان مريضاً بأحد الأمراض المزمنة الواردة تفصيلاً فى قرار وزير الصحة رقم 695 لسنة 1984 سالف الذكر.
ومن حيث إنه ولئن كان ما تقدم إلا أن الثابت من الأوراق أن المطعون ضده فى الطعن الأول الطاعن فى الطعن الثانى تقدم بتاريخ 4/7/1994 بطلب إلى السيد مدير إدارة شئون العاملين المدنيين بوزارة الدفاع يطلب الموافقة على إنهاء خدمته لعدم اللياقة الطبية وعدم رغبته فى الاستمرار فى تطبيق المادة 66 مكرراً من القانون رقم 115 لسنة 1983 على أن يكون إنهاء الخدمة اعتبارًا من 1/8/1994. وبناءً على هذا الطلب صدر القرار رقم 271 لسنة 1994 بتاريخ 26/7/1994 متضمناً إنهاء خدمة المذكور ورفع اسمه من عداد العاملين المدنيين بوزارة الدفاع اعتباراً من 1/8/1994 لعدم اللياقة الطبية (عجز كامل ـ مرض مستديم). وتضمنت ديباجة هذا القرار النص على أنه صدر بناءً على الالتماس المقدم منه بشأن الموافقة على إنهاء خدمته لعدم اللياقة الطبية والإقرار المقدم منه بعدم رغبته فى تطبيق المادة 66 مكرراً من القانون رقم 115 لسنة 1983 سالف الإشارة إليه.
ومن حيث إن مفاد ما تقدم أن إنهاء خدمة المطعون ضده فى الطعن الأول الطاعن فى الطعن الثانى لعدم اللياقة الطبية تم طبقاً لصريح طلبه والالتماس المقدم منه بذلك فى 4/7/1994 والمتضمن صراحة أيضاً عدم رغبته فى الاستمرار فى تطبيق المادة (66مكررًا) من القانون رقم 115 لسنة 1983 ومن ثَمَّ فلا تثريب على الجهة الإدارية الطاعنة فى الطعن الأول المطعون ضدها فى الطعن الثانى إن هى استجابت لطلبه وأصدرت قرار إنهاء خدمته ويكون قرارها فى هذا الشأن قد جاء متفقاً وأحكام القانون.
ومن حيث إنه عن طلب المطعون ضده فى الطعن الأول ـ الطاعن فى الطعن الثانى التعويض عن الأضرار المادية والأدبية التى لحقت به، فإنه وإذ ثبت أن قرار إنهاء خدمته رقم 271 لسنة 1994 تم وفقاً لطلبه وصادف صحيح أحكام القانون فإن ركن الخطأ من جانب الجهة الإدارية يكون قد تخلف مما ينهار معه طلب التعويض، ويتعين لذلك الحكم برفضه.
ولا ينال مما سبق القول بأن السيد المذكور تقدم بطلب إنهاء خدمته تحت إكراه أولى تمثل فى تطبيق المادة 66 مكرراً من القانون رقم 115 لسنة 1983 عليه بتخفيض أجره إلى أصل راتبه فقط فى وقت كان فى أشد الحاجة فيه إلى المال لنفقات علاجه الباهظة وللإنفاق على أسرته وإذ كان الإكراه الأولى يعد عيبًا جوهريًا من عيوب الرضا بعدم الإرادة فإنه بالتالى يصبح طلب إنهاء الخدمة كما يقدم القرار الإدارى الصادر بإنهاء الخدمة، نقول إن هذا القول غير صحيح قانوناً لأن طلب الطاعن إنهاء خدمته باعتباره مظهراً من مظاهر إرادة الموظف فى اعتزال الخدمة يجب أن يصدر عن رضاء صحيح، يفسده ما يفسد الرضا من عيوب، ومنها الإكراه إن توافرت عناصره بأن يقدم الموظف الطلب تحت سلطات رهبة بعثتها الإدارة فى نفسه دون حق وكانت قائمة على أساس بأن كانت ظروف الحال تصدر له أن خطرًا جسيماً محدقًا يهدده هو أو غيره فى النفس أو الجسم أو الشرف أو المال. فالإكراه يشتمل على عنصرين: عنصر موضوعى هو الوسائل التى تولد الإيعاز بخطر جسيم محدق بالنفس أو المال، وعنصر نفسى هو الرهبة التى تبعثها تلك الوسائل فى النفس فتحمل الموظف على طلب إنهاء خدمته وبتطبيق ذلك على حالة السيد المذكور يتبين أنه لم يتعرض لأى إكراه يفسد رضاءه، بل تقدم طائعًا مختارًا بطلب إنهاء خدمته لعدم رغبته فى الاستمرار فى تطبيق المادة 66 مكررًا من القانون رقم 115 لسنة 1983 على حالته بل وطلب أن يكون إنهاء خدمته اعتبارًا من 1/8/1994، أى أنه قدر أن من مصلحته إنهاء خدمته واستجابت الإدارة لطلبه، وبذلك يكون الإكراه المدعى به غير قائم على أى أساس سليم من القانون.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه ذهب إلى غير ما سبق فإنه يكون قد صدر مخالفاً لأحكام القانون ويكون الطعن عليه فى الجهة الإدارية قائماً على سند يبرره متعين القبول.
ومن حيث إن من يخسر الطعن يلزم بمصروفاته عملاً بنص المادة (184) مرافعات.
حكمت المحكمة
بقبول الطعنين شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى بشقيها، وألزمت المطعون ضده فى الطعن الأول (الطاعن فى الطعن الثانى) المصروفات.